فؤاد البطاينة ( الأردن ) الخميس 6/9/2018 م …
*دبلوماسي أردني سابق / كاتب وباحث …
كان نضال مثقفينا وسياسينا في داخل اوطاننا يتخذ شكل صراع داخلي بين الأحزاب والأيدولوجيات بالوكالة عن الأنظمة العربية والدول الكبرى. وكان خطاب وسلوك الرجعية والركائز الصهيونية يتغير مع المتغيرات التي أسهمت في صنعها وصنع نتائجها التي نعيشها، لكن خطاب الأنظمة الوطنية والمثقفين وسلوكهم ثابت في مضمونه وشكله، وهو خطاب اعلامي عاطفي اصطفافي موجه للشعوب وحشد صوتها بعيدا عن البناء السياسي والعلمي واسباب القوة، واستمر كذلك وتعمق حتى أصبحت السلطة هي الهدف، وأصبحت فلسطين باكورة للتوكؤ عليها في أخذ الشرعية بديلا عن الديمقراطية .
الخطاب الوطني القديم هذا عززته الصهيونية من خلال ضبط إيقاع الأنظمة العربية الوطنية ليبقى سلوكها وهاجسها منصبا على الحفاظ على سلطتها الدكتاتورية كأولوية، وفي نفس السياق جرى ضبط ايقاع وسلوك الأنظمة الرجعية بالتعاون معها لمقارعة ألأنظمة الوطنية، ومن هنا فقد استَخدمت الأنظمة العربية بنوعيها الشعوب العربية في حربها السياسية والإعلامية لخدمتها بذريعة تحرير فلسطين . وأصبحنا أمام حرب موازية بين النخب السياسية والفكرية والثقافية لحساب الأنظمة، وبهذا سُخرت طاقات الشعب العربي في شتى المجالات لخدمة الأنظمة، وكان لهذا نتائج قاتله نعاني منها اليوم وعلينا التخلص منها، وأهمها:
1 – أن هذه الحرب بين المثقفين العرب بأقطارهم التي احتلت الأولوية في سياسة الأنظمه بدلا من أو لوية البناء والحشد للتحرير، أوجدت شرخا في وحدة الشعب العربي نفسه ، ومهدت لتكريس القطرنه ولوثت النفوس في عامة الشعب وأصبجت القضية الفلسطينية والأقصى والدين والخلق مسألة جدلية وسلعة مزايدة، وتنتهي لدى المواطن العربي أو النظام عند الحصول على شهادة وطني أو شهادة خائن، وليس قضية تحرير ومصير.
2- حيث أن الشارع العربي كان هو ساحة الصراع السياسي والحزبي المرتبط بالأنظمة والأيدولوجيات والقائم على أسس اصطفافية، فإن هذا قد خلف ظاهرة النمطية stereotype عند الشعوب العربية، بمعنى أنه تولدت لديها وفي نفوسها أحكام ثابته خاطئة نتجت عن شيوع معلومات خاطئة بثها الاعلام المسخر والأحزاب ضد بعضها وشاعت وانطبعت بالأذهان وعُممت على الكل بدلا من الجزء ودخلت في ثقافة الناس، فأصبح لدينا كل الشيوعيين كفرة وهدامين وعملاء، والبعثيون والقوميون دجالون متسلقون وشوفونيون ويعملون ضد الدين، والإخوان المسلمون ربائب للأنظمة وأمريكا وليسوا منتمين للعروبة أو الوطن، والواقع أن كل هذه الصفات موجود عند أفراد في المجتمعات أو في فئات معينة داخل الأحزاب ولكن ليس عند الشعوب ولا الأحزاب.
3 – وهي الأهم، لقد تمكنت الصهيونية بتخطيطها، والأنظمة العربية بجهلها أن تُدخل النمطية ( stereotype ) الى الشعب العربي في أقطاره من خلال انسحاب الحرب الإعلامية بين الانظمة العربية وبين الأحزاب على شعوب الأقطار العربية . ولعل الأردن كدولة اقتضت الظروف أن يكون نظامه في مواجهة مع الفكر الوطني وأنظمته، مثالا حيا، حيث تم تزوير واقع الشرق اردنيين والحط من ثقافتهم وواقعهم من جهة، وإدخال اللعبة القذرة قوميا ووطنيا ودينيا وخلقيا للوقيعة بين مكوني شعبه الرئيسين من جهة أخرى، وما زلنا لليوم نسمع مثقفين مقتنعين بهذه النمطية ويرقصون عليها ويجدوا من يسحج عليها أو يسكت عنها.
