تقرير هام … حول دور العشائر والقبائل في الأردن
الأردن العربي – واشنطن بوست ( السبت ) 30/5/2015 م …
في ربيع عام 2013، حدث شجار بين اثنين من الطلاب من قبيلتين مختلفتين في إحدى الجامعات في جنوب الأردن، أسفر عن مقتل أربعة أشخاص وإصابة الكثيرين. زوّد أعضاء كلتا القبيلتين الطلاب بالأسلحة وأغلقتا الطرق المحيطة بالمنطقة لعدة أيام بعد وقوع الحادث حتى يتمكنوا من معاقبة الجناة شخصيًا.
اشتكى بعض الأشخاص من أنّ فشل مسؤولي الدولة في التدخل بشكل فعّال أدى إلى تصاعد النزاع. لكن تم استعادة النظام بمجرد التوصل إلى اتفاق بين شيوخ القبيلتين في عملية تعرف باسم العطوة.
هذه الحادثة الشائعة نسبيًا -تم توثيق 40 معركة قبلية في جامعات الأردن في عام 2013- تقدم لنا نافذة حول كيف تساعد الأشكال الجديدة من القبلية على استمرار النظام السياسي داخل الدول العربية المليئة بالصراعات.
الدور الذي تلعبه القبلية الجديدة في النظام السياسي على المستوى المحلي يعيد صياغة الرؤى النظرية الشائعة حول مدى العلاقة بين الدول العربية والمعارضين داخل المجتمع. على الرغم من تكهنات منظري التحديث، لم تحد وتيرة التطور السريع في المنطقة من القبائل كمصدر أساسي للهوية الاجتماعية. وبدلًا من ذلك، أصبحت القبائل جزءًا لا يتجزأ من استراتيجيات صيانة الأنظمة العربية، ولاعبًا قويًا في الحروب والتمردات المدنية، وجزءًا رئيسًا من الأدوات المتقدمة لمكافحة التمرد في العراق.
يعتمد تأثير القبائل إلى حد كبير على قوة الهيكل المؤسسي للدول التي تعمل فيها. في الدول الفاشلة أو المنقسمة مثل العراق وليبيا، قد تهدد القبلية بشكل خطير إعادة بناء الدول من خلال المساهمة في الانخفاض السريع للقومية عندما تنهار هذه الدول. ولكن دراسة الدول الناجحة مثل الأردن تساعد أيضًا على تسليط الضوء على وسائل أكثر دهاءً التي تحافظ فيها “القبلية الجديدة” على السُلطة الاجتماعية للقبائل والاستقرار السياسي للأنظمة.
الصراع القبلي المذكور أعلاه هو حالة نماذجية عن الديناميكيات المحلية في الأردن. في أبريل عام 2014، وصف لي زعيم أكبر قبيلة في الأردن، الشيخ ضيف الله القلاب، كيف أنّ محكمة الدولة تنتظر دائمًا إلى أن تتوصل القبائل إلى اتفاق قبل الحكم على الجاني.
وفي حال تم دفع المال للميت، يتم تخفيض العقوبة إلى حد كبير. في الأردن، تحظى مثل هذه الترتيبات بدعم شعبي كبير. في دراسة عن الحُكم والتنمية المحلية في الأردن في عام 2014، أيّد 29% من المشاركين هذا النوع من القانون القبلي ليُستخدم في حل القضايا المتعلقة بالقتل، وأيّد 59% المزيج من القانون القبلي والمدني، في حين أراد 12% فقط من المشاركين أن يتم تسوية النزاعات من خلال النظام القضائي الرسمي والمسؤولين الحكوميين. في العوالم الاجتماعية والسياسية الأخرى، توافق بعض الدول في الشرق الأوسط على القانون العرفي وتواجه إشكالية حول مدى الحُكم الذاتي المُقدّم للقبائل داخل الدولة.
