لماذا وسائط نقل التطبيقات الذكية ! / ماجد عبد العزيز غانم

ماجد عبد العزيز غانم ( الاردن ) الخميس 2/8/2018 م …

تساؤل بات مطروحاً بين غالبية فئات المجتمع الأردني بين مؤيدٍ ومعارض لنقل الركاب بوسائط النقل الخاصة من خلال هذه التطبيقات الذكية ، والتي انتشرت مؤخراً وتم ترخيص بعضها قانونيا ، هذا التساؤل قمت بطرحه على عدد كبير من المواطنين من مستخدمي هذه التطبيقات وغيرهم من فئات المجتمع وخرجت بنتائج أتمنى أن نتقبلها ونستفيد منها سواء كنا مؤيدين أو معارضين لها .




بداية يجب التنويه إلى أن شركات نقل الركاب بواسطة التطبيقات الذكية هذه مضى على عملها في العالم ربما عشرة أعوام ، وفي الأردن ربما منذ ثلاثة أعوام ، ولكن الثلاثة أعوام هذه كانت كفيلة بانتشار التعامل مع تطبيقات وسائط النقل هذه بين غالبية فئات المجتمع الأردني ، خاصة في العاصمة عمان والمحافظات الكبيرة الأخرى ، وبات استخدامها شيئا عاديا بل وبديهيا لدى أفراد المجتمع ، والأسباب كانت كثيرة ومن الصعب حصرها ولكن سنتطرق لأهمها .

أحد الركاب من مستخدمي هذه الوسائط وبعد طرح هذا الموضوع عليه كانت إجابته سريعة حيث قال : أنا اقطن في احد جبال عمان ، وفي حي وبيت يبعد عن اقرب شارع رئيسي ما لا يقل عن كيلو متر واحد ، وكنت اضطر للمشي يوميا هذه المسافة حتى أعثر على وسيلة نقل عامة تقلني إلى عملي ، أما الآن فأنا ومن خلال هذه التطبيقات لا أحتاج إلا إلى نحو ثلاث دقائق  أو أقل أحياناً لأجد إحدى هذه الوسائط أمام بيتي تنتظرني ، فما الذي يمنعني من استخدامها ؟ وهي التي اختصرت علي  الوقت والمسافة والتعب ؟ جوابه كان وجيها بكل صراحة .

راكب آخر بيته يقع على شارع رئيسي في العاصمة ووسائل النقل متوفرة بكثرة أمام منزله كما تحدث  ولكن جوابه كان أكثر وجاهة ، حيث قال كنت انزل من بيتي صباحا وأبدأ بالتلويح لسيارات الأجرة  للذهاب إلى عملي ، يتابع حتى وان توقفت إحدى هذه السيارات لي فانه وبمجرد معرفة السائق بوجهتي كان يجيبني : اعتذر هذه ليست طريقي ! طبعا والحديث له يقول أنا أجيبكم لما هذا الرد من السائق ، بالتأكيد كان لأن مكان عملي هو في وسط العاصمة ، وهو لا يريد أن يذهب إلى هذا المكان لوجود أزمة مواصلات في هذا المكان ، بمعنى انه يريد راكباً وجهته  اقل أزمة وأسرع بالنسبة له ! علما بأن عمل هذا السائق وترخيص السيارة التي يقودها يسمح له بالذهاب إلى كل شوارع العاصمة بل ويلزمه بهذا قانونيا ، ولكن أمام هذه المعضلة اليومية لم يكن أمامي خيارا سوى استخدام وسائط هذه التطبيقات الذكية .

راكب آخر قال : كنت وعند خروجي من يوم عمل شاق استقلُ إحدى حافلات النقل العام ، هذا بعد أن أكون قد مشيت سيرا على الأقدام مسافة طويلة للوصول إلى موقفها ، وبعد انتظار طويل لامتلاء هذه الحافلة ، وبعد بدء مسيرها كانت تتوقف لأكثر من عشر مرات على الأقل لتنزيل وتحميل الركاب على الطريق ،  يقول كنت أصل إلى بيتي الذي لا يبعد عن وسط العاصمة سوى كيلومترين أو ثلاثة إن زادت ، كنت أصل بعد ما يقارب ثلاثة أرباع الساعة أو أكثر أحيانا ، وكنت أصل بحالة نفسية وجسدية سيئة تنعكس دوما علي وعلى أهل بيتي ! وهذا ما دفعني لاستخدام هذه التطبيقات فبفضلها اختصرت المسافة التي أمشيها من عملي وصولا للحافلة واختصرت الوقت انتظارا لامتلائها  وأيضا مدة التوقف على الطريق للتحميل والتنزيل اختصرتها كلها في ربع ساعة فقط هذا إن كان هنالك أزمة سير ، عداك عن وصولي لبيتي بحالة نفسية وجسدية جيدة ، ويكمل ضاحكا ودليلي على كلامي هذا هم أهل بيتي حيث انعكس ذلك عليهم بشكل كبير !

