الصفقة والمستقيلون من عروبتهم / د. فايز رشيد
”..من أجل إدامة حكاية دورها كـ”حَكَم عادل”, أوفدت الإدارات المتعاقبة للبيت الأبيض من كلا الحزبين, بشكل نمطي, مبعوثين بارزين حسني السيرة, ومتمتعين بنَسَب عميق إلى الدبلوماسية ومظهر العدالة, بينما عملت طيلة الوقت على إعاقة أي إدانة دولية ضد المستوطنات الإسرائيلية, غير القانونية, وواصلت دفع رواتب الجيش الإسرائيلي بمليارات الدولارات من جيوب دافعي الضرائب الأميركيين.”
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ“صفقة القرن” أصبحت حديث الساعة دون منازع, تقرأ في الصحف العربية والأجنبية والإسرائيلية, فتجد أن لا صحيفة منها ,إلا وتحتوي مقالة واحدة عن الصفقة, أو ما يتعلق بها من أشخاص على الأقل! فمنهم من يعتبر كـ ستانلي كوهِن في”كاونتربنتش”, أن كوشنر(صهر ترامب) هو بطلها! وآخران مثل جيفري ساكس وباندي لي في “بروجكت سنديكيت”, يعتقدان أن ترامب لا يمكنه الوثوق سوى بأقاربه مثل كوشنر, فأسماه مبعوثه لتطبيق الخطة, نظرا لعلاقة نتنياهو بعائلة الأخير وليهوديته وصهيونيته, وإخلاصه لرئيسه. يندر أن يجد القارىء في المقالات المشار إليها كاتبا يأخذ الشعب الفلسطيني كالعامل الأهم في إنجاح الخطة أو إفشالها, إلا فيما ندر, وبإشارات بسيطة, لا تعطي تحليلا عميقا لهذا العامل المقرّر دوما في مستقبله ومصيره بعد احتلال أرضه بقوة االسلاح الغاشمة, وبمؤامرة ومساعدة بريطانية (بصفة بريطانيا دولة انتداب على فلسطين) للحركة الصهيونية لإقامة دولة إسرائيل. لا يا سادة, لقد حاولت أطراف عديدة منذ عام 1947 تصفية القضية الفلسطينية من خلال 82 مشروعا تصفويا ,( معروفة بالتواريخ والأسماء), وأسقطها الشعب الفلسطيني, وصولا إلى “صفقة القرن” (المشروع الذي يحمل الرقم 83),الصفقة التي سيكون مصيرها ليس بأفضل من كلّ ما سبقها من مشاريع. إن معظم تلك المشاريع هي بريطانية وأميركية (فيما بعد), ومنها عربية للأسف!. التاريخ يعيد نفسه, ولكن على شكل مأساة ومهزلة معا هذه المرّة, وليس على شكل إحداهما فحسب, وفقا للمقولة الفلسفية.
