“كي لا ننسى” … ذكرى رحيل القائد الوطني اللواء”محمد توفيق” الروسان (أبو الحكم)
لواء ركن/ عرابي كلوب ( فلسطين ) السبت 13/6/2015 م …
** تنويه من ” الأردن العربي ” : إننا في ” الأردن العربي ” ، إذ ننشر سيرة حياة المناضل ( ابو الحكم الروسان ) ، هذه القامة الوطنية الشامخة الباسقة ، فإننا نعتقد راسخين أننا بذلك ، إنما نقوم بفضح وتعرية كافة الإقليميين ومثيري الفتنة ، والذين يحاولون دائما دقّ الأسافين في الجسد الأردنيّ الفلسطينيّ الواحد .
(1907م – 2001م)
تاريخ مشرف لمناضل وطني كبير، لأنه أحب فلسطين وضحى من أجلها، كان قائداً فذاً وله تجربة جديرة بالاحترام، ناكراً ذاته، التحق بالثورة الفلسطينية كمناضل عربي أردني فلسطيني أصيل، مضحياً بكل شيء من أجل الثورة والقضية، مشاركاً اخوانه في مسيرة الألم والأمل، فارساً مقداماً، منتمياً لأمته العربية والإسلامية.
كان مناضلاً شريفاً، عفيفاً، نظيف اليد، مؤدياً واجبه على أكمل وجه بالصدق والذمة، رجل عرفناه مخلصاً لوطنه، وأمته ومناضلاً كبيراً، واكب مراحل النضال الوطني الفلسطيني منذ وعد بلفور المشؤوم والانتداب البريطاني على فلسطين. ولعب دوراً سياسياً مهماً على الصعيدين الوطني والعربي، وهو من أوائل مديري التموين في الجيش العربي الأردني، ورئيس هيئة القضاء الثوري الفلسطيني في منظمة التحرير الفلسطينية في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي وترك بصمات واضحة خلال عمله فيها.
إنه اللواء/ الحاج “محمد توفيق” باشا فالح فلاح الروسان (أبو الحكم) المولود في بلدة أم قيس عام 1907م في شمال الأردن، حيث نشأ وترعرع في كنف والده الشيخ فالح الفلاح الروسان، أرسله والده عند بلوغه سن الرابعة للدراسة في الكتاب في مسجد القرية، فتعلم القراءة والكتابة ومبادئ الحساب وحفظ القرآن الكريم، ثم انتقل للمدرسة الابتدائية الحكومية التي افتتحت في عهد الملك فيصل الأول عام 1920م، وحصل على شهادتها وتعين معلم في نفس المدرسة لمدة عام براتب دينار ونصف شهرياً، التحق بعدها بالمدرسة (الأحمدية) في عكا عام (1925) والتي تخرج منها عام (1928) وكانت شهادته تعادل منهاج الدراسة الثانوية في فلسطين آنذاك، هذه المدرسة كانت تابعة للمجلس الإسلامي العالمي في القدس، وبعد تخرجه عمل كاتباً لدى شركة الحبوب والتي كان مقرها في شارع الاستقلال في حيفا براتب دينارين ونصف شهرياً، ثم انتقل لفرع الشركة في الحمة الفلسطينية.
انتسب أبو الحكم للخدمة في الجيش العربي الأردني عام (1930) برتبة جندي، والتحق بمعسكر المحطة للتدريب، وخلال خدمته العسكرية شارك بعدة دورات (الأسلحة المختلفة، الطباعة وإدارة شؤون المكاتب، دورة مدربي إسعاف حيث حصل على شهادة دبلوم الإسعاف الأولي من مستشفى القديس (جون) بالقدس التابعة لمنظمة الصليب الأحمر البريطانية، دورة في الشرطة والقانون بمدرسة الشرطة بعمان بإشراف المستشار العدلي (الأمير فايز الشهابي)، دورة اكتشاف الجرائم والتحقيق بإشراف المستشار القانوني للعدلية القاضي (توفيق سنو).
خدم أبو الحكم في شرطة عمان والزرقاء وقائداً لمركز شرطة ماركا والمحطة، ثم مسؤولاً عن التحقيق في شرطة الزرقاء، ثم محققاً في مقاطعة جرش فمديراً لقلم منطقة الكرك في عام (1938م)، انتقل بعدها مساعداً لقائد منطقة عمان، ثم التحق بدورة قادة فئات بمعسكر المحطة ودورة قادة سرايا في (صرفند) عام 1943م.
أبو الحكم أشغل العديد من الوظائف (مساعداً لضابط المستودع العام وضابطاً لعهدةالكتيبة الأولى في الأزرق، ثم أركان حرب قيادة اللواء الأول المسلح، وفي عام 1939م تحرك على رأس اللواء إلى غزة بعد انتهاء تدريباته ومناوراته مع الجيش البريطاني في المفرق وعجلون والكفرين تمهيداً للذهاب إلى اليونان للمشاركة في الحرب العالمية الثانية، إلَّا أنه عاد إلى الأردن مع هذه القوات بعد رفض ضباط اللواء أوامر الجنرال البريطاني (الإسكندر) وذلك لدى اجتماعهم في معسكر (نصيرات) بغزة.
عين أبو الحكم قائداً للواء الخلفي في المحطة، ثم مساعداً لمراقب المستودع العام ثم ركن إدارة ولوازم الفرقة التي كان يقودها الجنرال البريطاني (لاش) في بيتونيا – رام الله، وفي نفس الفترة اسند إليه وزير الدفاع (فلاح المدادحة) رئاسة لجنة النازحين في القدس ورام الله إضافة إلى وظيفته في الفرقة.
