أوتاد اسرائيل .. الدين والغربال / نارام سرجون
نارام سرجون ( سورية ) الأحد 7/6/2015 م …
عندما ينضب الايمان والدين فينا تكثر صلواتنا وابتهالاتنا وصيامنا ويكثر المتأبطون للكتب المقدسة .. وعندما ننضب من المشاعر فلاشيء يجيد وصف كلماتنا وشرحها الا النفاق ذاته .. وعندما ننضب من الثقافة تصبح الكتابة مثل محو الأمية ..
الأمة التي يتولى تعليمها الأميون أمة لايمكن ان تنتج العباقرة ولا أن تقتحم الذرّة ولا أن تعتقل الالكترون من مداراته .. والأمّة العمياء التي لاترى لاتستحق أن تكون لها عيون ولاتستحق أن تتمتع بنور الشمس بل حري بها أن تقتلع عيونها من محاجرها وترمي بها في بحر الليل كما ترمى النفايات ..
هذه أمة الربيع أمامكم .. وفي هذا الربيع لاترى عيوننا الا الجحافل التي كثر فيها المؤمنون والمصلون والمكبّرون وقرّاء القرآن والصائمون والمتمتمون بذكر الله وملائكته وكتبه .. ولكنه الزمن الذي خرج فيه الاسرائيليون من حدود فلسطين ودخلوا في عواصم الشرق كله وانسابوا لما بعد الفرات والنيل مع حملة القرآن واصحاب الابتهالات والصلوات ..
عجبت لهذه الأمة التي كلما زاد ايمانها ومؤمنوها زاد الاسرائيليون في اسواقها وفنادقها ومنتدياتها وقصورها .. وعجبت لهذه الأمة التي كلما تأبط شيوخها وأئمتها الكتب المقدسة تهدمت مساجدها وفتكت ببعضها .. وكلما كثر فقهاؤها ومفتوها تصافحت مع ألد أعداء دينها .. وعجبت لهذه الأمة التي كلما كثرت ثوراتها خرج الاسرائيليون من حدودهم القديمة (التي سجنهم فيها جيل آبائنا الديكتاتوريين خمسين عاما) ثم دخلوا في حدودنا من المحيط الى الخليج التي صارت كالغربال لهم .. ومن كانت حدوده كالغربال كان دينه مثقوبا كالغربال .. ومن كان دينه مثقوبا كالغربال كان ايمانه كماء يجمعه في غربال دينه ..
أرجو الا تستغربوا تعاطفي مع شيمون بيريز وبنيامين نتنياهو من كثرة الضيوف والزوار من العرب الثقلاء حتى أنني صرت أشفق على شيمون بيريز ونتنياهو من كثرة العرب الذين يطرقون بابهما تسولا للمصافحة والتقاط الصور .. الكل متهافت على نيل شرف اللقاء والمصافحة شرقا وغربا .. عربا وكردا وثوارا ومسلمين .. ومن لم يستطع من المؤمنين فبرسالة تعلن ميلاد “الصداقة العظيمة” .. وكأني بالاسرائيليين اليوم يتأففون من اندفاع العرب نحو عناقهم والشد على ايديهم .. ولن أبالغ ان قلت انه سيأتي يوم على الاسرائيليين يضيقون ذرعا بالثقلاء من الزوار وطارقي الأبواب والثوار متسولي الصداقات العظيمة ويغلقون الأبواب في وجوههم .. فهذا زمن اسرائيل الذي يتهافت فيه العرب على أحذية الاسرائيليين .. ويبدو لمن يرى هذه المناظر للأمة المتهافتة على تقبيل الأحذية الاسرائيلية أن يظن أن الله قد نقل مسكنه وجنته من السماء الى “اسرائيل” لأن دعوات المؤمنين بالنصر لايسمعها الله الا اذا قيلت له ولملائكته هناك .. في تل أبيب ..
فكل من له حلم لابد ان يمر حلمه من اسرائيل .. مثل أحلام حزب العدالة والتنمية والخليفة العثماني التي مرت من ايباك .. وأحلام الاخوان المسلمين .. والأكراد .. والسعوديين والقطريين والخليج المحتل .. وأحلام مصر والسودان وليبيا والمغرب مرت من اسرائيل .. وحتى فلسطينيو محمود عباس صار لهم حلم يمر من اسرائيل .. والأكثر فجائعية أن فلسطينيي حماس وخالد مشعل صار حلمهم يمر من اسرائيل كما تظهر التسريبات !! .. والثوار السوريون يمر حلمهم كل يوم من اسرائيل .. وحتى حلم جبهة النصرة يمر من قلب تل ابيب وبجانب بيت نتنياهو .. فقد تعهد زعيم النصرة ابو محمد الجولاني ان عدوه هو عدو اسرائيل .. اي النظام السوري وحزب الله .. وتعهد أنه لاينوي ايذاء الغرب ان كسب الحرب .. ورسالته معناها الباطني أن من يؤذي اسرائيل فقد آذى الغرب .. لأن المؤمن الجولاني يرى ان منزلة اسرائيل في الغرب هي كمنزلة هارون من موسى .. وربما بمنزلة الرأس من الجسد .. وهي رسالة مبايعة من الجولاني للاسرائيليين لمن يفهم رسالة المؤمنين ..