شكلت الولايات المتحدة على مدى عقود, محاوراً (اعتبرت نفسها دوما بأنها محايدة!) فيما يدعى بـ “عملية السلام”, مدّعية بأنها تتوسط من أجل التوصل إلى سلام “عادل” بين الإسرائيليين والفلسطينيين, حتى حينما كانت تمد إسرائيل بأحدث ما أنتجته مصانعها من أسلحة , وتكنولوجيا , وبالأموال , والمساندة السياسية في الأمم المتحدة وكافة المنظمات والهيئات الدولية, وتحرّض استيطانها المتزايد في الأراضي الفلسطينية المحتلة. ومن أجل إدامة حكاية دورها كـ”حَكَم عادل”, أوفدت الإدارات المتعاقبة للبيت الأبيض من كلا الحزبين, بشكل نمطي, مبعوثين بارزين حسني السيرة, ومتمتعين بنَسَب عميق إلى الدبلوماسية ومظهر العدالة, بينما عملت طيلة الوقت على إعاقة أي إدانة دولية ضد المستوطنات الإسرائيلية, غير القانونية, وواصلت دفع رواتب الجيش الإسرائيلي بمليارات الدولارات من جيوب دافعي الضرائب الأميركيين. لقد امتدت هذه التمثيلية الهزلية على مدى سبعين عاما من السياسة الأميركية في تأييد الدولة الصهيونية وسلب الفلسطينيين أملاكهم, وسرقة أراضيهم وسجنهم وقتلهم. ولعله من الوضوح العلني والجليّ لكل مراقب, أن الولايات المتحدة لم تسعى أبدا لدعم قيام أي دولة فلسطينية مستقلة. ويغمر سوء النوايا الموقف الأميركي بحل الدولتين برائحة الخديعة والكذب والموت.في هذه المرحلة, لم تعد هناك أية حاجة إلى تمثيلية, ولا حتى دبلوماسية. ويأتي جاريد كوشنر, تاجر العقارات اليهودي المتطرف, كآخر مبعوث أميركي إلى الشرق الأوسط, وهو المكرس بالكامل لإنجاح الخطة الصهيونية لتصفية القضية الفلسطينية, حتى أصبح مكشوفا أنه رجل مبيعات لتسويق الحلم الإسرائيلي.بالفعل ,أصبحت وزارة الخارجية الأميركية ببغاء للطلبات الصهيونية منها, فنزعت عن الضفة الغربية صفة المحتلة في كلّ ما يصدر عنها ! نعم, وزارة دبلوماسية دون دبلوماسيين! تماما كالإدارة الأميركية المتصهينة في معظمها, في الوقت الذي يلعب فيه ترامب دور الزعيم الأوحد عندما يأتي الأمر إلى أسلوبه الكارثي في الدبلوماسية. نسأل : لماذا يجب على الفلسطينيين أن يستمعوا إلى كوشنر وشبيهه غرينبيلات؟.في مقابلته مع صحيفة القدس الفلسطينية, أهان كوشنر شعبنا, فهو لا يعرض على الجانب الفلسطيني سوى مشاريع إنمائية في قطاع غزة, وتحسين أحوال أهلنا في الضفة الغربية, أو ما يسمى بـ “السلام الاقتصادي” بديلا لـ “السلام السياسي”, وهذه فكرة طرحها شمعون بيريز من قبل, وطرحها مشروع الشرق الأوسط الجديد أو الكبير, ويطرحها حاليا نتنياهو. حتى في طرحه للجانب الإقتصادي, فإن كوشنير يطلب من الفلسطينيين الخضوع لإسرائيل في هذا الجانب, ذلك في رؤيته لما أسماه “منطقة التكنولوجيا العالية والتمكين الاقتصادي” ,أي وادي سيليكون (مصطلح مرتبط بـ “التقنية العالية”, نسبة إلى منطقة جغرافية أميركية) في منطقة البحر المتوسط. وحسب رؤيته, فإنه يمكن للفلسطينيين, المجردين من الحقوق الإنسانية وأي مستقبل سياسي, أن يخدموا الإسرائيليين فقط, كقوة عمل أسيرة من دون ولاية ولا سيطرة.
المشهد الأكثر سخفا وسخرية. عندما یضم ثلاثة صهاینة (نتانیاهو وكوشنر وديفيد لیبرمان ) یجتمعون لتقریر مصیر الشعب الفلسطیني وبحث تمریر مشروع “الصفقة الكبرى” وانهاء الصراع العربي – الصهيوني. ولكن المصیبة الأكبر والأكثر سخریة ان نرى هذا الحراك النشاط المعلن والمخفي من أطراف عربیة, من هؤلاء المستقيلين من عروبتهم, لمساعدة الولایات المتحدة على تنفیذ مشروعها المشبوه تحت عناوین إنسانیة مزعومة مثل: دعم الشعب الفلسطیني أو تحقیق السلام المجاني مع دولة الكيان الصهيوني. نعم, بعد مرور ,25 عاما على اتفاقيات أوسلو الكارثية لم یعد لدى الشعب الفلسطیني ایة أوهام بشأن المفاوضات مع دولة الكيان السوبر فاشي أوالتوصل الى تحقیق أي “سلام” معها!.
التعليقات مغلقة.