علاقة الريع التنظيمي بالفساد التنظيمي وبإفساد العلاقة مع المستهدفين / محمد الحنفي

 

محمد الحنفي ( الإثنين ) 15/6/2015 م …

[email protected]

*إلـــــى:الشهيد عمر بنجلون في ذكراه التاسعة والثلاثون.

تقديم:

إن النظام المخزني، عندما شرعن الريع في المجتمع، يعرف جيدا أنه شرعن العمالة المخزنية في المجتمع، إلى درجة التسابق، من أجل أن يحتل عميل معين، صدارة العمالة المخزنية، ومن أجل أن يصير معظم أفراد المجتمع، عملاء للمخزن، ابتداء بقدم الحي، وانتهاء بالعامل، ثم الوالي، باعتبار العمالة لهم، عمالة القرب، غير المكلفة، والأكثر استفادة من الأوضاع الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية.

وحتى يؤدي الريع المخزني دوره، لصلح المخزن، فإنه يغدق على العملاء، المزيد من رخص النقل، ورخص الصيد في أعالي البحار، ورخص الاستيراد، والتصدير، ورخص وكالات الأسفار، وغيرها، مما لا حدود له في المنطق المخزني، الذي يعتبر كل ما يوجد على الأرض له، وما يقوم به جميع الناس، لا يقومون به، إلا بإرادته، وما يعتزمون القيام به، يجب أن يكون بعلمه، وما يحققه الناس من إنتاج قليل، أو كثير، يؤول إليه في معظمه.

ومن أجل ألا تقتصر العمالة على الأفراد، والتي غالبا ما تنقطع، نظرا لذكاء الشعب المغربي، تمت شرعنة تقديم الريع إلى الإطارات الحقوقية، أو النقابية، أو الثقافية، أو غيرها من الإطارات، التي يصلح تسميتها بإطارات الريع المخزني، الذي لا يوظف في صالح المستهدفين بعمل إطار معين، بقدر ما يقع تحت تصرف المسؤولين عن الإطارات النقابية، أو الحقوقية، أو الجمعوية، وكأنه ملك لهم، مقابل قيادتهم لإطار معين.

فماذا نعني بالريع؟

وما ذا نعني بتقديم الريع إلى التنظيمات الجماهيرية المختلفة؟

وما هي الأهداف التي تتحقق من وراء تقديم الريع إلى إطارات معينة؟

وهل يتم تعميم ذلك الريع على جميع الإطارات، أم أنه يخص إطارات بعينها، دون بقية الإطارات الأخرى؟

وهل يمكن اعتبار المستفيدين من التفرغ لصالح الجمعيات، أو النقابات، مستفيدين من الريع المخزني؟

وماذا نقول إذا وجدنا متفرغا لا يقوم بالمهام التي تفرغ من أجلها، مشتغلا في مؤسسة خاصة، بعد أن حرم أبناء الشعب المغربي من خدمته لهم، مقابل ما يتقاضاه من أجر، بدون إنجاز ما تفرغ من أجله؟

ألا نعتبر المتفرغين الذين لا ينجزون أية مهمة، يعيشون على الريع المخزني؟

لماذا لا نجد المتفرغ في المقر النقابي، الذي يقصده العمال، والأجراء، في أي مدينة من المدن المغربية؟

لماذا لا نجد المتفرغات للجمعيات، التي تفرغن من أجل إنجاز الدوام في مقراتها، والقيام بالمهام التي يقتضيها ذلك الدوام؟

ألا يعشن على الريع المخزني، الذي يؤخذ من أموال الشعب المغربي؟

أليس التفرغ من دون ممارسة الدوام، والقيام بالأعمال التي يقتضيها ذلك الدوام، ريعا مخزنيا؟

إلا يقتضي ذلك الريع تقديم البديل إلى الدولة المخزنية؟

أليس كل من يتلقى ريعا مخزنيا، عميلا للدولة المخزنية؟

هل يمكن اعتبار متلقي الريع المخزني، كيفما كان شكله، وبأي صفة، وباسم أي إطار، مناضلا سياسيا، أو نقابيا، أو جمعويا، أو حقوقيا؟

فكيف يدعي المستفيدون من الريع، النضال، وهم يقدمون خدمات إلى الدولة المخزنية، التي يدعون أنها مؤسسة فاسدة؟

أليس عدم إنجاز تلك المهام، والغياب عنها، للقيام بعمل آخر، إخلالا بالوظيفة الجديدة؟

من يراقب هؤلاء المتفرغين؟

هل تراقبهم الإطارات التي سعت إلى تفرغهم؟

هل تراقبهم أجهزة الدولة المخزنية؟

لماذا لا تقوم الإطارات بتتبع ممارسة متفرغيها؟

لماذا لا تتخذ الإجراءات الضرورية ضد كل من يخل بالمهام التي تفرغ من أجلها؟

أليس عدم اتخاذ الإجراءات الضرورية، ضد المتفرغين المخلين بمهامهم، دليلا على أن التفرغ امتياز لعملاء قيادة الإطار النقابي، أو الجمعوي، أو الحقوقي؟

ألا تتحول بذلك الإطارات إلى تركيبة متراصة من عملاء القيادة؟

ألا تكشف هذه الممارسة، أن الإطارات المتراصة من القيادة، ومن عملائها، هي إطارات بيروقراطية، لا ديمقراطية، لا جماهيرية، لا مستقلة؟

فما العمل من أجل وضع حد للريع المخزني، حتى يتم حتى يتم وضع حد للفساد التنظيمي، في الإطارات الجماهيرية، ولإفساد العلاقة مع المستهدفين؟

وما العمل من أجل إعادة تربية العاملين في مختلف الإطارات الجماهيرية، حتى يوقفوا ممارستهم الانتهازية، باسم مختلف الإطارات؟

ما العمل من أجل جعل الإطارات الجماهيرية نظيفة، من كل اشكال الممارسة الانتهازية، التي تفسد العلاقة بين الإطارات الجماهيرية، وبين المستهدفين؟

كيف تصير الإطارات الجماهيرية من الجماهير، ومع الجماهير، ومن أجل الجماهير؟

ونحن عندما نطرح هذه الأسئلة، لا نسعى إلى النيل من أحد، ولا الإساءة إلى أي أحد، ولا النيل من أي تنظيم، كيفما كان نوعه، ولا كيفما كان مستواه التنظيمي، ومهما كانت برامجه، وأهدافه، بقدر ما نسعى إلى أن تصير مختلف التنظيمات الجماهيرية، من الجماهير المستهدفة، ومع الجماهير المستهدفة، وإلى الجماهير المستهدفة، حتى تصير مختلف التنظيمات ديمقراطية، تقدمية، جماهيرية، مستقلة، وحتى تصير مخلصة في ممارستها، ومخلصة للجماهير المستهدفة، ومن أجل أن تقوم بدورها الإيجابي، في تحسين الأوضاع المادية، والمعنوية للجماهير الشعبية الكادحة، وحتى لا تتحول إلى تنظيمات بيروقراطية، ومن أجل أن لا تمارس كافة أشكال الانتهازية باسمها.

مفهوم الريع:

إن الريع هو ما يتلقاه الإنسان، أي إنسان، من ثروات مادية، أو معنوية، بدون أن يقدم ما يجعله يستحق تلك الثروة المادية، أو المعنوية من الدولة، أو من أي إدارة تابعة لجهازها المركزي، أو من إدارة خاصة، باعتباره أحد عملاء القطاع العام، أو الخاص، مما يساعده على الحصول على الثروة، وعلى نسج علاقات العمالة مع الدولة، ولصالحها، أو مع أجهزتها الجهوية، أو الإقليمية، أو المحلية، أو مع الإدارة في القطاع الخاص، مهما كان مستواه.

ومعلوم، أن العميل الذي يتلقى الريع المادي، أو المعنوي، ومن أي جهة كانت، لا يخدم مصلحة الجماهير الشعبية الكادحة، ولا يحرص على أن تصير الإطارات في خدمة مصالح الجماهير الشعبية الكادحة، بقدر ما يضع نفسه، ومعه الإطار الذي يقوده، أو يتواجد في أجهزته، رهن إشارة، وفي خدمة الجهة التي تمده بامتياز الريع المادي، والمعنوي.

ومعلوم، كذلك، أنه في مثل الحالة، التي نعيشها هنا في المغرب، فإن الريع لا يكون إلا مخزنيا، يسعى الجهاز المخزني، من وراء تقديم الريع المادي، أو المعنوي، إلى شبكة العملاء المخزنيين، على المستوى الوطني، ما داموا مستميتين في خدمة مختلف الأجهزة المخزنية، في مستوياتها المختلفة. والعملاء المبثوثون في مختلف الإطارات الجماهيرية، أو يقودونها، تتم خدمتهم للأجهزة المخزنية، من خلال عرقلة، أو إيقاف سعي التنظيمات الجماهيرية، إلى خدمة مصالح الجماهير الشعبية الكادحة، وطليعتها الطبقة العاملة، ليكونوا، بذلك، قد ضمنوا الحق في تلقي الريع المخزني، الذي قد يصير بالملايير.

والريع المخزني، هو التسمية الصحيحة لما يقدم من امتيازات إلى العملاء، في مستوياتهم المختلفة؛ لأنه لا يوجد، عندنا، أي شكل من أشكال الريع غير المخزني، الذي تستلزمه العمالة المخزنية، التي تحمل معنى العمالة الطبقية، في الأدبيات الاشتراكية العلمية، من منطلق: أن المخزن، هو الذي قام بصناعة الطبقات المالكة لوسائل الإنتاج، والذي يعتبر من مكوناتها الرئيسية، بانتماء المخزن إلى التحالف البورجوازي / الإقطاعي المتخلف، الذي ينهب ثروات الشعب المغربي، مستعينا، في ذلك، بعملائه الذين يتمتعون بكافة أشكال امتيازات الريع، ويلحقون الأضرار الكبيرة بالشعب المغربي.

تقديم الريع إلى التنظيمات، والغاية منه:

والنظام المخزني، يلجأ إل كل الوسائل، التي تدجن الأفراد، كما يلجأ إلى كل الوسائل، لتدجين التنظيمات الجماهيرية، حتى لا تخرج عن دائرته، التي تمكنه من التحكم في الأفراد، والتنظيمات، حتى لا يضطر إلى اللجوء إلى استعمال القوة القمعية. ومن هذه الوسائل، سلطة الريع المخزني، أو سلطة المال المخزنية، المأخوذة من أموال الشعب المغربي، أو سلطة امتيازات الريع، التي تعطي الحق في نهب تلك الأموال، بطريقة تضفى عليها المشروعية.

ومن العادي، جدا، أن يمكن عملاء الدولة المخزنية، من امتيازات الريع، باعتبارهم عملاء، نذروا أنفسهم لخدمة المصالح المخزنية، في السراء، والضراء، حتى تبقى السلطة المخزنية قوية، وقادرة على قمع كل حركة، مهما كانت قوية، ما دامت مناهضة للنظام المخزني، كما يحصل في العديد من المدن المغربية.

ومن العادي، جدا، كذلك، أن تمكن التنظيمات الجماهيرية، التي تتمسح بأعتاب الدولة المخزنية، من امتيازات الريع المخزني، المتمثلة في تفرغ العاملين في أجهزة الدولة المخزنية، وفي إمدادها بالتمويل اللازم للتسيير، مقابل أن تصير المنظمة الجماهيرية، في الخدمة الفعلية، للمصالح المخزنية، التي لها علاقة بالجماهير الشعبية الكادحة، التي تحرم من كافة حقوقها الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية.

ومن غير العادي، أن تتلقى التنظيمات الجماهيرية المناضلة، والمبدئية، والمبادئية، والمرتبطة عضويا، ومصيريا بالجماهير الشعبية الكادحة، وطليعتها الطبقة العاملة، امتيازات الريع المخزني، بما فيها تمتيع العديد من المنتمين إليها، بالتفرغ من أجل القيام بأعمال تلك التنظيمات، التي لها علاقة بالجماهير المستهدفة، وبالإدارة في القطاعين: العام، والخاص، بالإضافة إلى تمويل تسييرها من المال المخزني، المأخوذ من أموال الشعب.

وقد كان بودنا، أن نعتبر ذلك عاديا، لو استمرت التنظيمات الجماهيرية في رفع وتيرة نضالاتها الجماهيرية، ولو لم يعمل العديد من متفرغيها، المتمتعين بالريع المخزني، على استغلال تلك التنظيمات، في العلاقة مع الإدارة في القطاعين: العام، والخاص، لخدمة مصالحهم الخاصة، لتحقيق تطلعاتهم الطبقية، في تحد سافر للمستهدفين، لممارسة الابتزاز على الإدارة في القطاعين: العام، والخاص. بل تجاوزه إلى القيام بعمل إضافي، في قطاعات خاصة، وبأجور باهظة، وأمام أعين المستهدفين، ودون إنجاز ما تفرغوا من أجله، وفي الإطارات التي يمثلونها أمام الإدارة، في القطاعين: العام، والخاص.