وبهذا، فإن هناك ثلاث حقائق يجدر بالجميع معرفتها
ـ الأولى: أن هناك بعض الفروق الطبيعية بين شعوب الاقطار العربية في نواحي شكلية كثيره حتى داخل بلاد الشام، الا أن أبناء الشعب العربي على ضفتي جدول الشريعه الناضب، ما كانوا يوما عبر التاريخ الا أبناء قطر واحد وأبناء ثقافة متطابقة وتاريخ مشترك وعائلات متشابكة القربى والنسب . ولم يكن أباؤنا وأجدادنا يفكرون يوما بأن فلسطين ستصبح دولة للصهيونية وشرق الأردن سيصبح دولة مفصولة عنها، ونحن اليوم بعد احتلال فلسطين نصر لغايات سياسية وطنية على أنها قطر عربي له شعبه، والأردن قطر عربي له شعبه، ونصر بنفس الوقت على حقيقية أن الفلسطينيين والأردنيين شعب واحد عضويا لا خطابيا، وجميعنا اردنيون من أجل فلسطيننا وكلنا فلسطينيون من أجل أردننا، وعلى كل عربي بالذات أن يأخذ حذره في هذا . فلا نريد أن نسمع في داخل الأردن عبارة (اردني وفلسطيني ) فهذه وخاصة في هذا الظرف خيانة كبرى وكفر عقدي ووطني وقومي وبكل المقاييس، إنها دسيسه لا أوطى منها.
ـ الثانية: إن النمطية التي أساءت للأردنيين قبل عقود في سياق ثقافة المواجهه التي اعتمدتها الأنظمة العربية، ما زالت تطل برأسها كمدعاة للتفكه بالكلام على لسان مثقفين عرب ما زالوا أسرى لهذه الثقافة من خمسينيات وستينيات القرن الفائت، وعليهم أن يرأفوا بالأمة ويعرفوا بأن سياسة الدس بين شعوبنا ومهاجمة الشعوب اندثرت، وبأن الحال من بعضه . وقوة أي قطر عربي مدعاة للمفخرة عند الأردنيين وأحرار العرب، وأمنية لكل فلسطيني، وضعف أي قطر عربي مدعاة للحزن والمساعده، وشعب الأردن بخير في العلم والثقافة وفي العلالي، وما كان في مرحلة ما الا كذلك،. ولن يطرب عربي لما يسئ لعربي لكنه يترفع.
ـ الثالثه: وهي بيت القصيد من الخطورة بمكان أن لا نعي في الأردن أن الدولة عادت بلا ضبط ولا ضابط ولا هيبة، لعدم وجود حكومات حقيقية أو مستقله وذات ولاية، ولا سلطات حرة ذات مضمون، وأنها الأن دولة تسير بقوة الدفع والتسارع قنواتها مع من نعتقده صاحب القرار مقطوعة على خلفية مستجدات لا يقبلها الشعب وإلا لكانت هناك شفافية. ومع كل يوم تقترب فيه هذه الدولة المتدحرجة من التوقف تنشأ فيها مشاكل وسرطانات وتدفن، ليخرج غيرها ويدفن، وستستمر محاذير وأخطار المجتمع غير المنضبط قائمة الى أن تتوقف هذه الدولة، وعندها سنصل الى حالة الانفلات الاجتماعي والأمني والوظيفي والقانوني في أجهزة ومؤسسات الدولة العامة والخاصة.
فالأردنيون والفلسطينيون كشعب واحد هم اليوم أمام لحظة الحقيقة في المصير الواحد، فهم أمام أحداث نتائجها مشتركة ولن يكون هناك عزل في استهدافهم، ونحن نقرأ الأحداث ومنها نبني رأيا، فليس في الأردن مسئول مهما علا منصبه يعرف الواقع السياسي وتطوراته لما يحاك لهذا البد غير الملك، لكن النباتات تهتز مع تكاثف الغيوم، وكل تصريح لمسئول غير الملك هو تطفل ومنظرة وتكرار لأقوال ملكية سابقة، فالسياسة الخارجية الاردنية المتطورة هي باتجاه واحد ويحتكرها الملك.
لقد أصبح علينا في الأردن كشعب أن ندرك ضرورة الإعتماد على أنفسنا في وعينا السياسي والأمني لمواجهة النتائج المترتبة على سياسة هدم مؤسسية الدولة، من ناحية، والتخلص من عوالق النمطية من ناحية أخرى، وأن لا ننساق للتجاوب مع مخطط الفوضى المترافق مع غياب القانون على خلفيات زرعوها فينا من الاتكالية والجهوية والاقليمية.
وهذا يستلزم منا التغيير، والتغير الحقيقي لا يبدأ الا في النفوس، فهو رهن بها، والمطلوب في المحصلة هو وحدة الصف في خطاب سياسي واحد لكل مكونات الشعب الأردني، نحمي من خلاله أمننا الإجتماعي والسياسي ووحدة جبهتنا الداخلية، فنحن كشعب معنيين مباشرة بما يجري في الأردن وفي الضفة والقطاع، ومعنيين بسحق أي استسلام أو تعاون مع العدو الصهيوني وحربته الأمريكية، فالأوطان ما كانت يوما مرتبطة الا بشعوبها لا بحكامها ولا بخونتها.
التعليقات مغلقة.