حديث الثلاثاء ” 13 ” … في بعض جزئيّات ”خطاب” الحرب على سّوريّة : حقائقُ متفرّقة في إطارِ المشهد الغامض و قراءات الحماسة !/ د. بهجت سليمان

  نتيجة بحث الصور عن بهجت سليمان

د . بهجت سليمان* ( سورية ) الثلاثاء 11/9/2018 م …

*السفير السوري السابق في الأردن …




1▪ يتساءل بعض الباحثين والكتاب :

• لماذا لا تقوم روسيا بردع ومنع اسرائيل من مهاجمتنا وقصف العمق السوري ؟! و

• لماذا لم ترسل ايران قوات ضخمة من الحرس الثوري الى سورية لمنع انهيارات العام 2014 و 2015 ؟! و

• لماذا لا تردع ايران بعض الانفصاليين الاكراد عبر حلفائها من بعض القادة المحسوبين عليها ؟! و

• لماذا تقوم بين تركيا وإيران ، علاقات ممتازة اقتصاديا وسياسيا ، ويختلفان على الأرض السورية ؟! و

• لماذا تدافع روسيا عن سورية ، وبقوة ، في مجلس الأمن وتقف في وجه أي اعتداء امريكي بل وتساعدنا في التصدي بحزم ، بخلاف موقفها تجاه الاعتداءات الأسرائيلية ؟!

و تعقيباً على ذلك ، واستطراداً لما يُفترضُ أنّه واضح للجميع .. فلا بد لنا من القول بأن هذه التساؤلات مشروعة بالنسبة لعشرات ملايين البشر العاديين ..

ولكن الواجب يقتضي من البحاثة المختصين تفكيك هذه التساؤلات ، وقراءة ما وراء السطور ، والغوص في خلفيات وأسباب العوامل التي ادت أو لم تؤد إلى ذلك .. وليس الاكتفاء بتردادها ، بل مقاربتها وتفنيدها بعقل بارد..

كما إنّ الحقيقة الأولى هي ، أنّ العالمَ ليسَ رهنَ متطلّبات الحاجة السّريعة إلى الرّأي القاطع المانع في السّياسة و ظروفها ، و بخاصّة عندما يكون الظّرف متعلّقاً بهذه الحرب ، الحرب على سّوريّة ، غير المسبوقة في تاريخ حضارة هذه الخليقة منذ أوّل يوم يمكن أن يكون مقدّراً له أن يُعتبر بدايةً لتاريخ هذا العالم .

2▪ لم تقم هذه الحرب على أساسٍ من نمط أو نموذج معروف في تاريخ حروب العالم ؛ وهكذا فلم تكن ، تالياً ، ممّا يستطيع العقل السّياسيّ الإحاطة بها ، بيقينيّة فجّة ، هذا و لو رغب أو احتاج أو اضطرّ إلى ذلك . .

إنّ من أكثرِ صناعات السَّقْمِ الفكريّ للأحكام ، إن لم يكن أكثرَها على الإطلاق ، هو في أن يصل المرض العقليّ السّياسيّ إلى درجة تسمح له بأنْ يتحرّر ، واهماً ، من كلّ شرط ”واقعيّ” لبناء الأحكام ، سواءٌ أكان هذا ”الواقعيّ” ممّا هو في مُتناوَلِ إدراك البعض ، أم في متناول البعض الآخر ..

أي في ما إذا كان ”الواقع” نفسه ، أو الوقائع ، في متناول الفهوم أو لم يكن كذلك ..

إنّ كثيراً من الحقائق هي ممّا قد يقضي جيلٌ كامل من البشر ، أو أجيال ، في جهلها و عدم إدراكها ، و ذلك باستثناء أولئك ”القلّة” الذين يصنعون ، أو يُساهمون في صناعة ، هذا ”الواقع” أو تلك ”الوقائع” .

