مؤتمر باريس لحرب داعش أم لطمأنتها؟ / أمين محمد حطيط

 

العميد الدكتور أمين محمد حطيط ( لبنان ) الجمعة 5/6/2015 م …

تظاهر التحالف الذي تقوده أميركا تحت عنوان “الحرب على داعش ” تظاهر بانه “صدم” لرؤية داعش تدخل الرمادي في العراق وتدمر في سورية وتستعد للتوسع شمالا حتى تلامس الحدود التركية مع سورية شمالا تبلغ الحدود السورية مع الأردن جنوبا. وتحت “هول الصدمة” المزعومة تداعى المعنيون بالتحالف إلى مؤتمر في باريس للتباحث في الأمر وبلورة استراتيجية جديدة لحرب داعش. هذا ما أعلنوه لكن هل هذه هي الحقيقة؟ ثم هل توصلوا إلى شيء مما أعلنوا عن سعيهم للوصول إليه أم أن في الأمر شيء آخر؟

منذ اللحظة الأولى التي أنشئ فيها التحالف الدولي بالقيادة الأميركية ، و انطلاقا من طريقة أنشائه و أسلوب عمله المعلن أو المعمول به على الأرض ، كنا على قناعة تامة بان هذا التحالف لن يضع حدا لداعش و لن يؤدي إلى منعها من التحرك في الميدان و تحقيق الإنجازات على حساب الأخرين ، لا بل كنا و لا زلنا نرى بان مهمة التحالف الدولي ذاك ليست اكثر من تخدير المعنيين بأمن سورية و العراق و دفعهم للاتكال على الأخرين لحمايتهم من داعش ، ثم تقوم داعش بالمهمة الموكلة اليها في استباحة المدن و البلدات في العراق و سورية و تدمير أثارها و قتل سكانها أو تهجيرهم .

 فداعش ليست مكونا لبناء دولة أو كيانات سياسية كما يروجون لها، أنما هي أداة هدم وقتل وتهجير وتنفيذ الإبادة الشاملة بوجوهها الثلاثة: الإبادة الإنسانية المادية والإبادة الإنسانية المعنوية والإبادة التاريخية، إبادة تنفذها خدمة للمشروع الصهيو-أميركي الذي ينفذ تحت عنوان “الفوضى الخلاقة “. ومؤتمر باريس لم يخرج عن هذه المهمة، مهمة التخدير لتميكن داعش من الاستمرار في لعب الدور المسند اليها

ففي عملية تضليل ومجافاة للحقيقة ادعى مؤتمرو باريس في بيانهم النهائي أن “النظام السوري لا قدرة له ولا رغبة لديه في محاربة داعش ” وهو قول تكذبه حقائق الميدان ومسلسل العمليات العسكرية الجوية والبرية التي خاضها الجيش العربي السوري ضد داعش وحقق بوجهها الكثير من الإنجازات الميدانية والحق بها الكثير من الخسائر الجسيمة في الشمال والشرق السوري.

 ويدعي مؤتمرو باريس بان العمليات الجوية التي يقوم بها “النظام السوري ” تخدم داعش في مواجهة الفصائل المعارضة على حد تعبيرهم. وهنا نجد البهتان بابشع صوره حيث يرمون خصمهم بما يقومون به، ويتجاهلون أو يتناسون ما قامت به طائرات التحالف الأميركي من القاء المساعدات العسكرية لداعش في العراق وسورية، في مقابل ما أنزلته الطائرات السورية من خسائر في صفوف هذا التنظيم الإرهابي.

 أن عملية التضليل هذه ورمي المسؤولية على الغير ليس من شأنها ألا التعمية على الدور الحقيقي الذي يلعبه التحالف في خدمة داعش وتسفيه دور الأخرين الذين يقاتلون الإرهاب بشكل جدي، للتملص من التنسيق معهم والتفلت من الأحراج والفضيحة في حال حصل التنسيق الفعلي لحرب داعش.

ومن جهة أخرى وفي عملية توصيف موضوعي لاحتياجات العراق العسكرية في محاربة داعش حدد رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي مطالب العراق لمحاربة داعش بثلاثة أنواع: استخبارية (التزويد بالمعلومات) ولوجستية (التزويد بالأسلحة والذخائر والعتاد العسكري الميداني) وعملانية (تكثيف الضربات الجوية والتنسيق في أجرائها مع قوى الحشد الشعبي والجيش العراقي). وهي طلبات من شأنها أن نفذت أن ترفع مستوى القدرات العسكرية القتالية للقوى العراقية التي تعمل بصدق لتطهير العراق من داعش.

