السمكة والصياد / خالد الناهي
خالد الناهي ( العراق ) الأحد 22/7/2018 م …
في زمن الاحتلال البريطاني للعراق، كان هناك رجل دين في النجف الأشرف، يخاطب الناس عن مخاطر الاحتلال، محذرا من الويلات التي تلحق بالشعوب المحتلة ان خضعت لذلك الاحتلال، لدرجة ان البريطانيين ضاقوا ذرعا به، وكان كل همهم التخلص منه واسكات لسانه الذي أصبح أكثر أيلاما من الرصاص، لكنه أصبح محصن بالشعب الذي التف حوله، لذلك اعتقاله او قتله بصورة مباشرة من قبل البريطانيين، يزيد الأمور سوءاً، لذلك فكروا بطريقة يتخلصون بها من رجل الدين، وفي نفس الوقت تجعل الشعب راضي عنهم.
لكي ينفذ البريطانيين خطتهم، بحثوا عن رجل عراقي بمواصفات خاصة، يحب المال كثيرا، وليس لديه مانع من قتل أي شخص مقابل الحصول عليه، بالفعل حين وجدوه اتفقوا معه ان يعطوه المبلغ الكبير الذي يطلبه، وفي نفس الوقت وافقوا على طلب حمايته بعد تنفيذ العملية، قالوا له أطلق الرصاص على الرجل، وهرول الى الخارج ستجد القنصل البريطاني بانتظارك في الخارج ليحميك.
أتت الجمعة، واقدم الرجل على فعلته، فضج الناس بالتكبير ومحاولة القبض على الجاني، لكنه ركض الى الخارج والناس تركض خلفه، بالفعل وجد القنصل بانتظاره لكن ..
حينها سأل القنصل الناس الغاضبة ماذا حصل؟! فأخبروه بان هذا الرجل قتل رجل الدين، انتفض القنصل واخرج مسدسه وأرداه قتيلا.
تعجب الناس، وقالوا انظروا الى هذا الرجل الصليبي، بالرغم من ان رجل الدين يتحدث عليهم بالسوء ويحرض عليهم، انتفض وقتل قاتله المسلم، أي انسانيه يحملون هؤلاء، واي عدل يسود في حكمهم.
أصبح القنصل يمتلك كل الصفات الحميدة على وجه الأرض، والحقيقة انه قتل رجل الدين، الذي كان يقلق مضاجعهم، دون ان يدفعوا دينارا واحدا، وفي نفس الوقت قتلوا من نفذ العملية، والذي يعتبر شاهد اثبات عليهم، وبرضى الشعب، وبذلك نفذوا جريمة كاملة.
على الرغم من مرور عشرات السنين على تلك الحادثة، وتلك السياسة للمحتل، الذي اغلبنا يعرفها ويتحدث بها، الا ان المحتل ما زال ينفذها وتنجح، وما زلنا في كل مرة نبتلع الطعم ونحن في تمام القبول، مثل السمكة التي ترى السنارة التي اصطيد بها السمكة التي معها تماما، فتعود وتأكل من نفس الطعم، وهي مدركة انها تذهب للموت بإرادتها.
منذ عشرات السنين يقرا الشعب العربي في مناهجه الدراسية عن الاستعمار وأساليبه في جعل الوحدة العربية ممزقة، لكن بإرادته ينفذ ما يريده الاحتلال، ويدفع مقابل ذلك الدم والمال، جيل بعد جيل نقول قوتنا في وحدتنا، وضعفنا في تفرقتنا، ولا نعتقد هناك شعب لم يقرأ قصة العصى الواحدة كيف تكسر بسهولة وسرعة، اما العصي ان اجتمعت يصعب كسرها، مع ذلك تجد العرب أصبحوا اشتاتا، لا بل الدولة الواحدة، أصبح التناحر فيها على أشده، فهذا ابن الشمال وذاك ابن الجنوب وهكذا.
لا اعرف لماذا لا زال العرب يجهدون ابناؤهم ويدرسونهم هذه القصص، إذا كانوا لا يريدون تطبيقها، اليس الأولى بهم ان يدرسوهم كيف الحمار يجب ان يطيع سيده ولا يخافه مهما قسى عليه، لان السيد يبقى سيد والحمار يبقى حمار، مهما تغيرت الظروف.
التعليقات مغلقة.