مسيرات العودة: أمل جديد تسعى أمريكا وإسرائيل وبعض العرب إلى وأده / د. كاظم ناصر

مسيرات العودة: أمل جديد تسعى أمريكا وإسرائيل وبعض العرب إلى وأده بقلم د. كاظم ناصر



د. كاظم ناصر ( الجمعة ) 13/7/2018 م …
مسيرات العودة ليست جديدة على نضال شعب فلسطين؛ لقد انطلقت كمسيرات شعبيّة دأبت جمعية” الدفاع عن حقوق الفلسطينيين المهجّرين” على إقامتها سنويّا في إحدى القرى أو البلدات التي طرد الصهاينة منها سكانها عام 1948؛ وكانت أوّل مسيرة عودة في قرية العباسيّة الواقعة شرق عكا 1998، ثم نظّمت مسيرة عودة كل عام خلال الأعوام التالية في قرية أو بلدة فلسطينيّة محتلّة، وتطوّرت إلى مسيرات جماهيرية في غزّة خلال الشهور الماضية من هذا العام.
هذه المسيرات التي شارك فيها عشرات آلاف الفلسطينيين رجالا ونساء وأطفالا، واستشهد منهم 134 رجلا وامرأة وطفلا وجرح ما يزيد عن 16000 حتى بداية هذا الشهر، سيكون لها نتائج واستحقاقات هامّة فلسطينيا وعربيا وإسرائيليا ودوليا: فلسطينيا، لقد حقّقت نجاحا هامّا في تعزيز صمود شعب فلسطين، وأعادت الاعتبار لقضيته، وأعلت صوته المطالب بحقّ العودة، ووحّدت إرادته في المقاومة السلميّة، وخفّفت من حدّة تباينه، ومكّنت مكوّناته الفصائليّة والحزبيّة من العمل معا تحت راية علم واحد هو العلم الفلسطيني، وأثبتت أنها تشكل أهم تحدّ سلميّ شعبيّ منظّم تتّفق عليه وتشارك فيه وتقوده الجماهير الفلسطينية .
أما على الصعيد العربي، فإنها تثبت للأمّة العربيّة أن الشعب الفلسطيني لن يستسلم ولن يتوقّف عن المقاومة، وترسل رسائل بلغة واضحة بالغة الأهميّة للقوى الاقليميّة العربيّة المتهافتة على التطبيع والتعاون مع الصهاينة مفادها إن الفلسطينيين بإمكانهم قلب الطاولة وخلط الأوراق لتعطيل الهرولة العربية إلى تل ابيب، وتقويض محاولات تصفية القضيّة ومشاريع التوطين، وفرض معادلات جديدة للصراع بتوسيع دائرة الاشتباك مع العدو لتشمل دعم فلسطينيي المهجر والشعوب العربية.
أما على الصعيد الإسرائيلي، فإن مسيرات العودة السلميّة والطائرات الورقيّة الحارقة قد ألحقت بدولة الاحتلال خسائر ماديّة تقدّر بملايين الدولارات، وأظهرت فشلها في إيقافها، وأرعبتها خوفا من الوحدة الفلسطينية، وخلقت حالة من الهلع في المستوطنات القريبة من الشريط الحدودي مع غزّة، وكشفت مخالفات إسرائيل المتكرّرة للقوانين الدولية، وفضحت ممارساتها الإجراميّة واستخدامها القوة المفرطة في مواجهة مظاهرات سلمية يقوم بها شعب أعزل محتل، وزادت من عزلتها الدولية وخوفها من أن تنتقل هذه المسيرات إلى دول عربيّة حدوديّة.
أما على الصعيد الدولي، فقد حوّلت المسيرات قطاع غزّة والقضية الفلسطينية إلى محور اهتمام للمجتمع والحكومات العالميّة، فانتقدت دول كثيرة الممارسات الإسرائيليّة في التصدي للمسيرات، ودعمت الموقف الفلسطيني في الأمم المتحدة وفي عدد من المنظمات الدوليّة المتفرّعة عنها، وأدّت إلى زيادة تضامن شرائح واسعة من شعوب العالم مع الشعب الفلسطيني.
لقد كشفت مسيرات العودة أهمية الحراك الشعبي الفلسطيني والعربي وخطورته على وجود إسرائيل، وأثبتت للصهاينة والعالم ان الشعب الفلسطيني لم ولن ينسى حقّه في العودة إلى وطنه؛ ولهذا فإن إسرائيل والولايات المتحدة وبعض الدول العربية التي تعمل على تصفية القضية الفلسطينية تريد إيقاف هذه المسيرات وافشالها باستخدام خدعة جديدة تحت مسمّى ” الحلول الإنسانية ” لوضع حدّ لمعاناة غزّة!
من يصدّق أن أمريكا وإسرائيل تهتم بمصائب غزة وأهلها؟ أليست مشكلة غزة قائمة منذ احتلالها ومنذ الانقسام الفلسطيني الذي مضى عليه أحد عشر عاما؟ فلماذا تجاهلت أمريكا ومن لف لفيفها من الدول العربية غزة طيلة ذلك الوقت وفطنت لها الآن؟ الدليل على سوء نوايا هؤلاء ” المحسنين الجدد ” هو أن الذين وضعوا خطة ” الحلول الإنسانية ” لغزة هم الثلاثي الصهيوني جاريد كوشنر وجيسون غرينبلات والسفير الأمريكي في إسرائيل ديفيد فريدمان وبالتنسيق مع دول عربية، ودخلت قطر على الخط كوسيط بين حماس وإسرائيل عبر السفير محمد العمادي الذي كشف أن ثمن مساعدات غزّة الذي تطالب به إسرائيل هو وقف كامل لمسيرات العودة وإطلاق الطائرات الورقية والبالونات الحارقة من حدود غزّة.
الأهداف التي تسعى أمريكا وإسرائيل ومن لفّ لفيفهما من الدول العربية لتحقيقها هي إيقاف مسيرات العودة، وحماية الانقسام، وفصل غزة عن الضفة، وتمرير صفقة القرن، وزيادة الوطن العربي ضعفا وتشتّتا وتعاسة وليس مساعدة الفلسطينيين في غزّة والضفة! هذه مؤامرة مكشوفة ترفضها حماس وجميع الفصائل الأخرى، ولا يمكن لشعب ” الجبارين” أن يقبلها أبدأ.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.