وتمتيع التنظيمات الجماهيرية بالريع المخزني، المتمثل في تفرغ المنتمين إليها، وفي تمويل تسييرها من أموال الشعب المغربي، يقودها إلى:

أولا: ممارسة العمالة المخزنية، وأمام أعين الجماهير الشعبية المستهدفة بنضالاتها. وهو ما يعني: تخلي هذه التنظيمات عن النضال، من أجل تحسين الأوضاع المادية، والمعنوية للجماهير الشعبية الكادحة.

ثانيا: تحويل التنظيمات الجماهيرية، من تنظيمات مبدئية، إلى تنظيمات لا مبدئية.

ثالثا: تحويل التنظيمات، من تنظيمات مفعلة لمبادئ الديمقراطية، والتقدمية، والجماهيرية، والاستقلالية، إلى تنظيمات لا تفعل المبادئ المذكورة.

رابعا: تحويل التنظيمات الجماهيرية الديمقراطية، إلى تنظيمات بيروقراطية، لضمان تأبيد نفس الأشخاص المستفيدين من الريع المخزني، في مسؤوليات هذه التنظيمات.

خامسا: الانتقال من مستوى رفع وتيرة النضال، من أجل تحسين الأوضاع المادية، والمعنوية، إلى مستوى رفع وتيرة توظيف الإطارات الجماهيرية، في ممارسة الابتزاز على المستهدفين، وعلى الإدارة في القطاعين: العام، والخاص.

سادسا: إبقاء المتفرغين خارج مراقبة الإطارات المعنية بالتفرغ، مما يجعلهم يتفرغون للقيام بأعمال أخرى، لا علاقة لها بالمهام المطلوبة منهم، في الإطارات التي تفرغوا من أجلها.

والغاية من تقديم الريع، بأشكاله المختلفة، إلى الإطارات الجماهيرية العميلة، والمناضلة في نفس الوقت، هو ربط هذه التنظيمات بالدولة المخزنية، ومن خلالها، بالإدارة المخزنية، حتى يتحول قادتها، وأطرها، ونخبتها، إلى البحث عما يخدم مصالحهم الخاصة، بدل الاستمرار، والتمادي، في خدمة مصالح المستهدفين بالعمل الجماهيري، ومن أجل أن يسعوا إلى تحسين أوضاعهم المادية، والمعنوية، بدل السعي إلى تحسين الأوضاع المادية، والمعنوية للجماهير الشعبية الكادحة، وطليعتها الطبقة العاملة، ليكون الريع المخزني، بذلك، قد أدى دوره لصالح الدولة المخزنية، ولصالح الإدارة المخزنية، في القطاعين: العام، والخاص.

أهداف تقديم الريع المخزني إلى الإطارات الجماهيرية:

وبعد وقوفنا على مفهوم الريع، ومفهوم الريع المخزني، ومفهوم تقديم امتيازات الريع المخزني إلى الإطارات الجماهيرية، والغاية منه، نطرح السؤال:

ما هي أهداف تقديم الريع إلى التنظيمات الجماهيرية؟

إن الدولة المخزنية، عندما تقدم امتيازات الريع إلى جهة معينة، لا بد أن تسعى من وراء تقديم الريع، إلى تحقيق أهداف معينة، وهذه الأهداف، يمكن تلخيصها في:

أولا: تمرس التنظيمات الجماهيرية، على تلقي الريع المخزني، الذي يجعلها تتغلب على الكثير من المشاكل المادية، التي تعرقل عملها في الميدان، ولكثرة التنقلات التي يقوم بها مسؤولو التنظيمات الجماهيرية: محليا، وإقليميا، وجهويا، ووطنيا، ولارتفاع فاتورة الاجتماعات الكثيرة، ولكراء المقرات، وللقيام بحملات انتخابات المأجورين، وغير ذلك، من المسائل التي لا تكفي فيها مداخيل الانخراطات، التي قد تكون محدودة، وقد تكون واسعة، دون أن ننفي ما يمارسه الانتهازيون، من نهب لمداخيل التنظيمات الجماهيرية.

 2) نسج علاقات حميمية مع الدولة المخزنية، ومع الإدارة المخزنية، ومع إدارة القطاع الخاص، مما يعطي إمكانية قيام المسؤولين النقابيين، غير المبدئيين، وغير المحترمين للمبادئ، وغير الملتزمين بالقرارات النقابية المبدئية، والتي تم اتخاذها على أساس احترام آلية الديمقراطية الداخلية، بممارسة كافة أشكال الانتهازية، في العلاقة مع الدولة المخزنية، أو مع الإدارة المخزنية، على حساب العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، وعلى حساب الشعب المغربي.

فنسج العلاقات الانتهازية مع الدولة المخزنية، ومع الإدارة المخزنية، ومع إدارة القطاع الخاص، لا يمكن أن يكون إلا ممارسة انتهازية، لا تسلم التنظيمات الجماهيرية من التأثر بها، ولا تسلم الجماهير الشعبية الكادحة من الإصابة بأضرارها، ولا يسلم الشعب المغربي من أداء ضريبتها، خاصة، وأن الانتهازية مرض عضال، لا يزول إلا بزوال حامل ذلك المرض.

ثالثا: التعود على تلقي امتيازات الريع، الذي يجعل المسؤولين في مختلف الإطارات الجماهيرية، يتنكرون للمبدئية، وللمبادئ التي لم تعد تسمن، أو تغني من جوع، أمام امتيازات الريع، التي ينتظرها المسؤولون في مختلف التنظيمات الجماهيرية، باعتبارهم أول من يدوس على المبدئية، وعلى المبادئ، قبل المنخرطين، في الإطارات الجماهيرية، وقبل الجماهير المستهدفة بها. وهو ما يعني: أن مسار التنظيمات الجماهيرية المبدئية، والمبادئية، سوف يعرف الإفلاس.

رابعا: العمل على تحويل التنظيمات المبدئية، والمبادئية، إلى تنظيمات بيروقراطية، على مستوى التسيير، وعلى مستوى الهيكلة، وعلى مستوى اتخاذ القرار، وعلى مستوى التنفيذ، وعلى مستوى نسج العلاقة مع التنظيمات الأخرى، ومع الدولة المخزنية، ومع الإدارة المخزنية، ومع إدارة القطاع الخاص، حتى يضمن المسؤولون لأنفسهم الدوام في المسؤوليات، وتسخير مجمل العمل الجماهيري، لخدمة مصالح الأجهزة الجماهيرية البيروقراطية، وخاصة مصالح القائد الوطني، أو الجهوي، أو الإقليمي، أو المحلي.

خامسا: تحول الإطارات الجماهيرية، من خدمة مصالح الجماهير الشعبية الكادحة، إلى خدمة مصالح النخبة الجماهيرية، المتكونة من أجهزة التنظيمات الجماهيرية، ومن عملاء تلك الأجهزة، من المنخرطين في مختلف التنظيمات، ليتم القطع، وبصفة نهائية مع خدمة مصالح الجماهير الشعبية الكادحة، ولتصير النخبة المسيطرة على الإطارات الجماهيرية، هي القيادة، وهي القاعدة، وهي المستفيدة من الريع المخزني، ومن الامتيازات التي تجلب المزيد منه، على حساب إفقار العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، وجميع بنات، وأبناء الشعب المغربي، الذين لم تعد تربطهم بتنظيمات العمل الجماهيري، إلا العلاقات الانتهازية.

وهكذا، يتبين أن تمرس التنظيمات الجماهيرية، على تلقي الريع المخزني، ونسج علاقات حميمية مع الدولة المخزنية، ومع أجهزتها المخزنية، ومع إدارة القطاع الخاص، والتعود على تلقي امتيازات الريع المخزني، والعمل على تحويل التنظيمات الجماهيرية، إلى تنظيمات لا مبدئية، ولا مبادئية، تحول التنظيمات المذكورة إلى خدمة مصالح الأجهزة البيروقراطية، بدل خدمة مصالح الجماهير الشعبية الكادحة، لا يمكن أن يؤدي، كل ذلك، إلا إلى إفساد لتنظيمات الجماهيرية، كامتداد لفساد الدولة المخزنية، وفساد أجهزتها، وفساد إدارة القطاع الخاص.

الريع المخزني بين التعميم والتخصيص:

والريع المخزني، ليس هو الدعم القانوني الذي يقدم إلى الإطارات الجماهيرية، بناء على مقاييس معينة، وتحاسب الجمعيات على ما تتلقاه من دعم، على أساس إنجاز برامج معينة، لصالح الجماهير الشعبية الكادحة، لا على أساس التلاعب فيه، وتفويته بطريقة، أو بأخرى، إلى جيوب المسؤولين، ليتحول بذلك الدعم إلى مجرد ريع مخزني، لا يقدم بديلا عنه، إلا خدمة مصالح الدولة المخزنية، وأجهزة الدولة المخزنية.

وعلى خلاف الدعم الذي يكون متبوعا بالمحاسبة الفردية، والجماعية، فإن الريع المخزني، وامتيازاته، لا تقدم إلا إلى الجمعيات العميلة، التي تعتبر صناعة مخزنية بامتياز، لتصير في خدمة المؤسسة المخزنية، بأجهزتها المختلفة، ومن أجل أن تقوم بدورها في تسويق الممارسة المخزنية، التي لا يمكن اعتبارها إلا وسيلة لتمرير الحلول المختلفة، كما تتصورها الدولة المخزنية، في المجالات الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، وحتى تساهم بشكل كبير في تلميع وجه الدولة المخزنية، وفي تلميع ممارسة الأجهزة المخزنية.

والجمعيات التي تتلقى الريع المخزني، لا تحاسب على ما تتلقاه من ريع، وليست معنية بصرفه، في خدمة مصالح الشعب المغربي، لا من قبل أجهزة الدولة، ولا من قبل أجهزة التنظيمات المكونة لجمعيات الريع المخزني، ما دامت الأجهزة المذكورة، تفوت ما تتلقاه من ريع، إلى جيوب أعضائها، ولا تحاسب أعضاءها على ذلك، وخاصة في الجموعات العامة؛ لأن الأجهزة المسؤولة عن التنظيمات المذكورة، تعتبر الريع المذكور، امتيازات تصير متمتعة بها، في أفق خدمة مصالح المخزن، ومصالح أجهزته المختلفة.

أما خدمة مصالح الجماهير الشعبية، فليست واردة.

وبناء على ضرورة التمييز بين الدعم، الذي يقدم إلى الإطارات الجماهيرية المناضلة، وبين الريع المخزني، الذي يقدم إلى الإطارات الجماهيرية العميلة للدولة المخزنية، ولأجهزتها المختلفة، وبناء على الاختلاف بين استهداف الجماهير الشعبية الكادحة، الذي يصير ذلك الدعم في خدمتها، وبين استهداف ملء جيوب أعضاء الأجهزة المسؤولة عن جمعيات الريع المخزني العميلة، وما أكثرها، نجد أن الريع المخزني، لا يقدم إلا إلى الإطارات العميلة؛ لأنها تصير مخصصة بذلك الريع، الذي لا يمكن اعتباره إلا إهدارا لأموال الشعب المغربي، وليس عاما؛ لأن الإطارات التي تتلقى الريع المخزني، لا تتلقاه إلا بمعيار العمالة للدولة المخزنية، ولأجهزتها.

ومعلوم أن التنظيمات القائمة على أساس تلقي الريع المخزني، فإنها تتحول إلى أدوات فاعلة، في مختلف المحطات الانتخابية، للمساهمة الفعالة، في تزوير إرادة الشعب المغربي، حتى يتم تصعيد المنتمين إلى الأحزاب المخزنية، إلى المجالس المزورة، حتى تستمر في تقديم الريع المخزني، إلى الإطارات العميلة، بدون حدود، لتزداد استفادة أعضاء الأجهزة من ذلك الريع.

المتفرغون لصالح التنظيمات الجماهيرية بين الريع وبين أداء المهام:

والذين يتفرغون للقيام بأعمال التنظيمات الجماهيرية، فلا يقومون بالأعمال المؤدى عنها، لصالح التنظيمات المذكورة، وقد لا يقومون بها، فإذا أنجزوا مهامهم الجديدة، وبكفاءة عالية، لصالح التنظيمات الجماهيرية: محليا، أو إقليميا، أو جهويا، أو وطنيا، فإنهم، بذلك، يكونون قد قاموا بوظيفتهم الجديدة، لصالح الإطار الجماهيري، أو لصالح المستهدفين بالإطار الجماهيري، وفي مختلف مستويات الاستهداف، وقد لا يقومون بوظيفتهم الجديدة، وفي مستوياتها المختلفة. وبالتالي، فإن الإطارات الجماهيرية، كما كانت، تبقى وكأنها بدون متفرغين، ليصير المتفرغ لخدمة مصالحه الشخصية، المتمثلة في البحث، أو في القيام بعمل جديد، يعتبر مدرا للدخل، إلى جانب الدخل الذي يتلقاه من الجهة المشغلة له. وهذا الدخل الأصلي، يصير بمثابة ريع مخزني.

