صراعات القوى في سورية .. بين الدوافع و النتائج / ربى يوسف شاهين
ربى يوسف شاهين ( الثلاثاء ) 17/7/2018 م …
في المقام الأول لماذا سورية؟
تعتبر سورية مركز حيويا على خارطة “الشرق الأوسط” ، حيث تتوسط اقصر الطرق بين منابع النفط والغاز العربي حتى أوروبا ، وهذا ما جعل الدول وعلى رأسهم أمريكا شن هذه الحرب على سوريا ، لكن البداية كانت ككل الدول بعرض الصفقات على بعضها ، فكانت إحدى المسببات الغير مباشرة لهذه الحرب هو ما طلبه حمد آل ثاني أمير قطر من الرئيس الأسد في العام 2009 “إنشاء خط أنابيب لنقل الغاز الطبيعي من قطر إلى مدينة حلب ليصل إلى تركيا ومنها إلى الاتحاد الأوروبي والذي يعتبر أكبر مستهلك للغاز” لكن سورية رفضت العرض القطري .
فما أسباب الرفض؟ .
إن القيادة السورية تدرك جيدا أن المصلحة الأولى لمثل هذا العرض يصب في خانة أمريكا ، لأنها و ببساطة تسعى للنيل من القطب الذي تخشى تمدده في منطقة الشرق الأوسط “روسيا” ، فخط الغاز القطري المزمع إنشاؤه كان سيخفف اعتماد أوروبا على الغاز الروسي و بالتالي يمكن الضغط عليها لوقف تطوير أسلحتها الاستراتيجية ، والذي بدوره سيؤثر على دعم إيران وسورية ، فأمريكا تعلم جيدا أن سورية لا تعتبر من الدول النفطية الكبيرة لكنها تطفو على بحر من النفط و الغاز، والذي لم يتم استخراجه بعد.
ومن الأسباب غير المباشرة أيضا بدأت عندما شرعت الدولة السورية بعقد خط الصداقة والذي وافقت عليه روسيا ، فخط الصداقة يمر من حوض بارس في إيران عبر الأراضي العراقية والسورية حتى ميناء مدينة طرطوس في سورية ومنها إلى اوروبا ، هذا بالإضافة إلى إقامة خطا أخر سيأتي من مصر عبر ميناء العقبة في الأردن ليصل إلى مصفاة حمص وبعدها يتم توزيعه إلى طرطوس في سوريا وطرابلس في لبنان ، وبالتالي يصل إلى اوروبا ، ومن المفيد التوضيح أن هذه المشاريع كانت في نفس العام الذي بدأت به بوادر الحرب تظهر في سوريا .
السبب الأهم للصراع في سورية، هو حلف المقاومة، والذي يمتد من إيران إلى فلسطين فسورية، والحليف الإيراني الذي يشكل و برنامجه النووي قوة لا يستهان بها ، فهي الداعم الأكبر لحركات المقاومة ضد إسرائيل ، لذلك كان لابد من وقف هذا التمدد القوي المتمثل بروسيا وإيران وحزب الله ، وسورية التي بدأت الحرب الكونية عليها .
من ناحية أخرى يشكل الشمال السوري حيث تتواجد القوات الأمريكية وقوات سورية الديمقراطية مكان لأكبر آبار النفط السوري ، والتي منها حقل العمر في شرق دير الزور، وكذلك حقل الرميلان والذي يحتوي على 1322 بئرا في محافظة الحسكة و25 حقلا للغاز في منطقة السويدية قرب الرميلان ، وغيرها من الحقول التي وضعت تحت سيطرة قوات سورية الديمقراطية من قبل أمريكا خلال الحرب السورية ، وعليه كل ما يُشاهد على الساحة الجغرافية السورية يوضح أن الحملة الأمريكية ضد سورية جاءت بالاعتماد على اسباب مباشرة وغير مباشرة ، لما تنطوي عليه من ابعاد جيوسياسية و ديموغرافية ، و هنا نتحدث عن المصالح الاستراتيجية والاقتصادية والتي ستنالها الدول المعتدية الاستعمارية في حال بسطت نفوذها على سورية، وعلى هذا الأساس تحركت أمريكا و ادواتها الإقليمية و الدولية .
ومن خلال المتابعات يقول روبرت كنيدي الابن في مقال كتبه عام 2016 أن ” امريكا عازمة على ترسيخ وجودها العسكري في المنطقة وتمديد خطوط الغاز في الأراضي السورية والقيام بحمايتها وعليه تحاول ومنذ عام 1994 الإطاحة بالنظام السوري وذلك خدمة للسعودية ” ، و كشف وليام انغداهي الخبير في شؤون سياسات النفط في مقاله الذي نشره عام 2014 على موقع Global Research حول الصفقة السرية التي عقدت ما بين الملك السعودي عبدالله بن عبد العزيز وجون كيري وزير الخارجية الأميركي السابق أنه يجب السيطرة على منابع النفط والغاز وتصديرهما إلى دول العالم ، فالسعودية عرضت على الصين بيع برميل النفط ما بين 50-60 دولارا في حين كان سعره 100 دولار وذلك للتضييق على روسيا وإيران ومحاربتهما اقتصاديا ناهيك عن سياسة تخفيض أسعار النفط والذي لم يحقق مبتغاه في انهيار روسيا وإيران اقتصاديا .
ضمن هذه المعطيات المتعددة ، اجتمع الأعداء للنيل من سورية ، و لكن مجريات الأمور على الساحة والوعي السياسي للقيادة السورية منذ البداية كان الرادع الأكبر لمثل هذه المؤامرات .
وفي ظل كل هذه التعقيدات والمصالح الإقليمية والدولية استطاعت الدولة السورية تحقيق النصر ولم يبقى سوى الشمال السوري والذي يعتبر من أكثر المناطق حساسية ، فتحريره كما باقي المناطق السورية امرا أساسيا ، فهو عميق الارتباط بالسيادة السورية وهو مركزا اساسيا لخط الحرير الجديد والذي تعمل الصين على مده خلال الأعوام القادمة.
القرار السيادي الذي اتخذته الدولة السورية .
الخطوة القادمة في مسيرة التحرير ستكون عودة الشمال السوري إلى السيادة السورية ، و القضاء على أخر البؤر الإرهابية و التي كانت خلال سنوات الحرب المفروضة على سوريا تُشكل ضغطا عسكريا و بدعم مباشر من واشنطن .
التعليقات مغلقة.