3▪ يُقال ، عادة ، أمام بعض الظّواهر التي هي من طبيعة الحقائق ، إنّه من المستغرب أو ممّا هو من غير المفهوم أو ممّا هو من غير المعقول ، أو ممّا هو من العسير أو ”المستحيل” فهمُهُ .. إلخ ؛ أن تصلَ الأمور به إلى هذه الدّرجة أو تلك من الغموض و الإبهام ، بحيث يبدو إدراكه ، أو محاولة إدراكه ، من المغامرات العقليّة الإدراكيّة غير الآمنة ، أو من تلك التي تدخل في عداد حقل التّأليفات الذّاتيّة الخالصة التي تعتبر شأناً من الشّؤون الخاصّة جدّاً بأصحابها ..

و هي تقوم على مسؤوليّاتهم الشّخصيّة المحضة ، ممّا يُقلّل من موضوعيّتها أو من اعتباريّاتها العامّة التي يحتاجها الإقناع العقليّ ، ليكون مقبولاً في الأوساط الجديّة التي تُنتظَرُ كمصادرَ للبحوث التي تنحو منحى العلوم ، التي يحتاج إليها العالَم في المعقوليّة و العقلانيّة ، الّلتين هما شرطان أساسيّان من شروط المعرفة و المعرفة السّياسيّة على التّخصيص .

4▪ من مفارقات بناء الأحكام في ممارسة الوعي العقلانيّ أن يقبل العقل جملة من الحدود و المفاهيم و الفرضيّات و البراهين المتناقضة ، فعلاً ، و من غير أن تصلَ إلى درجة ” التّضادّ” المنطقيّ ، أمام الكثير من الظّواهر السّياسيّة الإشكاليّة ؛ في ما هو مَرَدُّ ذلك إلى بطلان مبدأ ”الهويّة” ، المنطقيّ ..

إذ ما مِنْ زاوية وحيدة أو وجه واحدٍ للنّظرِ إلى ”الشّيء” الواحد ، في حقيقة واقع تعدّد وجوه ”الظّاهرة” أو ”الواقعة” الواحدة و تنوّع و تكاثر الأبعاد المكانيّة و الزّمانيّة و غير الحصريّة للحقيقة الواحدة ..

و هو ما ينسجم ، مباشرة ، مع آخِرِ و أدقّ العلوم الفيزيائيّة في نتائج رصد الحيّز المكانيّ و الزّمانيّ للجملة الواقعيّة الكونيّة الواحدة ، التي لا يُمكن لنا فصل عالمنا اليوميّ ، و السّياسيّ ، عنها ، عندما يكون علينا أن نتواصل بواقعيّة مع شروط و ظروف موجوديّتنا في هذا العالم و أحكام انتمائنا الفعليّ إليه .

5▪ نحن ، عمليّاً ، أمام مشكلة مُكثَّفَةٍ من مشكلات قراءة العالم و التعّبير المباشر عليه و التّفسير الّلغويّ له و التّأويل السّياسيّ لمظاهره الأكثر اتّصالاً بمواقعنا الذّاتيّة و المَوضوعيّة بالنّسبة إلى مجريات هذا العالَم ، و بخاصّة عندما نكون جزءاً عضويّاً و حيويّاً ، ينفعل و يتفاعل و يُريدُ أن يفعلَ ، كأداء موضوعيّ و ضروريّ يعكس مدى صدق انتمائنا إلى مشكلاتنا ذاتها ..

و ذلك عندما نكون ، مواطنين معنيين ، مباشرة ، بالتّكوين و التّكوّن اليومِيَّين لنتائج السّياسات التي تصنعنا ، في وعينا و انتمائنا و أفكارنا و آرائنا و قناعاتنا و مشاعرنا و عواطفنا و أحاسيسنا و أحكامنا النّهائيّة ، على الأحداث التي تتداخل في شؤوننا ، مُداخلةَ العلّة بالمعلول .