وسواء أنجز المتفرغ ما تفرغ من أجله، أو لم ينجزه، فإنه يبقى مجرد موظف، لا علاقة له بأي شكل من أشكال النضال؛ لأن النضال تضحية، والمتفرغ هنا، لا يضحي، وإنما ينجز مهامه الجديدة، التي يتلقى عنها أجرا، من الجهة المشغلة له، وإذا كان لا يشتغل لحساب التنظيم الجماهيري، الذي تفرغ من أجله، وشرع يشتغل في عمل جديد، مدر للدخل، فإنه يتحول إلى مجرد انتهازي، يتمتع بالريع المخزني، ويستغل الإطار الجماهيري الذي تفرغ من أجله، كما يستغل تفرغه، للقيام بعمل جديد مدر للدخل، كشكل من أشكال الانتهازية، ليصير بذلك عالة على الجهة المشغلة، وعلى  التنظيم الجماهيري، ومسيئا إلى تفرغه الذي يسيء إليه، ولا يشرفه أبدا.

والغريب في الأمر، أن الإطارات الجماهيرية المضللة، تعتبر المتفرغين مناضلين، مع أنهم مجرد موظفين، يقومون بعمل مؤدى عنه، لصالح مختلف التنظيمات الجماهيرية. فهم ليسوا مناضلين، ولا يمكن أن يعتبروا كذلك، ويمكن أن يعتبروا كذلك، قبل أن يتفرغوا من عملهم الأصلي، للقيام بالعمل لصالح منظمة جماهيرية معينة، إن لم يكن نضالهم مجرد ممارسة انتهازية، من أجل الحصول على التفرغ، لحاجة في نفس يعقوب. وبعد ذلك، يتفرغ لخدمة مصالحه الخاصة، فلا هو في العير، ولا في النفير، كما يقولون.

أما بعد الحصول على التفرغ، من أجل القيام بالعمل المؤدى عنه، لصلح منظمة جماهيرية معينة، فلا وجود لشيء اسمه التضحية، والنضال التطوعي، لصالح الجماهير الشعبية الكادحة، بل إن المتفرغ، قد يمارس الابتزاز على المستهدفات، والمستهدفين بالإطارات الجماهيرية، وخاصة في الحالات الفردية، التي تقتضي تسوية وضعيات معينة. وهذه الوضعيات، التي لا تعرف التوقف، هي التي يستغلها المتفرغون لممارسة الابتزاز، على المستهدفين بالإضافة إلى التفرغ لخدمة المصالح الخاصة، والبحث عن العلاقات الانتهازية، وممارسة السمسرة في العقارات، وغيرها، إن لم يتعاقد مع شركة معينة للعمل معها، بعد تفرغه، وبدخل متميز، ودونما حياء من الإطار الجماهيري، الذي ينتمي إليه، ودون إيلاء أية أهمية لقواعد ذلك الإطار، بل وقواعد الإطارات الأخرى.

وكيفما كان الأمر، فإن:

أولا: المتفرغ الذي ينخرط، بعد تفرغه، للقيام بإنجاز مهام الإطار الجماهيري، لا يعيش على الريع المخزني، ولكنه لا يمكن أن يعتبر مناضلا؛ لأن التضحية، والبذل، تم افتقادهما في ممارسته.

ثانيا: المتفرغ الذي لا ينخرط مباشرة، بعد تفرغه، للقيام بإنجاز مهام الإطار الجماهيري، الذي ينتمي إليه، يعيش على الريع المخزني، ولا يمكن التفكير أبدا في اعتباره مناضلا.

ثالثا: المتفرغ الذي يمارس الابتزاز على المستهدفين، مقابل العمل على تسوية ملفاتهم، في علاقتهم بالجهات المعنية، يسيء إلى الإطار الجماهيري، وإلى الجماهير الشعبية الكادحة.

رابعا: المتفرغ الذي يشتغل في السمسرة في السيارات، وفي العقارات، وقد يشتغل في إحدى الشركات، يجب الوقوف على حالته، وطرده من التنظيم الجماهيري، الذي ينتمي إليه، وتقديمه إلى المجلس التأديبي.

اشتغال المتفرغ من أجل تنظيم جماهيري معين، في مؤسسة خاصة:

إن هذا الجيش من المتفرغين، لصالح التنظيمات الجماهيرية، والذي يكلف الشعب المغربي مئات الملايين، كل شهر، لا يمكن أن يصير، كله، لصالح التنظيمات الجماهيرية، على مستوى التفكير، وعلى مستوى إنجاز المهام؛ لأنه، لو كان يحصل ذلك على أرض الواقع، لتحولت التنظيمات الجماهيرية إلى واقع مختلف، ولصارت الجماهير الشعبية الكادحة، أكثر استفادة من خدمات التنظيمات المذكورة، غير أن معظم المتفرغين، حتى لا نقول الكل، يعتبرون تفرغهم امتيازا ريعيا، فلا يلتفتون أبدا إلى التفرغ، للقيام بالمهام الجديدة، في الإطار الجماهيري، إن كان للإطار الجماهيري جماهير مستهدفة، ولا ينشغلون إلا بمصالحهم الخاصة، فيمارسون التجارة، والسمسرة، وغير ذلك، مما يسيء إلى الجماهير، وإلى العمل الجماهيري، وإلى التنظيمات الجماهيرية، كما يحصل ذلك أمام أعين المنخرطين، في مختلف التنظيمات الجماهيرية، وأمام أعين الجماهير الشعبية الكادحة، وأمام أعين العاملين في مختلف المؤسسات، التي تمد التنظيمات الجماهيرية بالمتفرغين. وهو ما يعتبر إساءة إلى المجتمع ككل.

وليت المتفرغين المستفيدين من الريع المخزني، يكتفون بالاشتغال بالتجارة، والسمسرة؛ بل إن العديد منهم يصير مشتغلا بالمؤسسات الخاصة، التي تمده بأجرة خيالية، باعتباره منتميا إلى الإطارات الجماهيرية، يستطيع ممارسة التضليل على العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، الذين يرون في المتفرغ، من أجل أن يصير في خدمة تنظيم جماهيري معين، أكبر خائن للعمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، ولباقي الجماهير الشعبية الكادحة، التي يوهمها بخطاباته، بأنه سيعمل على إيجاد الحلول لكل مشاكلها الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية. وهذه الخيانة الممارسة على أرض الواقع، هي التي تجعل الجماهير الشعبية الكادحة، تفقد ثقتها في التنظيمات الجماهيرية، مما يجعل استعادة ثقتها بتلك التنظيمات، شديدة الصعوبة، إن لم تكن مستحيلة.

والمشكلة القائمة في مثل هذه الحالة، أن المتفرغ يصر متمتعا بامتيازات الريع المخزني، ولا يقدم أي خدمة لتنظيمه الجماهيري، وفي نفس الوقت، يشتغل في مؤسسة خاصة، وكأن العمل فيها، هو مصدر رزقه، حارما بذلك إنسانا آخر، يعاني من العطالة، أو التعطيل، مشتغلا في عمله الجديد، بكل إمكانياته التي تجعل دخله يتضاعف باستمرار.

والمشكل القائم الآن، هو أن الدولة لا تقوم بمراقبة المتفرغين، حتى تقف على اشتغالهم لصلح الإطارات الجماهيرية، التي تفرغوا من أجلها، بل إنها ترشيهم، بتغيير الإطار خارج القانون المعمول به، في إطار قوانين الوظيفة العمومية، والقطاعية، ولا الإطارات الجماهيرية، تمارس الرقابة على تفرغها، لتتأكد:

هل يقومون بواجبهم لصالح التنظيمات الجماهيرية، التي تفرغوا من أجلها؟

أم أنهم يعملون على خدمة مصالح جهات أخرى؟

أم تفرغوا لخدمة مصالحهم الخاصة؟

أما أجهزة التنظيم الجماهيري، التي لها علاقة مباشرة بالمتفرغ، والوسط الذي يتحرك فيه فإنها تعرف كل شيء، ولكنها لا تتكلم، باعتبار المعنيين بالكلام إما مساهمين في بناء التنظيمات الجماهيرية، أو مستهدفين بالعمل الجماهيري، الذي يمارس عليهم كافة أشكال التضليل، حتى لا يعرفوا ما يجري في الإطارات الجماهيرية، وباسمها.

ومراقبة الدولة لأداء المتفرغين في الإطارات الجماهيرية واجبة؛ لأنها هي التي تسدد واجب التفرغ للعمل الجماهيري، باعتبارها مالكة مشروعية المراقبة المستمرة لموظفيها.

أما مراقبة التنظيم الجماهيري لأداء المتفرغ لصالحه، فلأن المتفرغ تفرغ باسمه، وإذا كانت المراقبة قائمة، فلا بد أن تكون في خدمة الأداء الجيد لصالح التنظيم الجماهيري، أو إثبات ضرورة سحب التفرغ، وعودة المتفرغ إلى عمله الأصلي.

وفي الحالتين معا، فإن النتيجة تتجسد في:

أولا: وضع حد للريع المخزني.

ثانيا: وضع حد لاشتغال المتفرغ بأمور أخرى، مدرة للدخل، لا علاقة لها بخدمة مصالح التنظيم الجماهيري، ولا بخدمة مصالح المستهدفين بعمل التنظيم الجماهيري.

بيان نجاعة مراقبة الدولة، ومراقبة التنظيم الجماهيري، لأداء المتفرغ لصالح التنظيم الجماهيري، ولصالح المستهدفين به.

اعتبار المتفرغين الذين لا ينجزون أية مهمة ريعيين:

والمتفرغون الذين لا ينجزون أية مهمة، مقابل ما يتلقونه من أجر، لا يمكن اعتبار ذلك الأجر إلا ريعيا. والريعي، لا يمكن أن يكون إلا عميلا مخزنيا، والعميل يصنف عادة عدوا للشعب، أي أنه يتحين الفرص للإيقاع بالمناضلين الشرفاء، الذين قد يكونون مناضلين في الإطارات الجماهيرية، التي تفرغوا من أجل العمل فيها أي عميل يعيش على امتيازات الريع المخزني، مع أنه لا يقدم أية خدمة لتلك التنظيمات. ولذلك نجد أنه حتى يصير المنتمي إلى التنظيمات الجماهيرية، عليه أن يكون عميلا لجهة معينة، أو للدولة المخزنية، أو لأجهزتها، مندسا في التنظيمات الجماهيرية، استطاع أن يقوم بتسويق نفسه، و(نضالاته)، وأن يصل إلى موقع المسؤولية، إن لم يصل إلى المسؤولية الأولى، قبل أن يصير متفرغا، ليعرض عن العمل من أجل الإطار، وفي خدمة مصالحه، وليبحث له عن عمل آخر، مدرا للدخل، ليصير التنظيم الجماهيري الذي ينتمي إليه، أو يتواجد في قيادته، أو يقوده، مجرد إطار بيروقراطي، تتعطل فيه كل آليات الديمقراطية، والتقدمية، والجماهيرية، والاستقلالية، ليصير مجرد تنظيم لتلقي الإملاءات، التي كسب المتفرغ شرعية النضال، الذي لم تعد له علاقة به، وليتخذ ذلك (النضال) وسيلة لجمع مختلف المعطيات، التي تصير، في المستقبل، موضوع العمالة المخزنية.

ذلك أن تلقي الريع، أو الحصول عليه، هو المدخل لممارسة كافة أشكال العمالة المخزنية، ببعدها الوطني، أو الجهوي، أو الإقليمي، أو المحلي. وهو ما يترتب عن تحويل العاملين في مختلف التنظيمات الجماهيرية، إلى مجرد عملاء، عن طريق العميل المخزني المتفرغ، الذي يحولهم إلى عملاء له، من خلال التنظيم الجماهيري، الذي يقودونه، أو ينتمون إليه، ليصير موضوع التداول في أي تنظيم جماهيري يقوده العملاء، هو:

أولا: كيف نحافظ على التنظيم، حتى يصير، بمجمله، في خدمة العمالة؟

ثانيا: كيف نجعل التنظيم يصير إطارا للمخابرة، في كل الموضوعات التي لها علاقة مع العمالة؟

ذلك، أن ضبط التنظيم الجماهيري، حتى يصير في خدمة العمالة، وفي خدمة العملاء، هو المبدأ الذي يراهن عليه الريعي العميل؛ لأن علاقة مصلحته، بمصلحة المخزن، عضوية، وتشكل وحدة متراصة.

ولذلك، فاعتبار الريعيين عملاء مباشرين للمخزن، ولأجهزته المختلفة، لا يمكن أن يكون إلا اعتبارا صائبا، ولا يمكن أبدا أن يستطيع الريعي إبعاد الشبهة عن نفسه، والمتمثلة في غياب المتفرغ عن أماكن احتمال دوامه.

