الاستراتيجيَّات القتاليَّة والسياسيَّة للجماعات «الجهاديَّة» / سعود قبيلات

 

 

سعود قبيلات ( الأردن ) الجمعة 5/6/2015 م …

كتب أحد كُتّاب الأعمدة اليوميَّة، في صحيفة أردنيَّة، قائلاً إنَّنا يجب أنْ لا نتوقَّع من الجماعات التكفيريَّة الإرهابيَّة شمولاً في النظر أو سعةً في الخيال السياسيّ أو توجّهاً للتخطيط بعيد المدى.

وفي الواقع ليس هذا الكاتب الصحفيّ وحده مَنْ يحمل مثل هذه الفكرة القاصرة عن الجماعات التي تنتمي إلى ما يُسمَّى «السلفيَّة الجهاديَّة»؛ فالغالبيَّة العظمى من المتابعين والمهتمّين ينظرون إليها وفق أفكار نمطيَّة جاهزة، ولا يرون من المشهد سوى بعض الصور التلفزيونيَّة المكرَّرة للّاعبين الثانويين جدّاً يحملون أسماء تراثيَّة مقعَّرة.

وقد كنتُ أحد الذين يتبنّون هذه النظرة النمطيَّة إلى أنْ قرأت عدداً غير قليل مِنْ وثائق هذه الجماعات التي تشرح فيها خططها السياسيَّة والعسكريَّة وتكتيكاتها. وهنا، تبيَّن لي، أنَّ ثمَّة عقولاً مجتهدة ومدقِّقة تقف وراء كلّ الممارسات السياسيَّة والعسكريَّة التي تقوم بها هذه الجماعات.

وبخلاف ما يظنّ الكاتب الصحفيّ الأردنيّ، وبخلاف ما كنّا نظنّ، فهم يزدرون العشوائيَّة والارتجال، ويشدّدون على ضرورة التخطيط واتّباع الأساليب العلميَّة في ذلك.

فها هو عبد الله بن محمَّد، وهو أحد ألمع منظِّريهم وأكثرهم اجتهاداً، يقول في مؤلَّفه «استراتيجية خاصة بالصراع العالمي ومكان التيار الجهادي منه»: «الناس على ضربين في مشاهداتهم للأحداث وحكمهم عليها، فالقسم الأول يهتم بالتفاصيل الدقيقة ويعيش في ثناياها، فيتحمس تارة ويخبو تارة أخرى بحسب سخونة الأحداث من حوله. أما القسم الثاني فهم من يهتم بالمسار العام للأحداث وهي ما تسمى (الرؤية الاستراتيجية)، أي أنه

لا يهتم بالتفاصيل في الحكم على قضية معينة، إنما اهتمامه منصب على مراقبة مجموع الأحداث ومسارها الذي تسير إليه، ولا شك في أن أصحاب هذه الرؤية هم الأقرب إلى الحكم الصحيح على الأحداث بناء على المعطيات الصحيحة التي يمتلكونها».

ويقول أيضاً في دراسته الموسومة «الجهاد على أرض الشام.. كيف ومتى ولماذا؟»: «إن أسوأ ما يمكن أن يحدث هو أن تدخل في أمر لا تدري أين نهايته والأسوأ من ذلك أن تُدخل الناس معك فيه!».

ويقول كذلك في الدراسة نفسها: «وعندما نتحدث عن الجهاد فإننا نتحدث عن الحرب، والحرب تحتاج إلى خطة، والخطة نفسها تحتاج إلى مراحل ومتطلبات تبعاص لنوع الحرب وطبيعتها، وكل ذلك من أجل تحقيق هدف معين، وهذا الهدف إما يكون تكتيكياً أو استراتيجياً، وهذا يختلف باختلاف الموقع والمعطيات، فهناك مسارح حرب يكون الهدف منها إضعاف العدو، وأخرى يكون الهدف منها هزيمته، والأولى مكملة للثانية».

ويتابع قائلاً: «فأي مسرح للعمليات العسكرية يجب أن يُدخل له من بابين؛ أولهما الفهم السياسي الصحيح لمجريات الأمور على الساحة، وثانيهما تنظيم القوة العسكرية التي يمكن العمل من خلالها بفعالية».

ليس هذا حسب؛ بل هم أيضاً يحلمون ويشجِّعون أنصارهم على الحلم. وفي هذا السياق، أضع هنا اقتباسين مِنْ عبد الله بن محمَّد نفسه ومِنْ مؤلّفه الذي سبقتْ إشارتنا إليه:

الاقتباس الأول: «إنَّ كلَّ المشاريع الناجحة قد بدأتْ بحلم! وقد قصَّ علينا التاريخ قصصاً وحكاياتٍ لأناسٍ لم يؤبه لهم في البداية إلا أنَّ آراءهم غيَّرتْ مجرى الأحداث والحروب بعد ذلك».