لكن النتيجة التي خرج بها البيان تكاد تكون صفرا على صعيد الطلبات العراقية. إذ لم يحصل العراق على التزام جدي واضح بشيء مما كان طلب، وحمل البيان عبارات إنشائية مطاطة لا تسمن ولا تغني عن جوع ما دفع العبادي بعد المؤتمر للقول بان العراق سيكون مضطرا للتوجه إلى موسكو لشراء الأسلحة رغم انه دفع لأميركا ثمن الكثير منها ولم يستلم شيئا. أما الأسناد الجوي فقد أجاب عنه الأميركيون أنفسهم بالقول بان طائراتهم تعود ب 75% من الذخائر دون أن تقصف بها داعش ودون الإفصاح عن سبب مانع. وعن الدعم الاستخباري لم يجب الأميركيون لكنهم سربوا القول بأنهم يخشون وصول المعلومات إلى سورية وهنا قمة الفضيحة الغربية إذ كيف يدعون انهم يحاربون داعش ويدعون أن سورية لا تفعل ثم يمنعون المعلومات الاستخبارية الميدانية التي يمكن لسورية أن تستفيد منها في الحرب ضد داعش.

وأخيرا نجد أن المؤتمر أغفل كليا الدعم والأسناد المتعدد الوجوه الذي تتلقاه داعش من بعض الدول الحاضرة فيه خاصة تركيا ولم يتخذ منه موقفا جديا يمكن صرفه في الميدان حيث لم تتعرض الدول التي اجتمعت في باريس للدور التركي في توفير كل وسائل الدعم لداعش بما في ذلك فتح مطاراتها لاستقبال الإرهابيين القادمين للالتحاق بداعش كما وإقامة قنوات التصدير النفطي لصالح داعش ولم تضيق عليها في شيء من ذلك.

و عليه و في نظرة إجمالية لمؤتمر باريس نرى أن هذا المؤتمر كغيره من الاستعراضات الغربية لم يكن مؤتمر للبحث في كيفية محاربة داعش أو سواها من المنظمات الإرهابية بل كان لقاءً لهضم ما حققته  داعش في الأسابيع الأخيرة و التنصل الأميركي و الغربي من المسؤولية في تمكينها من ذلك ، كما  كان لقطع الطريق على أي تنسيق محتمل بين العراق و سورية  أو ما بات يتصاعد الحديث عنه عن وحدة الميدانين العراقي و السوري في مواجهة داعش و قطع الطريق على أي عمل جدي و حرب فعلية تقود إلى احتواء داعش أو وقف تقدمها خدمة للمشروع التقسيمي .

 لقد انعقد مؤتمر بأربس تحت شعار معلن “الحرب على داعش ” وسارت أعماله على وقع نية غربية أميركية مضمرة مضمونها “كيفية الحفاظ على داعش” ولهذا بشر فابيوس وزير خارجية فرنسا بان الحرب على داعش ستكون طويلة الأمد ” متناسيا أن العراقيين في اقل من شهرين استطاعوا وبقدرات محدودة إخراج داعش من نصف المساحة التي دخلتها في مسرحية تمت في غفلة من الزمن.

لقد شكل مؤتمر باريس الأخير و ما دار فيه أو نتج عنه دليلا جديدا لمن لا زال يجهل أو يتجاهل  حقيقة الموقف الغربي الأميركي من الإرهاب ، و هو موقف المستثمر و ليس ابدأ موقف المعارض أو المعادي له ، و لذلك فان الاتكال على الغرب في محاربة الإرهاب أنما هو استسلام للمشروع الغربي و تمكين له للنجاح ، أما السلوك الناجع فانه لا يكون براينا ألا عبر بلورة جبهة إقليمية واحدة يقودها محور المقاومة و تعمل تكاملا في الميادين كلها بدءا بالميدانين العراقي و السوري وفقا لاستراتيجية موحدة و تنسيق تكاملي دون تعليق الآمال على احد آخر.

العميد د. أمين محمد حطيط

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.