بيع الفلسطينيين أراضيهم للصهاينة بين الحقيقة والإشاعة / ابراهيم أبو عتيله

ابراهيم ابو عتيلة ( الأردن ) 19/7/2018 م …




يتعرض الفلسطينيون في الشتات وفي أماكن تواجدهم خارج حدود الوطن وداخله إلى مقولة يرددها البعض قصداً أو سذاجة بأنهم قد باعوا أراضيهم مكررين بذلك ما تردده الآلة الإعلامية الصهيونية من أكاذيب ودعايات مغرضة لتثبيت حق موهوم للصهاينة في أرض فلسطين ، وما ترديدهم لتلك المقولة الكاذبة إلا تبريراً لخنوعهم واستسلامهم بل لتعاونهم مع العدو الصهيوني ورفضهم تقديم يد العون والمساعدة للشعب الفلسطيني في معركته طويلة الأمد التي يخوضها ضد العدو .. في الوقت الذي يقف فيه الإعلام العربي بما فيه الفلسطيني قاصراً عن مواجهة تلك الدعاية التي تنكر الواقع ولا تستند لمنطق أو حقيقة  …

فما هي الحقيقة؟

بداية أقول إن كان قد حصل وأن باع الفلسطينيون أراضيهم للصهاينة فأين الوثائق التي تؤكد ذلك ؟ ولماذا لم يُظهرها الصهاينة للعالم أجمع ويواجهوا بها الفلسطينيين الذين صدر لمصلحتهم بالعودة لأراضيهم المغتصبة العشرات من القرارت الدولية بلغت 135 قرارًا ؟؟ ولماذا قامت العصابات الصهيونية باجتياح القرى الفلسطينية وأقاموا المذابح الدامية لإبادة سكانها؟؟؟ في الوقت الذي تستطيع فيها تلك العصابات شراء الأراضي بالمال الذي يملكون منه الكثير … ولماذا لم يتمكنوا لغاية الآن من شراء أراضي فلسطينيو ال 48 ؟؟؟ أو أراضي اللاجئين الفلسطينيين الذين ما زالوا يحتفظون بالسندات التي تثبت ملكيتهم لاراضيهم ” والتأكد من هذه الحقيقة ليس بالأمر الصعب ” .

هذا، وغيره مما لا يتسع المقام لذكره، يتنافى تمامًا مع الكذبة التاريخية سالفة الذكر، أما الحقيقة التي تثبتها الوثائق فإن مساحة كامل فلسطين التاريخية يبلغ 27 مليون دونم ( 26990 ألف كيلو متر مربع ) فيما بلغت مساحة الأراضي التي وقعت تحت أيدي الصهاينة  حتى عام 1948م من غير قتال أو حرب حوالي (2) مليون دونم أي ما يعادل 8.8% من مساحة فلسطين حيث

حصل اليهود على تلك الأرض (2 مليون دونم) بأربع طرق هي:

الطريقة الأولى :

أراضي بمساحة 650.000  دونماً (ستمائة وخمسين ألف دونم) حصلوا على جزء منها كأي أقلية تعيش في فلسطين منذ مئات السنين، وتملك أرضاً تعيش عليها، وحصلوا على الجزء الآخر بمساعدة الولاة الأتراك العثمانيين الماسونيين، الذين عيَّنتهم على فلسطين حكومة الاتحاد والترقي، التي كان أكثر من 90% من أعضائها من اليهود.

الطريقة الثانية :

أراضي بمساحة  665.000  دونماً (ستمائة وخمسة وستين ألف دونم) حصل عليها اليهود، بمساعدة حكومةِ الانتداب البريطاني المباشرة وقد قُدمت إلى اليهود على النحو الآتي:-

  • أعطى المندوب السامي البريطاني منحة للوكالة اليهودية ثلاثمائة ألف دونم.
  • باع المندوب السامي البريطاني الوكالة اليهودية وبأسعار رمزية مائتي ألف دونم.
  • أهدت حكومة الانتداب للوكالة اليهودية أرض السلطان عبد الحميد في منطقتي الحولة وبيسان – امتياز الحولة وبيسان – ومساحتها 165.000 دونماً (مائة وخمسة وستون ألف دونم ).