تم تعيين أبو الحكم في عام (1948م) مراقباً للمستودع العام في الجيش العربي بدلاً من العقيد (سليمان العمري) وفي عام 1950م) تعيّن مفتشاً عاماً لمستودعات الجيش العربي وركن أول استئجار واستملاك، وفي عام (1951م) عيّن أول ضابط أردني مديراً لدائرة السير العامة والترخيص بدلاً من الضابط الانجليزي بطلب شخصي من وزير الدفاع آنذاك (فوزي الملقي) والجنرال (جلوب باشا) قائد الجيش والذين طلبوا منه العمل على تنظيم الدائرة وتطهيرها من الفساد ووضع الأنظمة والقوانين الخاصة بها.
ثم شغل أبو الحكم منصب قائد منطقة البلقاء بدلاً من (خليل حيمور) ثم قائداً لمنطقة نابلس، وبعد انتهاء خدمات الجنرال (جلوب باشا) تم تعيينه مديراً للتموين والنقل الملكي عام (1956م) حيث قام بإصلاح المديرية من الفساد والمحسوبية وإعادة تنظيم وبناء كافة دوائرها وسراياها، وتم في عهده بناء الأفران، ومستودعات التبريد والزيوت، ومدارس الطهاة، وإنشاء المزارع والمسالخ، وشراء أسطول من سيارات الشحن والتبريد وصهاريج الزيوت، تم ذلك كلّه دون أن تدفع الموازنة ديناراً واحداً…! بفضل الوفر المتحقق نتيجة إنهاء عقود اتفاقيات التوريد مع المتعهدين المتنفذين وإشراف أبو الحكم المباشر على المناقصات والعطاءات المختلفة، وقيامة بالسفر الى السودان ونيوزيلاندا واستراليا، وتوقيع استيراد اللحوم مباشرة دون تدخل الوسطاء.
عهد الملك حسين بن طلال (لأبي الحكم) في عام (1962م) العمل على تشكيل وتأسيس وإدارة دائرة جديدةفي القيادة العامة للجيش، وترتبط مباشرة بالملك عرفت باسم (السكرتارية العسكرية) وتهدف إلى تطوير الجيش العربي، ورفده بالكوادر المتعلمة، وتخليصه من الضباط الأميين، وترفيع الضباط المؤهلين ورفع مستوى كفاءتهم وإرسالهم بدورات داخلية وخارجية، إضافة إلى مسؤولية تعيينهم واختيارهم بالمراكز القيادية العليا والأركان أو إحالتهم على التعاقد، ومسؤولية حماية الضباط من التسريحات والاعتقالات والإخباريات الكيدية، وقد كان للمرحوم بصمات واضحة في تحقيق ذلك.
نتيجة لتفاقهم الخلافات بين أبو الحكم وبين رئيس الاركان في حينه (حابس المجالي) واعتكاف الأخير في منزله عدة شهور رافضاً العودة إلى مركز عمله بالقيادة كرئيس للأركان العامة ما دام (أبو الحكم) على رأس عمله سكرتيراً عسكرياً للجيش العربي..! وله مطلق الصلاحيات بالترفيع والتعين والإحالة على التقاعد لكبار ضباط الجيش، وكان ذلك عام (1964م) حيث تم إلغاء منصب السكرتير العسكري للقوات المسلحة نهائياً، وإحالة أبو الحكم على التقاعد برتبة زعيم (عميد حالياً) وبدون ترفيعه للرتبة الأعلى، بالرغم من أنه امضى بهذه الرتبة مدة سبع سنوات كاملة، وهي سابقة وحيدة من نوعها في تاريخ القوات المسلحة لم تتكرر مع أي ضابط آخر من نفس الرتبة..!
تطوع أبو الحكم بعد حرب (1967م) لتأسيس (قوات المقاومة الشعبية) وقام بالتنسيق مع قيادة الجيش العربي، لتوزيع الأسلحة الخفيفة على المتقاعدين العسكريين في القرى والبلدات الحدودية، بهدف الدفاع عن أنفسهم وأهاليهم في حالة تعرضهم لأي هجوم أو اجتياح اسرائيلي.
انتخب أبو الحكم عام (1969م) رئيساً لمجلس إدارة شركة كهرباء اربد حيث قام بتنظيم العمل في الشركة، وتطهيرها من الفساد وتعيين الموظفين الأكفاء وتسديد خسائر الشركة، وتوزيع أرباح على المساهمين فيها، كما تم شراء العديد من المولدات الكهربائية الكبيرة، وإيصال الكهرباء والإنارة للعديد من القرى والمناطق في محافظة اربد وصولاً لمنطقة وادي الضليل والزعتري.
عرض الملك حسين بن طلال على أبو الحكم في الأعوام (1968،1969،1970) عدة مناصب رسمية، منها العودة للقوات المسلحة أو الأمن العام برتبة لواء، أو منصب محافظ، الا أنه اعتذر عن قبوله لأي منصب رسمي نتيجة تفرغه للعمل الشعبي والتطوعي في المقاومة الشعبية وشركة الكهرباء.
