ليرة الاسلاميين التركية تجلد بالسياط / نارام سرجون

نتيجة بحث الصور عن هبوط الليرة التركية

نارام سرجون ( سورية ) الأربعاء 15/8/2018 م …




أحاول عبثا أن أسلخ اردوغان عن أميريكا فلا أقدر رغم ذلك العداء الظاهر بين تركيا واميريكا .. فعلاقة تركيا بالناتو هي علاقة جلد الشاة بلحمها .. واردوغان جاء الى السلطة على ظهر الأموال الغربية التي اندفعت الى الاقتصاد التركي كي يقول اردوغان انه صاحب الاقتصاد الإسلامي والانموذج والتجربة التي تجعله قبلة الإسلام .. لأن أميريكا أرادت ان تصنع خمينيا في تركيا ينافس الخميني الإيراني .. فنموذج آية الله الخميني كان مخيفا للغرب لأنه صاحب مشروع لايتأتئ في عدائه للغرب وإسرائيل .. وكان لابد من تشتيت العالم الإسلامي بين نموذجين بدل نموذج يتيم .. واحد معاد للغرب وواحد صديق للغرب ومن لحمه ودمه .. وكان واضحا توق المسلمين السنة لتقديم نموذج مناظر للنموذج الخميني الذي نفذ مشروعا اقتصاديا وجمهوريا إسلاميا ولكنه بدا وكأنه يقول ان النموذج الشيعي نجح أكثر من التجربة الاخوانية السنية رغم انها انطلقت قبله بسنوات طويلة وقد يفهم من تفرد النموذج الشيعي بالنموذج الثوري الناجح على انه بسبب صوابية المذهب الشيعي في نظر المسلمين الشيعة وغير الشيعة .. فكان لابد من انتاج النظير السني .. وكان أفضل مشروع منافس هو النموذج التركي لأن التموذج السعودي لايعتد به .. الا ان المعضلة في تركيا هي ان العسكر الاتاتوركيين هم الذين كانوا يحكمون تركيا في اقصاء مطلق لكل ماهو إسلامي وديني .. ولكن حدث شيء غامض في نهاية التسعينات عندما سمح العسكر الاتراك بدخول الإسلاميين الى المعترك السياسي بعد ان كانوا ملاحقين وممنوعين .. وكأن هناك في خلفية المسرح من أوعز للعسكر بالكف عن ردع الإسلاميين .. وبعبارة أخرى بدأ التمهيد لمرحلة الإسلاميين الأتراك باسكات صوت الاعتراض العسكري الموالي للناتو .. لأمر ما يتم تحضيره للمنطقة ..
وأحاول عبثا ان أفصل اردوغان عن مسرحية دافوس ومرمرة .. فلا أقدر ان افصل خلافه اليوم مع اميريكا عن مسرحة ما لاعادة انتاج البطل اردوغان الذي يتحدى الغرب من أجل الإسلام والمسلمين .. فلا منصة أعلى من منصة العداء للغرب والحصول على شهادة عداء من الغرب ..

ولذلك أحاول ان أفهم سبب هذا الاحتكاك التركي الاميريكي في الاقتصاد التركي .. ويبدو ان هناك قرارا بهدم الليرة التركية والاقتصاد الإسلامي مفخرة انتاج المرحلة الإسلامية التركية وبدا اليوم ان ماقلناه عن المعجزة السلامية الاردوغانية من أنه فقاعة سياسية لأغراض سياسية كان في منتهى الدقة .. فالاقتصاد التركي والليرة التركية يهتزان من مجرد مناوشة كلامية مع الاميريكيين ثم يحدث مايشبه الزلزال لمجرد حصار مبيعات الصلب والالومينيوم .. وصارت الفقاعة التركية التي تباهى الإسلاميون بها تظهر على حقيقتها عارية .. والمعجزة الإسلامية التركية في نهضة الاقتصاد الى المراتب العليا صارت عاجزة ..