ومنذ أيام كان شيمون بيريس في مؤتمر اقتصادي في الأردن يحتفى به كالأمير .. وعلى بعد متر منه جلس بهاء الحريري وكأن أغنية فيروز اللبنانية (نحنا والقمر جيران) كانت تقصد بها شيمون بيريز .. لأن قبول الحريري بهذا الاقتراب يعني انه يقول للبنانيين والعرب والمسلمين (نحنا وشيمون جيران) .. وفي نفس المؤتمر ظهر كاكا مسعود مع كاكا شيمون يتصافحان بحرارة (انظر الصورة) .. والسعوديون صاروا يعلنون لقاءاتهم بالاسرائيليين منذ فترة وكأنه خبر عن غسيل الملك للكعبة ولم تعد القضية محرجة .. ولم يعد الحدث مصافحة ولقاءات بين مسؤولين وأمراء سعوديين بل صار الحدث العجائبي اليوم هو تصافح مسؤول سعودي وايراني أو سعودي ومقاوم ..
الاسرائيليون خرجوا من حصونهم ومن خلف الجدران العالية بعد أن اخرجهم الاسلاميون من حصار طويل دام خمسين عاما .. وكأن حصان طروادة الذي نعرفه قد غير الأسطورة وبدل ان يدخل المدينة المحاصرة فانه يخرج من داخل الاسوار الى خارج الأسوار ليغافل ليلا من يحاصر طروادة .. ودخل الاسرائيليون مكة والمدينة بعد ان فتحها لهم من الداخل ملوك بني سعود فتحا مبينا ..
غني عن القول بأن اللقاءات السعودية الاسرائيلية لم تفاجئ أحدا لأنها هي التي هيأت وأشرفت على انضاج اللقاءات الاسرائيلية بجميع القوى في المنطقة ولأنها الحقيقة الخفية منذ عقود والتي بدأت بالصمت المطبق في نكبة فلسطين ثم التآمر على عبد الناصر وتحطيمه لفتح مرحلة أنور السادات .. وربما صار تكرار الكشف عن دور هذه المملكة الوهابية في تثبيت مملكة اسرائيل مثيرا للملل لأنه صار من البدهيات التي يتفق عليها كل العقلاء .. فليس سرا اليوم ان السعودية وثآليلها الخليجية ممالك أنشئت من أجل مملكة اسرائيل لأنها هي التي تمسك بالكعبة وقدسيتها ورمزيتها وتغلق صنبور الجهاد والفتاوى الجهادية ضد اسرائيل منذ ان نشأت اسرائيل .. فكيف تصدر السعودية والفكر الوهابي فتوى في كل شيء وفي كل زعيم ولكن صنبور الايمان والجهاد ضد اسرائيل ليس فيه نقطة جهاد واحدة تروي ظمأ المجاهدين .. واليوم نرى بعض القوة الكامنة في العالم الاسلامي تضرب كالمجنونة بضراوة في سورية والعراق وليبيا ومصر ولو أنها أطلقت بفتوى واحدة على اسرائيل لاقتلعت أوتادها .. الا أن القوة الكامنة تضرب في كل العالم وتستثني اسرائيل ..
ولكن لم تجاهر المملكة اليوم بهذا الزنى العلني والفحشاء الدينية والسلوك الخليع المتهتك في احتضانها لاسرائيل وقيادة الحرب على أعداء اسرائيل؟؟
ربما كان السبب هو غياب عامل الردع .. فالمملكة الوهابية والثآليل الخليجية حولها كانت تمارس التقية والنفاق عندما كانت الجمهوريات العربية مخيفة .. وشعوبها شديدة الغضب وصوتها يسمع وسوطها يلسع وسيفها يقطع .. ولكن الردع اليوم تشتت وصار البغاث السعودي والخليجي يتجول عاريا في الطرقات التي كان يخاف من السير فيها بثيابه .. وصار يستنسر على النسور .. وأضحت الديبلوماسية السعودية تصل الى تل ابيب وتمارس الجنس في الهواء الطلق دون قلق من شرطة الشرق العربي ورقابة الشعوب .. فهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تولتها داعش والنصرة وكلتاهما تتسابقان لخطب ود اسرائيل لا ودّ الشعوب في المنطقة ..
