كيف يتحول اللوز إلى زيتون لدى المثقفين / يوسف ضمرة
يوسف ضمرة ( الأردن ) الإثنين 8/6/2015 م …
المثقفون والكتاب العرب، لا يجدون حرجا ـ الأغلبية طبعا ـ في التعامل مع جهات ومصادر إعلامية، مهمتها الأولى، بل الوحيدة، هي شراء ما يتيسر من أقلام ثقافية، أصبحت ضرورية في وسائل الإعلام، لتقنع المتلقي ـ مشاهدا أو قارئا ـ أن الأحمر أزرق، وأن اللوز زيتون بلا زيت!
إلى هذا الحد وصل الأمر، وربما أكثر. فهذه الأغلبية من الكتاب والمثقفين، أصبحت معنية فجأة بضحايا السنة ـ لاحظوا أن ضحايا الشيعة لا تعني لهم شيئا ـ بل هنالك أقلام قوات التدخل السريع الثقافية، جاهزة لاتهام إيران وحزب الله وشيعة العراق باقتراف جرائم ضد الشيعة، لتسعير الخلاف المذهبي.
يشبه الأمر تماما ما نشاهده على بعض الفضائيات التي تنقل أخبار الميدان السوري؛ هذه تقول وتؤكد استهداف قوات المعارضة ـ لا تقول النصرة طبعا ـ لقوات النظام السوري وقتل العديد منهم. واقتحام معسكرات لهم. وووو إلخ. أما الشق الثاني فالمتعلق برد النظام؛ حيث يتم اتهام طائرات لنظام بإلقاء البراميل المتفجرة على أحياء مدنية، وتكون النتيجة دائما سقوط قتلى من النساء والأطفال. بمعنى أن طائرات النظام تترك المسلحين وتغض الطرف عنهم، وتعاقب النساء والأطفال كلما قتلت المعارضة ـ قاعدة بلاد الشام ـ جنودا وضباطا سوريين. أما كيف أصبح عدد قتلى القاعدة وداعش بالآلاف في سوريا، فربما يكون الأمر نتيجة حوادث السير أو إهمال في قيادة عربات الدفع الرباعي!
لم يكن المثقف العربي من قبل مهووسا بالمال إلى هذا الحد الذي نراه اليوم. كان الكاتب ينشر قصيدته وقصته ومقاله من دون مكافأة مالية، ذلك حين كانت الكتابة جادة، ولها دور مؤثر، جعل الأنظمة العربية تلاحق الكتاب والمثقفين، فتمارس عليهم التضييق في العمل، وتزج بعضهم في السجون، إلى الحد الذي أصبح لدينا ربما دون العالمين، أدب نصفه بأدب السجون. وهو أدب غير متوفر في الآداب العالمية الحديثة، باستثناء بعض الأدب في جدمهوريات أمريكا الوسطى والجنوبية، التي كانت ـ ولا يزال بعضها إلى اليوم ـ خاضعة لهيمنة الدكتاتوريات ـ الدمى الأمريكية ـ. ولعل الكثيرين شاهدوا أفلاما سينمائية تناولت فترة حكم بينوشيه ـ ربيب السي آي إيه ـ الذي قام بانقلابه الدموي في التشيلي عام 1973 .
الطفرة السياسية التي يجري العمل عليها، سبقتها طفرة إعلامية وثقافية عربية منذ قرابة عقدين ونيف. فقد وفرت بعض الفضائيات ومواقعها على الشبكة العنكبوتية فرص عمل لم يحلم بها الكتاب والمثقفون من قبل. كما تلا ذلك، موضوع البنية الثقافية اللاحقة، من جوائز أدبية مالية مغرية، ومهرجانات ولقاءات، وما يرافق ذلك من ظهور إعلامي مميز، وفتح البواب أمام ترجمة أعمال العديد من الكتاب والشعراء. وهو أمر لم يكن الكاتب العربي يحلم به قبل عقدين، حتى في أكثر أحلام يقظته الفنتازية أو الغرائبية.
لم يعد سرا الآن، أن كثيرا من الكتاب والأدباء العرب، وجدوا أنفسهم مقيدين إلى سقف مادي معين، صار النزول دونه أمرا صعبا أو مستعصيا. فالكثيرون من هؤلاء أخذوا يفكرون كما يفكر التجار الصغار أو موظفو الطبقة الوسطى، من حيث الارتهان للبنوك، لتمويل بعض المشروعات الخاصة، منها ما هو ثقافي كدور النشر والتوزيع والصحف والمجلات، ومنها ما هو شخصي كشراء البيوت في مناطق مميزة في المدن العربية والعواصم، من دون أن ننسى إقامات البعض في عواصم أوروبية، وما يتطلبه ذلك من استحقاقات مالية.
هل نستغرب بعد ذلك، كيف يتحول اللوز الأخضر إعلاميا إلى زيتون بلا زيت؟
التعليقات مغلقة.