ونحن عندما نقوم بجولة على المستوى الوطني، من أجل الوقوف على تواجد المتفرغين في أماكن احتمال تواجدهم، كمداومين في مقرات التنظيمات الجماهيرية، قد لا نجد معظمهم في تلك الأماكن، لاعتبارات كثيرة، نذكر منها :

الاعتبار الأول: أن المتفرغين لا يعتبرون القيام بالدوام واجبا، حتى يتمكنوا من تقديم الخدمات إلى المعنيين، باعتبارهم مستهدفين بها، وحتى يكرس بذلك وجود التنظيم، الجماهيري الفعلي، على أرض الواقع، كما يعتبرونه غير وارد؛ لأن الحصول على التفرغ تحول إلى امتياز، يستغله المتفرغ في القيام بأعمال أخرى مدرة للدخل، باعتباره حاملا لفيروس التطلعات الطبقية، التي تقف وراء الدفع به إلى العمل على تحقيقها على المستويات الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية. والطامة الكبرى، أن هذا المتفرغ يعتبر نفسه (مناضلا)، ومسؤولا في العديد من الإطارات، على جميع المستويات، وكشخصية نافذة في صفوف المسؤولين، على جميع المستويات،/ في الوقت يستغل الفراغ الذي توفر له، لاستثمار ثرواته، أو للتحايل من أجل جلب ثروات أخرى، يضيفها إلى ما صار لديه من ثروات، حتى يحسب من ذوي الثروات الهائلة.

والاعتبار الثاني: عمالته للعديد من الجهات، التي تطمئنه على سلامة تفرغه، وعلى استغلال ذلك التفرغ، فيما يساهم في تحقيق تطلعاته الطبقية؛ لأن المهم بالنسبة إلى تلك الجهات، أن يخلص المتفرغ في عمالته، حتى يخدم مصالح الطبقة الحاكمة، التي يحرص على أن يصير جزءا لا يتجزأ منها ماديا، ومعنويا، على المدى المتوسط، والبعيد.

والاعتبار الثالث: أن الغاية من التفرغ، في اعتقاد أغلب المتفرغين، ليست هي تنظيم الدوام، في مقرات التنظيمات الجماهيرية، وليست هي تقديم الخدمات إلى المستهدفين بالتنظيم الجماهيري؛ بل هي البحث المستمر، ودون كلل، عما يدر على المتفرغ المزيد من الدخل، حتى تزداد مكانته الطبقية، عن طريق التسلق الذي لا يتوقف، على حساب التنظيم الجماهيري، الذي يعرف تراجعا ملحوظا، تنظيميا، وجماهيريا، وعلى حساب المستهدفين الذين تضيع مجمل حقوقهم، وعلى حساب التنظيمات الأخرى، التي يتحكم فيها، والتي تكاد تختفي من الوجود، وعلى حساب انحصار الوعي في صفوف الجماهير الشعبية الكادحة، نظرا لغياب التنظيم الذي حصل على متفرغين، لم يعودوا يعرفون إلا من خلال ما يقومون به من أعمال مدرة للدخل، أو من خلال ممارستهم للتجارة، أو من خلال قيامهم باستثمارات معينة، تحولهم إلى نقيض لمصالح الجماهير التي تفرغوا من أجلها.

الاعتبار الرابع: أن المتفرغين يحرصون، باستمرار، على الظهور بأنهم يقومون بواجبهم تجاه الجماهير المستهدفة بالتنظيم الجماهيري، على مستوى الخطابات التي يروجونها، والتي غالبا ما تكون مفبركة، بهدف التضليل، ومن خلال تسويق أنفسهم، على أنهم لا يعرفون النوم، بسبب ما يبذلونه، في سبيل إرساء التنظيم، وتقويته، في الوقت الذي يتراجع فيه هذا التنظيم، ويصير ضعيفا، إلى درجة الإشراف على التلاشي، الذي قد يجعل التنظيم في مهب الريح، كما تجعل التنظيمات التي يشرف عليها المتفرغ من غير التنظيم الجماهيري، في حكم التلاشي.

وهذه الاعتبارات التي وقفنا عليها، ليست إلا قليلا من كثير، مما يمكن الوقوف عليه، للوصول إلى أن التنظيمات الجماهيرية، لم تستفد، في مجملها، من المتفرغين الذين تحولوا، في معظمهم، إلى مجرد متمتعين بامتياز ريع التخلف، والذين صاروا يدخلون في عداد الموظفين الأشباح، الذين انصرفوا إلى خدمة مصالحهم الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، التي تجعلهم في مصاف التحالف البورجوازي / الإقطاعي، والمتخلف.

سيان بين متفرغ ومتفرغة:

وما نجد عليه أغلب المتفرغين، من عدم القيام بالدوام، في مقار التنظيمات الجماهيرية، نجد، كذلك، أن المتفرغات لا يقمن بإنجاز عملية الدوام، في مقار التنظيمات الجماهيرية، بما فيها التنظيمات النسائية. إذ غالبا ما يجدنها مناسبة للتفرغ لشؤونهن الخاصة في بيوتهن، أو الاشتغال بالتجارة، أو في أي مؤسسة خاصة، مما يضاعف من دخلهن، على حساب الشعب المغربي، الذي يذهب جزء مهم من ثرواته ريعا، إلى عدد من المتفرغات، والمتفرغين.

ولذلك، نجد، أنه، لا فرق بين المتفرغات، والمتفرغين، في التعامل مع التفرغ، كريع مخزني، لا يمكن اعتماده أبدا لصالح التنظيمات الجماهيرية، التي لا تضيف جديدا إلى الحالة المادية للمتفرغات، والمتفرغين، إلا إذا كن، أو كانوا، يمارسن، أو يمارسون الابتزاز باسمها، على أصحاب الملفات الخاصة، في خدمة مصالح المتفرغين، كما تصير التنظيمات الجماهيرية، وسيلة لممارسة ذلك الابتزاز، في خدمة مصالح المتفرغات، والمتفرغين.

فلماذا لا يوجد هناك فرق بين المتفرغات، والمتفرغين على أرض الواقع، بالنسبة للذين لا يمارسون الدوام، في مقرات التنظيمات الجماهيرية؟

إن التفرغ أولا، وقبل كل شيء، هو عقلية. وهذه العقلية تقتضي أن لا يقوم المتفرغ، أو المتفرغة، بالمهام الجديدة، المترتبة عن إنجاز الدوام في مقرات التنظيمات الجماهيرية، مع ما يستلزمه ذلك الدوام. بل إن التفرغ هو امتياز تتمتع به المتفرغة، أو المتفرغ، على حد سواء.

والجمعيات النسائية، التي تراهن على خدمات المتفرغات، المتحولات إلى موظفات لديها، سوف تبقى بدون خدمات؛ لأن المتفرغات، تفرغن إلى المكوث في بيوتهن، أو إلى العناية بأولادهن، أو إلى خدمة مصالحهن الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، وصولا إلى تحقيق تطلعاتهن الطبقية؛ لأن خدمة التنظيمات النسائية، لا تفيدهن شيئا، إلا إذا نبذن الانتهازية من مسلكيتهن، ورفضن أن يعشن على الريع المخزني. وحينها، سيبذلن جهدهن، من موقع وظيفتها الجديدة، في رفع الحيف عنهن، وفي انتزاع المزيد من الحقوق، كما هي في الإعلانات، والمواثيق، والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان.

وسواء أخلصت المتفرغات في خدمة التنظيمات النسائية، أم لم تخلصن، وفضلن الانصراف إلى خدمة مصالحهن الخاصة، في تنمية مواردهن، فإنهن، في ذلك، يمكن تصنيفهن إلى:

أولا: متفرغات أبين إلا أن يبقين نظيفات، بعيدات عن الشبهات، متفرغات لعملهن الجديد، لصالح الجمعيات النسائية، أو لصالح النقابات، حتى يقمن بدورهن الذي من أجله تفرغن، أو يصرن في خدمة مصالح النساء، أو في خدمة مصالح العمال، والأجراء، وسائر الكادحين.

ثانيا: متفرغات فضلن الانصراف إلى خدمة مصالحهن الخاصة، أو إلى البحث عن سبل تنمية مواردهن الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، مما يعتبر خير وسيلة لتحقيق تطلعاتهن الطبقية. وهو ما يتناقض تناقضا مطلقا، مع مصلحة النساء، ومع مصلحة العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين.

والمتفرغات، في كل ذلك، لا يختلفن عن المتفرغين؛ لأن العقلية واحدة، ولأن نبذ الممارسة الانتهازية المؤدية إلى قبول التلوث بالريع المخزني واحد، ولأن القبول بالريع المخزني، وقبول التلوث به، واحد كذلك، وفوق كل ذلك، فالنظام المخزني المانح للريع واحد أيضا.

ولذلك، فالمتفرغات اللواتي يقبلن التلوث بالريع المخزني، يعشن عليه مدى حياتهن، ليصرن بذلك عالة على الشعب، الذي يعيش من ثرواته، دون تقديم أي مقابل لتلك الثروات. وأكثر من ذلك، فانصرافهن إلى البحث عن موارد جديدة، يجعلهن في غنى عن نهب ثروات الشعب المغربي، عن طريق الأجور التي يتوصلن بها ريعا، لا استحقاقا.

والتفرغ الذي تتمتع به المتفرغات، والمتفرغون، على حد سواء، لا يمكن اعتباره إلا ريعا، يقدم إلى التنظيمات الجماهيرية، مقابل خدمة تلك التنظيمات لمصالح الدولة المخزنية، ومصالح الأجهزة المخزنية.

البديل المقدم إلى الدولة المخزنية، وأجهزتها المختلفة:

والدولة المخزنية عندما تجازف بالريع، لصالح التنظيمات الجماهيرية، فإنها لا تجازف به، هكذا، بقدر ما تجازف به مقابل التحول، الحاصل فعلا، في التنظيمات الجماهيرية المختلفة، التي تحولت من تنظيمات ديمقراطية تقدمية جماهيرية مستقلة، إلى تنظيمات لا ديمقراطية لا تقدمية لا جماهيرية لا مستقلة.

وهذا التحول الحاصل يتم تتويجه بالانتقال من مبدئية التنظيم الجماهيري، إلى لا مبدئيته.

وكامتداد للتحول عن المبادئ، وعن المبدئية، نجد تحول التنظيم الجماهيري إلى تنظيم بيروقراطي، يتمركز فيه كل شيء بين أيدي الجهاز البيروقراطي، الذي يقرر، وينفذ، بما يخدم مصلحته، ومصلحة الدولة المخزنية، ومصلحة أجهزتها المخزنية، على مدى انتشارها في ربوع هذا الوطن، كما نجد تحول التنظيم إلى إنتاج الممارسات الرجعية، مهما كانت هذه الممارسات، وأينما كانت؛ لأن الممارسات التقدمية التي عرف بها التنظيم الجماهيري، لم تعد واردة، ولا يعمل على إنتاجه،ا ويتحول كذلك من تنظيم جماهيري واسع، إلى تنظيم نخبوي، حتى يمكن للدولة المخزنية أن تحتويه، وأن تستجيب لمطالب كل النخب الجماهيرية، التي لا يهمها إلا تحقيق تطلعاتها الطبقية، بالإضافة إلى تحوله من تنظيم مستقل، إلى تنظيم تابع للدولة، بحكم تلقيه الريع المخزني، بالإضافة إلى تبعيته لهذا الحزب، أو ذاك، كما هو واضح من الخريطة الجماهيرية الحزبية.

وهذا التحول الذي تعرفه التنظيمات الجماهيرية، هو، في حد ذاته، أكبر خدمة تقدمها التنظيمات الجماهيرية للدولة المخزنية، وللأجهزة المخزنية، مانحة الريع، بالإضافة إلى أن هذه التنظيمات تنصاع في إرادتها، وفي قراراتها، وفي برامجها، وفي علاقاتها، وفي مواقفها، إلى إدارة الدولة المخزنية، مانحة الريع في مستواه الوطني، وإلى الأجهزة المخزنية مانحة الريع في مستواه المحلي، أو الإقليمي، أو الجهوي، بحيث يصير من المستحيل التحرر من إرادة الدولة المخزنية، ومن إرادة أجهزتها، في مستوياتها المختلفة. وإلا، فإن الريع المقدم إلى التنظيمات الجماهيرية، سوف يصير في خبر كان، كما يقولون.