وربما هذا ليس كافيا لفهم اندفاع السعودية لهذا السلوك المستهتر واللامكترث والملوث بالعار لأن الغالب ايضا ان السعوديين لديهم قلق عميق جدا من بقاء جذوة المقاومة ببقاء سورية ومحورها والذي يعني أن المنتصر يتحول الى مغناطيس لأن المنتصر يصبح نموذجا مثيرا للاعجاب وملهما روحيا وعقائديا .. هذا النموذج المنتصر سيجذب المعجبين به وسيحذو الناس حذوه ونهجه وعقيدته .. وهذا سيعيد اطلاق القوة والطاقة الكامنة في شعوب هذه المنطقة التي ستجد أن اسقاط الحكومات الخليجية أهم من اسقاط اسرائيل وان اطفاء جذوة الصهيونية سيكون أسهل ان تم النفخ على السعودية .. وليست مبالغة ان سقوط السعودية المدوي سيهز اسرائيل جدا كما لو أن اوتاد اسرائيل تخلع في مكة ..
وهناك قناعة عميقة لدى العائلة المالكة السعودية أن أفضل توقيت للخروج علنا في صراع البقاء هو هذا التوقيت الذهبي الذي فاضت طوائفه وطافت فيه المذاهب الطرقات كما تطوف الدماء المهدورة .. وكثر فيه المؤمنون وقلّ الايمان .. وصار الاسلام كسيرا اسيرا بيد داعش والنصرة وحطام الاخوان المسلمين ومصابا بهستيريا الكراهية للذات ولكل شيء .. اسلام صار يرى احلامه فقط تمر فقط في تل أبيب .. وصار يمكن أن يغير عدوه وصديقه وأمه واباه ورسوله وكتابه .. فالخروج من السرية الى العلنية الآن يعزى الى شعور أن الوعي العربي قد تم حرقه في هولوكوست الربيع الذي أحرقت فيه عشرات ملايين الادمغة في افران المذهبية ويجب أن يحل محل هذا الفراغ في الوعي وعي جديد ترسمه الصور والمصافحات والزيارات التي ستجعل المألوف هو حضور اسرائيل اليهودية في كل شيء وغياب المقاومين و”الشيعة” عن كل شيء .. وهي لحظة مفصلية ان نجحت في الانتصار على محور المقاومة فانها قد تعني أن القرن الحادي والعشرين سيشهد حربا تخاض ضد روسيا والصين تحافظ فيه المملكة الوهابية على دورها الحيوي وتحجز مكانا لها في صراع القرن الحالي الأكبر حيث ستكون المملكة الوهابية رأس الحربة الضروري الذي لايمكن الاستغناء عنه في الغرب لأنها الخزان العقائدي الجهادي الذي سيرتوي منه المقاتلون المسلمون قبل توجههم الى فتح اوراسيا في سبيل الغرب لافي سبيل الله .. وتتحول المملكة الى خزان مال وفتاوى ومصنع للمقاتلين ولآلاف الانتحاريين .. وفشل الحرب كما صار واضحا يعني حتما أن تستعجل الولايات المتحدة في دفع قوى تغيير في السعودية أكثر اقناعا لقيادة الصراع القادم بشكل جديد ومنطق ادارة جديد .. والتي يهيء لها اوباما بالتذكير بأن القلق على السعودية من داخلها وليس من خارجها ..
ولذلك فانني في زمن السعودية يقلقني أن تكثر صلواتنا وابتهالاتنا وصيامنا ويكثر المتأبطون للكتب المقدسة ولايقل فيها مشهد المصافحات وصور الاسرائيليين في كل اللقاءات والمنتديات .. ويقلقني أن يزيد فقهاؤنا ومفتونا .. فكلما كثر هؤلاء في زمن السعودية خرج الاسرائيليون من حدودهم القديمة وفكوا الطوق عن فلسطين وألقوه فيما وراء الفرات والنيل وفتح السعوديون لهم مكة والمدينة وبغداد وعدن فتحا مبينا لأن دين الأمة صار كالغربال لهم .. فمن كانت حدوده كالغربال كان دينه مثقوبا كالغربال .. ومن كان دينه مثقوبا كالغربال كان ايمانه كماء يجمعه في غربال دينه ..
فلنجمع كلمتنا على اسقاط الغربال الذي لايجمع ماء الايمان بل يبني العنكبوت بيته عليه وبين ثقوبه ..
الغربال يسقط تدريجيا فيتعلق الغربال ببيت العنكبوت .. ولكن عندما يسقط الغربال سيسقط بيت العنكبوت .. وسيقل وجود الاسرائيليين في شوارعنا ومؤتمراتنا وستتلاشى الصور التي تصافحهم .. ولن نكون نحن وشيمون جيران .. بل نحن وروسيا وايران جيران ..
——————————————-
هذا مشهد شهير يتحدث بنفسه عندما قرر الرئيس الأسد تجنب اي مصافحة مع القاتل والعدو الاسرائيلي أولمرت.. ولذلك فانه كما كفّر السعوديون الرئيس عبد الناصر بالاجماع (الصورة) لاعلانه العداء مع اسرائيل فانهم يكفرون الرئيس السوري بالاجماع على رفضه لاذلال ايمانه وعقيدته وكرامة شعبه ..
التعليقات مغلقة.