الدعارة السياسية… والحرب على سورية / د.خيام الزعبي

 

د.خيام الزعبي ( سورية ) الثلاثاء 2/6/2015 م …

في العلوم السياسية توجد مدارس سياسية كثيرة ومختلفة وهذه المدراس لها مشاريعها السياسية ومناهجها التنظيمية، ورغم إختلاف مفكريها إلا إن هدفهم واحد وهو خدمة المجتمع الإنساني، ولسوء حظ الشعب السوري جاءت أمريكا ودمرت عمداً المورث الانساني الأخلاقي في ممارسة الفعل السياسي حيث أحضرت معها مدرسة جديدة وفريدة من نوعها, وهي مدرسة الدعارة السياسية التي تمتلك أشكال متنوعة وتعد أكثر بشاعة من دعارة الجسد، فدعارة غرف النوم دائماً لا يمتد أثرها، أما الدعارة السياسية فأثرها قد يدمر دولاً بأكملها كونها بيع للمواقف والمبادئ وضياع لمستقبل شعب ووطن، إذ برع في ذلك كثيرون من السماسرة الذين لم يتوانوا عن فعل أي شيء لقاء تحقيق مصالحهم والحصول على حفنة من الدولارت، التي تلقيها لهم عادة سيدتهم “أمريكا”، والغريب أن اللاهثون خلف هذه الدولارات هم من العرب والمسلمين، والذين إستخدمتهم أمريكا لتدمير وتفتيت الدولة السورية، وأتساءل هنا ما معنى أن ينادى البعض للتدخل في سورية، بينما هم أنفسهم يموِّلون عصابات متطرفة بمليارات الدولارات والسلاح  لقتل السوريين؟  وما معنى أن تنتفخ عروق البعض غضباً حين يسيل دم من غير مسلم، بينما ترتخي نفس العروق أمام الدم السوري الذي يجري على طول الأراضي السورية ؟

لا خلاف على أن الكيان الصهيوني ورم خبيث فى قلب الأمة العربية، يقوم أساساً على تدمير البلاد العربية المحيطة به وعلى السعى للهيمنة على مقدرات الشرق الأوسط بإعتباره وكيلاً للبيت الأبيض، ولا خلاف على أن أمريكا منذ نشأتها وهي ترتكب الجرائم فى حق الشعب العربي، وبنت إستراتيجيتها فى الوجود على الردع بالرعب بإرتكاب المذابح الوحشية ضد هذا الشعب للحصول على أراضه وثرواته، والتاريخ خير شاهد على ذلك, فجرائمها في فيتنام و اليابان وأمريكا اللاتينية وفي الشرق الأوسط جرائم لا تنسى ولا تغتفر وكذلك دعمها و تأييدها للقاعدة في العالم, بل هي التي جاءت بها، و كذلك دعمها المطلق و المستمر لإسرائيل التي قتلت وما تزال تقتل الآلاف من الشعب الفلسطيني، إذاً إن فلسفة السياسة الامريكية تقوم على قاعدة سياسية هي “لا توجد صداقات دائمة ولا عداوات دائمة وإنما توجد مصالح دائمة” وهذه القاعدة السياسية هي قاعدة بعيدة كل البعد عن القيم والمبادئ والأخلاق وإن من يمتهن هذه القاعدة السياسية ويجعلها مرتكزاً لأفكاره هو كمن يمارس الدعارة السياسية, وأمريكا تحتل المركز الأول في العالم بل هي الرائدة لهذا النوع من الدعارة .

وفي سورية اليوم عندما تصبح المواقف السياسية قائمة على المصالح الإستراتيجية بعيداً عن المبادئ والقيم والمثل العليا تعتبر دعارة سياسية، فقد نصًبت أمريكا نفسها شرطياً بالمنطقة لمكافحة الإرهاب حفاظاً على مصالحها في العالم، وقد تم تأسيس صندوق لتمويل مكافحة الإرهاب لمساعدة البلدان الأخرى على تدريب قواتها لمكافحة التطرف المتنامي إلا إنها تراجعت حفاظاً على مصالحها الإستراتيجية فقامت بإنتاج تنظيم داعش ليكون ذريعة ومبرراً للتدخل في الرقعة الجغرافية الإسلامية وحماية مصالحها ونفوذها في المنطقة، لذلك تعمل دائماً على نشر التنظيمات الإرهابية في منطقتنا بهدف تسويق أسلحتها وتفكيك الشرق الأوسط إلى دويلات لتمكين إسرائيل وحماية مصالحها، ولهذا السبب رسمت لداعش دوراً دموياً لتدمير دول المنطقة، وعلى رأسها سورية، فأمريكا هي “سمسار السلاح” في العالم العربي، وهي المُستفيد الوحيد من بث الرعب والخوف في نفوس دول المنطقة العربية سواء من داعش أو إيران لتسويق سلاحها، وهذا يعتبر تناقض وتغيير مختلف لأمريكا وإنعكاس في سياستها الدولية اتجاه سورية، بالتالي فإن التغيير المتناقض والعكسي في سياسة أمريكا  لن تخجل منه طالما يصب في سبيل تحقيق مصالحها وأهدافها، وهذا يؤكد إن أمريكا إستفادت من فشل تجربتها في القضاء على سورية في المرحلة الأولى دون إصرار على الإستمرار بنفس الوتيرة حفاظاً على مصالحها وإستراتيجيتها في المنطقة التي باتت تهددها داعش، حيث أقدمت على المرحلة الثانية لتحقيق نفس الهدف السابق بوسيلة أخرى وتكمن بتوريط سورية بحرب الإستنزاف طويلة الأمد ضد داعش للقضاء عليها علماً بان أمريكا وحلفاؤها  تعي تماماً ان صورايخ طائراتها غير مجدية دون إنزال بري عسكري للحفاظ على تلك المناطق، ومن هذا المنطلق نرى أن ماتحاول عمله اليوم أمريكا في سورية  هو تطبيق للنموذج العراقي للمتغيرات السياسية الدولية بحيث سيتم تكراره وتطبيقه في سورية مع إختلاف أطراف الصراع .