الثورة الفلسطينية:
أبو الحكم اصبح مؤازراً ومناصراً للثورة الفلسطينية بعد معركة الكرامة عام (1968م)، وفي عام (1970م) إيماناً منه بعدالة قضية فلسطين ووجوب التضحية والنضال في سبيلها باعتبارها قضية العرب والمسلمين الأولى، فقد التحق المرحوم بالثورة الفلسطينية، كعضو عامل وانتقل إلى سوريا، حيث حوكم غيابياً بالإعدام من قبل المحكمة العسكرية العرفية الأردنية..! عرض على المرحوم في حينه إصدار (عفو خاص) عنه وتعيينه بمنصب وزاري شريطة العودة إلى الأردن..! إلا أنه اعتذر عن قبول العرض..!
عمل أبو الحكم بعد التحاقه بالثورة الفلسطينية بعدة مواقع ومسؤوليات:
• عمل على تأسيس وادارة جهاز الإمداد والتموين في حركة (فتح) والإشراف المباشر على المساعدات الكبيرة التي وصلت للثورة عبر سوريا من مختلف الدول العربية والعالم، نظراً لما عرف عن المرحوم من صفات الأمانة والنزاهة والقدرة الجبارة على العطاء المتواصل، ومن معرفة وخبرة قيادية واسعة في مختلف المجالات، إضافة إلى ما عرف عنه من الجرأة والمواقف الصلبة في سبيل إحقاق الحق والنظام والقانون.
أسند إليه الرئيس (ياسر عرفات) وقيادة منظمة التحرير الفلسطينية مسؤولية إشغال العدد من الوظائف والمسؤوليات الكبيرة في آن واحد حيث كانت مقرات إدارته التابعة له منتشرة في كل من سوريا ولبنان وتونس:
• مديراً للقضاء الثوري لحركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح).
• عضواً في المجلس الأعلى لدائرة الشؤون الاجتماعية لمنظمة التحرير.
• عضواً بلجنتي العمل والإشراف العليا لمشروع المدينة التعليمية لأبناء شهداء ومجاهدي فلسطين.
• نائباً لرئيس مجلس إدارة جمعية رعاية أسر شهداء ومجاهدي فلسطين (حيث تنازل عن الرئاسة بعد فوزه بالانتخابات بإجماع الأصوات (لسعيد عزيز عيسى).
• مديراً عاماً للمدينة التعليمية لأبناء شهداء ومجاهدي فلسطين في دمشق والتي تقوم على مساحة من الأرض (700 دونم) وتشتمل على مراحل التعليم الابتدائية والإعدادية والثانوية والجامعية (كليات متوسطة).
• رئيسا لبعثات الحج الفلسطينية إلى الديار المقدسة.
• رئيساً لهيئة القضاء الفلسطيني/ منظمة التحرير الفلسطينية.
• رئيساً للقضاء العسكري لجميع الفصائل الفلسطينية.
• عضو شرف باتحاد الحقوقيين الفلسطينية واتحاد الحقوقيين العرب.
• عضو المجلس العسكري الأعلى لقوات الثورة الفلسطينية.
• عضو منتخب بالمجلس الثوري لحركة فتح.
بعد الاجتياح الاسرائيلي عام (1982م) حيث كان أبو الحكم مقاتل في صوف قوات الثورة الفلسطينية، ومن المدافعين عن شرف وكرامة الأمة وصمودهم الأسطوري لمدة ثلاثة شهور في (بيروت) وتصديهم لقوات العدو الإسرائيلي بقيادة الجنرال (شارون) أثناء الاجتياح الصهيوني للبنان.
• عضو مراقب في كافة اجتماعات المجالس الوطنية الفلسطينية.
• رئيس وعضو وفود منظمة التحرير الفلسطينية في العديد من مؤتمرات جامعة الدول العربية، ومؤتمرات وزراء الداخلية وقادة الشرطة والأمن العرب.
• بعد محادثات (أوسلو) بين (اسرائيل) ومنظمة التحرير الفلسطينية عام (1993) قدّم المرحوم استقالته من كافة المناصب والمسؤوليات التي كان يتولاها باستثناء منصبه في عضوية المجلس الثوري باعتباره عضواً منتخباً من المؤتمر العام، وبقي في هذا المنصب لحين وفاته عام (2001م) ولم تقبل الاستقالة من قبل الرئيس (عرفات) الا أنه قام بتسليم عهدته لنائبه، وعاد للأردن حيث سبق وأن صدر عفو عام عن كافة المحكومين غيابياً على أثر (حوادث أيلول) عام (1970م).
أبو الحكم كان مشّرع وواضع العديد من لوائح وأنظمة وتشريعات القوانين لحركة فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية، وله عدة مؤلفات وتشريعات قانونية:
• كتاب قانون أصول المحاكمات الجزائية.
• كتاب قانون العقوبات الثوري.
• كتاب قانون مراكز الإصلاح (السجون).
• كتاب شرح قانون أصول المحاكمات الجزائية.
• تشريع عام (1973)، تم بموجبه تحويل كافة السجون العائدة للقضاء الفلسطيني الذي تولى إدارته في مختلف أماكن تواجدها في الدول العربية إلى مراكز إصلاح وتأهيل باعتبار هذه الأماكن هي مراكز للتهذيب والإصلاح، وليست سجون للانتقام والتعذيب وأن يعامل المحكومين بكل إنسانية، وتعليمهم المهن التي يرغبون بتعلمها من نجارة وحدادة ودهان وديكور وفنون وغير ذلك من المهن.
بالإضافة الى تعيين مرشدين اجتماعيين ودينيين في كل مركز إصلاحي بحيث يتمكن المحكوم وبعد قضاء فترة توقيفه من العودة للمجتمع كمواطن صالح وممارسة أعمال شريفة تمكّنه من إعالة اسرته، وقد سبق أبو الحكم بهذا التشريع الحضاري جميع الدول العربية..!
