تركيا “جديدة” أو “أردوغانية” بلا.. أنياب / محمد خروب

 

محمد خروب ( الأردن ) الثلاثاء 9/6/2015 م …

يستطيع رجب طيب اردوغان ان يتغنى بديمقراطية بلاده، وان يزهو بحدوث انتخابات السابع من حزيران في «موعدها» وكأنها انجاز كبير، كما بمقدور «تابِعِهِ»، باهت الظل داود اوغلو، الزعم بأن (من الواضح ان حزب العدالة والتنمية هو «الفائز» وان هذا الحزب لن «ينحني» امام اي ضغوط من اي حزب كان).. ولن تحدث أي ردود فعل غاضبة لو قام أنصار الحزب المذكور بتنظيم مهرجانات احتفالية وفق احبولات اعلامية محسوبة، تريد التغطية على الهزيمة النكراء التي لحقت بمشروع اردوغان «السلطاني» الذي اراد من خلاله إحكام قبضته على الديار التركية وايصالها وفق سيناريو حكم الرجل الأوحد الى العام 2023 بما هو عام المئوية الاولى لولادة الجمهورية، التي أعلنها مصطفى كمال اتاتورك، ولكن هذه المرة برؤية عثمانية اسلاموية جديدة، تُعظِم من الهوية التركية الطورانية في نظرة عنصرية صِرفة الى مكونات الديموغرافيا التركية، ومحمولة على إرث عثماني استعماري متجدد وبخاصة في بلاد العرب.

كل هذا بات من الماضي، فمرحلة السقوط الاردوغاني بدأت الآن، صحيح أن الهزيمة لم تكن كاملة، ولم يتقدم حزب من الأحزاب الاربعة الرئيسية ليجلس على المنصة، ما سمح للعدالة والتنمية ان يبقى في المرتبة الاولى، لكن اذا ما اعتُبر «نصراً» من قِبَلِ اردوغان وأوغلو، فانه نصر «هزيل» بطعم الهزيمة، في ضوء عدم تحقق كل الاماني (إقرأ الأوهام) التي لم يتوقف اردوغان عن الترويج لها وتسويقها، عبر تسول اصوات الناخبين واثارة غرائزهم المذهبية والطائفية، والضرب على الوتر «الهوِيّاتي» الحساس، الذي ما يزال قوياً في اوساط ابناء الريف وبسطاء المتدينين، الذين ما يزالون تحت وهم «المعجزة» التي حققها اردوغان وحزبه في السنوات الثلاث عشرة الماضية، فاذا بالحقائق الميدانية (الانتخابية بالطبع) تصدم الواهمين والحالمين بإعادة دولة الخلافة واستعادة وهج وامجاد الامبراطورية العثمانية البائدة، ودائماً في التطلع الى إخضاع العرب عبر مشروع اسلاموي خادع، يغرف دائماً من معين استعماري وثفافة استعلائية وأحلام غير قابلة للتحقق، حتى لو انتظمت انقرة في حلف شمال الاطلسي، او وجدت بين ظهراني العرب تيارات الاسلام السياسي التي تلتقي مع تيار العثمانية الجديدة في الطمس على الهوية القومية العربية، لصالح «الوحدة الاسلامية» الموهومة وغير القابلة للتحقق او الانجاز، بعد ان جَيّرت خدماتها ووضعت نفسها تحت إشارة المُستعمِر الغربي، مقابل ايصالها الى الحكم او صرف النظر عن ارتكاباتها ومقارفاتها ضد شعوبها، ولم يكن المثال المصري في نظام محمد مرسي او استيلاد منظمات وجماعات الفكر الجهادي السلفي التي تعمل خراباً وتدميراً في سوريا والعراق وليبيا، سوى الترجمة الحيّة والماثلة على هذا النمط من التحالف بين الدوائر الاستعمارية الغربية وتيارات الاسلام السياسي، التي تستلهم على الدوام تجربة الجهاد الافغاني (كما تعلمون).

سَقَطَ المشروع الاردوغاني، ولن ينهض ثانية، حتى لو تمت الدعوة الى انتخابات مبكرة (جديدة) في حال تعذّر قيام إئتلاف، يبدو انه غير مؤكد بين حزبي العدالة والتنمية والحركة القومية، بافتراض ان الاخيرة ستستطيع «إقناع» العدالة والتنمية بتلبية شروطها (وهي شروط صعبة بالمناسبة) رغم انهما يلتقيان في الايديولوجيا (اسلاميّا الجذور) وفي عدائهم للكرد والقوميات الاخرى، في حين يستحيل اي تقارب مع حزب الشعب الجمهوري (أسسه اتاتورك) وايضا حزب الشعوب الديمقراطي (الكردي)، حيث اعلن الحزبان رفضهما اي إئتلاف مع حزب اردوغان.

مشروع «النظام الرئاسي» وهو حلم حياة اردوغان، دفنته نتائج الانتخابات واحتمالات توفر عدد كاف من الاصوات لإجراء استفتاء شعبي، تبدو هي الاخرى مُستبعدة إن لم نقل مستحيلة، ولهذا فإن خيارات اردوغان وهوامشه، آخذة في التقلص وبالتالي فإن عليه إيجاد «كبش فداء» لهذه الهزيمة الموصوفة، والمُرشح لأن يدفع الثمن هو داود اوغلو، لان غير ذلك يعني تصدع الحزب وانشقاقه، وهنا تتجه الانظار الى الرئيس السابق الذي غدر به اردوغان، وأرسله الى البيت وسط حملة اعلامية مُنسّقة، استهدفت النيل من شخصيته والطعن في نزاهته وخصوصا اغلاق ابواب حزب العدالة والتنمية (الذي أسسه) في وجهه.

تداعيات هزيمة اردوغان لم تبدأ بعد، لكنها ستكون كارتدادات الهزّات الارضية وخصوصا بعد ان باتت «الاردوغانية» بلا أنياب، وتم وضع تركيا على سكة جديدة.

 

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.