تحليل هام … حزب الله في سوريا.. التحديات والتداعيات علي الكيان الإسرائيلي
الأردن العربي ( الجمعة ) 5/6/2015 م …
بدء الأزمة السورية مطلع العام ٢٠١١، دعا حزب الله وعلى لسان أمينه العام مختلف الأطراف السورية من النظام والمعارضة السلمية (لم يكن هناك معارضة مسلحة حينها) إلى الحوار لأجل التوصل إلى الحل، لكن هذه المعارضة رغم إعلان الرئيس الأسد الإستعداد للحوار وإجراء الإصلاحات رفضت ذلك، معلنةً شعار إسقاط النظام عنواناً وحيداً لتحركاتها الداخلية والخارجية.
لم يكن موقف حزب الله الحواري في الأزمة السورية بعيداً عن موقفه من نظام صدام حسين حينما أعلنت أمريكا نيتها إحتلال العراق، وهذا ما أكّده الأمين العام لحزب الله في المقابلة التلفزيونية على قناة الميادين في ٣ أيلول/سبتمبر٢٠١٢ عندما قال: أعلنا موقفاً ضدّ الحرب الأمريكية على العراق وضدّ احتلال العراق، ودعونا إلى حوار وطني عراقي، مَعْ مَنْ! دعونا المعارضة العراقية إلى حوار وطني عراقي مع صدام حسين، دعونا إلى طائف عراقي ودعونا إلى الإحتكام إلى صناديق الإقتراع وأن يصير هناك انتخابات وأن يصير هناك مجلس تأسيسي في العراق ودعونا إلى تغيير دستوري، ويومها شُتِمْتْ من الكثير من الناس في العراق وفي الكويت وفي أماكن أخرى، لكن هذا لم يغير الموقف.
لذلك يمكن الإستدلال أن دعوة حزب الله للمعارضة إلي الحوار مع الرئيس الأسد(الحليف) والرئيس صدام حسين(العدو)، تنطلق من مقاربته للمصلحة العامة التي يراها، ولا تحكمها المصالح الفئوية، وهنا يكمن بيت القصيد في إعلان حزب الله دخوله العسكري في الأزمة السورية.
الدخول إلى سوريا
لم يكن في وارد حزب الله أثناء الظهور الأولي للجماعات التكفيرية الدخول إلى سوريا بل إقتصر تواجده بعد أكثر من سنتين على الازمة السورية على حماية المقدسات الدينية التي تعرّضت للهجوم في مرّات عدّة، لكن دخول حزب الله العلني وبشكل قوي في سوريا كانت بداياته في معركة القصير المتاخمة للحدود اللبنانية، وقد أعلن السيد نصرالله حينها في ذكري التحرير الـ١٣(٢٥-ايار-٢٠١٣) أن “سوريا هي ظهر المقاومة وسندها، والمقاومة لا تستطيع ان تقف مكتوفة الأيدي وتسمح للتكفيريين بكسر عمودها الفقري”.
لا يمكن حصر أسباب تدخّل حزب الله في الأزمة السورية بسبب دعم دمشق للحزب أو بإعتبارها ” ظهر المقاومة وسندها”، بل هناك أسباب أخرى أوضحها الحزب من وراء التدخل العسكري، أسباب تبدأ بسقوط المدن السورية المحاذية للحدود اللبنانية في أيدي الجماعات التكفيرية التي بدورها هدّدت بالتوجّه إلى لبنان بعد الإنتهاء من “النظام السوري” لأن إيديولوجيتها الدينية ترفض الحدود الجغرافية وهذا بالفعل ما حصل في العراق عام ٢٠١٤ إثر إحتلال الموصل، وتمرّ عبر مشروع تقسيم سوريا إلى دويلات عرقية وطائفية وقد ظهرت معالم هذا التقسيم في الفترة الأخيرة على الساحة العراقية عندما أعلن الكونغرس عن مشروع الأقاليم الثلاثة في العراق(سني-شيعي-كردي)، ولا تنتهي بالحروب الطائفية والمذهبية الكارثية التي ستشتعل مع وصول الجماعات التكفيرية إلى الحكم في سوريا من ناحية، وتصفية آخر القلاع الحاضنة للشعب الفلسطيني وقضيته المحقة من ناحية أخرى، وهذا بالفعل ما أعلنته قوى سورية معارضة مصرحةً باستعدادها لإقامة علاقات دبلوماسية مع الكيان الإسرائيلي، وظهر جلياً من خلال التعاون العسكري والدعم اللوجستي لهذه الجماعات في الجولان المحتل.
ولا يمكن التغافل أن دخول حزب الله في الحرب السورية حمل في طيّاته العديد من التداعيات العسكرية، سواءً في سوريا عبر حفظ النظام، أو في لبنان عبر إرتداداته على الداخل اللبناني، أو على بنية حزب الله العسكرية، أو في صراعه مع الكيان الإسرائيلي على الجبهة الجنوبية. واتضحت النقطتان الأوليتان مع مرور حوالي أكثر من ٤ سنوات على الأزمة في السورية، لذلك سنتطرق في تتمة المقال إلى معالجة النقطة الثالثة للدخول منها إلى النقطة الأخيرة.
التحديات العسكرية
عند الحديث عن “معركة وجود” يُصرف النظر عن الخسائر البشرية التي تُقدّم خدمةً للأهداف الإستراتيجية، وبالفعل قد يكون حزب الله خسر بعض المئات من الشهداء في سوريا، وجرح آخرون إضافةً إلى التكلفة المادية، لكنه نجح في حماية الداخل اللبناني- عند الحديث عن شهداء الحزب في سوريا تستذكرني حادثة شهداء العشائر العراقية والعشائر السورية التي رفضت الإنصياع لأوامر تنظيم داعش الإرهابي، وكذلك مجزرة سبايكر التي راح ضحيتها في يوم واحد ضعف شهداء الحزب في سوريا خلال السنوات الماضية!)، وكسب خبرات عسكرية ثمينة تشكّل تحولاً عسكرياً هامّاً في معركته الكبرى مع الكيان الإسرائيلي.