الطريقة الثالثة :

بمساحة606.000  دونماً (ستمائة وستة آلاف دونم)، اشتراها اليهود من إقطاعيين لبنانيين وسوريين، وكان هؤلاء الإقطاعيون يملكون هذه الأراضي الفلسطينية عندما كانت سوريا ولبنان والأردن وفلسطين بلداً واحداً يُسمى بلاد الشام أو سوريا الكبرى ” قسمت بموجب اتفاقية سايكس بيكو إلى أربعة دول” ، حيث خضعت سوريا ولبنان للاحتلال الفرنسي، والأردن للاحتلال البريطاني، وفلسطين للانتداب البريطاني توطئة لجعلها وطناً قومياً لليهود ، وبموجب ذلك أصبح كثير من الملاك السوريين واللبنانيين يعيشون في بلد وأملاكهم في بلد آخر، فانتهز كثير منهم الفرصة وباعوا أرضهم في فلسطين لليهود الذين دفعوا لهم فيها أسعاراً خيالية وتبين المعلومات بأن مساحة الأراضي التي بيعت، والعائلات التي باعتها كما يلي:

  • باعت عائلة سرسق البيروتية – ميشيل سرسق وإخوانه مساحة 400.000 دونماً (أربعمائة ألف دونم) ، في سهل مرج ابن عامر، وهي من أخصب الأراضي الفلسطينية، وكانت تسكنها 2546 أسرة فلسطينية، طُردت من قراها لتحل محلها أسر يهودية أحضرت من أوروبا وغيرها.
  • باعت عائلة سلام البيروتية 165.000 دونماً (مائة وخمسة وستين ألف دونم) لليهود وكانت الحكومة العثمانية قد أعطتهم امتياز استصلاح هذه الأراضي حول بحيرة الحولة لاستصلاحها ثم تمليكها للفلاحين الفلسطينيين بأثمان رمزية، إلا أنهم باعوها لليهود.
  • باعت عائلتا بيهم وسرسق (محمد بيهم وميشيل سرسق) امتياز آخر في أراضي منطقة الحولة، وكان قد أُعطي لهم لاستصلاحه وتمليكه للفلاحين الفلسطينيين، ولكنهم باعوه لليهود.
  • باع أنطون تيان وأخوه ميشيل تيان لليهود أرضاً لهم في وادي الحوارث مساحتها خمسة آلاف وثلاثمائة وخمسين دونماً، واستولى اليهود على جميع أراضي وادي الحوارث البالغة مساحتها 32.000 دونماً (اثنان وثلاثون ألف دونم) ، وطردوا أهله منه بمساعدة الإنجليز، بدعوى أنهم لم يستطيعوا تقديم وثائق تُثبت ملكيتهم للأراضي التي كانوا يزرعونها منذ مئات السنين.
  • باع آل قباني البيروتيون لليهود مساحة 4000 دونماً (أربعة آلاف دونم) بوادي القباني، واستولى اليهود على أراضي الوادي كله.
  • باع آل صباغ وآل تويني البيروتيون لليهود قرى (الهريج والدار البيضاء والانشراح –نهاريا).
  • باعت عائلات القوتلي والجزائري وآل مرديني السورية لليهود قسماً كبيراً من أراضي صفد.
  • باع آل يوسف السوريون لليهود قطعة أرض كبيرة لشركة

(The Palestinian Land Development Company) .

  • باع كل من خير الدين الأحدب، وصفي قدورة، وجوزيف خديج، وميشال سرجي، ومراد دانا وإلياس الحاج اللبنانيون لليهود مساحة كبيرة من الأراضي الفلسطينية المجاورة للبنان.

الطريقة الرابعة :

وبالرغم من جميع الظروف التي وضع فيها الشعب الفلسطيني والقوانين المجحفة التي سنها المندوب السامي الذي كان يهودياً في الغالب، إلا أنَّ مجموع الأراضي التي بيعت من قبل فلسطينيين خلال ثلاثين عاماً بلغت 260 ألف دونم ( اي اقل كثيراً مما حصل عليه الصهاينة من العثمانيين أو من الانتداب البريطاني أو مما باعته عائلة لبنانية واحدة وأقل من 1 % من أرض فلسطين التاريخية ) ، ولقد اعتبر كل من باع أرضه لليهود خائناً، وتمت تصفية الكثيرين منهم على أيدي الفلسطينيين.