أما الاقتباس الثاني فهو: «والحقّ أنَّ اليهود تمتَّعوا بواقعيَّة كبيرة في تنفيذ أحلامهم على أرض الواقع وفق الظروف المحيطة بأرض المشروع وطبقاً للشروط اللازمة لذلك ومراعاة للمناخ السياسيّ الذي أحسنوا توظيفه والعمل مِنْ خلاله، وهذا بالضبط ما يجب أنْ يتمتَّع به أصحاب الأحلام الكبيرة أو المستحيلة في نظر الناس!».

كما أقتبس، ثالثاً، مِنْ مؤلّفه «المذكّرة الاستراتيجيَّة» قوله: «الناس بطبيعتهم منحازون للواقع بتفاصيله المتكررة من حولهم، وهذا ما يجعل الأكثرية لا تؤمن بأن شيئاً ما يمكن أن يحدث».

ملاحظات عامَّة

1. يبدأ عبد الله بن محمَّد كتاباته دائماً بالقول: «الحمد لله الواحد القهار والصلاة والسلام على الضحوك القتال».

2. ثمَّة مراجعة مدقِّقة، مِنْ قبلهم، للتجارب «الجهاديَّة» السابقة (خصوصاً للتجربة «الجهاديَّة» في سوريا)، وثمَّة ممارسة للنقد والنقد الذاتي. أبرز من اُشتُهِرَ في هذا المجال «أبو مصعب السوريّ»، وأقتبس هنا ما يلي مِنْ مؤلَّفه «ملاحظات على التجربة الجهاديَّة في سوريا» لإعطاء صورة عن الكيفيَّة التي يفكِّر بها: «وإنَّ مِنْ أوَّل البديهيَّات التي يجب أنْ يُعنى بها تنظيم ثوريّ طليعيّ يتصدَّى لقيادة الجماهير أنْ يرسي جملة من الأهداف والشعارات ليطرحها للجماهير وليكون عليها وحولها مدار استقطابه لها وطرح نفسه كطليعة ثوريَّة قياديَّة موجَّهة»، و»الحرب بكل تفاصيلها ليست إلا أداة لهذه التوجهات السياسية الثورية التي يتبنَّاها العمل».

3. يلفتُ النظر مصطلح «الفوضى العارمة»، لدى «عبد الله بن محمَّد»، وهو يعادل مصطلح «الفوضى الخلّاقة»، لدى كونداليزا رايس، ومصطلح «مرحلة التوحّش»، لدى «أبو بكر ناجي»؛ وهم جميعاً يبحثون في كيفيَّة استغلال هذه الحالة الاستثنائيَّة لتحقيق أغراضهم السياسيَّة؛

4. الاستراتيجيَّات العسكريَّة لا تنفصل عندهم عن الاستراتيجيَّات السياسيَّة.

5. يكتبون بلغة عارية، تصف الأمور بأوصافها الدقيقة؛ فكتاباتهم موجَّهة بالأساس إلى كوادرهم الرئيسة لكي تتسلَّح بالخطط والأفكار الضروريَّة لعملها بلا أيّ التباسات قيميَّة أو ما شابه.

6. يهتمّون جدّاً بالإعلام وبالحرب النفسيَّة، وكلّ عمليَّة عسكريَّة بالنسبة لهم يجب أنْ يكون لها أثر نفسيّ على أعدائهم وأصدقائهم؛ يقول أبو عبيد القرشي، وهو أحد أبرز منظِّريهم العسكريين وينصحون كوادرهم بقراءة كتاباته، في مقالٍ له بعنوان «الحروب الثوريَّة»: «وبهذا فإن أي شيء تقوم به الحركة الثورية لا بد أن يكون له هدف نفسي، يمكن استغلاله سياسياً، في هذا الصدد تشكل العمليات العسكرية أهمية قصوى في الحرب النفسية، ولهذا السبب يرى أحد الباحثين في الحرب الثورية أن المقاتل هو أساساً رجل دعاية سياسيّ، زارع لبذور الثورة أينما حلّ وارتحل، والذي يحسن استعمال كفاحه العسكريّ كوسيلة للتحريض على الحكومة».

7. ثمَّة إعجاب شديد لديهم بالأساليب والاستراتيجيَّات التي اتَّبعتها الحركة الصهيونيَّة لإقامة «إسرائيل» ويحاولون النسج على منوالها؛ بل إنَّهم يستخدمون المصطلح الصهيونيّ المعروف: «الأخيار والأغيار».