ما يربط المستوى المحلي بالوطني هو التصور الأردني الخاص لمفهوم القومية استنادًا إلى شرعية شيخ القبيلة التي أقسمت له جميع القبائل الأخرى في البلاد بالولاء والطاعة. في هذا الخطاب، لا تزال جميع القبائل تلعب دورًا أساسيًا في عملية الحُكم. وهذا يقتضي باتباع نمط معين في جميع أنحاء المنطقة، من خلاله تستخدم النخب في الدولة وسائل تاريخية يمكن الاعتماد عليها للتنظيم الاجتماعي وتضفي عليها السيادة الوطنية والشرعية، والتكيف بين الأشكال التقليدية من العلاقات الاجتماعية والحقائق الجديدة من الدول الريعية أو شبه الريعية.
بالنسبة لجزء كبير من سكّان الأردن، تُعدّ القبائل المصدر الرئيس لفرص الحصول على الخدمات والمزايا الحكومية الأساسية من خلال الواسطة، والتي هي أقرب إلى شبكة من الاتصالات الشخصية. الواسطة يمكن أن تعني إما الوسيط الذي يحصل على خدمة أو وساطته نيابة عن شخص آخر للحصول على نتيجة مرجوة أو مصلحة خاصة. وبدلًا من إقرار عدم شرعيتها باعتبارها أحد وسائل الفساد، تعمل الواسطة على تسهيل التفاعلات الاجتماعية والاقتصادية في التفاعلات التي غالبًا ما تكون متوترة بين الدولة والمجتمع. ومن خلال هذه الممارسات، في المقابل، فإنّ النظام يجسّد ويعزز الهياكل القبلية من خلال الاعتماد على القبائل، وبالتالي تمكينها لرعاية مصالحها الخاصة.
عندما تكون الدولة قوية، يمكن لاستراتيجية الحُكم هذه أن تعمل بشكل جيد ويمكن أن تعمل أيضًا على دعم قوة النظام. ومع ذلك، عندما تلعب القبائل الدور الحاسم في إقامة العدل، يحدث صراع بين القبائل والدول بشأن المطالبات باستخدام القوة المشروعة في نظر مواطنيها. وهذه هي واحدة من أهم المناطق التي يحدث فيها صراع ومواجهة بين القبيلة والدولة.
كما يُعدّ تحديد المجالات الاجتماعية التي تتحدى فيها السُلطة التقليدية سُلطة الدولة الرسمية أحد الموضوعات البحثية المثيرة للاهتمام في المستقبل. وعلاوة على ذلك، فإنّ تحديد إلى أي مدى تأخذ الهوية القبلية الأسبقية على الهوية الوطنية ضمن سياقات مختلفة يمكن أن يكشف عن مصادر عدم الاستقرار والضعف المتأصل في دول المنطقة اليوم التي تعتمد على هياكل الحُكم القبلي. وحتى إذا كان هناك روح وطنية شاملة بأنّ الدولة القومية تدور حول فكرة المُثل القبلية المشتركة، من الناحية العملية، فإنّ القبائل والعشائر دائمًا ما تكون في حالة شكّ ومنافسة مع بعضها البعض. على سبيل المثال، يعتقد نحو 85% من المشاركين في استطلاع الحُكم والتنمية المحلية في الأردن بأنّ المرء يجب أن يقلق بشأن التعرض للخداع عند التعامل مع أعضاء خارج قبيلته.
تطالب الدولة القومية الحديثة بوجود سُلطة حاكمة مركزية واحدة فقط تحتكر الاستخدام المشروع للقوة. ولكنّ القبائل تتوقّع بأن تكون مستقلة جزئيًا على الأقل. في مستواها الأساسي، تكون القبائل مجتمعات مقسمة على أساس علاقات القرابة المفترضة، لكن القبلية أكثر من قوة القرابة؛ إنّها وسيلة معرفية للنظر إلى العالم: أيديولوجية اعتقاد المرء بأن يكون جزءًا من القبيلة، خاضعًا للمعايير الاجتماعية والقواعد غير الرسمية والقوانين الرسمية التي تحكم تلك القبيلة، والتواصل مع بقية العالم من خلال عدسة هذه القبيلة. ربما ينتمي الناس في نفس الوقت إلى كل من الأمة والقبيلة، تمامًا كما يمكن وصف الأمريكي بأنّه لاتيني أيضًا. تستغل القبائل والأمم مجموعة من الخرافات والرموز والقيم والذكريات المنتشرة، ويمكن حشد هويات مختلفة اعتمادًا على السياق.