6▪ لقد تفاقمت ظروف و نتائج هذه ”الحرب” حتّى عاد من شأن الكثيرين ، على مختلِفَاتهم ، أن يكونوا على اتّصال بخطاب مباشَر بتسويغات و تعليلات شديدة التّباين و التّنافر و الاختلاف و الخلاف ، بما يسمح للجميع أن ينخرطُوا في القراءات المتعدّدة و الأحكام المتغايرة ، تبعاً لمواقع الجميع من هذه ”الحرب” ، بعد أن لم تترك ، هي ، الخيار لأحدٍ في أن يبقى على بعد أو انفصال عنها ، و بدرجات تختلف و تتراوح ما بين الطّيف الواسع من الدّرجات ”الأخلاقيّة” في المسافة المظنونة أو المطلقة ما بين الصّدق و الخبث ، و ما بين الموت و انتظار النّقلة الثّانية لحدثٍ ربّما أنّ كلّ ما فيه مؤلم أو موجع أو قاتل أو مجهول .

7▪ من السّذاجة و التّسذيج السّياسيّين أنْ يدّعي عقلٌ مفكّر واحد من بين جميع الأطراف الكثيرة المنخرطة في الصّراع مع (سورية) وعليها وفيها ، قدرته على رؤية نهاية المشهد السّياسيّ النّهائيّ ، لتناهيات هذا ”الصّراع” التّاريخيّ الذي يفوق في تركيبه و تعقيده جميع الأهداف و الإرادات المتكاسرة لمختلف الأمم ، التي تتوازع القبضة على ”الأدوار” المتداخلة ، في تحدّياتٍ أصبحت صريحة و عنيدة و صُلبة و متصالبة ، في تجريبيّة مُباحة للجميع و مستبيحة للقرارات و التّقريرات ، التي دخلت في طور التّواطؤات السّياسيّة التّضامنيّة أو الجبريّة أو القهريّة ، تبعاً للأدوار و الأوامر ”مجهولة” المصدر أو المَصَادِرِ ، و التي باتت بحدّ ذاتها منقسمة ما بين الارتجاليّة و التّبييت المُسبّق للقدرات و الاستطاعات و الحاجات و المصالح ..

ناهيك عن استحالة هذه السّذاجة نفسها إلى مجرّد أوهام تدور في رأس بعض”المحلّلين السّياسيين” الرّاغبين في الوصول المتعجّل ، إلى ”نبوءات” تعمل على إخضاع الواقع للرّغبة أو الاستنتاج السّريع للحقائق ، التي تُغري الجميع في الّلهاث وراءَها ، تحقيقاً لِسَبْقٍ فكريّ أو استجابة لعاطفة صادقة أو لشعورٍ بواجبٍ أخلاقيّ وطنيّ أو اكتشافاً لِسِرٍّ من أسرار السّياسة أو السّياسات “العالميّة” ، التي لا يُصرَّحُ بها عادةً ، أو التي لم تُصنعْ لإشاعتها في القول ، أو التي لا تُقالُ ، أو لتلكَ منها التي يجب ألّا تُقال !

نحنُ ، فعلاً ، في المنطقة و العالَم ، أمامَ لُغزٍ تاريخيّ يحتاج إلى الكثير من الصّبر الجميل و غير الجميل .. إذا كان لا بُدّ لنا ، أخيراً .. ، من الوصول إلى ما لَم يصلْ إليه التّفكير التّقليديّ المعروف ، بعد .

8▪ و الشّيء نفسه يُقال على الاختلاف ما بين ( تركيا ) و ( إيران ) تجاه العلاقة مع ( سورية ) نظراً لما تشكّل ( سورية ) لكلتا الدّولتين من بُعد إقليميّ و فضاء جيو – سياسيّ يُرجّح ثقل كلّ منهما ، إقليميّاً ، عندما تكون إحدى هاتين الدّولتين على وفاق ، و لو جزئيّ ، مع ( سورية) ..

و هذا ، بالطّبع ، إذا لم نهمل المصلحة السّوريّة – الإيرانيّة للانسجام بالنّسبة إلى أكثر من مصلحة سياسيّة إقليميّة ، و بخصوصاً كما هو الموقف من (لبنان) و (“إسرائيل”) ، هذا الموقف الذي يُعتبر شبه متطابق في الحالتين .