• تشريع حضاري آخر للمرحوم، تم بموجبه دفع نصف رواتب المحكومين التي كانوا يتقاضونها قبل تجريمهم لعائلاتهم، وذلك طيلة فترة توقيفهم، وحتى المحكومين منهم بالإعدام أو المؤبد، وذلك رأفة بزوجاتهم وأولادهم وأسرهم من التشرد والعوز أو السقوط في مستنقع الرذيلة.
أهم ما كان يفتخر به (أبو الحكم) في حياته، حرصه الدائم على إحقاق الحق والعدل ومراعاة تحكيم الضمير في اتخاذ قراراته خوفاً من الله، ومن وقوع الظلم على المحكومين، حيث يقوم بدراسة الأحكام التي تصدرها المحاكم الثورية والمحاكم الخاصة، والمحاكم الدائمة التابعة لإدارته بحق المحكومين، دراسة مستوفية قبل اتخاذ قراره بالموافقة على هذه الاحكام، وكثيراً ما كان يقوم المرحوم بنقض الأحكام والأمر بإعادة المحاكمة مراعاة لمبدأ تحقيق العدالة، ومن المهم الإشارة هنا إلى أنه قد تم في عهده الحكم على (120) متهم من مختلف الفصائل الفلسطينية بالإعدام رمياً بالرصاص من قبل المحاكم الفلسطينية، إلا أنه لم يصادق الا على أربعة أحكام بالإعدام فقط ثبت وباعترافهم، ارتكاب أصحابها جرائم خطيرة بحق الثورة ومنها اغتيال عدد من قادتها.
توفي أبو الحكم في (9/1/2001م) عن عمر يناهز (94) عاماً بعد أن أمضى ثلاثة أرباع القرن من عمره، معلماً ومربياً وجندياً ومجاهداً، شيّع المرحوم ونعاه ورثاه أهله وعشيرته وأصدقائه وأبناء الأردن وفلسطين بصفتهم الرسمية والشعبية والعشائرية إلى مثواه الأخير في قريته (أم قيس) وأبلغ ما قيل في رثائه بكلمة رئيس المجلس الوطني الفلسطيني (أبو الاديب) ممثل الرئيس الفلسطيني (ياسر عرفات) والقيادة والشعب الفلسطيني، حيث رثاه بقصيدة شعرية عفوية معبرة، تلاها بكلمة عرض فيها التاريخ النضالي للمرحوم واختتمها قائلاً: (لقد كنت يا أبا الحكم وبحق العروة الوثقى في العلاقة بين شعبنا الفلسطيني والشعب الأردني الشقيق).
توفي رحمه الله وهو لا يملك متاع الدنيا وزخرفها سوى مترين من الأرض (قبره) ومبلغ (2000) دينار أوصى بها في حياته لمصاريف جنازته بعد مماته، ولكنه امتلك ثروات كبيرة من خصال الشرف والعزة والفخار والنزاهة والشجاعة والسخاء والتضحية والأمانة والصدق وعزة النفس، والتواضع والعطاء والوطنية وقول كلمة الحق دون أن يخشى في قولها لومة لائم، وتلك الخصال الحميدة وغيرها أقر بها الجميع خلال حياته وبعد وفاته.
هذا وقد أبرق ياسر عرفات وقتها إلى آل الروسان معزياً بوفاة الأخ والمناضل الكبير ورفيق الدرب والكفاح اللواء/ أبو الحكم سائلاً الله سبحانه وتعالى أن يسكن الفقيد الغالي فسيح جناته.
أبو الحكم المناضل الإنسان الذي أعطى نموذجاً للحفاظ على أموال الثورة، والشهداء، وأن يكون الموقع والوظيفة مسخراً ومكاناً لخدمة الناس وحل مشاكلهم وقضاياهم.
لقد كان الراحل الكبير اللواء/ أبو الحكم يتمتع بثقة عالية من الشهيد القائد/ ياسر عرفات والذي عمل بكل جد واخلاص وتفان بلا كلل أو ملل.
وسط تلك القامات، وبين تلك الوجوه، تقف روح الراحل الكبير اللواء/ أبو الحكم بقامته المنتصبة وجسده الممتلئ، بسمرته العذبة، بروحه الخفيفة، بسنوات عمره المملوءة بالعزيمة والإصرار، تقف روحه ماثلة أمام الجميع وتحلق فوق رؤوسنا.
سيبقى اللواء/ أبو الحكم الذي عمل عقوداً من النضال الوطني من أجلفلسطين ذكرى خالدة لن ننساه ما حيينا، كان خلالها مثالاً للصدق والأمانة والالتزام.
هذا وقد منح السيد الرئيس/ محمود عباس (أبو مازن) اللواء الراحل/ محمد توفيق الروسان (أبو الحكم) مدير هيئة القضاء الثوري في م.ت.ف وسام نجمة الشرف العسكري وذلك يوم 18/5/2015م في عمان، تقديراً لدوره القيادي والنضالي المشرف وانتمائه القومي الأصيل ودفاعه المخلص عن فلسطين، تثميناً لالتزامه العربي الأبي، حيث كرس حياته من أجل حرية دولة فلسطين واستقلالها.
رحم الله القائد العسكري الكبير اللواء/ “محمد توفيق” فالح فلاح الروسان (أبو الحكم) واسكنه فسيح جناته مع النبيين والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقاً.
