ابن تيمية و”المطبوعات والنشر”! / محمد سويلم
محمد سويلم ( الأردن ) الخميس 11/6/2015 م …
يكاد لا يمر وقت طويل مؤخرا خاصة بعد حادثة الشهيد الكساسبة، الاّ وتخرج علينا بعض الأقلام، بمرافعات (إعلامية) عن “ابن تيمية”، مغلفة برسائل تحذيرية لكل من يحاول الإشارة لحقيقة ما تحويه كتب هذا الرجل!
ومن الواضح للأسف؛ أنها محاولات لترهيب أي كاتب أو صاحب ولاية يقوم بفتح هذا الملف! وتجريم كل من يسعى لتعليق جرس الإنذار، والإيهام أنه وقع في المحذور! وهذا في الوقت الذي تتكشف فيه الحقائق وتتعالى فيه أصوات النقد والتحذير، وتتزايد فيه التساؤلات وعلامات الاستفهام، بعد أن صارت هذه الكتب ومحتواها؛ في دائرة الضوء وتحت مجهر التشريح.
وما أن يأتي أحد على ذكر كتب هذا الرجل؛ حتى يقوم البعض بفتح جبهة من الاتهامات عليه! وإظهاره بصورة المعتدي على الدين والعلماء! وترهيبه بذريعة ان التعرض لهذه القضية موطن لإثارة الفتن أو وقوع في الشبهات! بقصد ردع كل صاحب رأي من الاقتراب لهذا الملف! ومحاولة تجاوز المحنة -بعد أن أصبح هذا الفكر وأتباعه في العراء- بأقل الخسائر!
وليعلم أن هذه الاعتراضات والاتهامات بغير وجه حق وتجانب الصواب والمنطق السليم وتتناقض مع القواعد الشرعية كذلك، إلا أنها تلجأ الى التمويه على العوام الذين لا يعرفون حقيقة الحكم على محتوى هذه الكتب بالميزان الشرعي، وحكم علماء الأمة منذ نحو 750 عاما على تلك الفتاوى والتجاوزات، وردهم لها وتحذيرهم منها في مئات المؤلفات والكتب والمصنفات…!
وهذه الكتابات ليست بالأمر الجديد، لكنها اليوم تسعى لهدف إضافي غير تجميل صورة هذا الفكر ودعم وجوده، يتمثل بما تحمله في طياتها من الترهيب والترعيب لكل من يحاول التصدي او مجرد التنبيه الى كم المخالفات والشبهات في هذه الكتب؛ وتشويه صورته من خلال استثارة العاطفة وإيهام العامة زورا أن هذا الاعتراض تطاول على الدين وحرية الفكر!
والآن ونحن في هذه الفترة الحساسة أحوج ما نكون للعلم الصافي المؤيد والمدعم بالأدلة والبراهين من منابعه، وأن نبعد كل شبهة وأفكار مسمومة تسعى لتلويث العقول وتشويهها، وتملئ قلوب أبنائنا بالحقد والكراهية، وتغرس فيها نزعة العنف والميل للجريمة والقتل وإسالة الدماء والتدمير واستحسان القبيح والانقياد للشرور والأشرار!.
وعليه فليعلم؛ أن ابن تيمية رجل، يصيب ويخطئ وليس معصوما، لكن المحزن أن جهات إعلامية ومنذ زمن بعيد عملت وبطريقة ممنهجة وممولة من عدة جهات على تلميع صورته بشتى وسائل الدعاية، سواء من خلال المسلسلات التلفزيونية والخطب والندوات أو طباعة ملايين الكتب التي تمجد هذا الرجل وتوزيعها بالمجان، لدرجة أن البعض أصبح فقط تيمياً؛ من شدة تعصبه!
ولو كلفنا أنفسنا ورجعنا لتاريخ هذا الرجل، ونظرنا لسيرته بتجرد وبدون تعصب؛ نجد أنه كان إنسانا جدليا وقع بالعديد من الأخطاء التي انتقده عليها أئمة المذاهب الأربعة وليس الحنبلي فقط، ومن ذلك عدة مسائل خرق بها الإجماع، وقيل بأن عدد هذه المسائل زاد عن الستين مسألة!
وليس ذكر هذا من باب الافتراء وليس في باب الاختلاف بوجهات النظر، بل وقائع وحقائق وكتب أحوال الرجال في تلك الفترة موجودة وإذا أردنا أن نعرف حال ابن تيمية على حقيقته علينا الرجوع إلى كتب أحوال الرجال في ذالك الوقت، والذين كتبوا عنه وعن غيره.
واليوم نحن نمر بمرحلة خطيرة من زمننا الذي يتصدر التطرف والاجرام -باسم الدين- المشهد فيه، ومحاربة هذا الإرهاب تبدأ بتبيان أحوال الرجال الذين يتخذهم البعض مرجعا لايرد؟! وكذلك بتحديد المصادر والمراجع الصحيحة غير المتنازع في صحتها.
