في جبهة الأعداء -“صفقة القرن” ، محاولة تصفية القضية الفلسطينية / الطاهر المعزّ
الطاهر المعزّ ( تونس ) الخميس 2/8/2018 م …
هي مشروع أمريكي، كما معظم المشاريع التّصْفَوِيّة المَطْرُوحة منذ خمسين سنة، يهدف إلى تأسيس تحالف عَلَني يقوده الكيان الصهيوني ويتألّف من الأنظمة العربية المشرقية التي أصبحت تُعَبِّرُ علانية عن تحالفها مع الكيان الصهيوني ضد سوريا وضد شعب اليمن، مُعتبرة إيران عَدُوًّا رئيسيًّا والكيان الصهيوني صديقًا وحَلِيفًا، وتزامن مع الهجوم الأمريكي والصّهيوني على الأمم المتحدة (التي شرعَنَتْ احتلال فلسطين) وعلى وكالة غوث وتشغيل اللاجئين وعلى القيادات الفلسطينية الوديعة جدًّا، بل العميلة للإحتلال ووكيلته في الضفة الغربية وغزة، وأَطْلَقَها الرئيس اليميني العنصري، والملياردير المُتعجرف “دونالد ترامب” (كممثل لأعتى قوة إمبريالية ولرأس المال المُعَوْلَم)، ويُرَوِّجُ لها صهره ومستشاره “جاريد كوشنر”، ومبعوثه إلى الشرق الأوسط “جيسون غرينبلات”، وسفيره لدى الكيان الصهيوني “ديفيد فريدمان”، وثلاثتهم من غُلاة الصهاينة، وخلافًا للعادة والأعراف الدبلوماسية، لم يُشْرِك الرئيس في تنفيذ هذه المُؤامرة وزيره للخارجية ولا مجلس الأمن القومي الأميركي، ولم يستشر أو يُخْبِرْ “الحلفاء” الأوروبيين، وبدأت خَطَوات تنفيذ المشروع مع إعلان نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، ولم تنخَرِط سلطة أوسلو ولا الأردن في هذا المشروع، لأن الإدارة الأمريكية بالغت في تَبَنِّي المشاريع الصهيونية، وتجاهلت مصالح أصدقاءها “العَرَب”، كما تتجاهل مصالح حُلَفائها في الإتحاد الأوروبي وفي حلف شمال الأطلسي (ناتو)… يُعتبر هذا المشروع (صفقة القرن) تتويجًا منطقيا لهيمنة التيارات اليمينية “المسيحية-الصهيونية” على سلطة القرار في الإدارة الأمريكية، وسبق أن أيّدَ سفير أمريكا في القدس عقيدة “يهودية الدولة” وضمَّ مستوطنات الضفة الغربية باعتبارها “أُنْشِئَتْ على الوطن التّاريخي للشعب اليهودي”، مما يعني إن الشعب الفلسطيني مُقِيمٌ في هذه الأرض، بفضل تَسَامُح وكَرم بني صهيون… ماذا يُفِيد الحوار مع هذا الصّنف من ممثلي التيارات الإستعمارية والعنصرية؟ وإذا تَمّ الحوار، ماذا سيكون هدفُهُ ونتائجه ومفاعيله على أصحاب الأرض الشرعيين؟
تتواصل “مسيرات العودة” في غزة، محرومة من دعم الضفة الغربية، حيث تقمع قوات “التنسيق الأمني” أي تحرك مساندة، ومحرومة من دعم الجماهير العربية التي انشغلت بنتائج الفرق العربية المهزومة في “مونديال روسيا 2018” أو بمقاومة الحر في شواطئ المتوسط والبحر الاحمر، ومحرومة من دعم منظمات حقوق الإنسان التي ترى في الكيان الصهيوني “دولة قانون ومؤسسات”، و”تنصح” الفلسطينيين العُزّل والواقعين تحت الإحتلال، بالتظاهر “السّلْمي والمَدَني والحضاري” ضد عدو مُدَجّجٍ بالسّلاح وينفي أي حق لهم في وطنهم، وقتل جنود الإحتلال خلال مسيرات العودة، في الفترة من 30 آذار (ذكرى يوم الأرض) إلى 29 حزيران 2018 ما لا يقل عن 134 شهيدًا وأصاب أكثر من 15200 بجراح مختلفة واختناق بالغاز، منها 370 إصابة خطيرة، وفق وزارة الصحة الفلسطينية، ومن بين الشهداء 16 طفلًا دون سن الـ18 عامًا، وسيدّة واحدة (مُسْعِفَة)، فيما كان من بين المصابين 2536 طفلًا، و1160 سيدة، ويستهدف جنود الاحتلال الطواقم الطبية والصحفيين بشكل مباشر ومتعمّد، ما أسفر عن استشهاد مسعف ومسعفة وصحفيَيْن اثنَيْن، وإصابة 231 مسعفًا و175 صحفيًا بالرصاص الحي واختناق بالغاز، إضافة لتضرر 40 سيارة إسعاف بشكل جزئي، دون أن يثير ذلك أي تضامن أو دعم أو احتجاج من نقابات الصحافيين أو المُمَرِّضِين أو المنظمات النّسْوِيّة أو منظمات الدفاع عن حقوق الأطفال، لأن هذه المنظمات الدولية المُسمّاة “غير حكومية” تهدف تفتيت قضايا الشعوب إلى أجزاء، وتنفي الروابط لمجمل القضايا الفرعية مع القضية الأم (وهي الإحتلال في حالة الشعب الفلسطيني)، وتجاهلت منظمات “حقوق الإنسان” هذه المجازر لأن شعار الإحتجاجات هو “حق العودة”، وهو شعار تعارضه وترفضه كافة منظمات حقوق البشر وحتى معظم المنظمات التي تَدّعِي “مساندة” الشعب الفلسطيني، وقَمعت قوات أمن فتح والسلطة مظاهرات الدّعم في الضفة الغربية، بتنسيق أمني وسياسي مع الإحتلال…
لم تتأثّر منظمات “حقوق الإنسان” والنّقابات “الغربية” بما يُعانية سكان غزة من حصار عسكري متواصل من حوالي 12 سنة، ونقص حاد في الماء والغذاء والدواء والمسكن (بفعل قصف وتهديم البيوت بشكل مُكثّف منذ 2008)، وفي خدمات الصحة والتعليم والطاقة والكهرباء، والصرف الصحي، والبنية التحتية، في أكثر بقاع العالم اكتظَاظًا بالسكان الذين يعيشون في ظل أعْلى نسب الفقر والبطالة ، لأن هؤلاء الفُقراء لا يتسوّلون بعض الغذاء والخيام وإنما يُطالبون بالعودة إلى وَطَنِهِم المُغْتَصَب…
التعليقات مغلقة.