وليس دفاعاً  عن الذين باعوا فهم عملاء قصداً أو سهواً ولكن هناك عدد من العوامل التي أدت إلى ضعف بعض الفلسطينيين وسقوطهم في هذه الخطيئة:

  • لم يكن الفلسطينيون في السنوات الأولى للاحتلال البريطاني على معرفة بنوايا اليهود، وكانوا يتعاملون مع اليهود كأقلية انطلاقاً من حرص الإسلام على معاملة الأقليات غير المسلمة معاملة طيبة.
  • عدم المعرفة بالقوانين الإنجليزية التي سنتها حكومةُ الانتداب، والتي وُضعت بهدف تهيئة كل الظروف الممكنة لتصل الأراضي إلى أيدي اليهود. ومن هذه القوانين، قانون صك الانتداب الذي تضمنت المادة الثانية منه النص الآتي:” تكون الدولة المنتدبة مسئولة عن جعل فلسطين في أحوال سياسية وإدارية واقتصادية تكفل إنشاء الوطن القومي لليهود”.

وجاء في إحدى مواد الدستور الذي تحكم بمقتضاه فلسطين النص الآتي:

” يشترط أن لا يطبق التشريع العام ومبادئ العدل والإنصاف في فلسطين إلاَّ بقدر ما تسمح به الظروف، وأن تراعى عند تطبيقها التعديلات التي تستدعيها الأحوال العامة”. إضافة إلى ومادة أخرى تقول: ” بما أنَّ الشرع الإسلامي خوَّل للسلطان صلاحية تحويل الأراضي الميري (الحكومية) إلى أراضي الملك فإنه من المناسب تخويل المندوب السامي هذه الصلاحية”.

  • الإغراءات الشديدة التي قدمها اليهود للذين يبيعون الأرض، فقد بلغ ما يدفعه اليهودي ثمناً للدونم الواحد عشرة أضعاف ما يدفعه العربي ثمناً له وقد تسبب ذلك في سقوط بعض أصحاب النفوس المريضة ومثل هذه النوعية لا تخلو منها أمة من الأمم.
  • الفساد الذي نشره اليهود، وحمته القوانين البريطانية التي تبيح الخمر و الزنا.

ويُسجَّل للشعب الفلسطيني أنه أَجمع على تجريم القلائل الذين ارتكبوا هذه الخطيئة، ونبذهم واحتقرهم وخوَّنهم ونفذ حكم الإعدام في كثير منهم ، وكان للمجلس الإسلامي الأعلى، بقيادة الحاج أمين الحسيني، وعلماء فلسطين دور بارز في هذا الأمر، فقد أصدر مؤتمر علماء فلسطين الأول في 25 يناير 1935 فتوى بالإجماع تُحرِّم بيع أي شبر من أراضي فلسطين لليهود، وتعد البائع والسمسار والوسيط المستحل للبيع مارقين من الدين، خارجين من زمرة المسلمين، وحرمانهم من الدفن في مقابر المسلمين، ومقاطعتهم في كل شيء والتشهير بهم.

وقد نشرت الصحف أخباراً عن تصفيات تمت في فلسطين لأشخاص باعوا أرضهم لليهود أو سمسروا لبيع أراض لليهود نذكر منها فقط ما نشرته جريده الأهرام في العدد 28 و29 تموز (يوليو) 1937م “اغتيل بالرصاص (فلان) بينما كان في طريقه إلى منزله ليلاً، وهو مشهور بالسمسرة على الأراضي لليهود، وترأس بعض المحافل الماسونية العاملة لمصلحة الصهيونية، وقيل إنَّ سبب اغتياله هو تسببه في نقل ملكية مساحات واسعة من أخصب أراضي فلسطين لليهود وقد أغلق المسلمون جامع حسن بيك في المنشية لمنع الصلاة عليه فيه، ولم يحضر لتشييعه سوى بعض أقاربه، وليس كلهم، وبعض الماسونيين، وقد توقع أهله أن يمنع الناس دفنه في مقابر المسلمين، فنقلوا جثته إلى قرية قلقيلية بلدته الأصلية، وحصلت ممانعة لدفنه في مقابر المسلمين، وقيل إنه دُفن في مستعمرة يهودية اسمها “بنيامينا” لأنه متزوج من يهودية، وأن قبره قد نبش في الليل وأُلقيت جثته على بعد 20 متراً.

مما سبق يتبين أن الـ 8..8 في المائة من مساحة فلسطين أو الـ 2 مليون دونم التي وقعت في أيدي اليهود حتى سنة 1948م، لم يحصل عليها اليهود عن طريق شرائها من فلسطينيين كما يتصور حتى الكثير من مثقفينا، بل وصل معظمها إلى اليهود عن طريق الولاة الأتراك الماسونيين والمنح والهدايا من الحكومة البريطانية، والشراء من عائلات سورية ولبنانية، وأنَّ أقل من 260.000 دونماً فقط اشتريت من فلسطينيين خلال ثلاثين عاماً من السياسات الاقتصادية الظالمة والضغوط والمحاولات والإغراءات، وقد رأينا كيف باعت عائلة لبنانية واحدة 400.000 دونماً في لحظة واحدة، وهو أكبر مما باعه فلسطينيون خلال ثلاثين عاماً وأنَّ هؤلاء قلة شاذة عوقبوا بالنبذ والقتل.

