عذراً علي أكبر ولايتي .. كان ليَسقط العالم وسورية لن تسقط / فراس عزيز ديب

 




 

 

 

فراس عزيز ديب ( الإثنين ) 16/7/2018 م …

قبل أمسْ، وفي المحاضرةِ التي ألقاها خلالَ ملتقى «فالداي» للحوار في موسكو، قال علي أكبر ولايتي، مستشار الشؤون الدولية لقائد الثورة في إيران علي الخامنئي: «حكومة (الرئيس) بشار الأسد كانت ستسقُط خلالَ أسابيع لولا مساعدة إيران، ولو لم تكن إيران موجودة لكانت سورية والعراق تحت سيطرة أبو بكر البغدادي».

مبالغةٌ اعتدنا على سماعِها من بعض وسائل الإعلام أو المحللين السياسيين الإيرانيين أو الذين يدورونَ جملةً وتفصيلاً في الفُلك الإيراني، كأن تقتبس صحيفة «كيهان بالعربي» مثلاً كلاماً لولايتي وتضعهُ مانشيتاً عريضاً يقول: «باقون في سورية والعراق وسنُجبر الأميركي على مغادرة المنطقة»، وكأن الصحيفةَ أرادت من خلال هذا الاقتباس القول بأننا اليوم نحكم العراق وسورية وعلى هذا الأساس سننتصر في الحرب على الأميركي.
كذلك الأمر اعتدنا سماعَ هكذا مبالغاتٍ من شخصياتٍ تمثل التيار الرسمي الإيراني، من رئيسِ الجمهورية وصولاً إلى الوزراء وما دونهم، كتلك التي أطلقها الرئيس الإيراني حسن روحاني في نيسان 2016 خلال ندوة عن «البيئة والدين والثقافة» في العاصمة طهران حيث قال: «لولا الجمهورية الإسلامية، لسقطت دمشق وبغداد بيد داعش».
لكن ربما هي من المراتِ النادرة التي نسمع فيها تصريحاتٍ كهذهِ من شخصياتٍ تمثل قائد الثورة علي الخامنئي بشكلٍ مباشر، بل هي تصريحاتٌ من شخصيةٍ سياسيةٍ قد لا نبالغ إن قلنا إنها الرقم واحد في العمل السياسي الإيراني حالياً لما يمتلكه ولايتي من خبرةٍ راكمتها مسيرتهُ الطويلة في المناصبِ التي تبوأها، تحديداً أن هكذا تصريحات حملت الكثيرَ من التناقضات والمبالغات التي لابد لنا من الوقوفِ عندها، ليس من باب السجالات التي هي أبعدَ ما تكون عن هدفنا، لكن من بابِ وضع النقاط على الحروف بطريقةٍ لا تبخس أحداً حقُّه، فكيف ذلك؟
أولاً: في الحديث عن أن «حكومة (الرئيس) بشار الأسد كانت ستسقُط خلالَ أسابيع لولا مساعدة إيران»، ربما وجب هنا إعادة تذكير البعض بأن الأحداث في سورية بدأت في آذار 2011، يومها استمر السوريون لأكثر من عامين يواجهون وحيدينَ نارَ الإرهاب، إلى أن جاء تدخل حزب الله إلى جانب الجيش العربي السوري لحسمِ معركةِ القصير 2013، خلال هذه الفترة لم يكن السوريون قد قدموا آلاف الشهداء للدفاعِ عن بلدهم فحسب، لكن كان هناك في الجهة المقابلة ومن بينهم حلفاء لم يثِقوا بعد بالروايةِ الرسميةِ السورية، بل إن الفترة التي سبقت وصول الرئيس حسن روحاني للحكم في آب 2013 شهدت تناغماً تركياً إيرانياً ممثلاً بمصطلحِ «الصحوة الإسلامية» الذي تبناهُ الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد، هذه المقاربة «الرسمية» الإيرانية تلاقت مع صعود المد