راكب آخر تطرق إلى عدة نقاط مهمة جدا ، وأجد نفسي ملزما بنقلها والحديث بخصوصها ألا وهي  نظافة المركبة واحترام الراكب ، حيث كان هذا الراكب منفعلا أثناء الحديث معه وبدأ يتحدث بطريقة  تدل عن معاناة حقيقية قبل وجود هذه الوسائط ، ومن جملة ما قاله هذا الراكب أثناء حديثي معه :  لماذا لا أستعمل هذه التطبيقات في تنقلي ! ألا يكفي أنني وجدت وسيلة نقل نظيفة  ! ألا يكفي أنني لا أجد سائقا ينفث سموم سيجارته في وجهي وأنا الذي أعاني من الربو! ألا يكفي أنني أركب في سيارة حديثة ومكيفة في ظل طقس حار وأجواء مليئة بالملوثات التي لا حصر لها ! ألا يكفي أنني بت لا أسمع أثناء ركوبي كل ما يؤذي أذني من أغاني وموسيقى تَفرضُ علي فرضاً ! ألا يكفي أنني بدأت أشعر بأنني أركب سيارة أجرة وليست سيارة رالي ! في إشارة منه للسرعة التي يلجا إليها بعض السائقين  لإنهاء مشواره والحصول على راكب آخر بأسرع وقت ممكن ! ألا يكفي أنني أتمتع بخصوصيتي أثناء الركوب في هذه الوسائط ،  بحيث لا يتوقف السائق لالتقاط ركاب آخرين عن الطريق ليقلهم بمعيتي ! ألا يكفي أنني وجدت سائقا يتعامل معي وكأنني ضيفا في بيته ! ألا يكفي أنني أركب مع سائق مثقف لا يتحدث إلا إن بادرته أنا بالحديث ! وهذه إشارة منه إلى أن غالبية من يقدمون هذه الخدمة هم من فئة الشباب خريجي الجامعات كما لاحظنا ويتابع فاحترام هذا السائق لخصوصيتي يكفيني بل ويزيدني إصرارا على استمرار تعاملي مع هذه الوسائط حتى وان ارتفعت الكلفة المادية عن غيرها قليلا .

في ظل كل التساؤلات المشروعة التي تحدث عنها  راكبنا الأخير ، وعند تطرقه  للكلفة المادية ، كان لا بد من الحديث عن هذا الموضوع ، وكان هذا محور  سؤالي الأخير لهذا الراكب ،  ألا تعتقد أن التكلفة المادية لهذه الوسائط أعلى من قدرة المواطن الأردني الذي يشكو الفقر وتردي الأحوال المادية ؟ بكل صدق كان جواب صاحبنا مقنعا للغاية فيبدو أنه كان مر بتجارب كثيرة مع وسائل النقل جعلته يحسب بل ويحسم هذا الأمر وبشكل منطقي حيث كان جوابه : أخي الكريم أنا عند مغادرتي لعملي مساءً أحتاج للمسير طويلا قبل الوصول لحافلات النقل العام والركوب بها ، وبعد وصولي لوجهتي ونزولي منها كان علي أن أضطر للمسير أكثر حتى أصل إلى بيتي ، هذا ناهيك عن الوقت المهدور خلال هذه العملية ، فأنا لا اعتقد أن التكلفة المادية عالية بل أجدها مناسبة جدا لما ذكرته سابقا من معاناة بالإضافة للمزايا التي تحدثت عنها سابقا لهذه الوسائط ، هنا قاطعته ولكن هناك سيارات الأجرة الصفراء بديلا لوسائل للنقل العام ، وهي اقل كلفة من وسائط التطبيقات الذكية ! بصراحة كان رد فعله سريعاً وكأنه كان ينتظر الحديث عن هذه الفئة من وسائل النقل بل لم ينتظر أن أكمل حديثي ، وابتدأ بتنهيدة عميقة  وتابع قلة فقط من سائقي هذه السيارات ممن يلتزمون بالتعرفة المقررة لهم بل ان غالبيتهم لا يستعملون العداد في رحلاتهم ، بل تكون التعرفة أو التسعيرة كما عبر عنها حسب مزاج السائق وغالباً تكون مساوية بل ربما أعلى من تعرفة وسائط التطبيقات الذكية ، وهنا نوه هذا الراكب إلى أمر أكثر أهمية مما سبق فيما يتعلق بالتعرفة حيث تحدث قائلا : أخي الكريم دوماً كنت أستخدم سيارات الأجرة هذه ودائما كنت أعرف التكلفة المادية تقريبا لرحلتي بحكم الاستخدام المستمر لها ، ولكني بدأت ألاحظ تفاوتاً في  الأجرة بين سيارة وأخرى ، هذا إن التزم السائق بالعداد الموجود في سيارته ، والأمر يزداد سوءاً عندما ينتهي مشواري وأقدم له المبلغ المطلوب خاصة إذا كان يتبقى لي مبلغ بسيط ( الفراطة ) كما عبر عنها ، كنت أجد السائق يعتذر مني بأنه لا يتوفر لديه ( فراطة )  وكأن هذا المبلغ المتبقي يجب أن أتنازل عنه له  بطريقة أو بأخرى وإن أصررت على أخذه كنت أسمع منه موشحا من التذمر والكلام الذي لا داعي له قبل إعادة المبلغ المتبقي ،  ، وهناك بعض السائقين كانوا لا يلتفتون إلي من الأصل حيث أنهم يعتبرون هذا المبلغ إكرامية لهم ، وأنا ملزم بالصمت والذهاب في طريقي ! وتابع متحدثا على الأقل أنا الآن أعرف تكلفة مشواري حتى قبل أن تحضر السيارة لتقلني باستخدام هذه التطبيقات ، ولا يوجد مجال للتلاعب بها من قبل السائق ، وبكل صدق أنا أجدها اقتصادية ومجدية لي من الناحية المادية في ظل كل ما حدثتك عنه .