لواء ركن/ عرابي كلوب ( فلسطين ) السبت 13/6/2015 م …
** تنويه من ” الأردن العربي ” : إننا في ” الأردن العربي ” ، إذ ننشر سيرة حياة المناضل ( ابو الحكم الروسان ) ، هذه القامة الوطنية الشامخة الباسقة ، فإننا نعتقد راسخين أننا بذلك ، إنما نقوم بفضح وتعرية كافة الإقليميين ومثيري الفتنة ، والذين يحاولون دائما دقّ الأسافين في الجسد الأردنيّ الفلسطينيّ الواحد .
(1907م – 2001م)
تاريخ مشرف لمناضل وطني كبير، لأنه أحب فلسطين وضحى من أجلها، كان قائداً فذاً وله تجربة جديرة بالاحترام، ناكراً ذاته، التحق بالثورة الفلسطينية كمناضل عربي أردني فلسطيني أصيل، مضحياً بكل شيء من أجل الثورة والقضية، مشاركاً اخوانه في مسيرة الألم والأمل، فارساً مقداماً، منتمياً لأمته العربية والإسلامية.
كان مناضلاً شريفاً، عفيفاً، نظيف اليد، مؤدياً واجبه على أكمل وجه بالصدق والذمة، رجل عرفناه مخلصاً لوطنه، وأمته ومناضلاً كبيراً، واكب مراحل النضال الوطني الفلسطيني منذ وعد بلفور المشؤوم والانتداب البريطاني على فلسطين. ولعب دوراً سياسياً مهماً على الصعيدين الوطني والعربي، وهو من أوائل مديري التموين في الجيش العربي الأردني، ورئيس هيئة القضاء الثوري الفلسطيني في منظمة التحرير الفلسطينية في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي وترك بصمات واضحة خلال عمله فيها.
إنه اللواء/ الحاج “محمد توفيق” باشا فالح فلاح الروسان (أبو الحكم) المولود في بلدة أم قيس عام 1907م في شمال الأردن، حيث نشأ وترعرع في كنف والده الشيخ فالح الفلاح الروسان، أرسله والده عند بلوغه سن الرابعة للدراسة في الكتاب في مسجد القرية، فتعلم القراءة والكتابة ومبادئ الحساب وحفظ القرآن الكريم، ثم انتقل للمدرسة الابتدائية الحكومية التي افتتحت في عهد الملك فيصل الأول عام 1920م، وحصل على شهادتها وتعين معلم في نفس المدرسة لمدة عام براتب دينار ونصف شهرياً، التحق بعدها بالمدرسة (الأحمدية) في عكا عام (1925) والتي تخرج منها عام (1928) وكانت شهادته تعادل منهاج الدراسة الثانوية في فلسطين آنذاك، هذه المدرسة كانت تابعة للمجلس الإسلامي العالمي في القدس، وبعد تخرجه عمل كاتباً لدى شركة الحبوب والتي كان مقرها في شارع الاستقلال في حيفا براتب دينارين ونصف شهرياً، ثم انتقل لفرع الشركة في الحمة الفلسطينية.
انتسب أبو الحكم للخدمة في الجيش العربي الأردني عام (1930) برتبة جندي، والتحق بمعسكر المحطة للتدريب، وخلال خدمته العسكرية شارك بعدة دورات (الأسلحة المختلفة، الطباعة وإدارة شؤون المكاتب، دورة مدربي إسعاف حيث حصل على شهادة دبلوم الإسعاف الأولي من مستشفى القديس (جون) بالقدس التابعة لمنظمة الصليب الأحمر البريطانية، دورة في الشرطة والقانون بمدرسة الشرطة بعمان بإشراف المستشار العدلي (الأمير فايز الشهابي)، دورة اكتشاف الجرائم والتحقيق بإشراف المستشار القانوني للعدلية القاضي (توفيق سنو).
خدم أبو الحكم في شرطة عمان والزرقاء وقائداً لمركز شرطة ماركا والمحطة، ثم مسؤولاً عن التحقيق في شرطة الزرقاء، ثم محققاً في مقاطعة جرش فمديراً لقلم منطقة الكرك في عام (1938م)، انتقل بعدها مساعداً لقائد منطقة عمان، ثم التحق بدورة قادة فئات بمعسكر المحطة ودورة قادة سرايا في (صرفند) عام 1943م.
أبو الحكم أشغل العديد من الوظائف (مساعداً لضابط المستودع العام وضابطاً لعهدةالكتيبة الأولى في الأزرق، ثم أركان حرب قيادة اللواء الأول المسلح، وفي عام 1939م تحرك على رأس اللواء إلى غزة بعد انتهاء تدريباته ومناوراته مع الجيش البريطاني في المفرق وعجلون والكفرين تمهيداً للذهاب إلى اليونان للمشاركة في الحرب العالمية الثانية، إلَّا أنه عاد إلى الأردن مع هذه القوات بعد رفض ضباط اللواء أوامر الجنرال البريطاني (الإسكندر) وذلك لدى اجتماعهم في معسكر (نصيرات) بغزة.
عين أبو الحكم قائداً للواء الخلفي في المحطة، ثم مساعداً لمراقب المستودع العام ثم ركن إدارة ولوازم الفرقة التي كان يقودها الجنرال البريطاني (لاش) في بيتونيا – رام الله، وفي نفس الفترة اسند إليه وزير الدفاع (فلاح المدادحة) رئاسة لجنة النازحين في القدس ورام الله إضافة إلى وظيفته في الفرقة.