8. يتَّفقون صراحة -وليس ضمناً فقط- مع مضمون نظريَّة صراع الحضارات لهتنغتون؛ يقول عبد الله بن محمَّد في دراسته الموسومة »استراتيجيَّة خاصَّة بالصراع العالميّ ومكان التيَّار الجهاديّ منه»: «وأدرك الغرب بأسره (بعد 11 أيلول 2001) بأنه أمام بداية جديدة لنوع جديد من أنواع الصراع العالمي كان قد تنبأ به (هنتنجتون) في نظرية (صراع الحضارات)، وملخص نظريته أن العالم لا يتسع لحضارتين أو ثلاثة، وأنه يجب أن تسود حضارة واحدة وتفرض نظامها السياسي والاجتماعي والاقتصادي حتى يسود السلام العالم كله، ونحن كمسلمين نوافقه في ما ذهب إليه ونرى أن العالم فعلاً لا يتسع لحضارتين في آن واحد، ولذا فنحن نقاتل حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله، وعندنا بشارة في أن ديننا سيدخل كل بيت وبر أو مدر بعز عزيز أو ذل ذليل!».

9. تتشدَّد هذه المجموعات في مسائل العقيدة، ولكنَّها تظهر مرونة فائقة في التكتيكات وأساليب العمل؛ على سبيل المثال، تبدي استعداداً كبيراً لتعيير مسمَّيات مجموعاتها تبعاً للظروف؛ بل إنَّ أحد منظِّريها يقترح إزالة اسم محمَّد عبد الوهَّاب مِنْ على كتبه التي تعيد نشرها وتوزّعها على عناصرها ومؤازريها لأنَّ الوهَّابيَّة أصبحت متَّهمة ومرفوضة من الكثير من الناس؛ كما أنَّ أحد أبرز منظّريها العسكريين يستفيد بلا تحفّظ من تجربة حرب العصابات التي خاضها الشيوعيون في فيتنام وكوبا وبوليفيا وسواها، ويستشهد بماو وغيفارا وكاسترو وريجيس دوبريه. إذ يقتبس أبو عبيد القرشيّ، في مقاله «الحروب الثوريَّة» شيئاً من التعريف الماركسيّ للثورة؛ يقول: «الثورة تعني تغييراً شاملاً وأساسيّاً في التنظيم السياسي والهيكلة الاجتماعية، في الملكية الاقتصادية والوضع الاجتماعي القائم». والثورة تعني كذلك؛ محاولة مجموعة غير حكومية السيطرة على الحكم لإقامة هيكلة سياسية، اجتماعية، اقتصادية جديدة».

ويرجع صراحةً إلى ماو بقوله: «وتظهر أهمية البعد النفسي بجلاء في تركيز (ماو) على ثلاثة أمور؛ الزمن، المكان والمساحة، الإرادة. وبحسب نظريته؛ يجب على الثائر أن يستغل المكان لكسب الوقت، وأن يستغل الوقت لإنتاج الإرادة».

وفي كتاب عبد الله بن محمّد «حرب العقول»، الذي يتحدَّث فيه بشكلٍ مهنيّ عن التجسّس، يفرد فصلاً يشتمل على أسئلة يطرحها هو ويجيب عنها بنفسه، عمّا يجوز للجاسوس المسلم أنْ يفعله أو لا يفعله. وعلى سبيل المثال، يسأل: هل يجوز للجاسوس المسلم شراء الخمور وتقديمها لبعض مَنْ يريد استدراجه في الحديث مِنْ أفراد العدوّ حتَّى يثمل ويفقد توازنه ويبدأ بإفشاء المعلومات؟ وفي إجابته، يجيز ذلك؛ إعمالاً لقاعدة «الضرورات تبيح المحظورات».

وفي النهاية يقول باختصار: «العميل السريّ رجل ازدواجيّ الشخصيَّة لأنَّه يتكلَّم ويقرأ ويمشي ويضحك على غير عادته ومألوفه، فهو في الباطن رجل مستقيم وفي الظاهر قد يكون علمانيّاً أو شيوعيّاً أو صهيونيّاً أو صليبيّاً حاقداً على الإسلام والمسلمين بحسب الدور المطلوب منه».

بانتظار الفوضى العارمة (أو الخلَّاقة)

يتنبَّأ عبد الله بن محمَّد، في مؤلّفه «المذكِّرة الاستراتيجية» باندلاع الفوضى في المنطقة على نحوٍ غير مسبوق؛ فيقول: «ومن هنا نستطيع القول إن المنطقة العربية مقبلة على مرحلة طويلة من الصراعات الداخلية والإقليمية، ولا أجد عنواناً مناسباً لهذه المرحلة سوى (الفوضى العارمة)، لأن ضريبة النزاعات السياسية والعسكرية في مثل هذه الحالة ستكون على حساب الأمن ولقمة العيش، وهذا ما سيجعلنا نشهد هجرات كالتي حدثت من فلسطين، ومجاعات كالتي حدثت في الصوما،ل ومذابح كالتي حدثت في البلقان».