اليوم بات العالم يعرف التناقض المفضوح التى تتصف بها سياسة أمريكا في المنطقة، وأن هناك سياسة مزدوجة تقوم بها أمريكا، ففي الوقت الذي رفضت فيه تسليح الجيش الليبي خوفاً من وقوع الأسلحة في أيدي المتطرفين، تدعم وبقوة الجماعات المتطرفة ضد النظام السوري، بعد إن إستبعدت الإدارة الأمريكية سورية من الإئتلاف الدولي لمكافحة الإرهاب، ورفضت التعامل مع إيران وروسيا  بهذا الشأن، فأمريكا ومنذ غزوها لأفغانستان ومن ثم العراق، لم يكن هدفها يوماً القضاء على الإرهاب الذي صنعته في مختبراتها، وإنما كل ما فعلته هو الضرب على يد من تجرأ من الإرهابيين على الخروج من بيت الطاعة الأمريكي، كما أن مخطط أمريكا لتفتيت المنطقة وتقسيمها وخلق منها دويلات صغيرة أصبح واضح للجميع،  لأن الولايات المتحدة تخطط من أجل الحفاظ على أمن إسرائيل، لذلك يواجه الرئيس أوباما صعوبات هائلة لتحقيق أهدافه التي لم يكن يتخيلها في سورية، بجيشها القوي وشعبها المصمم على الوقوف خلفه بكل قوة.

 لقد كانت معظم الدول العربية والإسلامية تشكل أحد الأسباب وإحدى الدعائم والحلقات الرئيسية في عملية تدمير سورية وحضارتها الحديثة وقتل آلاف الأبرياء من أبنائها عندما تآمروا مع الأمريكان ضدها ومن ثم أيدوا إستمرار خنق سورية وشعبها إقتصادياً وإنسانياً من خلال قرارات الأمم المتحدة المجحفة وفرض الحصار الجائر عليها، وكذلك من خلال السماح لقوات العدوان وطائراتها الانطلاق من أرض العرب والمسلمين لقتل الشعب السوري، وبدلاً أن تبادر هذه الدول، إلى تقديم أفكار إيجابية تسهم في حل الأزمة السورية وتوقف النزيف الدموي، ذهبت إلى الحدود القصوى في التهيئة لتقسيم وتجزئة سورية الذي يفضي إلى سقوطها في قبضة الإحتلال الغربي .                                                                                       

في إطار ما سبق يمكن القول لقد إنهارت المؤامرة الغربية وإنكشف الإرهاب المصنوع، وظهرت عمالة الواجهات السياسية العربية، ونحن لا نزال نؤمن بأن أي جهد لإستئصال الإرهاب، ليس ممكناً من دون أن تكون القوات السورية هي عماد ذلك الجهد، لقد صمدت سورية، بوجه هذه الحرب وسطرت ملاحم بطولية في تصديها لعصابات الإرهاب، بذلك يتضح يوماً بعد يوم الدور الوظيفي الذي تؤديه هذه المجموعات في خدمة المخططات الإستعمارية في المنطقة لزعزعة إستقرار دولها وتفكيك شعوبها.

مجملاً…سورية، ستكون الشرارة الأولى التي ستحرق عروش عملاء أمريكا وإسرائيل وسترمي بهم الى مزبلة التاريخ, فإذا إستطاعت أمريكا وحلفاؤها أن تتحكم في مجريات الأوضاع وتحولها الى صالحها فإنها لن تستطيع أن تهزم المقاومة لأنها لا تؤمن بعقيدة سوى الوطن، وإنها عصية على إسرائيل وحلفاؤها لأن هناك شتان ما بين شعب يقاوم ويستبسل من أجل أرضه ووطنه، وبين شعب يطلب بكل مذلة الدعم من أمريكا، ورغم بشاعة جرائمهم من قتل وتشريد، سوف يحاكمهم التاريخ ويحاسبهم الشعب ويكشف خيبتهم للأجيال القادمة ويبقى العار يلاحقهم ودموع اليتامى والأرامل تطاردهم ودماء الشهداء تأرق مضاجعهم أينما كانوا، وسوف يذهبون بذهاب أسيادهم ويبقى قيم الخير والأخلاق والإنسانية في مجتمعنا السوري، بإختصار شديد سورية التي خطط لها البعض… أرادوها أن تكون أرضاً محروقة…حولوا بذورها إلى أعواد ثقاب… وبللوا فتيلها بالوقود لإضرام نار الحرب والفوضى والطائفية، قادرة على مواجهة مخططات الإرهاب والمؤمرات المشبوهة وإفشالها بوحدتها الوطنية، وأختم بقول بعض الأشقاء من العرب ان لم تقم أمريكا بإستخدام القوة ضد سورية فسيقومون بها هم …هل إلى هذا الحد أصبحت دماء الشعب السوري رخيصة عند العرب والمسلمين؟ إنها الدعارة السياسية المدمرة للدول والأوطان تحت سقف أمريكا ؟

[email protected]

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.