وبالإضافة إلى ما ذكرنا، فإن المنتفعين بالريع المخزني، وفي مقدمتهم المتفرغون، الذين يوصفون ظلما بالمناضلين، إن لم يتحولوا، بعد تفرغهم مباشرة، إلى خدمة مصالح التنظيمات الجماهيرية، يضعون أنفسهم رهن إشارة الدولة المخزنية على المستوى الوطني، ورهن إشارة أجهزة الدولة المخزنية، محليا، وإقليميا، وجهويا، التي يتحولون إلى جزء لا يتجزأ منها، لكون مصلحتهم تقتضي ذلك، حتى يستفيدوا من الأجهزة المخزنية، كما استفادوا، ويستفيدون من التنظيمات الجماهيرية، ولأن عمالتهم للدولة المخزنية، وللأجهزة المخزنية، تفتح أمامهم آفاقا أرحب، وأوسع، من أجل إيجاد مجال أرحب، وأوسع للتحرك، في أفق تحقيق التطلعات الطبقية، التي هي الهدف الأسمى، من ممارسة أي شكل من اشكال العمالة الطبقية، وفي أي مستوى منه،  نظرا لاستفحال أمر الفساد الإداري، والسياسي في البلاد، كما يدل على ذلك ما يجري في الحياة اليومية، وفي مختلف المحطات الانتخابية.

ومما يجب الانتباه إليه، أن الباحث عن التفرغ، لا يبحث عنه إلا لأنه يدرك أهميته على مستوى توظيف الإطار، الذي يتحرك فيه، ويتفرغ باسمه، ونجاعة ذلك التوظيف في خدمة تحقيق التطلعات الطبقية، وأهمية فسحه المجال أمام إمكانية ممارسة العمالة للدولة المخزنية، ولأجهزتها المختلفة، وأمام البحث عن موارد جديدة، تساهم بشكل كبير في تحقيق التطلعات الطبقية المختلفة، التي هي المبتدأ، والمنتهى، للباحث عن التفرغ، باعتباره امتيازا ريعيا، وبعد أن يتفرغ، يشرع في البحث عن العمل المدر للدخل، المساهم في تحقيق التطلعات الطبقية، وسعيا إلى تحقيق تلك التطلعات، وبكل الوسائل، ومهما كانت دنيئة، ومنحطة، وعلى حساب المستهدفين بالتنظيمات الجماهيرية.

وبناء على ذلك، فإن ما يجب التأكيد عليه، أن المتفرغ، سواء كان يقوم بعمله في الإطارات الجماهيرية، الذي تفرغ من أجل القيام به، أو انصرف للبحث عن عمل آخر مدر للدخل، فإنه لا يحسب مناضلا، لأنه لا يضحي لا بوقته، ولا بجزء من ثروته. فهو إما موظف في أي تنظيم من التنظيمات الجماهيرية، أو يعيش من الريع المخزني، كما تدل على ذلك العديد من الحالات، التي يمكن أن نقف عليها محليا، أو إقليميا، أو جهويا، أو وطنيا، وعلى حساب المستهدفين بعمل التنظيمات الجماهيرية، وما يجري الآن، أن المتفرغ يصير هو القائد، وهو الموظف لدى التنظيم الجماهيري، وهو الممثل للإطار الذي يمثله لدى الدولة المخزنية، ولدى أجهزتها الإدارية، ولدى القطاع الخاص، وهو المقرر، وهو المنفذ، وهذا ما يعني ترسيخ الممارسة البيروقراطية على يد المتفرغين، وبهم، في مختلف التنظيمات الجماهيرية، التي يتحكم فيها المتفرغون، ويوظفونها، لخدمة مصالحهم الخاصة.

المتفرغ الذي يعيش على الريع المخزني، لا علاقة له بالنضال:

إننا في التنظيمات الجماهيرية، نعيش أزمة، وهذه الأزمة ناتجة عن الخلط بين المتفرغ، وبين المناضل.

فهل المتفرغ، هو المناضل في الأصل، الذي  اضطرته ظروف الإطار إلى التفرغ، من أجل خدمة مصلحة التنظيم الجماهيري؟

أم أن المناضل هو الذي يناضل بعيدا عن التفرغ، مضحيا بوقته، وبجزء من دخله، من أجل تفعيل التنظيم الجماهيري، وفي أفق تحقيق الأهداف المحددة؟

فإذا كان المتفرغ يقوم بعمل إضافي، اقتضى منه التضحية بجزء من وقته، وبجزء من ماله لصالح التنظيم الجماهيري، يتحول أثناء ممارسته للتضحية إلى مناضل، وإلا، فإنه يبقى مجرد موظف لدى التنظيم الجماهيري.

وقد آن الأوان، أن تعمل التنظيمات الجماهيرية: المحلية، والإقليمية، والجهوية، والوطنية، إلى التمييز بين المناضل، وبين الموظف، حتى نتجاوز الخلط القائم الآن، بين المتفرغ الذي يعتبر موظفا لدى التنظيم الجماهيري، وبين المناضل.

وهذا التمييز يستوجب أن يلزم الموظف بالبقاء في إطار وظيفته، لا يتجاوزها إلى شيء آخر، وأن يكون رهن إشارة الجهاز الجماهيري، والقائد الجماهيري المناضل، والذي لا يعتبر متفرغا.

أما آن الأوان، أن نعمل على التمييز بين المتفرغ الذي يمارس وظيفته لدى التنظيم الجماهيري، وبين الموظف الذي ينصرف إلى البحث عن عمل آخر، مدر للدخل، حتى يستعين به على تحقيق تطلعاته الطبقية، سواء اشتغل سمسارا، أو تاجرا، أو مستخدما في شركة معينة، فإن ذلك كله، يصنفه في خانة من يعيش على الريع المخزني، مع خيانة الأمانة التي يحمل مسؤوليتها، تجاه التنظيم الجماهيري.

وهذا التمييز بين المناضل، وبين الممارس لوظيفته، وبين الخائن للتنظيم الجماهيري، الذي يعيش على الريع المخزني، صارت تقتضيه الضرورة، لتجاوز اللبس الحاصل بين المناضل، وبين المتفرغ، للقيام بوظيفته لدى التنظيم الجماهيري، وبين المتفرغ الخائن، الذي يعيش على الريع المخزني، لأن تجاوز اللبس في هذه الحالات الثلاث، يقتضي الوضوح اللازم للعمل الجماهيري، كما تقتضيه علاقة التنظيمات الجماهيرية، بالجماهير الشعبية الكادحة.

وإذا كان لا بد من الوضوح اللازم، فإن علينا أن نميز بين مستويات ثلاث:

أولا: مستوى المسؤولية في التنظيم الجماهيري، والتي لا يجب أن تتماهى مع التفرغ، من أجل ممارسة وظيفة العمل في التنظيم الجماهيري.

ثانيا: مستوى المتفرغ من أجل ممارسة وظيفة العمل في التنظيم الجماهيري، والتي يجب أن تكون رهن إشارة الأجهزة المسؤولة محليا، وإقليميا، وجهويا، ووطنيا، إذا كان التنظيم الجماهيري بكل هذه الأبعاد.

ثالثا: مستوى المتفرغ، الذي يتعامل مع التفرغ، على أنه ريع مخزني، لينسحب إلى حال سبيله، باحثا عن عمل آخر، مدر للدخل، مهما كان منحطا، نظرا لسعي المتمتع بريع التفرغ المخزني، إلى تحقيق تطلعاته الطبقية.

وانطلاقا من هذا التمييز، فإن المسؤولية لا يتحملها إلا المناضل، حتى يبقى المتفرغ رهن إشارته، ومن أجل أن يبقى التنظيم الجماهيري بعيدا عن التأثر بما يمارسه المتفرغ المسؤول، الذي لا يتورع عن استغلال التنظيم الجماهيري، في خدمة مصالحه الخاصة.

كما أن هذا التمييز، يقتضي من مسؤولي التنظيم الجماهيري، أن يحددوا موقفهم من المتفرغ، الذي يعيش على الريع المخزني، حتى يعيش المنتمون إلى التنظيم الجماهيري في كامل وضوح الرؤيا، إلى المتفرغ الذي يختلط في مفهومه التفرغ من أجل العمل في التنظيم، مع المتفرغ الذي يعيش على الريع.

والخلاصة، أن التمييز يجب أن يستهدف المسؤول الذي يتحمل المسؤولية، والمتفرغ الذي يقوم بوظيفته، والذي يجب أن يبقى بعيدا عن المسؤولية، وبين المتفرغ الذي يعيش على الريع المخزني، الذي يستوجب اتخاذ موقف منه، باعتباره موظفا شبحا.

ادعاء النضال، في ظل التمتع بامتياز الريع المخزني، وخدمة مصالح الدولة المخزنية:

إن النضال، إما أن يكون، أو لا يكون، وخاصة في الإطارات الجماهيرية. والمناضل الجماهيري، إما أن يكون مناضلا، وإما  أن يكون كما يدعي، والمتفرغ إما أن يمارس وظيفته الجديدة في الإطار الجماهيري، أو لا يمارسها. والتنظيم الجماهيري إما أن يتخذ موقفا ضد المتفرغ باسمه، للتمتع بامتياز الريع المخزني، وإما أن يصير تنظيما منحرفا.

وفي ظل هذا الوضع السائد، في العديد من التنظيمات الجماهيرية، لا يوجد نضال، بقدر ما يوجد انعدام للنضال. فالمسؤول لا يمارس مسؤوليته، كما هي في الأنظمة الأساسية، والداخلية للتنظيمات الجماهيرية، ويدعون أنهم يناضلون، والمتفرغون لا يمارسون، في معظمهم، وظائفهم الجديدة في التنظيمات الجماهيرية، ويدعون أنهم مناضلون متفرغون، وتقديم الخدمات للدولة المخزنية من قبل المسؤولين في التنظيمات الجماهيرية، ومن قبل المتفرغين، ومع ذلك يدعون أنهم مناضلون، فكأن النضال مجرد علامة تجارية، يتم تسويقها إلى الجمهور، من أجل استهلاكها.

وهذا الوضع السائد في التنظيمات الجماهيرية، يحولها إلى مجالات لإنتاج كل أشكال الممارسات الانتهازية، التي تعمل على تخريب التنظيمات الجماهيرية، حتى لا تقوم بدورها لصالح الجماهير الشعبية الكادحة، وطليعتها الطبقة العاملة، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين.

إنجاز المهام شرط لاستحقاق الأجرة:

إن هناك من المتفرغين من ينجز المهام التي تفرغ من أجل إنجازها لصالح التنظيمات الجماهيرية، وهناك من لا يفكر أبدا في أنجاز المهام التي تفرغ من أجلها على المدى القريب، والمتوسط، والبعيد، خاصة، وأنه يظهر إما ممارسا للابتزاز على الإدارة في القطاعين العام، والخاص، أو مسترزقا من المستهدفين بعمل التنظيمات الجماهيرية، التي حولوها إلى وسائل لممارسة الابتزاز على الإدارة، أو ممارسة الارتزاق على المستهدفين، الذين يتحولون، بفعل حاجتهم إلى خدمات التنظيمات الجماهيرية، إلى ضحايا للممخزنين، الذين لا أخلاق لهم، ولا إنسانية، في ممارستهم الجماهيرية، تجاه الجماهير الشعبية الكادحة، وتجاه التنظيمات الجماهيرية، التي يبتزون بها الإدارة، ويسترزقون بها المستهدفين، من إحداث تراكم مالي لديهم، يؤدي إلى تحقيق تطلعاتهم الطبقية، التي تنقلهم من مستوى مادي متدني، إلى مستوى مادي مرتفع، يصنفهم إلى جانب التحالف البورجوازي / الإقطاعي المتخلف، وباقي المستغلين، وسائر المستفيدين من الاستغلال المادي، والمعنوي.

والمتفرغون الذين لا ينجزون المهام التي تفرغوا من أجلها، لصلح التنظيمات الجماهيرية، لا يمكن أن يكونوا إلا:

أولا: متمتعين بالريع المخزني، يتحولون إلى جزء لا يتجزأ من اللوبي الفاسد، الذي ينهب، عن طريق الريع، ثروات الشعب المغربي.

ثانيا: فاقدين للإنسانية، التي يجب أن تتوفر في المتفرغ، حتى يهب وقته، وفكره، وممارسته لخدمة مصالح المستهدفين بالعمل الجماهيري، مقابل ما يتلقيان من أجر، من الجهة التي ضمنت له التفرغ، لصالح تنظيم جماهيري معين.

مشتغلين بأعمال أخرى، مدرة للدخل، مما يدخلهم في شبهة الجمع بين وظيفتين الممنوع، كما هو منصوص عليه في قانون الوظيفة العمومية.

رابعا: الاشتغال بالسمسرة في العقارات المختلفة، بهدف مضاعفة دخله، من أجل الزيادة في ممتلكاته، التي لا حدود لها.

خامسا: نهب جيوب مختلف العلاقات، عن طريق الاقتراض، الذي لا حدود له، وبدون أجل، وبدون ضمانات. وهو ما يعني العزم على نهب ما في جيوب العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، مستغلا بذلك كونه يناضل، وباسم الإطار الذي يدعي أنه يمثله، في الوقت الذي يستغل تفرغه للسيطرة عليه.