الإخواني في المنطقة، يومها كان الأتراك يروجونَ لمشروعِ الإسلام السياسي، بحيث تصبح إيران وتركيا نموذجاً للجناحين المذهبيين اللذين ستحلق بهما «الأمة التي ستصحو»، هذا ما دفعهم مع القطريين يومها لتقديمِ أكثرَ من عرضٍ للقيادة السورية يتضمن السماح لإرهابيي تنظيم الأخوان المسلمين بممارسة الحياة السياسية بصورة عادية، مقابل وعودٍ بوقف الدعم والتمويل والحملة الإعلامية ضد سورية فاختارت يومها القيادة السورية طريقَ الصمود بدلَ المساومةِ على الثوابت. هذهِ العروض ترافقت مع صعودٍ كبيرٍ بمباركةٍ إيرانية تركية لإرهابيي تنظيم الإخوان المسلمين في مصر جعلَهم يكتسحونَ الانتخابات البرلمانية، ولولا خطأهم القاتل بترشيح رئيسٍ للجمهورية وانقلابهم على تعهداتهم، لكانوا اليومَ يحكمون مصر حتى الآن، بل قد نستطيع الذهاب أبعدَ من ذلك لو تحدثنا عن محاولات «داخلية» لإقناع الرئيس نجاد بأن «سقوط الأسد» مرتبطٌ بتعجيلِ أحد أهم التنبؤات الدينية، بالنهاية هناك من فرملَ التوجهات النجادية، بل إن مشاركةَ حزب الله في معركة القصير ما كانت لتتم لولا هذه الفرملة في الأشهر الأخيرة من حكمهِ، وبمعنى آخر:
أصبح الملف السوري بيد المرشد الأعلى لأنه أكثرَ من يعي أن الوفاءَ صفة لا يُدركها إلا النبلاء، فهل يستطيع أحد أن يجيبنا كيف صمدَ السوريون كل هذه الفترة علماً أن القضية لم تكن فقط حرباً على الإرهاب، لكنها بذات الوقت كانت مواجهة لتهديداتٍ أميركية كانت ولا تزال قائمة بتوجيه ضرباتٍ عسكرية لما يسمونها مراكز قوة «النظام السوري»، ومع ذلك لم يأبه السوريونَ لكل هذا فالعامل كان يتجه لعملهِ، والطالب كان يذهب لمدرستهِ والصحافي استشهد وهو يدافع عن بلدهِ بالكاميرا والقلم، هل إن معاني الصمود تلك بحاجةٍ لأن تكونَ مستوردة من دولةٍ ما، أم إنها في النهاية تُولد مع الإنسان المنتمي لوطنهِ؟
ثانياً: هل يقصد السيد ولايتي أن إيران دافعت عن سورية أرضاً وشعباً، أو أنها دافعت عما سماها «حكومة الأسد»، علماً أن هذا المصطلح ليس موجوداً في العرف الدبلوماسي بين الحلفاء، فالسلطة التنفيذية في سورية لا نسميها «حكومة الأسد» بل «الحكومة السورية»، وعندما نتحدث عن المستوى الأعلى نتحدث عن «القيادة السورية»!
ربما لا يحتاج العارف للكثير من التحليل ليفهم أن ما جرى ويجري في سورية هو بالنهاية لجعلِ السقوط السوري نقطةَ انطلاق أحجار الدومينو التي يجب أن تتهاوى، فالدفاع عن سورية هو دفاع عن طهران والدفاع عن سورية هو دفاع عن موسكو، القضية ليست فقط متداخلةً بفكرة أن هاتين الدولتين هما الهدف التالي فيما لو سقطت سورية، لكن بذات الوقت سقوط هذه الدولة يعني ببساطة أن طهران وموسكو باتتا دولتين لا طعم لهما ولا لون، من جهةٍ ثانية فإن الدفاع عن الحكومات دائماً ما يحمل في طياتهِ معاني مضادة لإرادة الشعوب، تحديداً أن الإيرانيين يدركون أكثر من غيرهم