أما سبب هذا الاحتكاك وشد الأذن التركية فيبدو أنه ايران والصين .. ولفهم مايحدث في ليرة تركيا التي تهرول نحو الوديان من تلك القمة التي صعدت اليها من دون مناسبة مقنعة .. وقصة صعود الاقتصاد التركي المنسوبة لعبقرية الإسلاميين وعبقرية الخليفة التركي علينا لفهم كل ذلك ان نفتح أوراق الرواية المفقودة والحكاية المنسية للاقتصاد التركي التي كانت سورية المحور الرئيسي فيه .. والتي كانت لسورية بشكل غير مباشر الدور في نهايتها ونهاية الكذبة عن الاقتصاد الإسلامي الذي ولد من شعار (الحل هو الإسلام) .. الذي أنجب الربيع العربي المشؤوم ..

وكما هو معلوم فان الإسلاميين عندما وصلوا الى السلطة في تركيا وصلت معهم رساميل غربية كبيرة تم ضخها في الاقتصاد لايقاف تدهوره .. وكان من الغريب ان يتم وصول الرساميل الى السوق والاستثمارات في تركيا رغم وصول العدو الإسلامي الذي تحاربه الرساميل الغربية كما تفعل مع اقتصاد ايران مثلا .. وظهر تحول غريب ومريب في سياسة تركيا الخارجية والداخلية المتمثلة باحداث قطيعة مع العهد الاتاتوركي برمزية صعود الإسلاميين والانفتاح على الجنوب العربي الذي كانت سورية هي مدخله ومفتاحه .. وكان الدخول الى سورية عبر بوابة فلسطين حيث قام اردوغان بطرح مسرحية دافوس ومرمرة فتم فتح كل جبال طوروس امام الاقتصاد التركي لأن السوريين قرروا مكافأة اردوغان على مواقفه “البطلة” وكانوا يرون فيه كزعيم سني أيضا طريقة للتخلص من التهمة التي تحاصرهم بأنهم في محور الهلال الشيعي .. وعلى الفور تدفقت الصناعات والمنتجات التركية جنوبا وانتعش اقتصاد وسط وشرق الاناضول حيث الفقر والبطالة .. ونما هذا الاقتصاد على حساب اقتصاد غرب تركيا الذي كانت تعيش فيه القوى السياسية العلمانية .. فالاناضول الجنوبية والشرقية تدفقت منها الحركة التجارية النشطة الى سورية والعراق ومنها الى الخليج العربي وهو سوق استهلاك كبير .. وكان لحلب دور كبير في هذه النقلة الاقتصادية الكبيرة التي ساعدت الفقراء في الاناضول والذين فهموا انتعاشهم على انه بسبب حزب العدالة والتنمية فتحولوا الى كتلة انتخابية كبيرة تقاتل من اجل اردوغان قلبت التوازنات الانتخابية وهزمت انتخابيا الكتلة التركية في الغرب التركي العلماني بعد سيطرة دامت عقودا .. وهنا انتهت اللعبة والمسرحية وعملية تهيئة تركيا لدورها القذر الذي بدا برشوة اقتصادية أوصلت الإسلاميين – بعد نجاح اقتصادي – الذين كان دورهم قيادة مشروع الربيع العربي من غرفة عمليات كبيرة اسمها تركيا التي تحولت الى قاعدة عسكرية ومخزن للسلاح وملاذ للقيادات الميدانية والسياسية التي تقود عملية التغيير في سورية والعراق والشرق العربي .. فكانت داعش والنصرة والاخوان المسلمون كل مفاتيحهم في استانبول .. ولكن صمد السوريون صمودا اسطوريا يتحدى الوصف .. وثبتوا في وجه الهجوم الى ان وصلت النجدة الروسية الإيرانية .. وانهار المشروع الذي كان في الحقيقة مشروع زمن الديمقراطيين في الإدارة الاميريكية وبمعنى أدق مشروع باراك أوباما .. وكي نكون منصفين اكثر مشروع هيلاري كلينتون التي كانت تدير السياسة الاميريكية في الشرق الأوسط وتدير معها البيت الأبيض برجل أسود كالدمية ..

الا أن ترامب وصل الآن الى السلطة وبدا انه يستخف بمشروع أوباما وهيلاري ويراه مشروعا بلا أفق وانه قصير النظر لأنه لايستطيع ان يرى من خلاله ان التنين الصيني سيتوقف بسرعة قبل ان يبتلع اميريكا .. ووجد ترامب ان كل الديكور والاكسسوارات ومهرجانات الأضواء المعدة لمسرحية الإسلام السياسي في تركيا وغيرها في مشروع هيلاري واوباما لالزوم لها في مشروعه الجديد المتطلع نحو الشرق الأقصى الذي يبدأ بايران وينتهي بالصين ..