وأكثر من هذا كله، فإنهم يعملون على احتكار تمثيل كل الإطارات المناضلة، عن طريق اعتماد الممارسة البيروقراطية، التي صارت جزءا لا يتجزأ من مسلكيتهم، في الوقت الذي يدعون أنهم يناضلون من أجل الديمقراطية.

ولذلك، فكل من تفرغ ليمارس مهمة معينة، في إطار تنظيم جماهيري معين، فإنه يبقى بعيدا عن تلقي الريع المخزني، وحريصا على التحلي بالممارسة الإنسانية، وبعيدا عن الاشتغال بأمور أخرى مدرة للدخل،  ومتنزها عن نهب جيوب العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، ولا يفكر أبدا في تكريس الممارسة البيروقراطية، التي تجعله يحتكر كل شيء بين يديه، مستبعدا الديمقراطية، من كل المسؤوليات في التنظيمات التي يحتكر تمثيليتها.

الغياب عن إنجاز المهام، إخلال من المتفرغ بالوظيفة الجديدة.

ومعلوم أن الدولة وعندما يتغيب موظف معين، يعمل في إداراتها، تستفسر عن تغيبه، ثم توجه له إنذارا، ثم تتخذ في حقه قرار الفصل. والمتفرغون يعرفون ذلك. والمنظمات الجماهيرية، عندما يتغيب العامل عنها، بعد تفرغه من العمل مع جهاز من |أجهزة الدولة، فإنها لا تسأل عنه، خاصة إذا كان هو المسؤول الأول عن التنظيم الجماهيري، ليصير هو المقرر، والمنفذ، باعتباره هو  الجهاز التقريري، وهو الجهاز التنفيذي، وهو القيادة، وهو القاعدة، ولا أحد يحاسبه عن انصرافه إلى البحث عن عمل مدر للدخل، الذي يضاف إلى دخله من عمله السابق، الذي تحول إلى ريع مخزني، يتوصل به المتفرغ دون وجه حق.

ومعلوم أن من بين عوامل التبقرط، التي عمل الشهيد عمر بنجلون على محاربتها في التنظيمات الجماهيرية، وجود المتفرغين في تلك التنظيمات؛ لأن المتفرغ الذي يصير متحكما في التنظيم، وموظفا له في خدمة مصالحه الخاصة، هو مجرد موظف في التنظيم الجماهيري، وليس مناضلا مضحيا بأمواله، وبوقته، وبصحته، من أجل التنظيم، ومن أجل تحقيق أهدافه، ولصالح المستهدفين بالتنظيم.

والمتفرغ عندما لا ينجز عمله، فإنه لا يستحق الأجرة، وعلى التنظيم الجماهيري بما فيه المنخرطون أنفسهم، وجميع المستهدفين، أن يقبلوا على وضع حد للريع المخزني، الذي يتلقاه المتفرغ بدون وجه حق، ويتعاملوا معه على أنه يهضم حقوقهم الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، بسبب عدم قيامه بواجبه في إطار التنظيم الجماهيري.

ومعلوم أن الدولة المخزنية الفاسدة، لا يمكن أن تقدم الريع إلا للفاسدين، والفاسدون لا يكونون إلا في خدمة الفساد، وخدمة الفساد لا تصدر إلا عن الفاسدين. والتنظيم الذي يقبل بالريعيين الفاسدين في صفوفه، هو تنظيم جماهيري فاسد أصلا؛ لأن الفساد، لا ينتج إلا الفساد.

وكيفما كان الأمر، فإن إنجاز المهام التي تفرغ من أجلها المتفرغ، هو ممارسة لوظيفة مؤدى عنها في التنظيم الجماهيري، ومن أموال الشعب، ولصالح المستهدفين به. أما عدم إنجاز المهام في الإطار الجماهيري، لصالح المستهدفين، فإنه يعتبر إخلالا بتلك المهام. والإخلال يستلزم المحاسبة، والنقد، وتقديم النقد الذاتي، واتخاذ الإجراءات الضرورية، التي تقتضي الإلزام، والتأديب، حتى يصير المتفرغ إما ملتزما بالقيام بالأعمال التي تفرغ من أجلها، أو يذهب إلى حال سبيله، بإلزام من التنظيم الذي يتخذ الإجراءات الضرورية، للحسم في أمر المتفرغ، الذي تحول إلى موظف شبح لدى الإطار الجماهيري.

الجهة المعنية بالمتفرغين:

فمن هي الجهة المعنية بمراقبة المتفرغ؟

هل هو التنظيم الذي سعى إلى الحصول على متفرغ، أو على مجموعة من المتفرغين؟

هل هو أجهزة الدولة، التي تراقب موظفيها أينما كانوا يعملون؟

هل هو المنخرطون في التنظيم الجماهيري، الذين يعنيهم النهوض بالتنظيم، كما يعنيهم قيام المتفرغ بدوره في أفق ذلك؟

هل هم المستهدفون بالتنظيم، الذي يعتبر دور المتفرغ أساسيا، في قيام التنظيم الجماهيري، بدوره، لصالحهم؟

في البداية، لا بد أن نشير، مرة أخرى، إلى ضرورة الفصل بين المسؤولية في التنظيم الجماهيري، وبين وظيفة المتفرغ، حتى لا يقع الخلط بين المسؤولية، وبين الوظيفة، وحتى لا يعتقد الناس أن الممارس للوظيفة، في إطار التنظيم الجماهيري، مناضل يمارس قناعته، ويضحي من اجل ترسيخها عن طريق التنظيم، كما قد يتبادر إلى الذهن، مع أنه ليس إلا موظفا متفرغا، لخدمة مصالح التنظيم الجماهيري، ولخدمة مصالح المستهدفين به.

فالفصل بين الوظيفة، والمسؤولية، يبعد عن الشبهات، ويجعل الوضوح حاضرا في أذهان المنتمين إلى التنظيم الجماهيري، كما هو حاصل في الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، وفي فيدرالية الرابطة الديمقراطية لحقوق المرأة، ليبقى المسؤول مسؤولا عن سير التنظيم الجماهيري، وليبقى الموظف، أو المستخدم في التنظيم الجماهيري موظفا، أو مستخدما، وليصير، بسبب ذلك، الموظف، أو المستخدم، يعمل تحت إشراف المسؤول.

أما إذا وقع الجمع بين التفرغ، والمسؤولية، فإن الأمر يختلط في أذهان المنتمين إلى التنظيم الجماهيري، وفي أذهان المستهدفين، وفي أذهان الجماهير الشعبية الكادحة. وبالتالي، فإن مراقبة الموظف، أو المستخدم بوظيفته، أو بخدمته، تصير غير ممكنة؛ لأن المسؤول هو الموظف، أو هو المستخدم. وقيامه بوظيفته، ترجع إليه، ولا علاقة لها إلا بضميره.

وفي حالة قيامه بوظيفته، أو بخدمته، انطلاقا من حضور الضمير عنده، وفي نفس الوقت، يمارس مسؤوليته، فإن الأمر يختلط على أعضاء التنظيم الجماهيري، كما يختلط على المستهدفين به، وعلى الجماهير الشعبية.

فمتى يقوم المتفرغ بوظيفته، أو بخدمته؟

ومتى يتحول إلى مسؤول؟

وهل المسؤول فيه يراقب الموظف، أو المستخدم فيه؟

أما إذا استحلى كونه مسؤولا، ولم يعد يقوم بوظيفته، أو بخدمته، فإنه يتحول إلى مستبد بالتنظيم، وينفي من يوميته شيئا اسمه المبادئ، وخاصة مبدأ الديمقراطية، ليتحول التنظيم إلى تنظيم بيروقراطي، يصير في خدمة المسؤول / المتفرغ / الموظف / المستخدم، الذي لا يستحضر في ذهنه، وفي ممارسته، إلا خدمة مصالحه الخاصة، التي تؤدي إلى تحقيق تطلعاته الطبقية، التي لا علاقة لها لا بالعمال، ولا بالأجراء، ولا بسائر الكادحين.

ولذلك، فالجهة المعنية بمراقبة المتفرغين، لخدمة مصالح التنظيمات الجماهيرية:

أولا: التنظيمات الجماهيرية نفسها، إذا تم الفصل فيها بين المسؤولية، وبين الوظيفة، أو الخدمة. أما إذا لم يتم الفصل، فإن المراقبة ترجع إلى ضمير المتفرغ، الذي قد يكون حاضرا في ممارسته، وقد يكون منعدما.

ثانيا: القيادة الوطنية للتنظيم الجماهيري، التي عليها أن تكون لجنة وطنية، لتتبع، ومراقبة عمل المتفرغين على المستوى الوطني. فإذا كان هناك متفرغ لا ينجز مهامه، يتم التخلي عنه، ليعوض بمتفرغ آخر، حتى وإن كان مسؤولا في التنظيم.

ثالثا: الدولة، التي عليها أن تراقب عمل المتفرغين، الذين تؤدي أجورهم، حتى تتعرف على:

من يستحق أجرته؟

ومن لا يستحقها؟

ومن أجل إيقاف الانتهازيين عند حدهم، مهما كان لونهم.

رابعا: المنخرطون في التنظيم، الذين يتم التفرغ باسمهم، والذين يعلمون جميعا، وبدون استثناء أن المتفرغ في التنظيم الجماهيري، لا ينجز مهامه، ولا يفكرون في إلزامه، بإنجاز مهامه، ولا يحاسبون أجهزة التنظيم الجماهيري: المحلية، والإقليمية، والجهوية، والوطنية، على كون المتفرغ لا ينجز مهامه، ولا يرفعون شكاوى إلى الجهات المسؤولة عن ذلك، من أجل تدخل كل الجهات، لإلزامه بإنجاز مهامه، أو سحب التفرغ منه لصالح شخص آخر.

الإخلال بالمهام وضرورة الإجراءات التأديبية:

والتنظيمات الجماهيرية التي تنتزع التفرغ لمسؤوليها، أو لبعض منخرطيها، لينصرفوا إلى خدمة مصالحهم الخاصة، بعيدا عن إنجاز مهام التنظيم، التي تفرغوا من أجلها، كمن يغير وظيفته من عمل إلى آخر مختلف، مؤدى عنه، وليس تطوعيا؛ فإن ذلك معناه: أنها انتزعت التفرغ لأناس تقمصوا النضال الجماهيري، من أجل الحصول على التفرغ المؤدي إلى الاستفادة من الريع المخزني. وهو ما يعني، في عمق الأشياء، أن ادعاء النضال من أجل تحقيق غاية انتهازية، في التفرغ المؤدى عنه، والانصراف إلى خدمة المصالح الخاصة، أو القيام بأي عمل مؤدى عنه، لتحقيق التطلعات الطبقية، ينفي عن المتفرغ كونه يناضل من أجل الجماهير الشعبية الكادحة، وطليعتها الطبقة العاملة.

ولذلك، فإن أي تنظيم جماهيري، استحق أن يكون له متفرغون، عليه أن ينظم مسابقة بين الراغبين في التفرغ، من بين أعضاء التنظيم، وأن يبحث في الملفات بحثا علميا دقيقا، تسعى إلى أن تكون واضحة مع الأعضاء، وصولا على فرز: من هو الأجدر بالتفرغ، ومن هو غير الأجدر، حتى وإن كان يدعي أنه أكثر إخلاصا للتنظيم، حتى لا يسقط أمام:

أولا: متفرغ مسؤول، يتنصل من المهام التي تفرغ من أجلها، لينصرف إلى شؤونه الخاصة، أو إلى القيام بأعمال مدرة للدخل، برفع مستواه المادي، من أجل أن يصير من ذوي الدخل المرتفع، حتى يحسب إلى جانب أصحاب رؤوس الأموال الكبيرة، أو أصحاب العقارات، والإقطاعيات التقليدية، أو العصرية.

ثانيا: متفرغ ينصرف إلى البحث عن عمل آخر مدر للدخل، وأمام أعين مسؤولي التنظيم الجماهيري، وكيفما كان هذا العمل؛ لأن ما يهم المتفرغ، ليس هو كرامته، وكرامة من تفرغ من أجل تقديم الخدمات لهم، مقابل ما يتلقاه من أجر، بل هو تنمية ثرواته، عن طريق القيام بأي عمل كان، وعن طريق استغلال جميع العلاقات، التي تتحول، في معظمها، إلى علاقات مشبوهة، وممارسة الابتزاز باسم التنظيم، على المستهدفين، وعلى الإدارة في القطاعين: العام، والخاص.

ثالثا: متفرغ لا يهتم بتقوية التنظيم الجماهيري، وتوسيعه على المستوى المحلي، بقدر ما يحرص على التواجد في ممارسة الابتزاز على المستهدفين، ومن أجل أن تتسع دائرة ممارسة الابتزاز على الإدارة في القطاعين: العام، والخاص، وعلى جميع المستويات المحلية، والإقليمية، والجهوية، والوطنية، إن كان التنظيم يشمل جميع هذه المستويات، حتى تتضاعف استفادته.

