كتيبة المهمات الخاصة 71 / عبد الهادي راجي المجالي

عبدالهادي راجي المجالي ( الأردن ) الثلاثاء 14/8/2018 م …



هل هي كتيبة حقا؟.. لا أعرف لكني زرتها ذات يوم، وعلمني واحد من ضباطها الرماية، قال لي: أنا أعلمك إصابة الهدف وأنت تعلمني الكتابة.. رميت يومها( 50 (طلقة، وقال لي: أبدعت.. وضحكوا، جميعهم ضحكوا علي.. فأنا أصلا لم أصب الهدف.. مع أنهم جعلوني أقترب منه كثيرا..
تناولت الغداء معهم، وتحدثنا.. مطولا، ثم غادرتهم.. ومعي ذكرى من الزيارة ما زلت أحتفظ بها، وهي طلقة فارغة..
كم شهيدا قدمتم؟ هل ما زال سرير معاذ الحويطات موجودا، وخزانته هل مازالت موجودة؟.. علمت للتو أنه أرسل قبل العملية، بدلة(الفوتيك) الخاصة به إلى (الكوى)، ولا أعرف هل أنهى (المكوجي) غسيلها؟.. وعلمت أن (مسدسه) عاد إلى الخازن.. وأن ثمة إجراءات متعلقة بإعادة (العهدة) التي كانت مصروفة له.. من منكم سيستلم مسدسه، ومن منكم، سيأخذ سريره؟ ومن منكم سيجلس على مقعده في طاولة الطعام؟.. ومن منكم سيتذكره حين يجد مكانه شاغرا في الكتيبة، ويذرف دمعة حرى.. ومن ثم يمضي… صارالموت عندكم مثل فصل الشتاء، لابد أن يأتي كل عام،
وأنتم أضفتم لفصول السنة فصلاخامسا وهو الشهادة.. ومن المستحيل أن يمر عام عليكم، دون أن تقدموا شهيدا أو أكثر.. هل أنتم بشر مثلنا من لحم ودم؟.. أشك في ذلك وأظن أنكم صقلتم من الفولاذ.. أظن أنكم سلسلة جبلية، وكل واحد فيكم يمثل جبلا.. واختصروا تلك السلسلة في كتيبة.
ماذا ستجدون في خزانة معاذ الحويطات هذا الصباح؟ شفرات الحلاقة!.. ودفتر صغير بحجم الكف! فيه أرقام ضباط يخدمون في مواقع أخرى هم الأصدقاء من زمن مؤتة..
وظرف بني صغير كان يحتوي على اخر راتب صرف له، والفكة، ستجدون كما هائلا من القطع المعدنية.. في خزانته ستسألون عنها وأنا سأجيبكم.. لقد كان يجمع (الفكة).
من أجل ابنه (إلياس) حين يعود إلى الجفر.. الياس مازال صغيرا ومثل كل الأطفال و يحب عطايا الأب.. وستجدون كيسا من النايلون، فيه بعض من (الشيح والميرمية)..
أحضرها من الجنوب، فهو يحب الشاي مع الميرمية.
في بلادي، هناك أناس مهنتهم الكلام، مهنتهم الثرثرة.. وهم ينامون تحت سقوف فاخرة من الكرميد، ولديهم فائض هائل من المال.. وينظرون علينا باسم الليبرالية، والمجتمع المدني واليسار المتحرر.. وفي بلادي أيضا يوجد كتيبة اسمها: كتيبة المهمات الخاصة (71 ..(هؤلاء وظيفتهم الشهادة والرصاص. وإذا خرجوا في مهمة، فمن المستحيل أن يجزم أي واحد منهم.. بأنه سيعود .. لديهم كل الشرف الموجود في الدنيا، ولديهم الكبرياء ولديهم الصبر والحب الحقيقي غير المزيف، ولديهم الإيمان ولديهم .. كل المعاني السامية.. لكنهم لا يثرثرون ولا ينظرون ولا يكتبون في
صحف الكلام.. فقط وظيفتهم أن يحموا هذا الشعب ويستشهدون.
معاذ الحويطات هو التعبير الحقيقي، عن الهوية والوطن.. ولو أن جوازه كان موجودا لدي، لكتبت في خانة الجنسية: جنسية هذا الرجل هي الحب والتراب والشرف والبسالة والفداء.
الأصدقاء في كتيبة المهمات الخاصة 71.
في التاريخ علمونا أن الأمة مرت بالعهد الأموي، والعهد العباسي والعثماني.. ولو قدر لي أن اضيف على التاريخ، لأضفت عهد كتيبة المهمات الخاصة.. ذلك أنكم مثل الأمم العظيمة.. استطعتم أن تصنعوا تاريخ وطن، والتاريح لايصنع إلا من خلف البنادق..
أتشرف أن أخدم معكم، سأحضر الخبز لكم في وجبات الغداء.. وسأرفع الصحون التي فرغت، وأنا سأذهب ببدلات الفوتيك بعد كل عملية إلى المغسلة.. أتشرف أن أرتب أسرتكم، وأن أذهب في الليل كي أحضر لكم الفلافل.. سأكون حلاق الكتيبة سأدخل دورة حلاقة، وسأكون الحلاق..
على الأقل.. سأجد هويتي، ودمي.. سأجد الكرامة والكبرياء والحب.. سأجد عندكم وحدكم الإيمان الحقيقي، والحياة التي لها معنى.. سأجد الأردن في وجوهكم، وهذا ما أبحث عنه يا سادتي..فقد ضاع الأردن من وجوه البعض.
[email protected]

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.