السعودية- خَلْفيّات قرار “السماح” بقيادة المرأة للسيارات / الطاهر المعز
الطاهر المعز ( تونس ) الإثنين 2/7/2018 م …
أجَازَتْ السعودية في أيلول/سبتمبر 2017 قيادة النساء للسيارات، وبدأ تنفيذ القرار يوم 24/06/2018، واعتبرته مؤسسة “هيومن رايتس ووتش” (تمويل وزارة الخارجية الأمريكية) انتصارًا كبيرًا للمرأة السعودية، رغم الحملة القمعية التي تعرضت لها نساء (ورجال) ليبراليات وديمقراطيات، منذ شهر أيار 2018، لا يزلن في السجن، أو ممنوعات من السّفر، ورغم حرمان المرأة من عديد الحقوق، وبقائها “قاصرة” تحت سلطة “وِلاَيَة” أو وصاية الرّجل (تخضع لوصاية الأب أو الأخ أو الزّوج لتتمكن من التعليم والعمل والزواج والسفر والعلاج والتصرف في أموالها…)، ونشرت الصحف صور البعض ووَصَمَتْهُنّ بالخيانة، ومجموعة من الرجال اعتقلوا في بداية شهر حزيران 2018، في إشارة إلى أن أي تغيير هو “منحة” من الأسرة الحاكمة، وهي وحْدَها من يمنع أوْ يَسْمَحُ بأي شيء، ولا حَقَّ لأحَدٍ أن يُطالِب بالحرية أو الكرامة أو المُساواة، ولا تستفيد النساء المُضْطَهَدات والفقيرات من السماح بدخول الملاعب وقيادة السيارات، وهي إجراءات ضرورية، لكنها تصب في مصلحة فئة ثرية أو ميسورة من المجتمع، ويُخْفِي القرار عملية “تَبْيِيض” الدّكتاتوية والقمع، كما يُخفِي أهدافًا اقتصادية أُخْرى، حيث يُشَكِّل جُزْءًا من برنامج “رؤية 2030” الذي أَعَدّته شركة “ماكنزي” الأمريكية للإستشارات، وسبقت هذا القرار حملات عنصرية ضد العُمّال الأجانب الذين يشتغل أكثر من مليون منهم (1,3 مليون) في سياقة سيارات السعوديين (وخصوصًا السّعوديات)، والإدعاء “إنهم “يستنزفون الاقتصاد السعودي، وتبلغ رواتبهم 334 مليار ريال سعودي سنويًّا”، وفق أحد أبناء الملك الحالي للسعودية، وكتبت الصحف السعودية إن متوسط أجر السائق الأجنبي لا يتجاوز 400 دولارا شهريا، مقابل العمل سبعة أيام في الأسبوع على مدار الساعة (بمتوسط 14 ساعة عمل يوميا، لكنهم على ذمة الأسرة طيلة أربع وعشرين ساعة)، ومنذ انخفاض أسعار النفط، تشن السلطات السعودية وإعلامها حملات تُضَخِّمُ وتُهَوِّلُ من قيمة تحويلات أموال العمال المهاجرين إلى أُسَرِهم في بلادهم، وتتهمهم بالسرقة والإحتيال وغير ذلك من التُّهَم والإدّعاءات الزائفة، وترافَقَ تطبيق القرار مع تصفية منافسي وخُصُوم محمد بن سَلْمان، داخل الأسرة الحاكمة، وإعلان حملة عِشْق سعودية للصهيونية وكيانها الذي يحتل فلسطين، وحملة إعلامية مُغْرِضَة ضد إيران (التي أصبحت العَدو الرّئيسي) ومع تكثيف العُدْوان ضد شعب اليمن، ومن جهة أخرى أعلنت وسائل الإعلام السعودية في الدّاخل وفي الخارج، “إن هذا القرار سيوفر نفقات عديدة، مثل أُجْرَة السّائقين، وسَيُوَفِّرُ قرابة عشرة آلاف وظيفة إضافية للنساء” في ظل حملة “السَّعْوَدَة” أو “التّوْطِين”، أي تعويض الأجانب بسعوديين في عدد من المِهَن والقطاعات، كما تَتَوَقَعُ شركات إنتاج السيارات -وجميعها أجنبية، ومنها “نيسان” و”تويوتا” اليابانيتان و”بي إم دبل يو” الألمانية و”هيونداي” من كوريا الجنوبية- أن يرتفع الطلب على السيارات بنسبة تتراوح بين 15% و 20%، وسيرتفع توريد السيارات من 750 ألف سيارة سنويا سنة 2017 إلى حوالي 1,5 مليون سيارة سنويا، لأن