الضرورات تبيح المحظورات ام الضرورة تقدر بقدرها / هاشم نايل المجالي

هاشم نايل المجالي ( الأردن ) الخميس 5/7/2018 م …




كلنا يجمع انه في اي دولة هناك صراع المنافع وصراع المصالح وصراع القوى نحو السلطة انها معادلة الصراع الباطني او الصراع الداخلي الغير مرئي في النفس البشرية بين الثوابت الوطنية وبين المنافع الشخصية .

ونتيجة لذلك دائماً تكون السبب الكامن وراء ما نراه من قرارات وسلوكيات حكومية منذ امد بعيد تنعكس بشكل سلبي على كثير من المعطيات السياسية والاقتصادية والمعيشية التي كان ضحيتها بشكل او بآخر الضرر في اقتصاد البلد وضعف التنمية وغيره .

فالشخص يتنازعه داعيان داع يجذبه الى القيم العليا والمباديء الراقية والمعاني الفاضلة والمثلى السامية ، وتدعمه في ذلك معاني الايمان ومفاهيم الخير والعطاء والولاء والانتماء ورؤى الاصلاح ونوايا الصدق والاخلاص .

فهناك شخصيات كثيرة عبر مسيرة هذه الامة كانت تتمتع في هذه الصفات كان حرصها الشغل الشاغل مصلحة الوطن والمواطن والتنافسية نحو العطاء ، اما الداع الثاني في نفس الانسان فهو الذي يجذبه نحو ما خلق عليه من الرغبات والشهوات والمصالح وحب النفوذ وحب الهيمنة والسيطرة والنرجسية الذاتية .

وما بين هذان الداعيان يتناوب السلوك الانساني للشخص فلن يلتقي بأي شكل من الاشكال ضمن هذا المفهوم الصواب بالخطأ ولا الاستقامة بالانحراف ولا الارادة الوطنية بالغرائز الشخصية لحب الذات ولا نور الايمان بقساوة القلب فلكل واحد منهما منهج وسبيل .

وهذا هو الجواب على السؤال المتداول حول قوة تأثير الافكار على الشخص اياً كانت مكانته وآلية اخضاعه من محور الى محور آخر ومدى القدرة على قبوله بالسير في ذلك المحور بين ارادة العقل وخنوع العقل لكل مسار فالانسان محب للمناصب ومحب للعطاء من خلال توليه لذلك المنصب ومهما كانت قيم المعاني التي نشأ عليها مترسخة فيه وتربى عليها ولمس آثارها وتشرب معانيها عبر الايام والسنين ، الا انه في سبيل الوصول للمنصب عليه ان يخضع لقوة اكبر منه لتغيير نسبة كبيرة من هذه القيم والمباديء بفكر جديد يقبل في تحقيق مصالح الغير وتهيئة البيئة المناسبة لتحقيق مكاسبهم ومصالحهم ومكتسباتهم فلكل شيء ثمن .

كذلك هناك قوى خارجية اصبحت تفرض املاءات اقوى من قوى النفس الداخلية وتؤثر على السلوك العملي وهذه القوى ممثلة في البنوك المقرضة وشروطها وآلية التحكم بالسياسة المالية والاقتصادية وانعكاساتها المعيشية والاجتماعية ، كذلك تصارع القوى للشخصيات ذات الفكر المتباين نحو المناصب لحماية مصالحها من اي صراع من الممكن ان يحدث يؤثر على ذلك مهما كان تواجدهم في اماكن متباينة وسواء كانوا متنفذين او منظرين منتمين لجماعات او غير منتمين لكنهم في النهاية ضمن المفهومين معادن مختلفة منها الرخيص ومنها الغالي ، ومنها القيّم ومنها الثمين ، الرسول صلى الله عليه وسلم اشار لهذا المعنى العميق في تكوين النفس البشرية في الانسان بقوله في الحديث ( تجدون الناس معادن خيارهم في الجاهلية خيارهم في الاسلام اذا فقهوا وتجدون خير الناس في هذا الشأن اشدهم له كراهية وتجدون شر الناس ذا الوجهين الذي يأتي هؤلاء بوجه ويأتي هؤلاء بوجه ) متفق عليه .

فالناس اياً كانت مكانتها ومواقعها السياسية والاجتماعية مختلفة في الغرائز والطباع كاختلاف المعادن ، ومن المفروض والاصول ان يكون صراع النفوس صراع الشرفاء نحو المصالح والمباديء الوطنية والاخلاقية لتدور في فلك الولاء والانتماء والوطنية ليكونوا نبراساً لغيرهم وقدوة للاجيال القادمة ويكون هناك خطوط واضحة في تحديد الفارق بين المصالح الحقيقية الوطنية والاخلاقية والمصالح التائهة المضللة .

هذا الاختلاف يسبب اضطراباً بالوعي حول كيفية التفريق بينهما وكيفية القبول بالمحور السلبي والحفاظ على المصالح الوطنية في نفس الوقت دون مواجهة وصدام اياً كان نوعه ، رغم ان المستقبل في ظل هذه التداعيات يكون مبهماً فنحن نحتاج الى بصيرة نافذة لهيمنة المنهج السلمي والفكري نحو التغيير والاصلاح على جادة الصواب .

وهذا كان منهج النبوة فحين جاءت قريش لتساوم الرسول صلى الله عليه وسلم بأن يعبدوا الهه عاماً ويعبد إلههم عاماً انزل الله سبحانه وتعالى عليه ( قل يا ايها الكافرون لا اعبد ما تعبدون ) فالمباديء الوطنية ترفض بأي شكل من الاشكال الاقرار والخضوع الى محور عبادة المسؤولين مهما كانت المصالح فاذا كانت هناك شخصيات تدين لاشخاص متنفذين فضلهم في وصولهم الى المناصب هذا لا يعني ان يضل الطريق عن جادة الصواب وان تضل الرؤى الوطنية الانسانية عن تلك المعادلة ، لان هناك من يراقب ويقيم ويحلل ومن المفترض ان تقدم المباديء على المصالح ، ومن المفترض ان لا يكون هناك صراع على المصالح والقيم اذا كانت كلها تصب في مصلحة الوطن والمواطن والولاء والانتماء لانه عمل وعطاء ، فهذا يجب ان يكون منهج الحياة في هذا الوطن نتفق عليه وفق المثل والقيم وندرب عليه الاجيال لتحقيق نهضة الامة .

ونحن نعرف ان البعض يرفض ان يقدم اية تنازلات بهذا الخصوص والبعض يقبل الاصلاح والتغيير المهم ان نكون دوماً مع الدافع النقي الشريف بكل عزيمة واصرار وان لا نقبل بالرخيص .

والانسان مخير بين العزيمة والرخص ما دام الامر في ذات نفسه وهناك من القوى السياسية من يأخذ بالقول ان الضرورات تبيح المحظورات ضمن شروط ومحددات لا تؤذي بالمصالح الوطنية ولا بالنفس البشرية دون التوسع في هذا المعنى الدقيق ، ولا ان ينطلق من رغبة فردية بل من تأصيل ووفاق جماعي واسع لنعتمد القاعدة ( الضرورة تقدر بقدرها ) فهناك فارق متباين بين كلتاهما .

  المهندس هاشم نايل المجالي

[email protected]

 

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.