تم تعيين أبو الحكم في عام (1948م) مراقباً للمستودع العام في الجيش العربي بدلاً من العقيد (سليمان العمري) وفي عام 1950م) تعيّن مفتشاً عاماً لمستودعات الجيش العربي وركن أول استئجار واستملاك، وفي عام (1951م) عيّن أول ضابط أردني مديراً لدائرة السير العامة والترخيص بدلاً من الضابط الانجليزي بطلب شخصي من وزير الدفاع آنذاك (فوزي الملقي) والجنرال (جلوب باشا) قائد الجيش والذين طلبوا منه العمل على تنظيم الدائرة وتطهيرها من الفساد ووضع الأنظمة والقوانين الخاصة بها.
ثم شغل أبو الحكم منصب قائد منطقة البلقاء بدلاً من (خليل حيمور) ثم قائداً لمنطقة نابلس، وبعد انتهاء خدمات الجنرال (جلوب باشا) تم تعيينه مديراً للتموين والنقل الملكي عام (1956م) حيث قام بإصلاح المديرية من الفساد والمحسوبية وإعادة تنظيم وبناء كافة دوائرها وسراياها، وتم في عهده بناء الأفران، ومستودعات التبريد والزيوت، ومدارس الطهاة، وإنشاء المزارع والمسالخ، وشراء أسطول من سيارات الشحن والتبريد وصهاريج الزيوت، تم ذلك كلّه دون أن تدفع الموازنة ديناراً واحداً…! بفضل الوفر المتحقق نتيجة إنهاء عقود اتفاقيات التوريد مع المتعهدين المتنفذين وإشراف أبو الحكم المباشر على المناقصات والعطاءات المختلفة، وقيامة بالسفر الى السودان ونيوزيلاندا واستراليا، وتوقيع استيراد اللحوم مباشرة دون تدخل الوسطاء.
عهد الملك حسين بن طلال (لأبي الحكم) في عام (1962م) العمل على تشكيل وتأسيس وإدارة دائرة جديدةفي القيادة العامة للجيش، وترتبط مباشرة بالملك عرفت باسم (السكرتارية العسكرية) وتهدف إلى تطوير الجيش العربي، ورفده بالكوادر المتعلمة، وتخليصه من الضباط الأميين، وترفيع الضباط المؤهلين ورفع مستوى كفاءتهم وإرسالهم بدورات داخلية وخارجية، إضافة إلى مسؤولية تعيينهم واختيارهم بالمراكز القيادية العليا والأركان أو إحالتهم على التعاقد، ومسؤولية حماية الضباط من التسريحات والاعتقالات والإخباريات الكيدية، وقد كان للمرحوم بصمات واضحة في تحقيق ذلك.
نتيجة لتفاقهم الخلافات بين أبو الحكم وبين رئيس الاركان في حينه (حابس المجالي) واعتكاف الأخير في منزله عدة شهور رافضاً العودة إلى مركز عمله بالقيادة كرئيس للأركان العامة ما دام (أبو الحكم) على رأس عمله سكرتيراً عسكرياً للجيش العربي..! وله مطلق الصلاحيات بالترفيع والتعين والإحالة على التقاعد لكبار ضباط الجيش، وكان ذلك عام (1964م) حيث تم إلغاء منصب السكرتير العسكري للقوات المسلحة نهائياً، وإحالة أبو الحكم على التقاعد برتبة زعيم (عميد حالياً) وبدون ترفيعه للرتبة الأعلى، بالرغم من أنه امضى بهذه الرتبة مدة سبع سنوات كاملة، وهي سابقة وحيدة من نوعها في تاريخ القوات المسلحة لم تتكرر مع أي ضابط آخر من نفس الرتبة..!
تطوع أبو الحكم بعد حرب (1967م) لتأسيس (قوات المقاومة الشعبية) وقام بالتنسيق مع قيادة الجيش العربي، لتوزيع الأسلحة الخفيفة على المتقاعدين العسكريين في القرى والبلدات الحدودية، بهدف الدفاع عن أنفسهم وأهاليهم في حالة تعرضهم لأي هجوم أو اجتياح اسرائيلي.
انتخب أبو الحكم عام (1969م) رئيساً لمجلس إدارة شركة كهرباء اربد حيث قام بتنظيم العمل في الشركة، وتطهيرها من الفساد وتعيين الموظفين الأكفاء وتسديد خسائر الشركة، وتوزيع أرباح على المساهمين فيها، كما تم شراء العديد من المولدات الكهربائية الكبيرة، وإيصال الكهرباء والإنارة للعديد من القرى والمناطق في محافظة اربد وصولاً لمنطقة وادي الضليل والزعتري.
عرض الملك حسين بن طلال على أبو الحكم في الأعوام (1968،1969،1970) عدة مناصب رسمية، منها العودة للقوات المسلحة أو الأمن العام برتبة لواء، أو منصب محافظ، الا أنه اعتذر عن قبوله لأي منصب رسمي نتيجة تفرغه للعمل الشعبي والتطوعي في المقاومة الشعبية وشركة الكهرباء.
