قانون القومية ” يهودية الدولة ” تطبيق فعلي لصفقة القرن / ابراهيم ابو عتيلة
ابراهيم ابو عتيلة ( الأردن ) الثلاثاء 24/7/2018 م …
لم يعد مصطلح يهودية الدولة شعاراً يطرحه الجانب الصهيوني في مسابقته التفاوضية الماراثونية العبثية مع سلطة أوسلو فحسب ، بل أصبح حقيقة واقعة بعد أن أقر برلمان الصهاينة ما أصطلح على تسميته ” قانون القومية ” فحقق نيتنياهو نصراً صهيونيا تلمودياً على كل من سبقه من الزعماء الصهاينة الذين عملوا على تحقيق هذا الشعار الذي طالب به أرئيل شارون سنة 2003 وأيده بذلك وبقوة الرئيس الأمريكي جورج بوش كما أكده ايهود أولمرت سنة 2007 بمساندة واضحة من باراك اوباما في خطابه أمام الكونغرس عام 2008 وخطابه امام الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2010 …
فما هي الأهداف والأخطار التي يكتنفها هذا التشريع ؟ ألم ترد عبارة الدولة اليهودية في قرار التقسيم الصادر عن الأمم المتحدة في التاسع والعشرين من شهر تشرين الثاني (نوفمبر) 1947؟
لعله من المفيد قبل الإجابة على تلك التساؤلات أن نستعرض كيفية ظهور فكرة الدولة اليهودية ومن كان وراءها ، فمع بروز حركات القومية الاوروبية وما رافقها من حركة مناهضة لأتباع الديانة اليهودية في اوروبا عقب الثورة الصناعية أو ما اصطلح على تسميته باللاسامية ” على اعتبار أن اليهود عنصراً لايمكن ادماجه في المجتمعات الاوروبية ” وبالمقابل ظهور أصوات من اليهود تنادي بكونهم أمة وقومية بحد ذاتها الأمر الذي يستدعي أن يكون لهم الحق في وجود ” كيان ” خاص بهم، ومن بين هؤلاء ثيودور هرتسل زعيم الحركة الصهيونية .
لقد كان للمفكرين اللاساميين في اوروبا الفضل في بلورة هذه الفكرة وإنضاجها ولقد استبق أحدهم هرتسل نفسه في تبني هذه الفكرة وقدّم اقتراحاً لحل المسألة اليهودية لا يختلف في شيء عن طرح مشاهير قادة الفكرة الصهيونية ، ففي العام 1878 عرض المجري جوزيه إيشتوسي ، وهو من أكبر المعادين لليهود، مشروع قرار على برلمان بلاده يدعو فيه إلى تأييد ودعم إقامة دولة يهودية في فلسطين ، كما عرض مقترحه هذا على مؤتمر برلين المنعقد في تلك الفترة، بهدف دفعه إلى حيّز التنفيذ وكسب إلى جانبه في ذلك الكثيرين ممن يعتقدون باعتقحيث أكد في اقتراحه قدرة “الأمة ” اليهودية على إقامة دولة نموذجية ، وذات الأمر فعله ثيودور هرتزل (1860 – 1904) الذي اعتبر اللاسامية أمراً لا يمكن تغييره أو الخلاص منه ،ونشر كتابه في عام 1896 بعنوان: ” دولة اليهود” مضمناً الكتاب محاولة منه لإيجاد حل عصري للمسألة اليهودية ، متوافقاً فيه مع الدعوة التي كان قد سبقه اليها قبل عقدين من الزمن جوزيه إيشتوسي بتجميع اليهود في فلسطين وجوارها (أرض إسرائيل) ومتفقاً في ذلك مع اللاساميين الذي يسعون إلى تجميع اليهود في أي بقعة من العالم عدا اوروبا ، ولقد تلقَّف الفكرة القس الإنجليكاني وليام هشلر الملحق بالسفارة البريطانية في فيينا، الذي عاون هرتزل في عقد المؤتمر الصهيوني الأول في بال عام 1897 فقام هرتزل بصياغة شعارات الحركة الصهيونية ” نحن شعب ” و ” فلسطين وطننا التاريخي الذي لا يُنسَى ” وهي شعارات حوَّلها المؤتمر إلى برنامج سياسي للحركة الصهيونية ، ووضعت الحركة الصهيونية نصب عينها القيام بمهام ثلاث هي: استعمار فلسطين، ومحاولة خلق شعب يهودي واحد متجانس، وإنشاء حركة تكون بمنزلة رأس الرمح في البرنامج الصهيوني الاستعماري كما تضمن البرنامج تشجيع الاستعمار الصهيوني في فلسطين، وتأسيس منظمة تربط يهود العالم وتقوية الشعور القومي ” اليهودي “، والحصول على موافقات حكومية لبلوغ الأهداف الصهيونية، وصولاً إلى “إنشاء وطن للشعب اليهودي في فلسطين ، ولقد أضفت الحركة الصهيونية على عملية جمع يهود العالم في المنطقة التي أسمتها بأرض اسرائيل طابعاً قومياً، واعتبرتها بمثابة تحرّر قومي. ولقد وقف معظم غير اليهود ” اللاساميين” مع هذه الفكرة وساعدهم في ذلك سقوط فلسطين تحت هيمنة الاستعمار البريطاني مما شكل رافعة قوية لتجسيد الفكرة على أرض الواقع ، تبع ذلك أصدار بلفور وزير خارجية بريطانيا في الثاني من نوفمبر 1917، تصريحه المشهور ب ” وعد بلفور ” برسالته إلى اللورد روتشيلد والتي جاء فيها أن حكومة بلاده تنظر بعين العطف لتأسيس وطن قومي لليهود في فلسطين .