في ظل ما سبق من حديث كان لا بد من طرح هذه النقاط وخاصة الملاحظات المتعلقة بسيارات الأجرة الصفراء كان لا بد من طرحها على سائقي هذه السيارات ، ولكن وللأسف وبمجرد الحديث عنها كان البعض منهم ينفجر بالحديث وينتقد هيئة تنظيم قطاع النقل للسماح لهذه التطبيقات ، وعند توجيه الكلام له بأن هذا قطاع تطور وارتقى في كل بلاد العالم فلماذا يُمنع في بلادنا ؟ الغريب أن الكثير منهم كانوا يجيبون : هذا تعدي على أرزاقنا ! وكأن الأرزاق باتت بيد البشر ! والأمر الأكثر غرابة لدى هؤلاء السائقين أنهم باتوا يعتقدون أن نقل الركاب بات حكرا لهم !

ولكن وللأمانة كان البعض منهم يشيرُ إلى الظلم في تعرفة العداد ( التسعير ) وارتفاع أسعار الوقود باستمرار ، والى أنه استثمر ( تحويشة العمر ) لشراء هذا التاكسي ، أما الذي لا يملك سيارته فكان يشيرُ إلى أنه بات لا يستطيع توفير مبلغ الضمان لمالك التاكسي ، وكان لا يتردد بالإشارة إلى جشع بعض المالكين لهذه السيارات فهم يطلبون مبلغا لا يقل عن خمسة وعشرون دينارا يوميا كضمان على الأقل وهذا مبلغ كبير ويحتاج لوقت طويل لتوفيره مع بعض الدنانير للسائق !  ولكن عند القول له بأن هذا الأمر معني به جهة مسئولة وعليه التوجه والتظلم لها ،  لا أن يكون الراكب هو الضحية ، كانت الإجابة أنه لا فائدة من التظلم ، وعن الملاحظات المتعلقة بالسائق وبالمركبة كالنظافة والتكييف ، ولم لا يقومون بإيصال الركاب أيا كانت وجهتهم ، والتي وردت سابقا كان رد فعل البعض منهم هجوميا وغير مبرر مثل قول بعضهم ( هو الراكب بدو يشتريني بهالليرة ) !  أوأنا مش مجبور أوصل راكب لمكان يوجد فيه أزمة سير ! فالراكب بنظر بعضهم تحول إلى مبلغ مالي ،  وليس مواطن يبحث عن خدمة أفضل في ظل تطور هذه الخدمات على مستوى العالم أجمع .

بالمحصلة خرجت بنتائج أعتقد أنها أكثر من ايجابية بالنسبة للمواطن الأردني فيما يتعلق بتعامله وتفاعله مع وسائط نقل الركاب عبر التطبيقات الذكية ، وهذا ما يستدعي من القائمين على تنظيم قطاع النقل العام في الأردن إعادة النظر ببعض النقاط التي أثارها سائقي سيارات الأجرة ، والتي يشعرون من خلالها بالظلم هذا من جهة ، ولكن عليهم بموازاة ذلك الدفع بقوة نحو تطوير وتنظيم هذا القطاع الذي تمثله الشركات التي تدير وسائط نقل الركاب من خلال التطبيقات الذكية ، مجاراة لباقي دول العالم ، فنحن دولة سياحية وهذا الأمر مهم جدا بالنسبة لنا ، واستمرار هذه الخدمة التي يقدموها للمواطنين والسياح وتطويرها وتحسينها كلما تطلب الأمر ، فالتنافس في تقديم هذه الخدمة دائما يصب في مصلحة الوطن والمواطن والذي هو في النهاية يقرر ويختار من يقدم له الخدمة .

 

 

 

ماجد عبد العزيز غانم

عمان   

الأربعاء 1/8/2018

هاتف 0780019308

[email protected]

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.