القرار سوف يُضِيف نحو تسعة ملايين سائق (سائقة) سيارة محتمل، ومن بينهم 2,7 مليون امرأة غير سعودية، وسترتفع ما تُسَمّى “كثافة السيارات” (أي ملكية وسياقة السيارات) من 220 سيارة لكل أَلْف بالغ سنة 2017 إلى نحو 300 سيارة لكل أَلْف بالغ سنة 2025، لتقترب السعودية من الإمارات، وتمتلك الأُسَر السعودية من الفائات الميسورة، أو حتى المتوسطة سيارتان في المُعدّل، وتُشَكّل السيارات المُسمّاة “رياضية” نحو 20% منها… بدأ النّقاش في أوساط السّلطة والمُثَقَّفِين حول قيادة المرأة للسيارة ومساهمتها في الإقتصاد، منذ العقد الأخير من القرن العشرين، واعتبر الرّافضون “إن المجتمع غير مُؤَهّل” لقبول تَحرّر المرأة، رغم نسبية هذا التذحرّر ورغم اقتصاره على الفئات الميسورة، واضطر المؤيّدون إلى إظْهار “الفوائد الإقتصادية”، خصوصًا بعد انخفاض موارد الدولة من إيرادات النفط (منذ منتصف 2014)، وانخفاض معدل نمو دخل الأُسَر بحوالي 6% خلال أقل من خمس سنوات، وقَدّم المُؤَيِّدُون حُجّة “تخفيف عبء نفقات النّقل على الأسر وارتفاع دخلها، دون إثقال ميزانية الدولة، بل بفضل تخلي العائلات عن السائق، مما سيحقِّقُ دخلا إضافيّا وارتفاعًا لطاقة استهلاك الأُسَر، وإفادة الإقتصاد السّعودي…” وإلى “تشجيع النساء على العمل مكان الأجانب، حيث تُسَدِّدُ النساء العاملات حوالي 50% من رواتبهن للنقل، أما النساء غير العاملات فإنهن تصبحن من المستفيدات من معاشات الضمان الإجتماعي، مما يُثقل عبء نفقات الدّولة…”، وقدّرت عديد الدراسات أن أكثر من مليون امرأة سعودية في حاجة إلى وسيلة نقل آمنة للذهاب إلى العمل، وإن السماح للمرأة بقيادة السيارة سيحرم حوالي 500 ألف سائق أجنبي من العمل، ومن يفقد عمله، يضطر إلى مغادرة السعودية، وبلغ العدد الرسمي للعاملين الأجانب في السعودية سنة 2014 أكثر من 10,7 ملايين (وفقًا لدائرة الإحصاء الرسمية)، ويتضمّن برنامج “رؤية 2030” خفض هذا العدد (الذي تجاوز 11 مليون سنة 2016)، عبر إجبار السعوديين على قُبُول بعض الأعمال التي كانوا يرفُضُونها، وعبر الضغط على الشركات الخاصة لزيادة الرواتب، وكذلك عبر تشغيل النساء، وهو الإطار الذي يندرج ضِمْنَهُ قرار “السّماح” للنساء بقيادة السيارات، حيث تمثل النّساء نسبة 49,6 % من المتخرجين الجامعيين في السعودية، لكنهن لا تُمَثِّلْنَ سوى 16% من القوى العاملة، وقَدّرت دراسة صادرة عن “أوكسفورد بزنس غروب”، إن رفع نسبة النساء إلى 40% من قوة العمل سيزيد عائدات الشركات السعودية بقيمة 58 مليار دولارا، ويرفع الناتج المحلي الإجمالي بقيمة حوالي 17 مليار دولار سنويا… من جهة أخرى، استخدم المُؤَيِّدُون للقرار بيانات صدرت عن البنك العالمي، تُصَنِّفُ السعودية سنة 2012 كثاني أكبر دولة في تحويل الأموال إلى الخارج في العالم بقيمة 27,6 مليار دولارا سنويا (انخفض سنة 2017 إلى حوالي 21 مليار دولارا بفعل انخفاض الرواتب وارتفاع أسعار الإستهلاك والطاقة وإيجار السكن…)، بعد الولايات المتحدة، ويتوقّع المُتفائلون السعوديون انخفاض التحويلات إلى الخارج بدخول المرأة “سوق” العمل… (دولار = 3,75 ريال سعودي) عن “مركز تشاتام هاوس” + روسيا اليوم + هيومن رايتس ووتش + رويترز من 28 إلى 30/06/18
التعليقات مغلقة.