في برنامج ترامب لا دور لتركيا الإسلامية الا اذا قبلت ان تلعب معه لعبة جديدة وان ترقص معه على انغام صيد التنين وكسر بوابته .. ولذلك فانه يريد من تركيا ان تنضم الى جهده في حصار ايران والصين ..

فالأتراك تعثروا في سورية وكادوا يخوضون حربا نيابة عن الناتو ضد روسيا وايران فاستفاقوا بعد انكسار مشروع تقسيم سورية على حقيقة صادمة .. وهي ان الطفرة الاقتصادية التي تمتعوا بها كانت ترجع – بسبب جزئي ولكن هام – الى فتح أسوار الجنوب عبر بوابات سورية والعراق .. هذه البوابات اغلقت وصار الاقتصاد التركي رهينة مطلقة بيد الاستثمارات الغربية التي تدفقت لتحمل معها النمر الإسلامي الورقي (تركيا الإسلامية) .. واليوم تنسحب لتهز العرش الاقتصادي لأردوغان .. ووجد الأتراك ان بوابة الجنوب لو انها لم تقفل لبقي للاقتصاد التركي منفذ للتملص من ابتزاز الغرب وعقوباته وكان أقل اعتمادا الى حد ما .. وهاهم يدفعون ثمن تلك المغامرة الحمقاء في محاولة السيطرة على سورية والعراق والعالم الإسلامي .. واذا ما أغلقت آخر بوابات الاقتصاد الناظر الى الجنوب والشرق نحو ايران فان تركيا كلها ستصير رهينة مقيدة في قفص كبقرة يمكن ذبحها مع البقرة السعودية ..

الأتراك لم يصبحوا أكثر تعقلا في شأن الصراع في الإقليم ..ولكنهم بدؤوا يحسون ان ترامب يريد ان يأخذ المعسكر التركي مع كل البضاعة التصعيدية نحو ايران في طريقه نحو الصين دون ضمانات يقينية .. والتركي غير واثق من ان الاميريكي سيتركه لمصيره بعد اغلاق بوابة ايران كما فعل في سورية عندما تخلى عن إتمام المشروع وبقيت تركيا وحدها من دون الناتو تقلع أشواكها التي حصدتها بيدها .. ولذلك فان اردوغان أبدى بعض الأعذار والرغبة في التملص من السفربرلك الاميريكي نحو رحلة اصطياد التنين الصيني وكسر بواباته الإيرانية .. فأخرج ترامب سوطه وهوى على ظهر الحمار التركي الذي حرن وامتنع عن المسير .. وكان بعد اول جلدة بالسوط على ظهر الحمار ان وقع الخرج الذي وضع الإسلاميون فيه انجازاتهم الاقتصادية وتدحرجت الليرة التركية منه التي صارت تتلقى سياط ترامب والغرب على ظهرها الهش والرقيق ..

اردوغان يحاول ان يستفيد من هذه المناوشات لاعادة انتاج نفسه كبطل إسلامي يستهدفه الغرب كما كان يستهدف عبد الناصر .. وهو يحاول تطوير مسرحية ديفوس ومرمرة بخروجه اليوم على النص المسرحي المرسوم له .. ولكن الحقيقة أنه دخل سيركا يطلب فيه المخرج والمدرب الجديد ترامب ان يرقص الممثل القديم اردوغان رقصة على انغام صيد التنين .. فهل يرقص اردوغان كما أمره ترامب أم يخرج على النص وايقاع الرقص؟؟.. وقد بدت الليرة تتلقى سياطا على ظهرها ..

المشاهد تتوالى .. ونحن نراقب .. وسنصفق للسياط على ظهر الليرة او على ظهر الحمار التركي .. وسنصفق أكثر لفشل المدرب الاميريكي في رحلة الصيد المتجهة نحو ايران والشرق .. ولن نشفق على الحمار التركي الذي يريد ان يخرج على النص والرقص.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.