الوطنية الاردنية وتهافت الخطاب المدني / منصور المعلا
يندب تيار الدولة المدنية حظه العاثر بفعل تعثر برنامجه الاصلاحي بفعل ما يسمى قوى الوضع القائم، والتي تمثل البيروقراطية التقليدية، كونها وقفت وتقف حائلا امام استكمال برنامج تحديث الدولة وعصرنتها.
ويستدل رموز هذا التيار، بجملة من المحطات التاريخية التي وقف فيها التيار المحافظ امام مشاريع الدولة المدنية، معتبرين ان ‘الاجندة الوطنية’ كانت خارطة الطريق الى الجنة الاردنية الموعودة، القائمة على العدالة وتكافؤ الفرص والمواطنة، في الوقت الذي يمسك فيه التيار المحافظ بتلابيب السلطة، واضعا العصي في دواليب السمن والعسل الليبرالي.
وعند الاطلالة على مسار التيار الليبرالي والنيوليبرالي و التيار المحافظ خلال العقود الماضية، يجد المتطلع لتلك التجربة انسجام تام وتعاون وثيق بين التيارات الثلاث في العديد من الملفات، والتي شملت خصخصة مؤسسات الدولة وتفكيكها وبيع موارد الدولة، وانشاء المؤسسات المستقلة وفرض قوانين انتخاب واحزاب ادت الى تهديم الركن البرلماني، في تقاسم وظيفي اوصل البلاد الى مأزقها الحالي، من حيث الاستعصاء السياسي والاقتصادي والاجتماعي.
لعل الفارق الوحيد في برنامج التيارين الليبرالي والمحافظ، كان يتعلق بالسرعة المطلوبة لإنجاز التغيير، حيث كانت مؤسسات الدولة والتيار المحافظ يميل الى البطء الشديد، بينما كانت ماكينة الليبراليين تسعى الى حرق المراحل، وهو ما ادى خلق بنية مؤسسية مشوهة كدست المزيد من اليبروقراطية، وحملت الدولة اعباء مالية اضافية هائلة .
شكل الربيع العربي عنوان تفارق بين جماعة الاخوان المسلمين والبيروقراطية الاردنية، التي كانت محكومة لما يسمى ‘معادلة الدولة والاخوان’، التي كانت قد خرجت من معركة مع التيار النيوليبرالي طوال العوام 2007/2009، مساهمة في اضعاف الطرفين، ما فتح شهية الاخوان المسنودين بمزاج اميركي، الى الانقضاض على الدولة بوصفها ثمرة من ثمار الربيع العربي اليانعة، غير ان الظروف الدولية والاقليمية ادت الى خسارة الاخوان هذه الجولة، وتفككهم وتداعي البنية البيروقراطية التقليدية وتخلخل بنيتها التاريخية.
انهاك البيروقراطية الاردنية، بعد نحو عقد من الصراع على جبهتبن (النيوليبراليين والاخوان)، فتح الافق للتيار الليبرالي، الذي بداء يتلمس طريقة من خلال توظيف ازمة الاخوان وبحثهم عن افق سياسي جديد، مع تداعي مشروعهم على المستوى الدولي والاقليمي والمحلي، وحاجة الامريكان لطرف محلي يمكن اعتماده كمنصة للتغير، فكان التحالف الليبرالي الاخواني تحت عنوان (الدولة المدنية) حيث بلغت ذروة هذا التحالف حد التطابق في اعلان احزاب بخلفيات اسلامية، تبني شعار الدولة المدنية وحماس الليبراليين في الدفاع عن حق الاخوان بالوجود، في محاولة لتوظيف الاخوان للتيار الليبرالي من اجل اعادة نسج العلاقة مع الامريكان، وحاجة الليبراليين الى قاعدة اجتماعية تؤهلهم كطرف يمتلك مشروعا سياسي غير منبت الجذور.
يضاف الى ما سبق، ان برنامج الاخوان على المستوى السياسي والاقتصادي، يتطابق مع البرنامج الليبرالي، باستثناء جزئيات صغيرة، تتعلق بالحجاب والحفلات الموسيقية العامة.
عمليا تعاني الاطراف الثلاث الليبراليين والاخوان والتيار المحافظ اليوم، من انهاك حقيقي وعجز عن احداث اختراق يؤهلها لانجاز مشروع للتغيير، وهو ما يفتح الافق لخيار ‘الوطنية الاردنية’ التي تمتلك الشرعية التاريخية والوطنية مستندة الى ارث تاريخي اساسه مقاربات الاردنيين في عهد الامارة لشكل الدولة وصيغتها السياسية، وتجربة كل من الشهيد هزاع المجالي ووصفي التل، بوصفهم يمثلون تجارب تاريخية حالت الظروف الدولية والاقليمية حينها دون اتمامهم مشروعهم.
ان الافق المفتوح اليوم للخيار الوطني الاردني، يستند الى حقائق موضوعية اهمها، انتهاء صيغة دولة المساعدات والمنح، والتي كانت تقف حائلا امام تبلور خيار وطني مستقل، بفعل قدرة تلك الصيغة على شراء ولاءات الاردنيين، وهي الورقة الاثمن في يد التيار المحافظ، اضافة الى فشل تجارب التيارات الاسلامية والليبرالي والنيوليبرلية، في احداث اختراق حقيقي يمس حياة الناس، بفعل اغترابها عن الساحة الاردنية.
تعد محاولات تحميل العشائر او قوى الوضع القائم مسؤولية فشل الاصلاح السياسي، محاولة بائسة لذر الرماد في العيون وقطع الطريق على الوطنية الاردنية المتجاوز للخيارات الفضفاضة ‘الاممية’ بشقيها اليساري والاسلامي، و’القومية’ بعثية وناصرية، وتموضع وطني اردني عام خارج القميص الضيق عشائريا ومناطقيا.
التعليقات مغلقة.