ولا يخلو مجتمع ما من ضعاف ومنافقين، وليس من الإنصاف، أن يتحمل الشعب الفلسطيني كله جريمةً ارتكبها بعض شواذه، لا سيما أن هذا الشعب حاسب هؤلاء الشواذ وعاقبهم.

وإنَّ ما يقدمه الشعب الفلسطيني اليوم من تضحيات و بطولات بعد مضي سبعون عاماً على احتلال أرضه، وإصراره على المقاومة والجهاد والاستشهاد بالرغم من ضخامة المؤامرة ضده لخير دليل على تمسكه وعدم تفريطه بأرضه المقدسة المباركة.

ويذكر التاريخ أن الفلسطينيين رفضوا البيع مقاومة منذ البداية حيث  بدأت المقاومة الفلسطينية النشطة للاستيطان اليهودي في فلسطين منذ أن بدأ هذا المشروع بالظهور، ومنذ المراحل الأولى المبكرة له، في أيام الدولة العثمانية. وحدثت صدامات بين الفلسطينيين وبين المستوطنين اليهود  1886، وبذل الفلسطينيون أرواحهم في مقاومة الحركة الاستعمارية الصهيونية، لدرجة أن الزعيم الألماني “هتلر” أشاد بهم، فقال لألمان السوديت: “اتخذوا يا ألمان السوديت من عرب فلسطين قدوة لكم، إنهم يكافحون إنجلترا أكبر إمبراطورية في العالم، واليهودية العالمية معاً ببسالة خارقة”.

وكان للمجلس الإسلامي الأعلى، بقيادة الحاج أمين الحسيني، وعلماء فلسطين دور بارز في هذا الأمر، فقد أصدر مؤتمر علماء فلسطين الأول في 25 يناير 1935 فتوى بالإجماع تُحرِّم بيع أي شبر من أراضي فلسطين لليهود، وتعد البائع والسمسار والوسيط المستحل للبيع مارقين من الدين، خارجين من زمرة المسلمين، وحرمانهم من الدفن في مقابر المسلمين، ومقاطعتهم في كل شيء والتشهير بهم.

كل ما سبق يؤكد براءة الشعب الفلسطيني العظيم، الذى يقاوم بروح أبنائه ودمائهم من تهمة بيع أرضه لعدوه، ويثبت، لكل ذي عقل وبصيرة، كذب ما أشاعه الصهاينة عنه من افتراءات.

أنَّ مروجي إشاعة بيع الفلسطينيين لأراضيهم ينشطون بقوة عندما تشتد مقاومة الشعب الفلسطيني ، بهدف قتل أي تعاطف شعبي عربي مع الفلسطينيين.

أنَّ الشعب الفلسطيني الذي يحمل لواء المقاومة ، وقدم مئات الألوف من الشهداء، وما زال يقدم، ويقف وحده في الميدان ، صامداً صابراً مجاهداً بالرغم من اجتماع الأعداء عليه، وتخلي ذوي القربى عنه، بل وتآمرهم عليه، هذا الشعب يستحق أن ينصف ويدافع عنه، وإنه لا يليق بمتعلم أو مثقف عربي أن يتهم الشعب الفلسطيني أن يقف عاجزاً غير قادر على تقديم المعلومات والحقائق التي تدحض هذا الاتهام.

وهنا أقول بأن الخسارة الحقيقية لأرض فلسطين لم تكن بسبب بيع الفلسطينيين لأرضهم وإنما بسبب هزيمة الجيوش العربية في حرب 1948، وإنشاء الكيان الصهيوني – إثر ذلك – على 78% من أرض فلسطين، وقيامه بقوة السلاح بطرد أبناء فلسطين، والاستيلاء على أراضيهم، ثم باحتلال باقي أرض فلسطين إثر حرب 1967 مع الجيوش العربية ، وقيامه بمصادرة الأراضي تحت مختلف الذرائع. وقد ظلت نظرة أبناء فلسطين حتى الآن إلى من يبيع أرضه أو يتوسط بالبيع نظرة احتقار وازدراء، وظل ولغاية الآن حكم الإعدام يلاحق كل من تُسوِّل له نفسه بيع الأرض للعدو.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.