سورية … الملف الإنساني .. خونة في بازار التقسيم / ميشيل كلاغاصي

ميشيل كلاغاصي ( سورية ) الخميس 2/8/2018 م …




لأن الإنتصار الحقيقي هو حصيلة الإنتصارين العسكري والسياسي , كان لا بد للدولة السورية أن تعتبر إنتصارها العسكري الكبير الذي تحقق -حتى اليوم– مرحلة ً أولى ولا بد لها أن تسعى لتحقيق الإنتصار السياسي ليكتمل عقد إنتصارها الحقيقي , خصوصا ً بعد هزيمة جيش الإرهاب الوكيل واستحالة شن الأصيل معارك مباشرة بفضل قوة وصلابة الدولة والجيش العربي السوري ومحور المقاومة وحلفاء سورية , كان لا بد لفريق الأعداء بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية التحوّل نحو إعتماد الحل السياسي استراتيجية ً جديدة , فالحرب لم تنه ولا بد لها أن تأخذ شكلا ً اّخر.

كان من اللافت في قمة هلسنكي إعلان الرئيسين بوتين وترامب عن إهتمامهما وتعاونهما لحل الأزمة الإنسانية السورية وعودة اللاجئين , إذ تم الإتفاق على خطة عاجلة تتضمن عودة 1.7 مليون لاجئ سوري من عدة دول إلى مناطق سيطرة الدولة , وعلى الرغم من تأكيدهما ضرورة الحل السياسي إلاّ أن الرئيس الأمريكي أكد “عدم وجود أي إتفاقات أو ترتيبات عسكرية محددة حيال سورية في الوقت الحالي” , ما يعني أن أمريكا لا تزال تحتفظ بغموض أهدافها في سورية , ولم تعلن بعد استسلامها العسكري , ولم تقرّ بإنسحابها من قاعدة التنف ومن 22 قاعدة عسكرية على الأراضي السورية , ولم تعلن سلفا ً أسماء كافة حلفائها أو أدواتها اللذين تنوي الخلي عنهم , إلاّ في توقيتها الخاص كما حصل في درعا والجنوب , ولم تعلن صراحة ً – حتى اللحظة – تخليها عن دعم “قوات سورية الديمقراطية” و “قوات الحماية”, وهي ترى التقارب والحوار مع الدولة السورية, كذلك لم تعلن عن وقف دعمها لحليفها التركي , على الرغم من مزاحمته على نصف مدينة منبج , وعديد الخلافات والمشاكل العميقة بينهما.

مالذي يجعل ملف عودة النازحين ملفا ً رئيسيا ً وحاضرا ً بقوة في قمة هلسنكي , والسعي لترجمته فعلا ً في وقتٍ قياسي !, كما سبق له أن كان سببا ً رئيسيا ً لزيارة الترهيب والترغيب التي قامت بها أنجيلا ميركل إلى لبنان والأردن لدعم العودة أو لعرقلتها!, كذلك اتخذت فرنسا حياله ومنذ فترة موقفا ًصلبا ً وفرضته على رئيس حكومة لبنان وفريقه المعادي لسورية .. مالذي يجعل أعداء سورية يُظهرون “محبتهم” بشكل مفاجئ ويُبدون حرصهم على رفض العودة الطوعية وإصرارهم على العودة “الاّمنة” بضمانات وقراراتٍ دولية بما يضمن للعائدين عدم مساءلتهم أو محاسبتهم أو توقيفهم من قبل الدولة , مالذي حدث وغيّر المزاج الإنساني لبعض الأطراف وجعلهم يتحولون من مطالبين بالعودة إلى معرقلين لها؟.

ومالذي يجعل الأمين العام للأمم المتحدة والسيد ستيفان ديمستورا وأطراف دولية عديدة , أن تبدي قلقها ومخاوفها من وقوع “كارثة إنسانية” في مدينة إدلب , على الرغم من مشاهد المصالحات الهادئة ودخول الجيش العربي السوري وسط تحية وهتاف أهالي القرى والبلدات في مدينة درعا وأريافها مؤخرا ً وانسحاب الأمر ذاته على الجنوب السوري بكافة مدنه وبلداته وقراه ؟, أم هي مخاوفهم من إنهيار ما تبقى من المجاميع الإرهابية  أمام ضربات الجيش الواثقة – القوية ؟, فعمدوا إلى تحريك  فوبيا وبروباغندا الملف الإنساني , أليس من الغريب أن يتحوّل وحوش المجتمع الدولي فجأةً  إلى حملان صامتة على حشود أردوغان وتوحيده  للفصائل الإرهابية تحت لواء واحد وحديثهم عن أعداد مبالغ بها لجيش الإرهاب في إدلب!, هل يفكرون بالصمود أمام الجيش في معركة يائسة , مالذي يحاولون فعله؟. أهكذا يهدؤون روعهم وقلقهم , أم أنها خشيتهم على هزيمة مشروع تقسيم سورية وإلى الأبد ؟.

