ما الذي تبقى لتعلن سوريا النصر ؟
الأردن العربي – دمشق –
تتسابق وتتزاحم الملفات الحساسة في سوريا مؤخراً، وذلك على وقع استعادة الجيش العربي السوري لأغلب مناطق تواجد المسلحين ( الارهابيين والمعارضين)، وحيث برهنت وقائع الميدان أنه لا دور مهم أو فاعل للمعارضين، اذا وُجِدوا، في التأثير على حركة الميدان والمواجهة، فإن المعركة الحقيقية والفعلية في سوريا هي بين الدولة والجيش والحلفاء من جهة، وبين الارهابيين مع الدول التي رعتهم وحضنتهم ووجَّهَتّهم، من جهة أخرى.
هذه الملفات الحساسة والنافرة في سوريا، يمكن حصرها بأربعة أساسية، مع إمكانية تداخل بعض الملفات الأخرى من ضمنها، وحيث تشكل حالياً تلك الأربع ملفات محور الصراع والاشتباك أو التفاوض، مع ما تحمله من معطيات ميدانية واستراتيجية، يمكن تحديدها على الشكل التالي:
أولاً: تحرير الجنوب السوري
مع تسارع وتيرة تقدم الجيش العربي السوري في آخر معاقل الارهابيين في حوض اليرموك، نستنتج أن الوثبة الاخيرة المرتقبة خلال ساعات على أكبر هذه المعاقل لـ”داعش” في بلدة الشجرة التابعة لريف درعا الجنوبي الغربي، ستكون آخر مواجهة للجيش مع هؤلاء الارهابيين في الجنوب السوري، ومنها سيكتمل انتشار الوحدات العسكرية الشرعية السورية على خط المواجهة مع العدو الاسرائيلي في الجولان المحتل.
انطلاقا من هذا الانتشار المتوقع اكتماله خلال ساعات، بالرغم من التعقيدات الدولية والاستراتيجية، والتي واكبت ورافقت الاعمال العسكرية الاخيرة للجيش السوري في ريف القنيطرة وامتدادا الى ريف درعا الغربي، يمكن القول أن ثغرة الجنوب السوري قد حُلّت، وأن ملف تحريره قد أقفل على ما هو منطقي وطبيعي وشرعي، تماما كما أراد الجيش العربي السوري منذ بداية عملياته العسكرية جنوبا.
ثانيا: تسوية وضع الشرق السوري
ربما جاءت عبارة ” تسوية وضع الشرق السوري” في غير موضعها الفعلي، حيث يمكن اعتبار أي منطقة لا تتواجد فيها سلطة الدولة هي منطقة محتلة وتحتاج الى تحريرها وليس الى تسوية وضعها، لكن، وانطلاقا من مبادرة الرئيس السوري الأخيرة حول انهاء وضع الشرق السوري عبر التفاوض مع قوى الامر الواقع هناك، وبالأخص مع قوات سوريا الديمقراطية، و الا فانهاء الوضع الشاذ عبر الاعمال العسكرية، يمكن اعتماد عبارة تسوية الوضع شرقا.
فعليا، لقد انطلقت عجلة التفاوض مع قوات سوريا الديمقراطية ومع من يدور في فلكها سياسيا، وحيث تبقى نقاط التفاوض ومعطياته غير واضحة إذ لم تصرح الدولة السورية عن ذلك حتى الان، يبدو أن سكة التسوية السياسية هي على طريق الحل، لأسباب عديدة أهمها:
– اقتناع الاكراد السوريين بوجود تواطؤ وصفقة سرية بين الاميركيين والأتراك على حساب قضيتهم، وبأنهم قد تخلوا عنهم.
– إكتشاف الأكراد السوريين أن التحالف الغربي الأميركي دعمهم فقط لاستغلالهم بمحاربة “داعش”، ولتنفيذ المواجهة البرية الأخطر على الأرض ضد ارهابيي التنظيم وانتحارييه.
