متابعة … تحليل سياسي … ماذا تعني نتائج الانتخابات التركية؟

 

الأردن العربي ( الأربعاء ) 10/6/2015 م …

في نهاية الأسبوع الفائت، خسر حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا أغلبيته البرلمانية التي حافظ عليها لثلاثة عشر عامًا، حيث انخفض رصيده من الأصوات، وفقًا لنتائج غير رسمية، الى 41% في الانتخابات الأخيرة التي جرت في السابع من حزيران/يونيو، بعد أن بلغت 50% عام 2007.

من جهةٍ أخرى، شهد فصيل المعارضة الرئيسي، حزب الشعب الجمهوري اليساري، تراجعًا لشعبيته أيضًا من 26% إلى 25%، في حين عزز حزب العمل القومي رصيده من 13% إلى أكثر من 16%. أما حزب الشعوب الديمقراطي القومي الكردي الصغير، فقد ضاعف شعبيته مع حيازته على 13% على منصة الليبرالية التي دعمت النساء وكذلك الأقليات السياسية والعرقية.

النتائج الأولية تشير إلى أنّ حزب العدالة والتنمية سيحصل على 258 مقعدًا في المجلس التشريعي المكون من 550 مقعدًا، بينما سيستحوذ حزب الشعب الجمهوري على 132 مقعدًا، حزب العمل القومي على 80 مقعدًا، وحزب الشعوب الديمقراطي على 80 مقعدًا أيضًا. وبما أنّ أيًّا من الأحزاب لم يحقّق أغلبية برلمانية، فإنّ الحكومة المقبلة ستقوم إما على التحالفات أو ستكون حكومة أقليات. وفي حين يكفي حزب العدالة والتنمية تشكيل ائتلافٍ مع شريكٍ واحدٍ فقط، فإنّ كل من الأحزاب الأخرى يحتاج للتحالف مع طرفين اثنين على الأقل لحشد أغلبية برلمانية.

نظريًا، يوجد العديد من الاحتمالات لتشكيل التحالفات، ولكن في واقع الأمر فإنّ الخيارات محدودة، لأنّ حزبي العمل القومي والشعوب الديمقراطي لن يقدما، على الأقل في الوقت الراهن، على التحالف مع حزب العدالة والتنمية، كما أنّ حزب العمل القومي يتمنّع عن التحالف مع حزب الشعوب الديمقراطي. التحالفات بين اليسار واليمين غير مرجحة في تركيا، مما يشير إلى أنّ احتمال تشكيل حكومة مشتركة بين حزب العدالة والتنمية وحزب الشعب الجمهوري قد لا يكون معزّزًا في المستقبل القريب، على الرغم أنّ مثل هذا التحالف يمكن أن يحقق الاستقرار المطلوب والانسجام الاجتماعي من خلال جمع النصفين المتباينين في البلاد. أما قيام تحالف يسار-يسار بين حزب الشعب الجمهوري وحزب الشعوب الديمقراطي فهو غير ممكنٍ أيضًا، لأنّ مجموع رصيد مقاعد الحزبين لن يكون كافيًا لتأمين التصويت على الثقة للحكومة. لذا، فإنّ المواءمة السياسية تشير في اتجاه حكومة أقلية، إلّا إذا شكّل الحزبان اليمينيان، حزب العدالة والتنمية وحزب العمل القومي، حكومةً يتّخذ فيها الرئيس رجب طيب أردوغان خطوةً إلى الوراء، وهو سيناريو غير قابل للتصديق إلى حد كبير.

مقابل ذلك، يمكن أن تواجه البلاد انتخاباتٍ مبكرة، حيث يفرض الدستور التركي تشكيل الحكومة خلال خمسة وأربعين يومًا بعد الانتخابات، وتتم الدعوة الى انتخابات جديدة إذا لم تتلقّ الحكومة تصويتًا على الثقة في المجلس التشريعي قبل هذا الموعد النهائي.