وبعدما يفصِّل في سرد توقّعاته هذه، يطرح السؤال التالي: ما هو الدور الذي يمكن أن يلعبه التيار الجهادي في هذه المرحلة الخطيرة من عمر الأمة؟ وما هو المشروع الذي يمكن أن يدخل فيه هذه المرحلة؟ وما هي فرص نجاحه؟

(بمعنى آخر: «ما العمل؟»).

ويجيب قائلاً: «في البداية أقول إنَّ في ظل هذه الفوضى المرتقبة لن يكتب للمشاريع الجزئية أي فرصة للحياة في الأوضاع الجديدة».

ويدعو، بدلاً مِنْ ذلك، إلى «البحث عن أفضل وأكمل الاستراتيجيات للدخول في هذه المرحلة واستثمار ظروفها الطارئة، فهذه هي التي ستضيع فيها الجهود المستقلة إن لم توظف في هدف عام!».

ثمَّ يتوقَّع أنَّه عند حلول «الفوضى العارمة» المرتقبة: «ستتهيأ نفسية هذه الشرائح المتضررة وهم السواد الأعظم من هذه الشعوب للترحيب بأي (قوة) تستطيع توفير الأمن والاستقرار ولو كانت قوة أجنبية!».

ويضيف قائلاً: «وعندما لا تجد القوى العظمى مصلحة في التدخل أو تعجز عن ذلك كما هو متوقع، يكون الحل الوحيد على يد قوة (بالمواصفات المحلية)، وهذا هو عين ما حدث مع حركة طالبان في قصّة سيطرتها على أفغانستان ووصولها إلى سدة الحكم في كابول . فالقوى المتوازنة في أفغانستان والتي كانت تتمثل في الأحزاب الأفغانية لم تتوافق ديمقراطياً في ما بينها ونشب نزاع مرير طال الأخضر واليابس وبدأت معه موجات النزوح وفقدان الأمن وغيره وانعدام الاهتمام العالميّ بهذه البقعة بعد زوال الخطر الروسيّ عنها، فأتت حركة طالبان كضرورة يفرضها الواقع».

ثمّ يخلص إلى القول: «إنَّنا نتوقَّع ظروفاً مشابهة في المنطقة العربية من حيث الفراغ الذي سينجم عن مرحلة الفوضى العارمة». ولذلك «يجب أن يحظى مشروعنا للمرحلة القادمة على فكرة قادرة على عبور الحدود والتحرك بين الناس ومخاطبة أحلامهم وتطلّعاتهم».

ثمّ يقول: «وهذا يقودنا إلى الفكرة الوحيدة التي يمكن أن تجمع شتات العرب والمسلمين عامة ألا وهي الخلافة».

نظريَّة الذراعين

يقول عبد الله بن محمَّد، في «المذكّرة الاستراتيجيَّة»: «ومن أجل ذلك أقول إنه من السهل علينا في ظل الأوضاع المرتقبة في المرحلة القادمة أن نستغل المساحات الجغرافية التي ستفتقد فيها السيطرة المركزية لإقامة إمارة إسلامية كنواة لمشروع الخلافة الإسلامية كمنطقة سيناء أو الأنبار أو واحات ليبيا أو دارفور والصحراء الغربية، ونكون قد أقمنا حكم الله في منطقة جغرافية على من فيها من السكّان، ولكن ماذا بعد.. لا شيء.. لأنَّنا في مثل تلك المناطق لا نستطيع تحريك الشارع الإسلاميّ، لأنَّها مناطق أقل أهمية بالنسبة لغيرها، وقد تكون هامشي،ة ولا تحظى تضاريس تلك المناطق بأي موانع وسواتر طبيعية نستطيع من خلالها تحييد الأسلحة المتفوقة لدى الأعداء كالطيران والمدرعات، ولا يوجد في تلك المناطق ثروات طبيعية يمكن استثمارها في دفع عجلة التنمية وبناء القوات العسكرية إلا ما ندر، وقد لا ننجح حتى في تأمين الحدود الدنيا من مستلزمات الحياة للسكا،ن وأي عقوبات تجارية تفرض على مثل هذه المناطق سوف تجعلها في مأزق حقيقي بعكس لو كانت ذات اكتفاء ذاتي في المياه والغذاء والحاجات الأساسية».

وقبل تعرّضه للاستراتيجيَّة اللازمة لتنفيذ المشروع، يؤكّد على أهميَّة مسالة الحشد الفكريّ والعاطفيّ التي يقول إنَّها يجب أنْ تسبق الخطوات التنفيذيَّة للمشروع. وهنا يلتفتُ إلى أهميَّة الدور الذي يمكن أنْ يضطلع به الإعلام في هذا المجال؛ فيقول: «والجيد لنا في المرحلة القادمة أننا سنتمتع بمساحة من الحرية الإعلامية التي خلفتها الثورات العربية، فيمكن ومنذ الآن اعتماد استراتيجية بعيدة المدى تتضمن أدوات إعلامية متنوعة كالإصدارات المرئية والكتب والدراسات والمؤتمرات الصحفية والندوات الفكرية التي يمكن من خلال تكثيفها على مدى ٣ أو ٥ سنوات أن نخلق حالة من القبول الفكري أو على أقل تقدير أن نجعل مشروع الخلافة الإسلامية قضية مطروقة عند رجل الشارع العادي إذا ما أراد مناقشة الحلول للأوضاع من حوله».

