فلسطين تجمّع الأمة العربية في بيروت / د. فايز رشيد
ندرك أن أحوال أمتنا العربية تمرّ راهنا في واحدة من أبأس مراحلها, حيث يجاهر بعض النظام الرسمي العربي بعلاقاته وتطبيعه مع دولة الكيان الصهيوني, وينادي البعض بحق إسرائيل في فلسطين وحقّها في القدس, وهي مرحلة جديدة في تاريخ هذا النظام! نعم. حيث أيضا يسود في العالم العربي حاليا التقوقع على القطرية البغيضة, والانغلاق على الذات, والصراعات التناحرية البينية على مستوى القطر الواحد وعلى مستوى الأقطار, والحروب الطائفية والمذهبية والإثنية البغيضة..في موعد بعد شهرين من الذكرى الـ70 للنكبة الفلسطينية, انعقدت في بيروت يومي الجمعة والسبت الماضيين في 27 و28 يوليو/تموز الماضي 2018, الدورة التاسعة والعشرون للمؤتمر القومي العربي, بحضور حوالي 250 عضوا من الأقطار العربية كافة, بينهم شخصيات سياسية وإعلامية ونقابية وثقافية واجتماعية, وينتمون إلى أجيال مختلفة وإلى بيئات فكرية وسياسية متعددة, تلتقي حول الهموم العربية الواحدة والقضية المركزية العربية الأولى لجماهيرنا من المحيط إلى الخليج, وهي القضية الفلسطينية والأخطار التي تتهددها وبخاصة صفقة القرن التصفوية كما الأبعاد الخطيرة لنقل السفارة الأميركية إلى القدس, وقانون القومية الصهيوني وتداعياته, كما انتصارات الجيش العربي السوري الأخيرة, والأوضاع في العراق وأقطار عربية أخرى, كما التأكيد على أهمية التمسك بمحور المقاومة في مواجهة العدو الصهيوني. تضمنت أعمال المؤتمر بالإضافة إلى حفل الافتتاح, عرضا لورقة بمثابة تقرير سياسي أعدها الأمين العام السابق د. زياد حافظ, وعرضا لتقرير حال الأمة الذي يعده سنويا مركز دراسات الوحدة العربية, بالإضافة إلى تقرير عن مبادرات المؤتمر أعدته مساعدة الأمين العام رحاب مكحل. كما تضمن جدول الأعمال عرض ومناقشة أوراق عمل حول عناصر المشروع النهضوي العربي: الوحدة العربية, الاستقلال الوطني والقومي, الديمقراطية, التنمية المستقلة, العدالة الاجتماعية, التجدد الحضاري. كما تم ضمن جدول أعمال المؤتمر مناقشة ورقة عمل أعدها عدد من أعضاء الأمانة العامة السابقة للمؤتمر. كما تم تقديم تقرير مالي وورقة عن نشاطات المؤتمر بعد الدورة السابقة. وجرت انتخابات للأمين العام الجديد وأعضاء الأمانة العامة في تنافس حرّ وديموقراطي.
ندرك أن أحوال أمتنا العربية تمرّ راهنا في واحدة من أبأس مراحلها, حيث يجاهر بعض النظام الرسمي العربي بعلاقاته وتطبيعه مع دولة الكيان الصهيوني, وينادي البعض بحق إسرائيل في فلسطين وحقّها في القدس, وهي مرحلة جديدة في تاريخ هذا النظام! نعم. حيث أيضا يسود في العالم العربي حاليا التقوقع على القطرية البغيضة, والانغلاق على الذات, والصراعات التناحرية البينية على مستوى القطر الواحد وعلى مستوى الأقطار, والحروب الطائفية والمذهبية والإثنية البغيضة, واستبدال الصراع ليكون مع دولة إيران الجارة, التي ومنذ قيام ثورتها طردت السفير والدبلوماسيين الصهاينة, وسلمت المبنى للثورة الفلسطينية, وهي تعلن جهارا نهارا وبالفم الملآن أنها مع إزالة دولة الكيان الصهيوني. كلّ ذلك بالطبع, في سبيل تغييب الصراع الأساسي في المنطقة, والذي هو تاريخيا مع هذا العدو الصهيوني, الذي كان ولا يزال, وسيظل خطرا على كل العرب حتى لو قاموا بعقد “اتفاقيات سلام معه”, وحتى لو استجاب بعضهم لنداءاته بعقد التحالفات مع دولته, أينسى البعض جرائم دولة الكيان, ومذابحها وموبقاتها ضد الفلسطينيين والعرب, منذ ما قبل تأسيسها على أيدي منظمات الإرهاب الصهيونية: ليحي, أتسل, الهاجاناة, شتيرن وغيرها, وصولا إلى المرحلة الراهنة؟!