لطالما كان وعي حزب الله بتضاريس المنطقة أحد أبرز نقاط القوة في جنوب لبنان، لكن دخول حزب الله في سوريا راكم هذه الخبرة وأكسبه خبرة قتالية في طبيعة جغرافية غير معروفة التضاريس، إضافة إلى القدرة على المواجهة في تضاريس غير متطورة عسكرياً، بخلاف الجنوب اللبناني الذي يحوي بنية تحتية متطورة عسكرياً من تحصينات وأنفاق ومنشآت قيادة ومراكز مراقبة وثكنات عسكرية. حزب الله يشارك حالياً في القتال على مساحات شاسعة، وعلى أكثر من جبهة تفصلها عشرات الأميال، وربما مئات الأميال، إلا أن خبرة حزب القتالية كانت تقتصر على منطقة صغيرة نسبياً في جنوب لبنان سابقاً.
وتشهد الحرب التي يخوضها الحزب مع الجماعات التكفيرية على إستخدامه أسلحة جديدة ومتطورة وفق الحاجة الميدانية، إضافةً إلى القدرة على التنسيق والهجوم على مستوى الكتائب والسرايا.
وقد أعطت الحرب السورية لحزب الله فرصة الإستفادة من تجربتها الصعبة، حيث بات يدرك الحزب جيداً متطلبات القيام بأي عملية قتالية على مساحة واسعة، من حيث التخطيط والقيادة والسيطرة والخدمات اللوجستية وتناوب القوات والأفراد، إضافةً إلى القدرة على التخطيط والتنفيذ لعمليات عسكرية معقدة، فضلاً عن تنفيذ عملياتٍ عسكرية هجومية على مستوى السرية والكتيبة.
التداعيات على الكيان الإسرائيلي
حمل دخول حزب الله إلى سوريا بعض النتائج الإيجابية بالنسبة للكيان الإسرائيلي، ووفقاً لما ذكرنا أعلاه، فإن الحزب تكبد بالفعل خسائر بشرية، مع سقوط الشهداء وسقوط الجرحى بعدد أكبر إضافةً إلى التكلفة المادية، ومع إستمرار مشاركة حزب الله في القتال على الجبهة السورية تكون الخسائر مرشحة للزيادة فيما بعد. لكن قيام حزب الله بالمعرفة أي درس الخصوم وإستخلاص النتائج من عملياته القتالية، ستكون عنواناً للمرحلة القادمة في الحرب مع الكيان الإسرائيلي.
رغم إفتقاد حزب الله في أي حرب قادمة مع الكيان الإسرائيلي إلى العديد من المزايا التي يتمتع بها على الجبهة السورية، بل ربّما تكون هذه المزايا في كفّة الطرف الآخر، أبرزها: القواعد الخلفية الآمنة، الفرصة على إجراء المناورات العملياتية، الخدمات اللوجستية الواسعة. غير أن هذه الحرب كرّست خبرة يستطيع من خلالها الحزب القيام بعمليات هجومية على مستوى الكتائب أو السرايا- كان هجوم الحزب سابقاً في الحرب مع الكيان الإسرائيلي يعتمد على نطاق المجموعات الصغيرة- الأمر الذي يعزّز نيّة حزب الله في الاستيلاء علي الجليل أثناء أي حرب قادمة.
ولم يغفل الحزب طوال الحرب القائمة عن الجبهة الإسرائيلية كما أوضح أمينه العام في وقت سابق، وهذا ما تؤكده دراسة جديدة صدرت عن مركز بيغين السادات للدراسات الاستراتيجية أن “حزب الله يواصل تنمية قدراته العسكرية الهجومية رغم تورطه في الحرب السورية، وهو الآن ينشر نحو ٨٠٠٠٠ صاروخ في البقاع والجنوب موجهة نحو الكيان الإسرائيلي، ويسعى إلى زيادة ترسانته من الصواريخ الدقيقة المتوسطة والبعيدة المدى”.
نجح حزب الله إستراتيجياً في تحويل التهديد إلى فرصة، ولم تكن الحرب في سوريا والتي ألقت الضوء على أداء الحزب وقدراته القتالية أمراً سهلاً، ونتيجةً لتدخل حزب الله في سوريا، فإنه سيكون أكثر استعداداً للقتال في أي صراع مستقبلي مع الكيان الإسرائيلي.
المصادر:
١. نص مقابلة السيد نصرالله مع قناة الميادين، موقع قناة المنار، بتاريخ ٣ أيلول/سبتمبر٢٠١٢.
٢. خطاب السيد نصرالله في ذكرى تحرير جنوب لبنان عام ٢٠٠٠، بتاريخ ٢٥ مايو/ايار٢٠١٣.
٣. حزب الله يخوض حرباً في سوريا: القوات والعمليات والآثار والتداعيات، معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، بتاريخ كانون الثاني/يناير ٢٠١٤.
٤. إعلان «حزب الله» للحرب في سوريا: التداعيات العسكرية، معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، بتاريخ ٢٩ أيار/مايو ٢٠١٣.
٥. حزب الله في سوريا… الظروف والدوافع، جريدة الأخبار، بتاريخ ٢١مايو/ايار٢٠١٣.
٦. دراسة صدرت عن مركز بيغين السادات للدراسات الاستراتيجية، موقع إسلام تايمز، بتاريخ ١٩ تشرين الثاني/نوفمبر ٢٠١٤.
التعليقات مغلقة.