أن وحش التطرف والإرهاب هو السلاح الأول الذي يريده عدونا، كما أن الدفاع عن خيارات الشعوب هو بالنهاية ترمومتر احترام الدول لتعهداتها وثوابتها، إذ لا يمكن مثلاً أن يزور وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف أنقرة عشيةَ فشل الانقلاب المزعوم في تركيا قبل عامين تماماً ليرفعَ مع نظيره التركي محمد جاويش أوغلو شارة النصر مهنئاً من سماهم الشعب التركي بالنجاح في «الانتصار لديمقراطيته»، وبذات الوقت هناك من يربط صمود القيادة السورية ومنع سقوط الشعب السوري بيد داعش بما يسميهِ «الدعم الإيراني»، هي مفارقة غريبة لسنا نحن من يجيب عليها، بل على مطلقيها أن يجيبوا عليها لا أكثر.
ثالثاً: في المحاضرة ذاتها يصف ولايتي الوجود الإيراني في سورية بأنه مجرد «مستشارين عسكريين».
ربما من الغريب أن نتحدث عن قيام مستشارين عسكريين بمنع سقوط دولتين، فالمستشار العسكري يملك أدواراً نظرية عن المعلومات والخطط والخياراتِ المتاحة لا أكثر، لكن في النهاية الصمود هو لمن يصمد في المعركة هو لذاكَ المقاتل الذي يضع روحه على كفهِ ليلقي بها في مهاوي الردى، المستشار لا يمكن له أن يمنع هزيمة أو يُنهي انتصاراً، هذه المفارقة ربما تسحب المصداقية من كلام ولايتي فإما أن الوجود الإيراني في سورية يوازي فرقاً عسكرية وكتائب مؤللة وجحافل تبدأ من طهران وتنتهي بدمشق وهي حكماً ليست كذلك، أو أن كلامه دقيق لكن توصيفهُ لمقوماتِ الصمود لم يكن موفقاً على الإطلاق.
بالتأكيد لم نكن يوماً من الناكرينَ للجميل، ونعترف أن للأصدقاءِ والحلفاء أدواراً مكمِّلة لدعمِ صمودنا في كل المجالات.
لن ننسى يوماً أي قطرةِ دمٍ سالت دفاعاً عن سورية لأن هذه الدماء أسقطت الجنسيات ووحدت الإنسانية، لكننا تربينا في مدرسةٍ بناها الراحل حافظ الأسد تستند إلى بديهيةٍ قيمة:
عندما تدافع عن ثوابتك أو تدافع عن أحد انطلاقاً من ثوابتك فأنت تقوم بواجبك، هل يستطيع أحد أن يعطينا تصريحاً قال فيه الراحل حافظ الأسد بأن الموقف السوري من الحرب العبثية الإيرانية العراقية منعت إيران من السقوط لأنها لم تحوِّل سورية ببساطةٍ لمركزِ إسناد ودعم لنظام الرئيس الراحل صدام حسين؟
في الخلاصة: من حق ولايتي أن يرى في دولتهِ محوراً لكلِّ ما يتحقق من انتصارات، ومن حقي كـ«مجرد» كاتب رأي أن أرى في بلدي صلةَ وصلٍ عابرةً للحدود لكل الأحرار والصابرين، لكن أرجوكم قبل أن يختصرَ أحدٌ ما لنفسهِ عدمَ سقوط سورية، اطلبوا فقط من السوريين على كاملِ تراب الوطن أن يوشحوا صورَ شهدائِنا المنتشرة أمام المنازل بالسواد حتى لا نراها، عندها فقط سنصدق أن هناكَ في هذا العالم من هو صاحب الفضل الوحيد علينا بعدم السقوط.
بمعنى آخر: عذراً علي أكبر ولايتي، سورية آخرَ معاقِل الحق، ما كانت لتسقُط حتى يرثَ الله الأرض ومن عليها.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.