طرحنا العديد من الأسئلة ويجدر بنا الرجوع قليلا ً إلى الماضي القريب والبعيد للإجابة عنها وإماطة اللثام عن أهداف العدو الأمريكي والتركي والثلاثي الأوربي الفرنسي – الالماني – البريطاني.

فمنذ بداية اجتياح الإرهاب للشمال السوري , تحمّس المشغلون والداعمون الأتراك والفرنسيون والقطريون ومن اصطف معهم في خندق المشروع الإخواني , وسارعوا لدعم إنشاء المنطقة العازلة أو الاّمنة , وقوبلت وقتها الرفض الأمريكي تارةً  وبالقبول المشروط المتأرجح الممزوج بإخفاء النوايا تارة ً أخرى , وسارعت دول فرنسا وألمانيا وبريطانيا لحجز بطاقات جلوسها على مقاعد التسوية من خلال حجوزات مسبقة لقواتهم العسكرية على بضعة أمتارٍ مربعة من الأرض السورية .. وبدأ وضع حجر الأساس لمشروع تقسيم شمال سورية على أساسٍ طائفي , لكن الولايات المتحدة الأمريكية وبهدف القيادة والتحكم والتفرد , وضعت العراقيل أمامهم ودفعت بمشروع  التقسيم الموازي على أساسٍ عرقي , عبر دعمها للأكراد وأنشأت ما دعتهم ب “قوات سورية الديمقراطية”, ورغم من التنافس بين المشروعين لكنهما تقدما كل ٌ على حدة وعلى ضفتي نهر الفرات … وبدأ الطرفان بترتيب أرضية التغييرات الجغرافية والديموغرافية لكلا المشروعين عبر عمليات التجهير القسري بإستخدام الإرهاب والعنف والمجازر والتنكيل , وسعت واشنطن لإقامة مجالس إدارات ذاتية في مناطق مشروعها التقسيمي لضمان التلاعب بصكوك الملكية الأمر الذي يفسر العبث الحاصل في بيع الأراضي وتسجيلها بأسماء مجهولة , أو بتركها دون تسجيل , وتهجير من يحتفظ بصكوك ملكية السجل العقاري السوري بالقوة , خصوصا ً بعد إدعاء أردوغان إمتلاكه صكوك ملكية أراضٍ وعقارات في سورية منذ عام 1923, الأمر الذي يؤكد نسفه للصكوك الحالية ونواياه في التغيير الديموغرافي وبتأكيد قوله: “سنعيد الأرض لسكانها الأصليين”, بعد إنزياحه عن دوره الضامن , وقيامه برفع العلم التركي واستخدام كافة وسائل إعلان نفسه صاحب حق وسيادة وليس كمحتل وغاصب !.

إن سعي تركيا منذ بداية الحرب لإستجلاب وتجميع أكثر من ثلاثة مليون سوري في أراضيها سواء كانوا نازحين أو لاجئين لم يكن بدواعي إنسانية , إنما كان من خلال مخطط التقسيم الطائفي الذي سار عليه أردوغان , بعدما استمال بعضا ً من أحد المكونات الطائفية في سورية واللذين عُمل على تحضيرهم لسنوات ليقوموا بدور رئيسي في عملية التقسيم بمجرد عودتهم إلى “منطقة أردوغان الاّمنة في شمال سورية” –غربي الفرات– , والتعبير عن رفضهم لإمكانية العيش تحت سيطرة سلطة الدولة السورية , وإدعائهم زورا ً مخاوف قتلهم وقصفهم جوا ً وإجتياح بيوتهم أرضا ً, في محاولةٍ لإقناع العالم بمطالبتهم بالحماية التركية , وبذلك يكون سايكس- بيكو الأول قد أتم سلخ وإغتصاب لواء الإسكندرون عام 1939 بأيدي الفرنسيين والبريطانيين والألمان , في الوقت الذي سيكون سايكس – بيكو الثاني بأيدي السوريين أنفسهم , وهذا يبدو جليا ً في المظاهرات “السلمية” التي بدأت بالظهور أمس الأول وبالزي المدني لعناصر الجيش الحر وجبهة النصرة , في بعض قرى سهل الغاب بالريف الغربي لحماة ، اللذين رفعوا العلم التركي وهتفوا لرفض المصالحات وطالبوا بالحماية التركية.