واللافت أنَّه يراهن على أنَّ حالة «الفوضى العارمة» (أو «التوحّش»، بحسب أبي بكر ناجي) ستعفيهم مِنْ تقديم أيّ مكاسب اجتماعيَّة اقتصاديَّة لسكّان المناطق التي سيسيطرون عليها؛ فيقول: «ويجب الإشارة هنا إلى أن الأوضاع المرتقبة في المرحلة القادمة لن تتطلب منا كدولة وحكومة أن نوفر الخدمات المتعارف عليها حالياً، لأن أجواء الحروب والفوضى المصاحبة لها تلغي جل الكماليات المعيشية وتركز اهتمام الناس على الاحتياجات والخدمات الأساسية مثل الغداء والماء والأمن ومن بعده تأتي الخدمات الطبية والصرف الصحي والوقود وما هو في مثل أهميتها». وبالنسبة لبعض شعوب المنطقة التي يرى أنَّ معيشتها مترفة، فهو يعتقد أنَّ «مرحلة الفوضى العارمة المرتقبة في المنطقة العربيَّة ستعيد صياغة الظروف المعيشيَّة بشكلٍ يعود بها للتركيز على الحاجات الأساسيَّة كما حدث في فترة الحصار على العراق والحصار على غزَّة».

بعد كلّ هذه التحضيرات الضروريَّة، يقول: «بقي أن نضع خريطة العالم العربي على الطاولة ثم نبحث عن أفضل المواقع التي تصلح كقاعدة لانطلاق هذا المشروع وفق الشروط والمتطلبات اللازمة لذلك».

أمَّا هذه الشروط، فهي بحسبه: «أولاً :ألا يكون الموقع في منطقة ميتة حيوياً وسياسياً كبعض الأقاليم في السودان والصومال وموريتانيا وصعيد مصر وغيرها من المناطق التي لا تحظى بعوامل تجعل منها محط اهتمام للشارع الإسلامي». ويستخلص قائلاً: «ولذلك يجب أن نستثمر جهودنا في مجال جغرافي حيوي حتى نخرج بالنتائج المطلوبة لنجاح المرحلة الأولى».

«ثانيا: أن يكون الموقع ضمن أو بالقرب من مناطق التأثير الديني، فالتاريخ يشهد بأن الخلافة ارتبطت دائماً بمن يسيطر على مكة لأنَّها قبلة المسلمين والرمز الذي يلتفون حوله، ولذلك حرص الخلفاء عبر العصور الإسلامية على أن يخطب لهم على منبر الحرم في أول أيام الحكم كي يضيفوا الشرعية الدينية على انتقال الحكم إليهم أو تغلبهم عليه، وهذه الأهمية تنسحب أيضاً على المدينة النبوية والقدس».

«ثالثاً :أن يضم الموقع الجغرافي تضاريس تساعد على العمل العسكري الدفاعي كالموانع الطبيعية مثل الجبال والغابات والمستنقعات والأحراش وغيرها من الموانع التي تعيق حركة الجيوش النظامية أو تحيّد بعض الأسلحة المتفوقة كالطيران والمدرعات».

«رابعاً: الأمن الغذائي، أي أن يضم الموقع مناطق زراعية وأنهاراً وبحيرات طبيعية تشكل له قاعدة للاكتفاء الذاتي في الماء والغذاء».

«خامساً :الطبيعة السكانية المساعدة، أي أن تتضمن الخصائص البشرية للمنطقة نسباً مقبولة من ناحية التدين والشجاعة والصبر على المشاق وضلف العيش وقابلية التحرك والانفتاح..».

بعد ذلك يخلص إلى أنَّ هذه الشروط تتوفَّر في منطقتين من العالم العربيّ هما اليمن والشام.

استراتيجيَّة التحرّك

في نظريَّة الذراعين

تحت هذا العنوان يقول عبد الله بن محمّد في مذكّرته الاستراتيجيَّة، إنَّ: «الاستراتيجية العامة للتحرك تعتمد على حشد وتركيز الطاقات الجهادية في منطقتي المشروع الشام واليمن مع تحويل بقية الجبهات إلى مراكز دعم وإمداد بشري وفني لمنطقتي المشروع وفي الوقت نفسه تقوم هذه الجبهات بتثبيت أو إشغال العدو في مجالها الجبهوي أو تهديد ممراته الحيوية التي يستفيد منها في العمل العسكري».