الثورة الفلسطينية:
أبو الحكم اصبح مؤازراً ومناصراً للثورة الفلسطينية بعد معركة الكرامة عام (1968م)، وفي عام (1970م) إيماناً منه بعدالة قضية فلسطين ووجوب التضحية والنضال في سبيلها باعتبارها قضية العرب والمسلمين الأولى، فقد التحق المرحوم بالثورة الفلسطينية، كعضو عامل وانتقل إلى سوريا، حيث حوكم غيابياً بالإعدام من قبل المحكمة العسكرية العرفية الأردنية..! عرض على المرحوم في حينه إصدار (عفو خاص) عنه وتعيينه بمنصب وزاري شريطة العودة إلى الأردن..! إلا أنه اعتذر عن قبول العرض..!
عمل أبو الحكم بعد التحاقه بالثورة الفلسطينية بعدة مواقع ومسؤوليات:
• عمل على تأسيس وادارة جهاز الإمداد والتموين في حركة (فتح) والإشراف المباشر على المساعدات الكبيرة التي وصلت للثورة عبر سوريا من مختلف الدول العربية والعالم، نظراً لما عرف عن المرحوم من صفات الأمانة والنزاهة والقدرة الجبارة على العطاء المتواصل، ومن معرفة وخبرة قيادية واسعة في مختلف المجالات، إضافة إلى ما عرف عنه من الجرأة والمواقف الصلبة في سبيل إحقاق الحق والنظام والقانون.
أسند إليه الرئيس (ياسر عرفات) وقيادة منظمة التحرير الفلسطينية مسؤولية إشغال العدد من الوظائف والمسؤوليات الكبيرة في آن واحد حيث كانت مقرات إدارته التابعة له منتشرة في كل من سوريا ولبنان وتونس:
• مديراً للقضاء الثوري لحركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح).
• عضواً في المجلس الأعلى لدائرة الشؤون الاجتماعية لمنظمة التحرير.
• عضواً بلجنتي العمل والإشراف العليا لمشروع المدينة التعليمية لأبناء شهداء ومجاهدي فلسطين.
• نائباً لرئيس مجلس إدارة جمعية رعاية أسر شهداء ومجاهدي فلسطين (حيث تنازل عن الرئاسة بعد فوزه بالانتخابات بإجماع الأصوات (لسعيد عزيز عيسى).
• مديراً عاماً للمدينة التعليمية لأبناء شهداء ومجاهدي فلسطين في دمشق والتي تقوم على مساحة من الأرض (700 دونم) وتشتمل على مراحل التعليم الابتدائية والإعدادية والثانوية والجامعية (كليات متوسطة).
• رئيسا لبعثات الحج الفلسطينية إلى الديار المقدسة.
• رئيساً لهيئة القضاء الفلسطيني/ منظمة التحرير الفلسطينية.
• رئيساً للقضاء العسكري لجميع الفصائل الفلسطينية.
• عضو شرف باتحاد الحقوقيين الفلسطينية واتحاد الحقوقيين العرب.
• عضو المجلس العسكري الأعلى لقوات الثورة الفلسطينية.
• عضو منتخب بالمجلس الثوري لحركة فتح.
بعد الاجتياح الاسرائيلي عام (1982م) حيث كان أبو الحكم مقاتل في صوف قوات الثورة الفلسطينية، ومن المدافعين عن شرف وكرامة الأمة وصمودهم الأسطوري لمدة ثلاثة شهور في (بيروت) وتصديهم لقوات العدو الإسرائيلي بقيادة الجنرال (شارون) أثناء الاجتياح الصهيوني للبنان.
• عضو مراقب في كافة اجتماعات المجالس الوطنية الفلسطينية.
• رئيس وعضو وفود منظمة التحرير الفلسطينية في العديد من مؤتمرات جامعة الدول العربية، ومؤتمرات وزراء الداخلية وقادة الشرطة والأمن العرب.
• بعد محادثات (أوسلو) بين (اسرائيل) ومنظمة التحرير الفلسطينية عام (1993) قدّم المرحوم استقالته من كافة المناصب والمسؤوليات التي كان يتولاها باستثناء منصبه في عضوية المجلس الثوري باعتباره عضواً منتخباً من المؤتمر العام، وبقي في هذا المنصب لحين وفاته عام (2001م) ولم تقبل الاستقالة من قبل الرئيس (عرفات) الا أنه قام بتسليم عهدته لنائبه، وعاد للأردن حيث سبق وأن صدر عفو عام عن كافة المحكومين غيابياً على أثر (حوادث أيلول) عام (1970م).
أبو الحكم كان مشّرع وواضع العديد من لوائح وأنظمة وتشريعات القوانين لحركة فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية، وله عدة مؤلفات وتشريعات قانونية:
• كتاب قانون أصول المحاكمات الجزائية.
• كتاب قانون العقوبات الثوري.
• كتاب قانون مراكز الإصلاح (السجون).
• كتاب شرح قانون أصول المحاكمات الجزائية.
• تشريع عام (1973)، تم بموجبه تحويل كافة السجون العائدة للقضاء الفلسطيني الذي تولى إدارته في مختلف أماكن تواجدها في الدول العربية إلى مراكز إصلاح وتأهيل باعتبار هذه الأماكن هي مراكز للتهذيب والإصلاح، وليست سجون للانتقام والتعذيب وأن يعامل المحكومين بكل إنسانية، وتعليمهم المهن التي يرغبون بتعلمها من نجارة وحدادة ودهان وديكور وفنون وغير ذلك من المهن.
بالإضافة الى تعيين مرشدين اجتماعيين ودينيين في كل مركز إصلاحي بحيث يتمكن المحكوم وبعد قضاء فترة توقيفه من العودة للمجتمع كمواطن صالح وممارسة أعمال شريفة تمكّنه من إعالة اسرته، وقد سبق أبو الحكم بهذا التشريع الحضاري جميع الدول العربية..!