أما على المقلب الاّخر في شرقي الفرات, فقد سار المشروع الأمريكي التقسيمي على أساسٍ عرقي بقيادة بعض الأكراد الإنفصاليين اللذين جعلوا أنفسهم مطية ً للعدو الأمريكي , على حساب وحدة سورية  الوطن وعلى حساب أقرانهم من الأكراد السوريين في شرقي وغربي الفرات وخصوصا ً في منطقة عفرين .. لكن الإحتلال الأمريكي وجد نفسه أمام إمتحان صعب , إذ باغته الجيش السوري بسرعة تقدمه وإنهائه ملف الإرهاب في الجنوب والجنوب الغربي , وبدأت أنظاره تتجه نحو الشمال .. خشي الأمريكيون إحراجهم وإخراجهم من سورية تفاهما ً أو بالمواجهة العسكرية المباشرة بإعتبارهم قوة إحتلال لا شرعية على الأرض السورية , فأعطوا قوات سورية الديمقراطية الضوء الأخضر للإختيار من كلام الرئيس بشار الأسد ما بين الحوار أو القوة لإستهلاك  أطول وقت ممكن , تكون فيه القوات السورية قد اتجهت نحو معالجة الوضع الشائك  للضامن والمحتل التركي والذي سيضطر للخروج هو وصحبه الإرهابيون والقوات الفرنسية والبريطانية والألمانية أذلاء بالتفاهم أو بالقوة , وبذلك تبقى الولايات المتحدة الأمريكية وحدها على الأرض السورية وتتولى التفاوض مع السوريين والروس بدون منغصات من تدعوهم شركائها و حلفائها.

سيناريو محتمل تكون فيه أمريكا قد تخلت وباعت حلفائها جميعا ً , وألقت بالطامعين وإصحاب المشروعين الطائفي والعرقي في السراب .. لكنها وعلى ما يبدو قد أخطأت الحساب ولم تعرف أن الدولة السورية  استطاعت إمساك العصا من المنتصف , فويلٌ ل “قسد” ومن ورائها , إن فشل الحوار والبديل هو القوة , وويلٌ لأردوغان إن نجح الحوار, فسيكون عليه البحث عن ذريعةٍ مختلفة عن محاربة الإرهاب لتبرير وجوده وإحتلاله للأراضي السورية , قبل أن يفجّر الجيش السوري جام غضبه في وجه عصابات وقوات “السلطان” النظامية.. كما أعلن بالأمس الدكتور بشار الجعفري من سوتشي أنه : “إن لم تحرر إدلب بالمصالحات فللجيش السوري كل الحق بتحريرها بالقوة”.

لهذا أعلن أردوغان عن عقد لقاء رباعي في اسطنبول بتاريخ 7 أيلول / سبتمبر يضم دول روسيا وفرنسا وألمانيا , بالإضافة لتركيا .. إذ يجد نفسه مجبرا ً وأصدقاؤه الأوروبيون على تقديم مفاتيح السلام وإنهاء الحرب على سورية ووضعها بيد الرئيس بوتين كي يقود وساطة ً وضمانة ً روسية لتسوية الصراع مع الرئيس الأسد والحكومة والشعب السوري , ولحث سورية على قبول عروضهم الإقتصادية والنفطية وقبولها بخط السيل التركي وعودة العلاقات الرسمية والمضي بإعادة الإعمار بصدق وسخاء .. , إذ سبق لميركل وماكرون أن وعدا بأن تبحث أوروبا عن مصيرها و مصالحها بعيدا ً عن الولايات المتحدة الأمريكية.

أخيرا ً .. للأسف أن يسير وراء مخططات التقسيم الدنيئة “سوريون” يدّعون أنهم معارضون كي يبرروا خيانتهم في بازار التقسيم , بعدما عاينوا فظاعة ما تعرض له السوريون في مخيمات اللاجئين من عنفٍ وإغتصابٍ وتجارة أعضاء وكيف تحوّل البعض منهم إلى سلعٍ رخيصة في مكاتب الدعارة التركية , الأمر الذي دفع بهم نحو البحر ليغرقوا فيه , كذلك بعدما خَبروا طريقة استغلال تركيا ملف اللاجئين ضد الدولة السورية ، لكنهم صمتوا وحصلوا على حصصهم من المال التركي القذر الكافي لمليء جيوبهم تحت عنوان ” الثورة” , وكانوا شركاء حقيقيين للإجرام والإرهاب الأردوغاني- العصملي بحق الوطن والمواطنين.

 

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.