ندرك, أن أحوال أمتنا, لن يحلها لا اجتماع لنخبة من مثقفيها وأبنائها المتمسكين بقوميتهم العربية الأصيلة, ولا اجتماعات عديدة, فما يخطط لأمتنا من الدوائر الإمبريالية عامة والأميركية بشكل خاص, والصهيونية وكل أعوانهما في المنطقة العربية, هو كله, لكي ينعم الكيان الصهيوني بـ”الأمن والأمان” الذي تحدثت عنه كل مؤتمراته الاستراتيجية الأخيرة, وآخرها مؤتمر هرتسيليا الـ18 الذي عقد منذ شهرين! ولمحو الهوية العربية كمحدد حضاري وتاريخي للمنطقة, ندرك ذلك كله! لكن من الإنصاف القول: إن مجرد انعقاد المؤتمر في ظل هكذا ظروف يعني: أن في هذه الأمة نخب ورجالات يصرون على تحقيق طموحات جماهيرنا العربية وأحلامها الواحدة من المحيط إلى الخليج, على الصعيدين الداخلي في الحرية والديموقراطية وتحقيق العدالة الاجتماعية وتعميق وحدة النسيج الشعبي, والخارجي في النضال من أجل الوحدة التكاملية العربية وتحرير الوطن الفلسطيني من رجس الاحتلال الصهيوني, وتطهير أرضنا الفلسطينية من بقايا الدنس الصهيوني, مشروعا ووجودا وتداعيات سرطانية.
في ذات السياق, وبعد انعقاد الدورة الـ29 للمؤتمر القومي العربي, تلاه مباشرة انعقاد المنتدى العربي الدولي الرابع من أجل العدالة لفلسطين. ذلك بحضور جماهيري عربي وفلسطيني كثيف, لم تتسع له المقاعد على طابقين اثنين, فقد دعي إلى المنتدى أكثر من 400 مشارك ومشاركة من 35 دولة و5 قارات. نعم, حضر المؤتمر عديدون من أصدقاء قضيتنا “الأجانب” الذين هم في صميمهم فلسطينيون وعرب في شعورهم ونشاطاتهم مثل الفلسطينيين والعرب الملتزمين بقضيتهم الفلسطينية كقضية مركزية لهم جميعا.
أيضا خصصت جلسات المؤتمر للافتتاح وإلقاء الكلمات من قبل منسق المؤتمر القومي ـ الإسلامي خالد السفياني رئيس الجلسة, وأُطلق على دورة المنتدى اسم عهد التميمي, وتحدّث رئيس المركز العربي الدولي للتواصل والتضامن, معن بشّور إضافة إلى كلمات أخرى. ثم كانت كلمة لرئيس الهيئة الإسلامية في القدس وخطيب المسجد الأقصى الشيخ عكرمة صبري, والتي جاء فيها “إن انعقادكم في هذا المنتدى إنما يدلّ على أن القدس ليست لأبناء فلسطين وحدهم, بل هي لجميع العرب والمسلمين, ولا يمكن التخلي عن هذه المدينة لأن قضيتها هي قضية عادلة, وأن القدس هي موضع اتفاق لدى جميع العرب المسلمين والمسيحيين, ويتوقف على ذلك أن تكون البوصلة موجهة إلى القدس رغم الأحداث المؤسفة والدامية التي تقع في البلاد العربية والإسلامية, وثمّن صبري جهود الملتقى من أجل القدس وفلسطين مؤكدا أننا بحاجة إلى وحدة الصف”.
وقد ناقش المنتدى خمس أوراق عمل وهي: “صفقة القرن وسبل المواجهة” قدم الورقة د. لبيب قمحاوي و”قانون القومية” قدم الورقة ريتشارد بيكر. تطوير حركات المقاطعة ومناهضة التطبيع قدم الورقة فلاك ريتشارد, مسيرات العودة وسبل دعمها عربيا ودوليا وقدم ورقتها ريتشارد إدوارد, الأسرى والمعتقلون في سجون الاحتلال الصهيوني, المسؤولية العربية والدولية قدم الورقة عيسى قراقع, مناقشة إعلان بيروت الرابع من أجل العدالة لفلسطين. بالفعل كان المؤتمران انتصارا لفلسطين من قبل الأمة العربية وأصدقائها على الساحة الدولية, ولطالما كانت فلسطين وستظل قضية مركزية لأمتنا من المحيط إلى الخليج فهي الجامع لها. بالنسبة للبيانين الصادرين عن المؤتمر والمنتدى, فقد حملا تأكيد المؤتمرين على نصرة القضية الفلسطينية وتحرير كامل الأرض الفلسطينية من النهر إلى البحر, والتصدي للمخططات التصفوية للقضية المركزية للعالم العربي, والوقوف مع الأسرى الفلسطينيين في تصديهم للجلادين الصهاينة, ودعم نضال الشعب الفلسطيني في كلّ مواقعه, وبخاصة في الأراضي المحتلة عامي 48, و67 ومسيرات غزة من أجل حق العودة. شدد البيانان على نصرة سوريا وكل القضايا الوطنية العربية.
التعليقات مغلقة.