وإزداد عدد اليهود في فلسطين برعاية الدولة المستعمرة ” بريطانيا ” ففي خلال الفترة 1917 -1948 قفز عدد اليهود في فلسطين من (55 ) ألفاً إلى 550 ألفاً وتضاعف عدد المستوطنات وتطورت القوة العسكرية اليهودية وتبلورت في تنظيمات ارهابية (هاغاناه، إتسل، ليحي) فضلاً عن الفيلق اليهودي العامل ضمن القوات البريطانية، وبلغ مجموع أفرادها مجتمعة نحو 60 ألفاً وصرح زعيم الصهاينة حينذاك “حاييم وايزمان” بأن فلسطين يهودية كما هي بريطانيا بريطانية مطالباً بإقامة دولة يهودية في فلسطين.
وبعد الحرب العالمية الثانية وما تبعها من إثارة وتضخيم لموضوع المجازر النازية التي لحقت باليهود أثناء الحرب واستغلال الصهاينة لذلك اتخذت الجمعية العامة للأمم المتحدة في التاسع والعشرين من تشرين الثاني 1947 قراراً تم بموجبه تقسيم فلسطين إلى دولتين ” عربية ويهودية ” مع بقاء القدس تحت الوصاية الدولية وبلغت مساحة الدولة اليهودية فيه أكثر من نصف مساحة فلسطين رغم أن نسبتهم حينذاك لا تتعدى ثلث السكان.
وكان من الطبيعي أن يرفض العرب الفلسطينيين قرار التقسيم، ليس لكونه قراراً ظالماً وغير منصف فحسب بل لكونهم يرفضون ويقاومون من حيث المبدأ تقسيم وطنهم ، فيما وافق الصهاينة على القرار مما تسبب في اندلاع الاشتباكات التي كانت نتيجتها لمصلحة الصهاينة المدعومين من بريطانيا والمسلحين بأفضل الأسلحة نتج عنها إعلان قيام “اسرائيل” في الخامس عشر من أيار العام 1948 وصاحب ذلك تفريغ فلسطين من معظم سكانها العرب ، وعندما تم إعلان الهدنة كان الصهاينة يسيطرون على 78% من مساحة فلسطين، ولم يبق للشعب الفلسطيني من وطنه سوى 22% لتسقط هي الأخرى تحت الاحتلال الإسرائيلي عام 1967.
وتم إختلاق” اسرائيل ، وبعد مضي نحو عامين على إختلاقها أقدمت بصفتها دولة اليهود حيثما وجدوا بإصدار قانون العودة (5/7/1950) الذي ينص على أن من حق اليهودي العودة إلى إسرائيل، واكتساب جنسيتها بمجرد وصوله إليها ، ومما لا شك فيه بأن هذا القانون، وكذلك قانون الجنسية للعام 1952 والتعديلات التي أحدثت عليه لاحقاً يرتبط المواطنة في الدولة بالانتماء اليهودي وإذا لم يتحقق هذا الأمر كما هي الحال بالنسبة لأكثر من خمس سكانها العرب فإن النتيجة أن يخرجوا من إطارها رغم حملهم جنسيتها مما عرّضهم لمختلف أنواع التمييز فضلاً عن أعمال السطو على أراضيهم، التي أخذت شكل مصادرة لأغراض أمنية لتقام عليها مستوطنات لصالح اليهود العائدين .