أمَّا لماذا منطقتان وليس واحدة؛ فيبرِّر ذلك على النحو التالي: «جعلت العمل في المشروع في منطقتين بدلاً من واحدة كي تتضاعف فرص النجاح من جهة، ولكي تعمل الجبهتين والمنطقتين كذراعين تغطي كل واحدة منهما الأخرى وتمنع من تركيز أيّ مجهود عسكري يستهدف أي جبهة لوحدها وهذا وفقاً لمسرح العمليات الممتد من الشام إلى اليمن، فيمكن القول إذن إن نجاح منطقة الشام يعتمد على الضغط الذي تحققه منطقة اليمن ضد قوات العدو والعكس صحيح، وشبكة الإشغال والتثبيت والتغطية هذه تدخل فيها بقية الجبهات بشكل جزئي بجانب مهمّاتها الأخرى في الدعم الفني والبشري والمعلوماتي».

وبرأيه، «فهذه ديناميكية لا ينقصها إلا الفوضى العارمة كي تبدأ بالعمل!».. ويضيف: «وأنا أدرك أن هذه الاستراتيجية تتطلب حشد أقصى ما يمكن حشده من الطاقات البشرية والفنية في منطقتي العمل، وهذا يتطلب إفراغ بعض الجبهات من الكثير من الكوادر العاملة بل ويتطلب تغيير نمط واستراتيجية العمل بعد أن تصبح هذه الجبهات جبهات جزئية، وهذه قد تكون صعبة على بعض النفوس التي تعلقت بمنجزات العمل على أراضيها وبما عليه تطلّعاتها وبما تعاهدت عليه بالدم والنار، ولكنها الحرب ولا مجال للعاطفة في تحديد سياسة العمل».

وهنا، يتطرَّق إلى مبدأ مِنْ مبادئ الفكر العسكريّ يسمّيه «مبدأ عدم تعزيز الفشل». وهذا يعني -بحسب كلماته- «أنْ لا نبدِّد الوقت والجهد والإمكانيَّات في اتّجاهٍ مقفل»، وبناء عليه، فقد «آن الأوان لانهيار الدور العربيّ في بلاد الأفغان».

ويضيف قائلاً: «آن الأوان لعملية نقل واسعة للكوادر العاملة في بلاد الرافدين إلى الداخل الشامي لتتولى وتشارك في مسؤولية قيادة وتدريب وتوجيه دفة الجهاد في بلاد الشام، وأعلم أن هذه النقطة قد تكون شديدة على النفس لتعلق البعض بمشروع (دولة العراق الإسلاميَّة) التي وضع لبناتها من دماء وجماجم الشهداء، ولكني أعود وأقول إنَّها الحرب يا سادة! فكم من مدن تُركت لمصيرها وانسحبت منها الحاميات والجيوش حتى تشكل خطاً دفاعياً أقوى، وكم من عمليات إغارة اشتُرط فيها عدم إسعاف الجرحى وتركهم في مكانهم لأنه لا يوجد وقت كاف لذلك، وكثير من مثل هذه الإجراءات تتطلبه الحرب ولا تستسيغه النفوس!».

وإذا كانت حروبهم السابقة قد استوعبت بعض العشوائيَّة، فإنَّ «مرحلة الفوضى العارمة تتطلَّب تنظيماً أكثر متانة وتشكيلاتٍ شبه نظاميَّة للعمل العسكريّ، أي أنَّ المعادلة هنا معكوسة، ففي السابق كنّا مؤثّرين في مناخ النظام العالميّ بسبب تمرّدنا على قوانينه السياسيَّة والعسكريَّة، أمَّا في مرحلة الفوضى القادمة فيجب أنْ نكون منظّمين حتَّى نكون مؤثّرين في جوّ المناخ الفوضويّ القادم!».

ثمّ يقدِّم خطَّة تفصيليَّة لتأمين المشروع، تتكوَّن مِنْ ثلاثة أنواع: التأمين الدعائيّ، التأمين الذاتيّ، التأمين الاستراتيجيّ. ويمكن اقتباس بعض الفقرات المتعلِّقة بـ «التأمين الاستراتيجيّ»، ومنها: «إغلاق قناة السويس وتضييق باب المندب».

ويقول عبدالله بن محمد عن هذا الإجراء إنه «يأتي بالدرجة الأولى لضمان انتقال الجيوش الإسلامية من الشام إلى مصر وبالعكس بالسرعة المطلوبة، ولتفويت الفرصة على الحملات العسكرية للأعداء من الإفادة من هذا الممر الاستراتيجي، وبذلك تجد أي حملة بحرية عسكرية نفسها مرغمة على الدوران حول قارة أفريقيا والالتفاف من رأس الرجاء الصالح والصعود مرة أخرى للوصول إلى البحر الأحمر عبر مضيق باب المندب، وهو الذي سنعمل على تضييقه بحيث لا يسمح بعبور حاملات الطائرات والبوارج من خلاله ونضعه في الوقت نفسه تحت التهديد المباشر للسلاح».

