أردوغان إلى الظل والكرد إلى الصدارة / حازم مبيضين

 

حازم مبيضين ( الأردن ) 9/6/2015 م …

*قراءة سريعة في نتائج الإنتخابات التركية

رغم أن حزب العدالة والتنمية تصدر نتائج الانتخابات التشريعية في تركيا، فإن عديد نوابه لن يمنحه الفرصة لإجراء تعديلات دستورية تنقل صلاحيات رئيس الوزراء إلى رئيس الجمهورية، أي رجب طيب أردوغان على وجه التحديد، فيما تميزت هذه الانتخابات بدخول الكرد للبرلمان كحزب يحمل إسم “الشعوب الديمقراطية” بعدما اعتادوا الدخول كمستقلين، أو أعضاء في أحزاب أخرى.

تقول النتائج إن حزب الرئيس حصل على 259 مقعدا من أصل 550 أي ما يعادل 41 في المئة من الأصوات، والشعب الجمهوري حوالي 25 والحركة القومية 16 وتجاوزت نسبة حزب الشعوب الديمقراطية 12في المئة بمعنى أنه سيكون لديه 82 نائباً يقلبون الموازيين ويغيرون قواعد اللعبة، فقد كان أردوغان يسعى للفوز بأغلبية تعزز صلاحياته، باعتبار ذلك ضرورة لتعزيز النفوذ الإقليمي والنجاحات الاقتصادية، معتبراً أن هذه الانتخابات اختيار بين “تركيا الجديدة” والعودة إلى تاريخ اتسم بحكومات ائتلافية قصيرة الأجل، وعدم الاستقرار الاقتصادي والانقلابات العسكرية،

“العدالة والتنمية” مضطر لتشكيل حكومة ائتلاف، ينتظر أن يكون شريكه فيها “الحركة القومية”، الذي بدأ مناوراته بالإعلان أن من السابق لاوانه القول ما اذا كان سيبحث المشاركة في حكومة ائتلافية، وأدى تحول صغير في الأصوات إلى نتائج تحد من طموحات أردوغان السلطوية، فهو لم يعد قادراً على تحويل البلاد إلى النظام الرئاسي، وحزبه مجبر على ائتلاف مع أعداء سياساته، والحكومة الائتلافية ستمكن السلطة التنفيذية من أداء دور على حساب الرئاسة بعد فقدان أردوغان حظوظ التحول إلى رئيس تنفيذي، وبديهي أن الكرد غامروا بقرارهم تقديم مرشحيهم كأعضاء في حزب واحد، ورغم خطورة هذه الإستراتيجية الانتخابية فإنها أسفرت عن نجاح باهر، ولو كانوا خسروا لكانت فرص أردوغان مطلقة في تغيير النظام السياسي، فلم يكن حزبه يحتاج لغير تحقيق نتائج أفضل قليلاً من تلك التي أشارت إليها استطلاعات الرأي للحفاظ على هيمنته السياسية.

توسم الكثيرون خيراً في “العدالة والتنمية” باعتباره نموذجاً يُحتذى، حزب إسلامي جاء إلى الحكم على أنقاض حكومات عسكرية قمعت الحريات وضيّقت على الأحزاب وقررت أن الهوية التركية علمانية، متجاهلة القناعات الدينية للأكثرية، غير أن سياسات أردوغان المهيمنة والمتسلطة، وسعيه لاستعادة أمجاد العثمانيين، أثار حساسيات سياسية عند معارضي تلك الهيمنة، ودول المنطقة التي عانت في ظل الحكم العثماني، وقاومته حفاظاً على هويتها العربية.

كانت الانتخابات الأخيرة في تركيا معركة لتحديد الدور الذي يريد أردوغان أن يلعبه، وهو الغارق في وهج السلطة وشهواتها وإغراءاتها، والمقتنع أنه لايمكن لتركيا أن تعيش وتتقدم إذا لم يكن هو في مقعد القيادة، لا يشاركه ولا يعارضه أحد، ومصير البلاد معلق بين يديه.

خاض”العدالة والتنمية” الانتخابات منهكاً، وهو يواجه التحديات على الصعيدين الإقليمي والمحلي، الأزمة السورية، والأوضاع في العراق، وخطر تنظيم الدولة، والأزمتين اليمنية والإيرانية، ومحلياً فقدانه سبعين من أبرز كوادره وقياداته، ممن منعهم نص اللائحة الداخلية للحزب من الترشح على قائمته هذه المرة، أو استلام حقائب وزارية بعد استنفاد المدد الثلاث، إضافة لاحتدام صراع الأجنحة داخل الحزب مع تراجع معدلات النمو الاقتصادي وانحسار الحريات الشخصية، وتعثر جهود تسوية المسألة الكردية.

تمثل نتائج الانتخابات التركية خسارة كبيرة لمشاريع أردوغان مع قطر والإخوان والسعودية، ووربحا مؤكداً لمصر السيسي واﻹمارات وإيران، وتبعاً لذلك ستكون هناك تداعيات ينتظرها الإقليم، إلا إن لجأ السلطان المهزوم إلى انتخابات مبكرة تجري خلال الأشهر الأربعة المقبلة، وهي خطوة ستقضي على أي طموح لخلافة محمد الفاتح.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.