آثار أخرى

– بالنسبة لأردوغان: طموحاته ليصبح أول رئيس تنفيذي في تركيا قد نُقضت من قبل الناخبين. حزب العمل القومي، حزب الشعب الجمهوري، وحزب الشعوب الديمقراطي قد استبعدت جميعًا تكرار السيناريو الراهن- حيث يدير أردوغان البلاد بشكلٍ فعّالٍ وراء الكواليس – كشرطٍ مسبقٍ للدخول في حكومةٍ ائتلافية مع حزب العدالة والتنمية. قد يشكل حزبه الحكومة أو يستحوذ مجددًا على الأغلبية في انتخاباتٍ مبكرة، ولكن طموحات أردوغان الرئاسية يتم استنفادها الآن. ومع ذلك، فإنه سيواصل جهوده لتشغيل حزب العدالة والتنمية وانتهاج الرئاسة بشكلٍ تنفيذي، ولكن مع تكتيكات مختلفة، وخاصةً إذا عزّزت الانتخابات المبكرة من حظوظ اردوغان في تشكيلة أكثر تأييدًا له.

– في السياسة التركية على المدى القصير: لم تكمل أي حكومة ائتلافية أو أقلية في تركيا فترة ولايتها، وعادةً ما يشهد البلد أزماتٍ سياسية واقتصادية عندما تفشل مثل هذه الحكومات نتيجة المشاحنات بين الشركاء في الائتلاف. قد تدخل تركيا إذًا فترة من عدم الاستقرار السياسي أو الاقتصادي في ظلّ حكومة ائتلافية أو أثناء عملية تشكيل الحكومة التي تبلغ خمسة وأربعين يومًا، ما قد يؤثر على الجمهور ويدفعه لدعم حكومة حزب واحد هو حزب العدالة والتنمية في انتخابات مبكرة. في المقابل، يمكن أن تصوّر المعارضة حزب العدالة والتنمية على أنه هو سبب المشكلة، وتستحوذ على دعمٍ إضافي في هذه الانتخابات.

– في السياسة التركية على المدى الطويل: لقد أثبتت النتائج أنّ تركيا هي أكبر حجمًا وأكثر تنوّعًا من أن يحكمها أردوغان، حزب العدالة والتنمية، أو أي طرف آخر بمفرده. لقد أصبحت المعجزة الاقتصادية التي بشّر بها اردوغان خلال العقد الماضي خصمه. فبعد أن ساعد اردوغان في جعل تركيا مجتمع للطبقة الوسطى، وجدت تلك الدائرة صوتًا لها في البرلمان من خلال التحالف الكردي الليبرالي وحزب الشعب الجمهوري، حيث يشكل الليبراليون أعظم تحدٍّ لأردوغان على المدى الطويل. مع عدد قياسي من النساء (اللواتي يشكّلن الآن حوالى 20% من السلطة التشريعية)، وأعضاء من الشباب، والأقليات العرقية والدينية والسياسية (على سبيل المثال، الأرمن)، سيكون هذا البرلمان التركي الأكثر تنوعًا من أي وقتٍ مضى.

– لرئيس الوزراء أحمد داود أوغلو: كانت هذه الانتخابات محرجةً بالنسبة له، لأنه قاد حملةً للإطاحة بمنصبه، فقد قال للناخبين “صوتوا لي حتى تتمكنوا من التخلص مني، ثم اجعلوا أردوغان رئيسًا رسميًا للحكومة”. فشلت هذه المناورة، ولكن لم يكن لديه خيارًا آخر، فقد قاد أردوغان حملة حزب العدالة والتنمية.

– بالنسبة للأكراد: هذه فرصة للجناح الديمقراطي في الحركة القومية الكردية، للتغلب أخيرًا على جناحها العنيف. دخل حزب الشعوب الديمقراطي البرلمان بفضل دعمٍ من الأتراك الليبراليين، والذي يبيّن أنّ الديمقراطية هي الحل للمظالم الكردية، والأهم من ذلك هو أنّ مستقبل الحركة يتشابك مع الليبرالية والديمقراطية في تركيا.

– بالنسبة لسوريا: لقد كان حزب العدالة والتنمية مهووسًا بإسقاط نظام الأسد في دمشق، واستخدم أكثر من وسيلة لتحقيق هذه الغاية، مثل السماح للمقاتلين بالتدفق عبر الحدود التركية. الآن، وبعد أن خسر الحزب الأغلبية التشريعية، فإنّ هذه السياسة تأتي تحت رقابة برلمانية، إعلامية، وشعبية.

 

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.