وهذا السقوط، يقتضي من المناضلين الصادقين، في مختلف التنظيمات الجماهيرية، وخاصة منهم، من يتحمل المسؤولية في قيادة التنظيم، والعمل على:

أولا: اتخاذ الإجراءات التأديبية في حق المتفرغ المخل بمهام وظيفته الجديدة، في التنظيم الجماهيري، حتى يتم الحسم مع جميع الممارسات، التي يقوم بها، بعد حصوله على التفرغ، لا باعتباره مناضلا، بل باعتباره موظفا لدى التنظيم الجماهيري، لا ينجز المهام الموكولة إليه.

ثانيا: قيام قيادة التنظيم المناضلة، بإبلاغ الجهات المانحة للتفرغ، بأن التنظيم الجماهيري، يستغني عن المتفرغ، باعتباره لا يقوم بالمهام الموكولة إليه، ومطالبتها بسحب التفرغ الممنوح له، حتى يعود إلى ممارسة عمله.

ثالثا: تنظيم مسابقة بين الراغبين في التفرغ، لخدمة مصالح المستهدفين بالتنظيم الجماهيري، من أجل فرز الأحق بالتفرغ، ممن لا ينتهزون الفرص، من أجل خدمة مصالحهم الخاصة.

ونظرا لأن التنظيمات، لا تقوم بالإجراءات التنظيمية / التأديبية، في حق المتفرغين، الذين يتحولون إلى موظفين أشباح، ونظرا لأن الجهات المانحة للتفرغ، لا تراقب التزام المتفرغين بالعمل الذي تفرغوا من أجله، فإن المتفرغين، الذين لا ضمير لهم، سيستمرون في ممارستهم الانتهازية، التي لا علاقة لها باحترام المهام، التي تفرغوا من أجلها، إلى حين مجيء جيل جديد من المناضلين، الذين يرفضون ظاهرة المتفرغين الأشباح، ومن أجل أن لا يتحول التفرغ إلى مرض عضال، من أجل أن يصير كل متفرغ مسؤولا أمام التنظيم، وأمام الجهة المانحة للتفرغ. وإلا، فإن التنظيم الجماهيري، سيصير عبارة عن قيادة بيروقراطية، يحيط بها جيش من العملاء، الذين يتحولون إلى متفرغين أشباح، لا يهتمون إلا بإحكام قبضتهم على التنظيم، في مستوياته المختلفة، حتى يتم توظيفه لخدمة المصالح الخاصة للجهاز البيروقراطي، ولعملائه من المتفرغين، ومن أجل استغلاله في ممارسة الابتزاز على المستهدفين، وعلى الإدارة في القطاعين: العام، والخاص، ليتحول التنظيم الجماهيري إلى تنظيم للعصابات، التي تمارس النهب باسم التنظيم الجماهيري، وباسم النضال الذي لم يعد واردا.

عوامل وضع حد للريع المخزني، وإعادة تربية العاملين في التنظيمات الجماهيرية:

إن مشكلتنا القائمة الآن، في التنظيمات الجماهيرية، أن كل من يتحمل المسؤولية في هذه التنظيمات، صار يحلم بالتمتع، بأي شكل من أشكال الريع، بحكم علاقته بالإدارة المخزنية، التي تفتح له آفاق تحقيق مختلف التطلعات الطبقية، التي لا علاقة لها بطموحات الجماهير الشعبية الكادحة، كما لا علاقة له بطموحات العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين .

والحلم بالتمتع بالريع المخزني، وخاصة عن طريق التفرغ، باسم التنظيمات الجماهيرية، صار مرضا عضالا، بالنسبة للمسؤولين في التنظيمات الجماهيرية المختلفة، التي يمكن تسميتها بتنظيمات الريع المخزني، لجنوح معظم مسؤوليها، إلى القبول بالتمتع بالريع المخزني.

أما الوفاء إلى مبدئية التنظيمات الجماهيرية، وإلى مبادئها، وإلى الإخلاص في خدمة المستهدفين بالتنظيم الجماهيري، فقد أصبح من آخر ما يمكن التفكير فيه، وممارسته من قبل مسؤولي التنظيم الجماهيري، ومن المتفرغين منهم بالخصوص.

ولوضع حد للريع المخزني، فإن على المسؤولين عن التنظيمات الجماهيرية، الأوفياء لمبدئية، ولمبادئ التنظيم الجماهيري المبدئي، نرى:

أولا: ضرورة التدقيق في الملفات المعروض أصحابها على التنظيم، من أجل التفرغ، حتى لا يسقط التنظيم الجماهيري في اختيار الانتهازيين، الذين يظهرون خلاف ما يضمرون. ولقطع الطريق أمام إمكانية تفشي الانتهازية، في تقمص النضال الجماهيري من أجل التفرغ.

ثانيا: تشكيل لجنة، تكون مهمتها مراقبة، وتتبع ممارسة المتفرغين، على المستوى الوطني، والمستوى المحلي، والإقليمي، والجهوي، شريطة أن لا يكون من بين أعضائها مسؤول متفرغ، وأن يكون أعضاؤها أوفياء للتنظيم المبدئي، ولمبادئ التنظيم، وللشعب المغربي، وللمستهدفين بالتنظيم الجماهيري.

ثالثا: أن يعمل التنظيم الجماهيري على اتخاذ الإجراءات الضرورية، التي تقتضيها مضامين التقارير المرفوعة إليه، من قبل لجان المراقبة، في مستوياتها المختلفة.

رابعا: إخضاع المتفرغين إلى المساءلة، والمحاسبة، أمام التنظيم، وأمام القانون، إذا اقتضى الحال، لإهداره أموال الشعب التي توصل بها كأجر، عن عمل لم يقم به، وباسم التنظيم، وأن تعتبر المدة التي تفرغ فيها، واشتغل بعمل آخر مدر للدخل، تغيبا غير قانوني عن العمل.

خامسا: قيام التنظيم الجماهيري، بإعلان الاستغناء عن متفرغ معين، بناء على التقارير التي تثبت أنه لا ينجز المهام الموكولة إليه، وأنه يسيء إلى سمعة التنظيم الجماهيري، حتى يحسب عليه ما يقوم به المتفرغ، وحتى لا يعتقد المستهدفون أن المتفرغ، لا زال يعمل باسم التنظيم الجماهيري المبدئي، وحتى لا يعتبر هذا التنظيم المناضل، قائما على الريع المخزني.

 وفيما يخص إعادة تربية العاملين في التنظيمات الجماهيرية، نجد أنه، من الضروري أن يكون لأي تنظيم جماهيري، نظام أساسي، ونظام داخلي، والنظام الداخلي لا بد أن يحدد السمات العامة، التي ينجزها المناضل الجماهيري على أرض الواقع، والجزاءات التي تترتب عن الإخلال بتلك السمات، وغير ذلك، مما له علاقة بالعمل الجماهيري، وبالمحافظة على التنظيم الجماهيري، وتقويته، وتغلغله في صفوف الجماهير الشعبية الكادحة، ومساهمته في تحقيق طموحاتها القريبة، والمتوسطة على الأقل، وعقد ورشات تكوينية دورية، إلى جانب الدورات التنظيمية، التي يعقدها التنظيم حول مضامين النظامين: الأساسي، والداخلي، وحول البرنامج الجماهيري للتنظيم الجماهيري، على مستوى البناء، وعلى مستوى الأجرأة، وعلى مستوى التحيين، حتى يصير أعضاء التنظيم الجماهيري، على بينة من السمات العامة، والمشتركة للتنظيم الجماهيري، ومن الجزاءات، ومن البرامج، وكيفية أجرأتها، وتحيينها… إلخ.

وبالإضافة إنجاز ورشات أخرى لصالح الأعضاء، لرفع مستواهم النظري، والعملي، في أفق أن يقوم الأعضاء بدورهم الكامل، في تغيير منظومة القيم، في صفوف الجماهير الشعبية الكادحة، وبالتالي، فإن أي عضو في التنظيم، تفرغ لصالح التنظيم، ولخدمة مصالح الجماهير الشعبية الكادحة، سيكون رهن إشارة التنظيم، ورهن إشارة الجماهير الشعبية الكادحة، ورهن إشارة الواجب، مهما كان تحمله صعبا.

وتفعيل عوامل وضع حد للريع المخزني، بموازاة مع تفعيل الدورات التكوينية، لصالح الأجهزة، ولصالح المنخرطين، لا بد أن يؤدي إلى إيجاد تنظيمات جماهيرية نوعية، تقوم بدورها كاملا، لصالح الجماهير، ومع الجماهير، في أفق أن تكتسب الجماهير منظومة القيم النبيلة، التي ترفع مستوى عملها، من أجل تحسين أوضاعها المادية، والمعنوية، والفكرية، والحقوقية، وغير ذلك، حتى تنخرط، ومن الباب الواسع، في إنتاج التقدم، والتطور.

سبل تخلص التنظيمات الجماهيرية من الانتهازية:

والتنظيمات الجماهيرية، لا يمكن أن تقوم بدورها كاملا، ما لم تتخلص من الممارسة الانتهازية، التي تفسدها، وتفسد ممارسة مناضليها، وتفسد علاقتها، وعلاقة مناضليها بالمستهدفين، وبالجماهير الشعبية.

ذلك أن عادة سيئة ترسخت في العديد من التنظيمات الجماهيرية، مما حولها إلى مجرد مجال لتصريف الانتهازية، وتفريخها على المدى القريب، والمتوسط، حتى يضمن المنتهزون الفرص، للاستفادة على المدى البعيد.

فالانتهازيون يظهرون إخلاصهم للتنظيم، وحرصهم عليه، وهم يتفوقون فيما يبدونه، وفيما يدعون، على الأوفياء من مناضلي التنظيمات الجماهيرية، إلى هذه التنظيمات، وإلى المستهدفين بها، وإلى الجماهير الشعبية الكادحة. وعندما يتمكنون، يتنكرون إلى كل ما كانوا يدعون، وإلى ما كانوا يبدونه من إخلاص للتنظيم، وإلى المستهدفين، وإلى الجماهير الشعبية الكادحة، لينصرفوا إلى استغلال التنظيم الجماهيري، فيما يخدم مصالحهم الخاصة، كما يوظفون أي تنظيم آخر، كيفما كان؛ لأن الانتهازي المصرف للانتهازية في التنظيمات الجماهيرية، يعتبر تحمله لمسؤولية تنظيم جماهيري معين، أو لمجموعة من التنظيمات الجماهيرية، وغير الجماهيرية، عملة صعبة، ترفع مكانته في المجتمع، مما يسهل عليه تصريف انتهازيته في المجتمع، وفيما بين المستهدفين، وعلى الإدارة في القطاعين: العام، والخاص، والانصراف إلى البحث عن عمل، أو عن مجموعة من الأعمال المدرة للدخل.

وسبل التخلص من الممارسة الانتهازية، تتمثل في:

أولا: الحرص على مبدئية التنظيم، حتى يلتزم بخدمة مصالح المستهدفين، ومصالح الجماهير الشعبية الكادحة، ومصالح التنظيم نفسه، وحتى لا ينساق وراء خدمة مصالح الجهاز، أو الأجهزة البيروقراطية، أو خدمة مصالح القائد، الذي يلجأ إلى توظيف التنظيم، في خدمة مصالحه الخاصة، عن طريق ممارسة الابتزاز على المستهدفين، والمنخرطين، وعلى الجماهير الشعبية، وعلى الإدارة في القطاعين: العام، والخاص.

ثانيا: الحرص على احترام المبادئ المعتمدة في التنظيم، وعدم التسامح مع من لا يحترمها، حتى تتم المحافظة على هوية التنظيم الجماهيري، المتجسدة في احترام تلك المبادئ، وخاصة إذا كانت هي الديمقراطية، والتقدمية، والجماهيرية، والاستقلالية، والوحدوية، والكونية، والشمولية، التي تعمل بعضها، أو كلها، على تحصين التنظيمات الجماهيرية.

ثالثا: الحرص على تفعيل ما يعتمد من المبادئ المشار إليها في التنظيم الجماهيري، لضمان استمرارها في الحياة، ولوقوفها وراء تفعيل التنظيم الجماهيري، حتى يصير دوره واردا في الحياة العامة، وفي صفوف المستهدفين، وباقي الجماهير الشعبية، من أجل خلخلة منظومة القيم القائمة، التي تحل محلها قيم بديلة، تؤثر في مسلكية الأفراد، والجماعات.

رابعا: الحرص على تفعيل مبدإ النقد، والنقد الذاتي، حتى يصير ذلك وسيلة لتقويم الممارسة الفردية، والجماعية، ومن أجل أن تكون الممارسة القويمة، في خدمة المستهدفين بالتنظيم الجماهيري، وفي خدمة الجماهير الشعبية الكادحة، بالخصوص.