وبعد لعبة المفاوضات ، وبعد ما تم توقيعه من اتفاقيات ومعاهدات من كامب ديفيد إلى أوسلو إلى وادي عربة ، وبعد ربع قرن من بدء لعبة المفاوضات العبثية ، وبعد اعتراف ما يسمى بالسلطة الوطنية الفلسطينية واعتراف عرفات وما بعده بدولة ” اسرائيل” وحقها بالوجود على 78% من أراضي فلسطين التاريخية ناسفةً بذلك مبرر وجود منظمة التحرير الفلسطينية وشرعيتها ، وبعد أن قدمت تلك السلطة العرفاتية الأوسلوية العباسية التنازل تلو التنازل ، بما في ذلك إسقاطها لحق العودة ونسفها للميثاق الوطني الفلسطيني ورفضها للمقاومة المسلحة وتنسيقها الأمني مع الاحتلال ، وبعد أن قبلت التفاوض حول دولة فلسطينية على حدود 1967 أو أقل قابلة بذلك مبدأ تبادل الأراضي بما يفتح المجال لترحيل فلسطينيي ال 48 الصامدين على أرضهم منذ النكبة تحت مسمى ” حل الدولتين ” .
وبعد كل ذلك تشدد الصهاينة في شروطهم في المفاوضات حيث وضعوا شرط الاعتراف ” بالدولة اليهودية ” على رأس قائمة شروط القبول بالتفاوض مع سلطة أوسلو ، مستندين بذلك على الدعم والمساندة بل وتبني كافة شروطهم من قبل الإدارة الأمريكية ، تلك الإدارة التي سبقت الصهاينة في صهيونيتها منطلقة في ذلك من مبادئ الصهيونية المسيحية أو الإنجيلية أو المحافظين الجدد المؤمنين بحق ” إسرائيل ” بالوجود وضرورة حمايتها تمهيداً لعودة السيد الميسح … فاعترفوا بالقدس عاصمة أبدية ل ” اسرائيل ” وبدأوا يروجون بقوة للدولة اليهودية استمراراً لنهج بوش واوباما منذ 2007 و 2008 مما شجع الليكود الصهيوني لتقديم وإقرار قانون القومية وبعد أن اقرته الحكومة تقدمت به إلى الكنيست الذي وافق عليه قبل أيام بأغلبية ” 62 ” صوتاً ، وهو قانون وبالإضافة لعدم شرعية الكيان الصهيوني أصلاً وبالإضافة لكون ذلك الكيان رأس لحربة استعمارية متقدمة في المنطقة العربية فقد إحتوى القانون على نصوص عنصرية تجسد المفهوم التوراتي التلمودي على اعتبار أن اليهود هم الأخيار وما غيرهم ” غوييم ” أغيار لا حق لهم فيما أسموه ” أرض إسرائيل ” ، ولعله من المفيد هنا أن نستعرض تالياً هذا القانون العنصري الذي يجسد مفهوم الصهاينة للدولة اليهودية :
قانون أساس: إسرائيل – الدولة القومية للشعب اليهودي
1. المبادئ الأساسية:
أ- أرض إسرائيل هي الوطن التاريخي للشعب اليهودي، وفيها قامت دولة إسرائيل.
ب-دولة إسرائيل هي الدولة القومية للشعب اليهودي، وفيها يقوم بممارسة حقه الطبيعي والثقافي والديني والتاريخي لتقرير المصير.
ج- ممارسة حق تقرير المصير في دولة إسرائيل حصرية للشعب اليهودي.
2. رموز الدولة:
أ- اسم الدولة” دولة إسرائيل” .
ب- علم الدولة أبيض، وعليه خطان أزرقان، وفي وسطه نجمة داود زرقاء.
ت- شعار الدولة هو الشمعدان السباعي، وعلى جانبَيه غصنا زيتون، وكلمة إسرائيل تحته.
ث- النشيد الوطني للدولة هو نشيد «هتكفا ” .
ج- تفاصيل رموز الدولة تُحدد في القانون.
3. عاصمة الدولة:
القدس الكاملة والموحدة هي عاصمة إسرائيل.
4. اللغة:
أ- اللغة العبرية هي لغة الدولة.
ب- اللغة العربية لها مكانة خاصة في الدولة، تنظيم استعمال اللغة العربية في المؤسسات الرسمية أو في التوجه إليها يكون بموجب القانون.
ت- لا يمس المذكور في هذا البند بالمكانة الممنوحة فعليًاً للغة العربية.
5. لمّ الشتات:
تكون الدولة مفتوحة أمام قدوم اليهود ولمّ الشتات.
6 . العلاقة مع الشعب اليهودي:
أ- تهتم الدولة بالمحافظة على سلامة أبناء الشعب اليهودي ومواطنيها، الذين تواجههم مشاكل بسبب كونهم يهوداً او مواطنين في الدولة.
ب- تعمل الدولة في الشتات للمحافظة على العلاقة بين الدولة وأبناء الشعب اليهودي.
ت- تعمل الدولة على المحافظة على الميراث الثقافي والتاريخي والديني اليهودي لدى يهود الشتات.