• تشريع حضاري آخر للمرحوم، تم بموجبه دفع نصف رواتب المحكومين التي كانوا يتقاضونها قبل تجريمهم لعائلاتهم، وذلك طيلة فترة توقيفهم، وحتى المحكومين منهم بالإعدام أو المؤبد، وذلك رأفة بزوجاتهم وأولادهم وأسرهم من التشرد والعوز أو السقوط في مستنقع الرذيلة.
أهم ما كان يفتخر به (أبو الحكم) في حياته، حرصه الدائم على إحقاق الحق والعدل ومراعاة تحكيم الضمير في اتخاذ قراراته خوفاً من الله، ومن وقوع الظلم على المحكومين، حيث يقوم بدراسة الأحكام التي تصدرها المحاكم الثورية والمحاكم الخاصة، والمحاكم الدائمة التابعة لإدارته بحق المحكومين، دراسة مستوفية قبل اتخاذ قراره بالموافقة على هذه الاحكام، وكثيراً ما كان يقوم المرحوم بنقض الأحكام والأمر بإعادة المحاكمة مراعاة لمبدأ تحقيق العدالة، ومن المهم الإشارة هنا إلى أنه قد تم في عهده الحكم على (120) متهم من مختلف الفصائل الفلسطينية بالإعدام رمياً بالرصاص من قبل المحاكم الفلسطينية، إلا أنه لم يصادق الا على أربعة أحكام بالإعدام فقط ثبت وباعترافهم، ارتكاب أصحابها جرائم خطيرة بحق الثورة ومنها اغتيال عدد من قادتها.
توفي أبو الحكم في (9/1/2001م) عن عمر يناهز (94) عاماً بعد أن أمضى ثلاثة أرباع القرن من عمره، معلماً ومربياً وجندياً ومجاهداً، شيّع المرحوم ونعاه ورثاه أهله وعشيرته وأصدقائه وأبناء الأردن وفلسطين بصفتهم الرسمية والشعبية والعشائرية إلى مثواه الأخير في قريته (أم قيس) وأبلغ ما قيل في رثائه بكلمة رئيس المجلس الوطني الفلسطيني (أبو الاديب) ممثل الرئيس الفلسطيني (ياسر عرفات) والقيادة والشعب الفلسطيني، حيث رثاه بقصيدة شعرية عفوية معبرة، تلاها بكلمة عرض فيها التاريخ النضالي للمرحوم واختتمها قائلاً: (لقد كنت يا أبا الحكم وبحق العروة الوثقى في العلاقة بين شعبنا الفلسطيني والشعب الأردني الشقيق).
توفي رحمه الله وهو لا يملك متاع الدنيا وزخرفها سوى مترين من الأرض (قبره) ومبلغ (2000) دينار أوصى بها في حياته لمصاريف جنازته بعد مماته، ولكنه امتلك ثروات كبيرة من خصال الشرف والعزة والفخار والنزاهة والشجاعة والسخاء والتضحية والأمانة والصدق وعزة النفس، والتواضع والعطاء والوطنية وقول كلمة الحق دون أن يخشى في قولها لومة لائم، وتلك الخصال الحميدة وغيرها أقر بها الجميع خلال حياته وبعد وفاته.
هذا وقد أبرق ياسر عرفات وقتها إلى آل الروسان معزياً بوفاة الأخ والمناضل الكبير ورفيق الدرب والكفاح اللواء/ أبو الحكم سائلاً الله سبحانه وتعالى أن يسكن الفقيد الغالي فسيح جناته.
أبو الحكم المناضل الإنسان الذي أعطى نموذجاً للحفاظ على أموال الثورة، والشهداء، وأن يكون الموقع والوظيفة مسخراً ومكاناً لخدمة الناس وحل مشاكلهم وقضاياهم.
لقد كان الراحل الكبير اللواء/ أبو الحكم يتمتع بثقة عالية من الشهيد القائد/ ياسر عرفات والذي عمل بكل جد واخلاص وتفان بلا كلل أو ملل.
وسط تلك القامات، وبين تلك الوجوه، تقف روح الراحل الكبير اللواء/ أبو الحكم بقامته المنتصبة وجسده الممتلئ، بسمرته العذبة، بروحه الخفيفة، بسنوات عمره المملوءة بالعزيمة والإصرار، تقف روحه ماثلة أمام الجميع وتحلق فوق رؤوسنا.
سيبقى اللواء/ أبو الحكم الذي عمل عقوداً من النضال الوطني من أجلفلسطين ذكرى خالدة لن ننساه ما حيينا، كان خلالها مثالاً للصدق والأمانة والالتزام.
هذا وقد منح السيد الرئيس/ محمود عباس (أبو مازن) اللواء الراحل/ محمد توفيق الروسان (أبو الحكم) مدير هيئة القضاء الثوري في م.ت.ف وسام نجمة الشرف العسكري وذلك يوم 18/5/2015م في عمان، تقديراً لدوره القيادي والنضالي المشرف وانتمائه القومي الأصيل ودفاعه المخلص عن فلسطين، تثميناً لالتزامه العربي الأبي، حيث كرس حياته من أجل حرية دولة فلسطين واستقلالها.
رحم الله القائد العسكري الكبير اللواء/ “محمد توفيق” فالح فلاح الروسان (أبو الحكم) واسكنه فسيح جناته مع النبيين والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقاً.
التعليقات مغلقة.