القبائل تتحدى الدول عندما تصبح الطريقة الغالبة في رؤية الشخص للعالم في سياق يسبب الضرر للأمة. إذا كانت القبلية هي المصدر الرئيس للهوية عند أي مسؤول حكومي، فإنّ وقته وجهده في منصبه من المرجح أن يكون مقتصرًا على مساعدة أعضاء شبكة قرابته في المصالح المستهدفة من الدولة على حساب الأمة ككل.
ويؤكّد تحليل سجلات الدعاوى القضائية التي جمعتها من مجموعة متنوعة من المشرّعين في الأردن على أنّ المحسوبية القبلية في توفير الإعانات التي تقدمها الدولة موجودة في مناطق عديدة من البلاد.
في دراسة الحُكم والتنمية المحلية في الأردن، وافق 75% من المشاركين على أنّ المسؤولين المنتخبين يستجيبون بسرعة أكبر للأقرباء عن استجابتهم للمواطنين الآخرين.
هذا السيناريو هو السمة الغالبة في سياسات الولايات التي تعمل فيها القبائل والعشائر كموزعين رسميين لموارد الدولة على شريحة كبيرة من السكّان. وفي هذا السياق، تكون القبلية متناقضة مع الأمة لأنّها تضع مصالح ذوي القربى قبل مصالح الآخرين لا لسبب سوى علاقات القرابة المشتركة. في هذه الظروف، تعمل القبيلة كوسيط لعضوية المواطن في الدولة القومية.
التدهور الأخير لدول مثل سوريا والعراق واليمن وليبيا يشجع التفكير فيما إذا كانت الدول المرتبطة بتلك الدول سوف تستطيع البقاء، وإذا كان الأمر كذلك، كيف ستتكيف مع الظروف الجديدة.
من السهل أن نرى كيف يمكن أن تتحول القبائل من دعم الدولة القومية إلى تحديها ضمن سياقات انهيار الدولة القومية. ميزة الحجم الكبير للأمة باعتبارها المجتمع المتخيل تكون أكثر فائدة عندما يكون هناك مؤسسة سياسية مستقرة، مثل الدولة التي يمكن تنظيمها وتوفير وحماية جميع أعضائها. عندما تكون المؤسسات الحاكمة الكبيرة في حالة من الفوضى وتفشل في هذه المجالات، فإنّ حجم القبائل الصغيرة التي تنتج من قواعد الدولة الصارمة لعضوية أفرادها تجعل من السهل على هذه القبائل أن تحافظ على الوحدة الجماعية والحماية لأعضائها.
توفر القبائل في الشرق الأوسط بنية مساعدة ومريحة للتنظيم الاجتماعي في أوقات الفوضى لأنّها تتمتع بدرجة كبيرة من الشرعية في أعين الناس، الذين لطالما اعتمدوا عليهم لحل النزاعات وإقامة العدل وتوفير السلع والخدمات. وعلاوة على ذلك، فإنّ فشل الدول القومية المنهارة في تلبية احتياجات شعوبها اليومية أدى إلى وجود أيديولوجيات ووسائل أخرى لتنظيم العالم لملء فراغ الدولة. وسط الاضطرابات الحالية في الشرق الأوسط، ربما توفر القبلية وسيلة لإعادة النظام، ولكنها لديها القدرة على تفاقم انهيار الدولة، وتهدد استقرارها وتعيق إعادة توحيدها بمجرد توقف القتال.
التعليقات مغلقة.