ويضيف قائلاً: «والحقيقة أن حركة التمازج والتفاعل التاريخي بين قطبي المنطقة العربية الشام ومصر قد تأثرت كثيراً بحفر هذه القناة المشؤومة وقلت بسببها قدرة الشعوب الإسلامية على نجدة بعضها البعض في أوقات الحروب».

أما الإجراء الثاني فهو «تدمير صناعة النفط!»، ويقول تحت هذا العنوان: «ينبغي لنا أن نحافظ على قدراتنا الذاتية في تدمير صناعة النفط على الساحل الخليجي من وقت لآخر، وفي هذه العبارة إيحاء بأننا لن نحقق تواجداً دائماً على ذلك الساحل لأني أظن أن من الخطورة بمكان ضم ذلك الشريط للدولة في بدايتها الأولى لأن كل القوى العالمية سواء كانت أميركا أم من سيأتي بعدها كالصين والهند وغيرها ستحاول الاستقتال للسيطرة على ذلك الشريط بعقد الاتفاقيات الأمنية مع حكومات المنطقة أو بالاحتلال المباشر لمنابع النفط وهي حالة من الهياج يجب أن نتوقعها ويجب أن نتعامل معها بحذر!».

ويتابع: «لذلك أرى أن هذه الحالة تستوجب الحضور الجزئي من جانبنا في تلك المنطقة والذي يجب أن يتمثل في إظهار قدرة على تدمير وتعطيل إنتاج وصناعة النفط هناك، فعملية إنتاج وتكرير وتصدير النفط تستوجب مناخاً مستقراً حتى تنجح»… «وأي تهديد فعَّال ومستمرّ مِنْ قبلنا لصناعة النفط في المنطقة سيجعلها خاضعة لنا، فالدرس الذي يجب أن تعيه أي قوة تريد الإستفادة من نفط الخليج هو أن بوابة ذلك الاستثمار تمر بنا وأننا نحن فقط من يستطيع إعطاء الإذن بذلك!».

أما الإجراء الثالث في إطار التأمين الاستراتيجي، فيتمثل في «تهجير الأقليَّات المعادية». ويقول عبدالله بن محمد تحت هذا العنوان: «علينا ومن مبدأ تأمين قلب الدولة أن نعمل على تهجير ثاني منطقة محظورة على غير المسلمين بعد جزيرة العرب، وإن كانت مسألة إخراج المشركين من جزيرة العرب ضرورة فرضتها النصوص الشرعية فإن إخراج المشركين من الشام ضرورة فرضها الواقع السياسي والعسكري والثقافي». ويضيف: «فلذلك أرى أنه من الواجب علينا بعد أو قبل إعلان دولة الخلافة بحسب الظرف أن نعمل على طرد اليهود وتهجير النصارى والدروز والنصيرية والبهائية بالإضافة إلى الشيعة وعبدة الشيطان وغيرهم من المشركين من الأراضي كافة التابعة لمنطقة الشام.. وفي اعتقادي أن أفضل مناخ لتنفيذ هذا المخطط يأتي في حالة من الحرب وليس في حالة من السلم، أي أنه من السهل علينا اتخاذ مثل هذا الإجراء قبيل انتهاء العمليات العسكرية الخاصة بتمهيد إعلان الخلافة لأن اللغط والصخب الذي يمكن أن ينتج عن مثل هذا الإجراء أو يمنع من تنفيذه يمكن أن يتلاشى مع غبار الحرب لأن عمليات التهجير ستأتي كجزء من مشهد الحرب وليست منفصلة عنه».

استراتيجيَّة «الجهاد» في الشام

في مقدِّمة دراسته «الجهاد على أرض الشام.. كيف ومتى ولماذا؟»، يروي عبد الله بن محمَّد القصَّة التالية: «في ذروة الجهاد في بلاد الرافدين أصيب أحد قادة المجاهدين ويدعى (أبو الأفغان) فأُدخل إلى سوريا للعلاج وبعد أن تماثل للشفاء عاد مرة أخرى وأخذ يتحدث عن رحلته العلاجية في ربوع الشام، وبما أنه رجل عسكري ومن طراز فريد فلم يستطع إخفاء إعجابه الشديد بالمسرح الشامي.. فالتضاريس الجبلية والغابات وشبكات الأنهار الفرعية وتوزيع وانتشار القرى بالشكل الذي يمنع من الحصارات المميتة كلها عوامل مساعدة في حروب العصابات، وكلها جعلته يتمنى أن لو تشتعل جذوة الجهاد في هذه البقعة الاستراتيجية من العالم».

