“ارتدادات” قمّة هِلنسكي .. أو هستيريا في أميركا / محمد خروب
لم يكن المؤتمر الصحافي المشترك الذي عقده الرئيسان الروسي والاميركي بعد انتهاء الساعات الاربع التي جمعتهما في اول لقاء ‘رسمي’, حتى اندلعت حملة شرِسة وعنيفة وليئمَة ضد الرئيس ترمب, غامِزة من قناة نظيره الروسِي ومُواصِلة حملة شيطنته وبلاده, التي لم تتوقّف طوال ثمانية عشر عاماً, انقضت على بزوغ نجم فلاديمير بوتين في الفضاءين… الروسِي والعالمِي.
حملة شعواء… تجاوزت كل الخطوط الحُمر، بل وقفزت عن عمدٍ عمّا كانت روّجت له, عبر مقالات وتصريحات وخطابات وندوات منذ الاعلان عن موعد قمة هلنسكي, وخصوصاً بثُ تسريبات مُضلِّلة عن ‘صفقات’ يجري التحضير لها بين بوتين وترمب, تشمل سوريا وخصوصاً إيران حيث لن يتردّد (كذا) الرئيس الروسي في قبول’العرض’ الاميركي إطلاق يده في سوريا مقابِل التخلّي عن ايران عبر ‘طردِها’ من سوريا, وتضييق الخناق عليها نفطيا وتجارياً وغيرها من الترّهات التي يبرع فيها اساطين الدعاية الإمبريالية, ووجدنا ‘كالعادة’ انخراطاً حماسِياًّ من بعض وسائل الإعلام والمعلِّقين العرب ,الذين لفرط سذاجتهم ظنّوا انهم باتوا جزءاً من اللعبة الدولية الدائرة الآن، وادِّعاء القدرة على التأثير في مجريات المشهد الدولي(دعك من الإقليمي).
كل ذلك تناسوه ولم يجدوا في المؤتمر الصحفي المشترك لبوتين وترمب, سوى انهما اتّفقا على ضرورة حفظ ‘أمن
إسرائيل’ وما عدا ذلك فقد ذهبوا – في أميركا – نحو تجريم ترمب واتهامه بالخيانة بل والتشكيك في ‘وطنيته’, عبر التساؤل – غير البريء بالطبع – عمّا إذا كان عميلاً لجهاز المخابرات الروسية؟
على ما ذهب اليه توماس فريدمان (وما ادراك ما هذا الصحافي الأميركي الذي اضفى عليه بعض العرب صِفة العبقرية وخضعوا لسحره وخزعبلاته)عندما قال في مقال له بجريدة نيويورك تايمز تحت عنوان مثير ولافت’ ‘ترمب وبوتين في مواجهة أميركا’ جاء فيه ‘….لا يدفع سلوك خاطِئ جداً من قبل رئيس أميركي ومعاكِس جداً للمصالح والقِيم الأميركية، إلاّ يأتي واستنتاج واحد: إما ان يكون دونالد ترمب عميلاً للاستخبارات الروسية, أو هو يستمتع بلعب ذلك الدور على شاشات التلفزة.كل شيء – اضاف فريدمان – حصل في هلسنكي, يُعزِّز هذا الاستنتاج. ثم ذهب بعيدا متوجِّهاً الى ‘الإخوة الأميركيين’ بالقول: نحن واقِعون في مشكلة, ويجب علينا اتخاذ مواقف كبرى اليوم.
لقد كانت لحظة فارقة في كامل تاريخ الولايات المتحدة’…..ختَمِ.
هذا التوجّه الـ’تحريضي’ شاركته فيه زعيمة الأقلية الديمقراطية في مجلس النواب نانسي بيلوسي، عندما ‘غرّدت’ قائلة: بوتين يبّتز ترمب. مُضيفة: اسأل نفسي كل يوم: ماذا يُمسِك الروس على ترمب شخصيّاً.. ماديّاً أو سياسيّاً ؟ مؤكِّدة ان ترمب لم يُدافع عن المصالح الأميركية.
الحملة المُركّزة والتشكيك في ‘أميركية’ ترمب, ليست مُصمّمة او مُقتصِرة على خصومه في الحزب الديمقراطي, الذي يقودون حملة الطعن في فوزه بالانتخابات الرئاسية وضلوع الاستخبارات الروسية في مساعدته, عبر اختراق حواسيب حملة مرشحتهم هيلاري كلينتون، بل ثمة قادة و’رموز’ في الحزب الجمهوري الذي ترشّح على بطاقته (في النهاية) مثل السناتور اليميني المتطرف والمصاب بـ’فوبيا روسيا’ و’فوبيا بوتين’… جون ماكين، الذي وصَف المؤتمر الصحافي لترمب بأنه ‘أسوأ لحظات تاريخ السياسة الأميركية’. مُعتبِراً انه ‘الآداء الأكثر عاراً للرئيس الاميركي’ ورأى ان ‘قمة
هلسنكي كانت خطأ مأساوياً’. فيما ذهب المدير الأسبق لوكالة CIA جون برينان بعيداً جداً في اعتبار ‘آداء ترمب في هلسنكي ليس اقل من خيانة’، وان ‘تصريحات ترمب لم تكن حمقاء فحسب, بل بدا أُلعوبة بأيدي بوتين’ ولم يتورّع عن تحريض الأميركيين ضد رئيسهم عبر التساؤل: ‘أين أنتم أيها الوطنيون الجمهوريون؟’.
حملة ‘طرد’ ترمب من البيت الأبيض تبدو بدأت، رغم كل ما يُقال عن ‘قدسية’ الدستور الأميركي والضوابط الصارمة التي تحكم العلاقة بين الكابيتول هيل (مقر الكونغرس بغرفتيه) والبيت الابيض, فضلاً عن دور المحكمة العليا الاميركية التي باتت في قبضة اليمين الاميركي, وبخاصة بعد تعيين ترمب الاخير لقاض يميني متطرف… جديد.لكن ثمة من سيُحاوِل ‘لَيّ’ ذراع القوانين والضوابط هذه. فالفرصة سانحة لـ’حزب الحرب’ الاميركي (مُتعدّد الولاءات الحزبية واللوبيات المختلفة), وخصوصاً أن انتخابات الكونغرس النصفِية قد اقتربت, ولا بد من عملً دراماتيكي وصاخب… قبل هذا
الاستحقاق.
• استدراك: كل ما ذهبنا إليه في هذه العُجالة, لا يقصِد الدفاع عن ترمب وسياساته الحمقاء والكارثية، وبخاصة ما يبديه من عِداء ايديولوجي وشخصي مقيم لكل ما هو فلسطيني وشرعية وقانون دولي وحقوق إنسان, لكنها مُجرّد إضاءة على ألاعيب ‘حزب الحرب’ الأميركي, المستعد لـ’جَرْفِ’ كل من يقف أمامه, حتى لو كان فظاً غليظ القلب كدونالد ترمب.
التعليقات مغلقة.