7. الاستيطان اليهودي:
تعتبر الدولة تطوير الاستيطان اليهودي قيمة قومية، وتعمل على تشجيعه ودعم إقامته وتثبيته.
8. التقويم الرسمي:
التقويم العبري هو التقويم الرسمي للدولة، وإلى جانبه يكون التقويم الميلادي تقويماً رسمياً.
9. يوم الاستقلال ويوم الذكرى:
أ- يوم الاستقلال هو العيد القومي الرسمي للدولة.
ب – يوم ذكرى الجنود الذين سقطوا في معارك إسرائيل ويوم ذكرى الكارثة والبطولة هما يوما الذكرى الرسميان للدولة. –
10. أيام الراحة والعطل:
يوم السبت وأعياد الشعب اليهودي هي أيام العطلة الثابتة في الدولة. لدى غير اليهود الحق في أيام عطلة في أعيادهم، وتفاصيل ذلك تحدد في القانون.
11. نفاذ القانون:
أي تغيير في هذا القانون يستلزم أغلبية مطلقة من أعضاء الكنيست.
من الاستعراض لهذا القانون الصهيوني كما ورد أعلاه ، يتضح مدى عنصريته ومدى معاني الفصل العنصري الواردة فيه والمعنى الواضح لحصر حق المواطنة في دولة ” اسرائيل ” باليهود فقط وربما يسمح لغير اليهود بحق الإقامة تحقيقاً لمبدأ أن الغوييم ” الأغيار ” لا يحق لهم المواطنة ، كل تلك النصوص تعني ما يلي :
1. نسف حق اللاجئين الفلسطينيين بالعودة وهو الحق الذي كفلته الأمم المتحدة وفق القرار 194، والسعي لإفراغ هذا القرار من مضمونه وإلى غير رجعة .
2. الإضرار بمكانة الفلسطينيين الذين بقوا على أراضيهم في فلسطين المحتلة منذ عام 1948 ، سواء عن طريق الطرد وترحيلهم من أرض فلسطين ” الترانسفير “، أو باعتبارهم اقليات ليسوا بمستوى اليهود في الحقوق فالدولة اليهودية تخرجهم هي من إطارها بتعريفها لذاتها كـ دولة اليهود وعلى هذا فقد عمل الصهاينة على تجنب القنبلة الديمغرافية الفلسطينية إذا ما علمنا بأن نسبة الفلسطينيين من مجموع سكان فلسطين التاريخية يبلغ 49% الأمر الذي يهدد كيانهم بالنظر لنسبة الزيادة الكبيرة في عدد الفلسسطين مقارنة باليهود رغم سيل الهجرات المتوالية .
3. الاعتراف بالفكرة وبالرواية الصهيونية لموضوع الصراع العربي الإسرائيلي وبحق اليهود التاريخي في أرض فلسسطين .
4. القضاء الكامل على حل الدولتين عن طريق فرض يهودية الدولة على أرض فلسطين التاريخية مما يعني بالضرورة تنصل الكيان الصهيوني من وثيقة الاعتراف المتبادل لعام 1993.
5. تبرير استباحة الأماكن المقدسة للأديان الأخرى باعتبار أن اليهودية هي الإطار التعريفي لهوية الدولة كخطوة لهدم المسجد الأقصى وبناء هيكل اليهود المزعوم بدلاً عنه .
وهنا أتساءل وأقول هل يمكن للفلسطينيين والعرب الموافقة على هذا القانون والاعتراف بيهودية الدولة ؟ إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن الدولة اليهودية المنشودة لن تقف عند حدود فلسطين التاريخية في “أرض إسرائيل” هي تلك الأرض التي تقع بين الفرات والنيل ، كما ويعتبر إقرار هذا القانون وبعد أن قامت الإدارة الأمريكية بالإعتراف بالقدس عاصمة أبدية موحدة ل ” اسرائيل ” بداية حقيقية لتنفيذ صفقة القرن والبدء بتهجير الفلسطينيين الى سيناء أو إلى الأردن ، وما قول سلطة أوسلو الذي قضى هذا القانون على حلمها بدولة فلسطينية مسخة إلى جانب دولة الكيان الصهيوني فيما يسمى بحل الدولتين .
ولعله من ابسط الردود على هذا القانون هو الانسحاب من كل الاتفاقيات التي تربط العرب بالكيان الصهيوني ككامب ديفيد وأوسلو ووادي عربة وهي الاتفاقيات التي بُنيت على إقامة دولة فلسطينية إلى جانب الكيان …. أولا يقتضي الأمر من السلطة الفلسطينية حل نفسها والعودة للميثاق الوطني الفلسطيني ؟؟ فهل يتم ذلك ؟؟؟؟ أتمنى !!!!
التعليقات مغلقة.