خامسا: الحرص على تفعيل مبدأ المحاسبة الفردية، والجماعية، لإعطاء الجانب الإيجابي في تتبع، ومواكبة تنفيذ القرارات، التي يتخذها التنظيم، وما مدى نجاعة التفعيل في صفوف المستهدفين، وفي صفوف الجماهير الشعبية الكادحة، وإلى أي حد تقوم الأجهزة المختلفة بدورها الإيجابي، على مستوى التقرير، والتنفيذ.

سادسا: عقد دورات تكوينية لاستهداف تربية القدرات، والكفاءات، على مستوى ضبط التنظيم، وعلى مستوى الأداة، وعلى مستوى استثمار النتائج، لصالح التنظيم، ولصالح المستهدفين، ولصالح الجماهير الشعبية الكادحة.

وهذه السبل، في حالة اتباعها من قبل الجماهير الشعبية الكادحة، لا بد أن تتحول إلى وسيلة لاستئصال الانتهازية من التنظيم الجماهيري، أي تنظيم مبدئي، ومبادئي، يعد نفسه لخدمة مصالح الجماهير الشعبية الكادحة. وإلا، فإن التنظيمات الجماهيرية، حتى وإن كانت تدعي المبدئية، لا بد أن تكون مجالا لتفشي الانتهازية، وفي خدمة الانتهازيين الذين يصلون إلى مسؤولياتها، وإلى أجهزتها المختلفة، التي يوظفونها لتكريس الممارسة البيروقراطية، التي صارت تطبع معظم التنظيمات الجماهيرية، التي صارت لا تستهدف إلا نخبها الانتهازية، لتخلق بذلك مسافة واسعة، بينها، وبين الجماهير الشعبية الكادحة، التي سحبت ثقتها من جميع التنظيمات، مهما كانت هويتها، إلى درجة صعوبة استعادة تلك الثقة، إلا بإعادة الاعتبار للتنظيمات الجماهيرية، على مستوى مختلف السبل، التي أتينا على ذكرها.

ويبقى أن نشير، إلى أن التمسك بالدورات التنظيمية، يعتبر من العوامل الأساسية، إلى جانب ما ذكرنا، التي تساعد بشكل كبير، على تخليص التنظيم من الانتهازيين، الذين يسيؤون إليه، على المدى القريب، والمتوسط، والبعيد، كما يسيؤون إلى الجماهير الشعبية الكادحة.

والتنظيمات الجماهيرية، التي تصير متخلصة من الممارسة الانتهازية، ومن الانتهازيين، لا بد أن تتحول إلى:

أولا: تنظيمات جماهيرية ديمقراطية، تحرص على احترام الديمقراطية الداخلية، التي تصير في خدمة التنظيم الديمقراطي، ولا شيء غير التنظيم الديمقراطي، كما تحرص على دمقرطة الحياة الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية.

ثانيا: تنظيمات جماهيرية تقدمية، تحرص على أن لا تقف برامجها وراء تقدم الجماهير الشعبية الكادحة، وتطورها في المجالات الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، حتى ترقى إلى مستوى ما عليه الجماهير في الدول المتطورة والمتقدمة.

ثالثا: تنظيمات جماهيرية متغلغلة في صفوف الجماهير الشعبية الكادحة، ومستقطبة لها، ومستجيبة لمطالبها المختلفة، وساعية إلى حضورها في خضم النضالات التي تخوضها التنظيمات الجماهيرية، من أجل فرض الاستجابة لمطالب الجماهير الشعبية، التي تناضل من أجل تحقيقها مختلف التنظيمات الجماهيرية.

رابعا: تنظيمات جماهيرية تمارس استقلاليتها، عن كل أجهزة الدولة، وعن الجماعات، وعن الأحزاب السياسية، بهدف الابتعاد عن الإملاءات، والتوجهات، وغير ذلك، مما يتنافى مع العمل المستقل للتنظيمات الجماهيرية.

خامسا: تنظيمات جماهيرية، تحترم العمل الوحدوي، فيما بين التنظيمات الجماهيرية المناضلة، وتقدره من أجل تحقيق نفس المطالب، ونفس الأهداف المشتركة، مما يجعل العمل الجماهيري يعرف دفعة قوية.

سادسا: تنظيمات جماهيرية، تحترم الكونية، والشمولية، وتناضل من أجل ترسيخ مفهوم الإنسان، وكونيته، وشموليته، من خلال صياغة البرنامج النضالي، وتحديد الأهداف، واستشراف الغايات، في أفق تحقيق مجتمع الرفاه، الذي يصير فيه أي إنسان، بكافة الحقوق الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية.

سابعا: إعداد أطر التنظيمات الجماهيرية المناضلة، على أساس تقبل النقد، والنقد الذاتي، الذي يعتبر مقوما أساسيا للمسلكية الفردية، والجماعية، من خلال إعادة النظر في كل ما يسيء إلى التنظيم الجماهيري، وإلى المنتمين إليه، وإلى المستهدفين به، وإلى الجماهير الشعبية الكادحة.

ثامنا: إعداد مختلف أجهزة التنظيمات الجماهيرية المناضلة، على تقبل المحاسبة الفردية، والجماعية، باعتبارها وسيلة للتعرف على ما تنجزه الأجهزة، وما لا تنجزه، على المستوى القريب، والمتوسط، والبعيد، لتحقيق الأهداف المسطرة.

وماذا استفادت التنظيمات بإنجاز فقرات معينة من البرامج؟

وماذا خسرت بعدم إنجاز فقرات أخرى؟

وما العمل من أجل أن تقوم الأجهزة بدورها كاملا؟

وهكذا، يتبين أنه من الضروري الحرص على تخليص التنظيمات الجماهيرية من الممارسة الانتهازية، ومن الانتهازيين، حتى تعرف تحولا في الاتجاه الإيجابي، وتساهم بشكل كبير في تحقيق طموحات الجماهير الشعبية الكادحة، من خلال تحقيق طموحات المستهدفين، وتبتعد، وبصفة نهائية، عن التوظيف الانتهازي لصالح الانتهازيين، الذين يسعون إلى تحقيق تطلعاتهم الطبقية، وصولا إلى صيرورة التنظيمات الجماهيرية المناضلة، من أجل الجماهير، ومع الجماهير، وبالجماهير، حتى تقف وراء تقدمها، وتطورها.

خلاصة عامة:

وما يمكن أن نخلص إليه، أن علاقة الريع التنظيمي بالفساد التنظيمي، وبإفساد العلاقة مع المستهدفين، هي علاقة عضوية، وجدلية؛ لأن الريع التنظيمي، يستلزم وجود الفساد التنظيمي، الذي يستلزم بدوره تمكن الفاسدين من توظيف التنظيم، من أجل الحصول على الريع التنظيمي، الذي يعرف طريقه إلى جيوبهم، بدون منازع، ولأنه بقدر ما يتفاعل الريع التنظيمي، مع الفساد التنظيمي، بقدر ما يتحول التنظيم إلى واجهة لتكريس فساد العمل الجماهيري، الذي يصير أبعد ما يكون عن النضال، وعن المستهدفين، وعن الجماهير الشعبية، ليصير خالصا لانتهازيي الأجهزة.

وحتى نتجاوز وضعية إفساد الريع التنظيمي لمختلف التنظيمات الجماهيرية، حاولنا أن نقف على مفهوم الريع، وماذا يعني تقديم الريع إلى التنظيمات الجماهيرية، كما وقفنا على الأهداف التي تتحقق من وراء تقديم الريع، وإمكانية تعميمه على جميع التنظيمات الجماهيرية، أو عدم تعميمه، ووقفنا كذلك على الشروط التي يصير فيها المتفرغ متمتعا بالريع، والموقف الذي يجب اتخاذه من المتفرغ، الذي لا ينجز المهام الجماهيرية، التي تفرغ من أجلها، وضرورة اعتبار المتفرغين الذين لا ينجزون المهام الجماهيرية، يعيشون على الريع، وكون المتفرغ  لا يتواجد في أوقات العمل، في مقر التنظيم الجماهيري، كما هو الشأن بالنسبة للمتفرغات، اللواتي لا يتواجدن في مقار التنظيمات النسائية، ولا ينجزن المهام الموكولة إليهن، وسواء كان المتفرغ غير ملتزم بالقيام بعمله لصالح الجماهير، أو المتفرغة غير ملتزمة بالقيام بعملها، فإنهما معا يعيشان على الريع المخزني، الذي يؤخذ من أموال الشعب المغربي.

ومعلوم أن كل من يتلقى الريع المخزني، لا بد أن يقدم البديل إلى الدولة المخزنية، التي لا تقدم الأموال، بدون أن تتلقى خدمات. ومعلوم، كذلك، أن كل من يتلقى الريع المخزني، لا يمكن أن يكون إلا عميلا للدولة المخزنية، كما أن متلقي الريع، وكيفما كان، ومن أي مستوى، لا يمكن أن يكون مناضلا سياسيا، أو جماهيريا، خاصة، وأن التناقض قائم بين مفهوم النضال، ومفهوم العمالة المخزنية، التي تعتبر دولتها فاسدة، ووجود العمالة في حد ذاته، دليل على الفساد، والذين ينجزون المهام التي تفرغوا من أجلها، إنما يقومون بوظيفة مؤدى عنها، وعدم إنجاز المهام، إخلال بالوظيفة، ليتحول ما يتلقاه المتفرغ إلى ريع.

والمصيبة تعظم، إذا التحق المتفرغ بإحدى المؤسسات الخاصة، للقيام بعمل مؤدى عنه، خلال الأوقات التي يجب أن يتواجد فيها، في خدمة المستهدفين بعمل المنظمة الجماهيرية؛ لأن المتفرغ الانتهازي، لا يهمه إلا تحقيق تطلعاته الطبقية.

ولذلك كان من المفروض، أن يخضع المتفرغون لمراقبة الجهاز الجماهيري، ولمراقبة الجهات التي مكنتهم من التفرغ، للتأكد من التزامهم بإنجاز المهام، التي تفرغوا أو تفرغن من أجلها، وإلا سحب منهم، ومنهن التفرغ. وقد كان المفروض أن تقوم التنظيمات الجماهيرية، بتتبع ممارسة متفرغيها محليا، وإقليميا، وجهويا، وتراقبهم، كما يجب أن يخضعوا لأجهزة مراقبة الدولة، باعتبارها هي المؤدية لأجورهم، واتخاذ الإجراءات التأديبية، الضرورية، في حق المخالفين، أو الممتنعين عن القيام بالمهام، التي تقتضيها خدمة مصالح المستهدفين بالتنظيمات الجماهيرية، حتى لا تتحول التنظيمات إلى مجرد كتلة متراصة من القيادة، ومن عملائها المبثوثين، تعيينا، في مختلف الجهات، والأقاليم، والفروع. مع العلم أن تخليص التنظيمات الجماهيرية، من العملاء، والانتهازيين، تقتضي تفعيل المبدئية، والمبادئ الخاصة، والعامة، التي تعتمد عادة في التنظيمات الجماهيرية، وصولا إلى تحويلها إلى تنظيمات متفاعلة مع الواقع، وفاعلة فيه، ومخلصة في خدمة الجماهير الشعبية الكادحة، وطليعتها الطبقة العاملة.

فهل نستطيع القضاء على الريع المخزني، الذي صار متفشيا في صفوف التنظيمات الجماهيرية؟

وهل تستطيع التنظيمات الجماهيرية، أن تقوم بدورها، بدون وجود ظاهرة الريع المخزني، لصالح المستهدفين، ولصالح الجماهير الشعبية الكادحة؟

إننا ونحن نعالج موضوع علاقة الريع التنظيمي، بالفساد التنظيمي، وبإفساد العلاقة مع المستهدفين، ومع الجماهير الشعبية الكادحة، لا نسعى إلى الإساءة، لأي كان، ومهما كان، بقدر ما نرصد الظاهرة، ونعمل على تشريحها، سعيا إلى فضحها، وتعريتها في صفوف التنظيمات الجماهيرية، وفي صفوف المستهدفين، وفي صفوف الجماهير الشعبية الكادحة، من أجل امتلاك الوعي بخطورة الريع المخزني على التنظيمات الجماهيرية، والوعي بخطورة التفرغ، الذي يتحول إلى ريع مخزني، على التنظيمات المذكورة، وابتداع آليات لمحاربة ذلك الريع، حتى لا يؤثر سلبا على أداء التنظيمات الجماهيرية، التي تتحول بمحاربة الريع فيها، وبمحاربة العملاء الانتهازيين، الذين يتمكنون من مختلف القيادات، والذين لا يرعون إلا مصالحهم الخاصة، تصير التنظيمات مخلصة للجماهير، وعاملة من أجل الجماهير، حتى تتحقق الأهداف المرسومة، وحتى تعرف الجماهير تحسين أوضاعها المادية، والمعنوية.

 

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.