– لمس الأكراد السوريين الجدية والحزم لدى الدولة والجيش العربي السوري في عدم التراجع عن تحرير الشرق السوري عسكرياً، الأمر الذي لن يستطيعوا حتما ايقافه، فاختاروا التسوية السلمية.
ثالثاً: تحرير ادلب وما تبقى من الشمال السوري
قد يكون هذا الملف هو الأكثر تعقيداً وصعوبة في ما تبقى من ملفات تعيق انهاء الأزمة السورية، بما يحمله من معطيات عسكرية ميدانية وإستراتيجية، داخلياً أو اقليمياً أو حتى دولياً، والسبب أنها المنطقة الوحيدة التي ما زالت تحضن جميع الارهابيين، والذين طالما لعبوا دور الانقضاض الاقليمي والدولي على سوريا وعلى نظامها وعلى جيشها، وكانوا وسيلة الخرق الاساسية في الداخل السوري، وفي تدمير وقتل وتهجير أبناء سوريا، وحيث كان هؤلاء الارهابيين، من محليين أو من أجانب، يشكلون الذراع المنفذة لمخططات الخارج وأجندته في سوريا، من الطبيعي أن تصعب وتتعقد عملية اقتلاعهم أو تدميرهم أو انهاء وجودهم.
رابعاً: ملف التسوية السياسية
يبقى هذا الملف أساسياً في استراتيجية الدولة السورية وحلفائها، وأيضا في استراتيجية روسيا من ضمن دعمها لسوريا، وقد برهن هؤلاء جميعاً خلال جميع مراحل القتال والمواجهة العسكرية، أن ما كان يؤخر تقدمهم الميداني هو اعطائهم المجال للتفاوض، واعطاء الفرص الواحدة تلو الأخرى للمسلحين للتسويات السلمية، الأمر الذي كان أغلب هؤلاء الارهابيين يستغلونه لتحقيق تقدم على الارض، أو لاكتساب نقاط ميدانية لاستغلالها في التفاوض، وهذا الأمر برهنه بشكل ثابت مسار الميدان والمواجهات في حلب (معارك الكليات والراموسة و خان طومان ومحيطها)، وفي الغوطة الشرقية ومعارك الكاراجات في شمال شرق دمشق، وفي أرياف حماه واللاذقية وغيرها.
اليوم، وفي ظل ما يحكى عن جولات التفاوض التي انطلقت مجددا في سوتشي، وانطلاقا من مسار المواجهات الميدانية سابقا وحاليا، وأيضاً انطلاقاً من اللقاءآت التفاوضية المتعددة الأسماء والأمكنة والتواريخ، والأطراف “المتغيرة دائما”، التي اشتركت بها، وبالأساس في ظل هذا الوجود الارهابي المسلح في ادلب الكبرى، حيث تتعارض مصالح هؤلاء مع تعارض مصالح رعاتهم، وحيث لا يمكن الركون الى أي من تلك المجموعات في ثباتها على موقف أو على التزام، سياسي أو ميداني أو اعلامي، خاصة وأن تركيا الراعية المفترضة لهؤلاء، لا يبدو انها قادرة أو مصممة على تنفيذ التزامها في تلك المنطقة، من المستحيل أن يكون هناك أية امكانية لتقدم هذه التسويات، أو للتوصل الى أي حل سلمي، قبل إنهاء الوضع الارهابي المسلح في ادلب الكبرى.
أخيراً.. وبخلاف التوقعات الخارجية والاقليمية، والتي تهول في هذا الموضوع، يبقى موضوع الحسم العسكري في ادلب ومحيطها واردا وممكنا بنسبة كبيرة، وايضا بطريقة سريعة وصاعقة، وهذا ما يؤشر اليه مسار كافة الأعمال العسكرية الاخيرة، والتي نفذها الجيش العربي السوري وحلفاؤه.
التعليقات مغلقة.