وهنا، يتساءل (بالأحرى، يتمنَّى) عبد الله بن محمّد قائلاً: «فهل ستحقق أمنية ذلك القائد في ظل ظروف الثورات العربية الراهنة؟» .

أما استراتيجية التحرك العسكري، فيمكن أن تنقسم لثلاث مراحل (البناء، والقتال والتمكين).

وتعتمد «مرحلة البناء» على «السرية في كل شيء»، وترفع شعار «البناء من خلال المعركة» بحيث «يكون الشغل الشاغل للمجاهدين تدريب وإعداد الكوادر العسكرية وبناء شبكات الرصد وتشييد البنية التحتية للمرحلة القادمة والتي تتطلب امتلاك وتخزين كميات ضخمة من الأسلحة والذخائر».. «ومن المهم في هذه الفترة أن نرتب بعض الاختراقات اللازمة في أجهزة العدو العسكرية والأمنية، فالمتعاطفون كثر، وخاصة في مناخ الثورة الحالي والذي ستصلنا فيه معلومات مهمة من مختلف المستويات، ويمكن مراجعة ما كتبته في (حرب العقول) لمعرفة متطلبات العمل التجسسي، وتنتهي هذه المرحلة بمجرد بناء الخلايا العسكرية والاستخباراتية والتنسيقية والإعلامية والطبية اللازمة للمرحلة التالية».

وبشأن «مرحلة القتال»، فإنها تبدأ «بالتزامن مع ضعف الشعور بجدوى المظاهرات السلمية ويرجع تقدير ذلك للقيادة، فعندما يدرك الناس عدم جدوى المشروع السلمي في إسقاط النظام نبدأ الإعلان عن مشروعنا المسلح لإسقاطه».

وفي «الجانب العسكري مثلاً، يجب أن نخرج إلى الناس باسم ملائم للمرحلة ومفهوم للعامة كمثل (كتائب مروان حديد)، فالشهيد البطل مروان حديد -نحسبه كذلك- رمز من رموز الجهاد ضد النظام النصيري، وله ديوان شعر وقصص يمكن تحريض الناس بها.. إذن فنحن امتداد له! كما فعل بعض ثوار ليبيا عندما اختاروا اسم (كتيبة عمر المختار)، وأنا هنا لا أريد التحدث عن التكتيكات التي يجب اتباعها لأنها مشروحة بإسهاب في نظريات حروب العصابات».

وبالنسبة للمواجهة مع الجيش السوريّ، يقول: «وأعتقد أن المعركة المناسبة ضد الجيش السوري هي التي تؤدي إلى تفكيكه وليس إلى هزيمته، لأن الثانية مشوارها طويل، أما الأولى فهي تستهدف نفسية الجندي الذي لم يحسم أمره بعد فهم السواد الأعظم في الجيش السوري، فهؤلاء الجنود يخافون من بطش النظام بهم إن تركوا الخدمة في الجيش ويكفي أن نبطش بهم نحن أيضاً حتى يتأكدوا أن الموت الذي يفرون منه فإنه ملاقيهم وعندها فقط سيتخذون القرار الصحيح ويبدأون في الهرب».

ويتابع قائلاً: «ومن أجل ذلك أقترح أن تقسم مناطق سوريا إلى مناطق ضغط ومناطق رعب، نضع في الأولى ثقل العمليات العسكرية ونعتمد في الثانية على ثقافة الكواتم والعبوات اللاصقة لملاحقة كبار المجرمين في المدن التي تشتد فيها قبضة الأمن -في هذا الجو من الحروب يتركز الأمن في المدن الكبيرة ويضعف بشدة على الأطراف- وهكذا تكون جميع شرائح العدو في متناول اليد».

والخطَّة المتعلِّقة بسوريَّة تحتاج إلى تناول مستقلّ؛ ففيها الكثير من التفاصيل والجوانب المهمّة.

على أيّ حال، كان عبد الله بن محمَّد قد أعدَّ هذه الدراسة وأرسلها إلى أسامة بن لادن؛ لكنّها لم تصل إلى هدفها لأنّ ابن لادن كان قد تعرَّض للاغتيال؛ لذلك يختم الكاتب دراسته قائلاً: «وإن كان اليهود لم ينسوا فضل هيرتزل في بناء وتوطيد دولتهم التي أُنشئت بعد وفاته فقاموا بنقل رفاته من أوروبا إلى تل أبيب كتقدير على جهوده في بناء الدولة اليهودية التي كانت من بنات أفكاره، فإني لا أجد أفضل من أن نعمل بجد واجتهاد كما علّمنا الشيخ لنبني ونمد حدود دولة الإسلام ومهد الخلافة لتشمل بحر العرب وما وراءه كي تضم بركة الشريعة قبره الشريف ولكي يبغله خبر رسالتي التي لم تصل إليه».

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.