فكبار العلماء وأئمة أعلام في زمن ابن تيمية هم الذين حذروا من كتبه وفتاويه! وهم الذين قالوا أنها مليئة بالضلالات والفتاوى التي تخالف المذاهب الفقهية، وذكر علماء عصره هذه المخالفات الكثيرة لإجماع الأمة الاسلامية، وردوا عليه وبّدعوه وألفوا الكثير من المؤلفات في ذلك، وبينوا للناس الصواب.
والإمام السبكي له مصنفين في الرد على ابن تيمية في عدة مسائل، وهما “شفاء السقام في زيارة خير الأنام” و”الاعتبار ببقاء الجنة والنار”، وكذلك تقي الدين الحصني ألف كتاب “دفع شُبه من شبّه وتمرد ونسب ذلك إلى الإمام أحمد”.
وكذلك ابن حجر العسقلاني ذكر حال ابن تيمية في كتاب “الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة”، حتى تلميذه الذهبي بعد ما تبين له حاله ومخالفاته رد عليه وتكلم بحاله ونصحه بالرجوع إلى الحق وحذره من الغرور الذي يزين له طريق الباطل!.
وعلى ذلك الكثير من علماء الأمة في زمنه ومن بعده، ممن ردوا عليه وبينوا ضلالاته في العديد من الفتاوى، وقد تمت استتابته عدة مرات وكل مرة كان ينقض عهوده ومواثيقه، حتى حبس بفتاوى من قضاة المذاهب الأربعة سنة 726هـ بسجن القلعة ومات هناك سنة 728هـ.
تلك لمحة موجزة من حال هذا الرجل الذي قيل فيه الكثير وألف في مخالفاته والرد عليه الكثير والكثير، فليس خفيا أنه كان رجلا جدليا لم يمدح سيرته أحد من العلماء المعتبرين، وأفكاره وسيرته وكتبه انتهت بموته، إلى أن جاء بعد مرور نحو 500 عام من أعاد إحياء فكره! وعمل على تلميعه وترويج بضاعته، واستخدمت الاموال الطائلة لترويجه ولنشر فكره وكتبه، وحتى لقب شيخ الاسلام تم إلصاقه به، فلم يطلق عليه قبل ذلك هذا اللقب لا في حياته ولا بعد وفاته بزمن طويل.
وبعد بيان حال هذا الرجل وجدليته بهذه العجالة، والتاريخ وكتب احوال الرجال وما قاله فيه كبار علماء عصره، وبعد بيان حال أي رجل غيره كان مثارا للشبهات والجدل، فهل يستقيم من باب العقل والمنطق ومن حيث الميزان الشرعي أن نتخذه مرجعا ونأخذ بفتاويه ونتداول كتبه ونجعلها في كل بيت وكل مدرسة وجامعة ومسجد ومكتبة؟!!
قطعاً لا يستقيم.. فكيف يكون الحال؛ وهذا الرجل عند البعض الكثير مرجعهم الذي لا يرد؟! وفتاويه التي أبطلت بإجماع الأمة؛ دستورهم الذي يسقطون عنده كل قول ويغلقون عقولهم وقلوبهم عن تقبل اي حق! من شدة تعصبهم وتصلب فكرهم لبعض الأشخاص وكتبهم التي يستبيحون لأجلها الدماء والأعراض؟!
وقبل أيام قرأت مقالا لأحد الكتاب بواحدة من الصحف الزميلة، يعترض فيه على دائرة المطبوعات والنشر لمنعها بعض دور نشر، من إدخال كتب لابن تيمية للبلاد وتوزيعها؟!
فالأصل هنا أن نشكر دائرة المطبوعات والنشر ونشد من أزرها ونقف في ظهرها، ونطالبها بالمزيد من اليقظة في هذا الاتجاه الذي من شأنه حماية عقول أبنائنا وتمتين داخلنا وضمان أمننا وصلاحنا وصون أجيالنا وأوطاننا، إن تم العمل بتعمق وشمولية في هذا الاتجاه.
فالصواب أن تعلو أصواتنا بالتأييد والمساندة لهكذا خطوة، إن صحت، لا أن نقوم بمهاجمتها ومحاولة ارهابها واصطناع رأي عام ضاغط لا أساس له!
يبدو أن محاولات (الشوشرة) والترهيب هذه، باتت اليوم بحاجة إلى التكاتف والوقوف في وجهها، والعمل على إزالة اللبس والاشتباه الذي أشاعه البعض، ومواجهتها بالحقائق والوقائع من مصادرها ومنابعها الصافية، فنتائج الصمت وخيمة، ولا نريد المزيد من إراقة دماء أبنائنا وتلويث أفكارهم وتشويه عقولهم، وللحديث بقية!
التعليقات مغلقة.