9▪ إنّ علاقات التّحالف ما بين الحلفاء تكون أكثر متانة ، كلّما كانت أقلّ تكلفة سياسيّة و أكثر توافقاً و انسجاماً ، بالنّسبة إلى المواقف الأساسيّة و الجوهريّة ، و هو الأمر الذي يتوفّر في العلاقة االسّوريّة – الإيرانيّة بوضوح و دون موارَبةٍ ؛ مع انطباق ما قلناه أعلاه من القاعدة المتعلّقة بالفضاء الحيويّ الجيو – سياسيّ و الذي توفّره هذه العلاقة بالنّسبة إلى كلا الطّرفين ..

و هنا بالتّحديد يظهر أثر العلاقة الخاصّة التي تربط ( إيران ) و (سورية) ، على خلاف ما هو قائم بالنّسبة إلى العلاقة السّوريّة – التّركيّة .

10▪ الآن ، لِنَقبَلْ – بالضّرورة – بأنّ ”الحرب السّوريّة” – الحرب على سورية – قد تجاوزت وظيفتها ، كحربٍ ، إلى ما هو قد دخل في مناسَبةٍ وظيفيّة سياسيّة تاريخيّة ، من إعادة ترتيب و ”توضيب” المنطقة ، اجتماعيّاً و سياسيّاً و ديموغرافيّاً ، بشكلٍ مباشَر ، ثم .. و إعادة توجيه انزياحات سياسيّة تاريخيّة دوليّة و عالميّة انطلاقاً من هذه ”المنطقة” بالتّحديد ..

و في نظرة خاطفة إلى ما يجري ، اليومَ ، من شرق ”المتوسّط” و حتّى أطراف ما يُسمّى بـ ( أوراسيا ) من جهتها الغربيّة ، مروراً بالخليج و ( العراق ) و ( إيران ) و ( تركيا ) أيضاً ، فإنّنا نستطيع أنْ نقف ، بسهولة ، على ”منطقة” شاسعة من التّوتّرات و القلاقل و الاضطرابات السّياسيّة ”المصيريّة” بالنّسبة إلى جميع شعوب و دول هذه ”المنطقة” ، التي لم يَعُد فيها مشهدٌ واحدٌ ”هادئاً” أو على ما هو عليه .. أو على ما كان عليه قبل ”الحرب السّوريّة” ، التي وَجَدَ فيها – بعد أن ساهم ”الجميع” في إيجادها – ”العالَمُ” الأقوى نفسَه ، أمام ”حُلُمٍ” تاريخيّ لتحطيم بعض كيانات هذه ”المنطقة” و إعادة تشكيلها السّياسيّ التّاريخيّ ، بما تتطلّبه ”خلاصة” أهداف ”العالَمِ” في توليد أكبر النّتائج من هذه الحرب ، تحقيقاً لتوطيد ”الخلاصة” السّياسيّة التّاريخيّة الأقوى في عالمنا المعاصر و المتمثّلة في تحقيق إعادة صياغة للمشروع الصّهيونيّ القائم ، عمليّاً ، في (“إسرائيل”) !

و لأنّ أهمّ القوى و الدّول الإقليميّة المعاصرة مثل ( تركيا ) و ( إيران ) ، لا تنظر إلى نفسها على أنّها في مأمن جيو – سياسيّ ، كان من الطّبيعيّ أن تنظر من خلال منظار واحد من ”القلق” و ”التّهديد” ، و أن تسعى بالتّالي إلى ”تفاهمات” ضمنيّة أو مُعلَنَة ، مهما كانت نسبية ، تأميناً لموجوديّتها السّياسيّة المهدّدة ، بالفعل ..

و إنْ أمكنَ فلتحقيق وجوديّة آمنة ، في ”الحرب السّوريّة” بالتّحديد ، و هو بالضّبط ما يُفسّر ببساطة المصالح الجيو – سياسيّة التي تربط ( تركيا ) و ( إيران ) – بما فيها الموقف المشترك من الأكراد – و لكنْ ليس بالضّرورة ضدّ (سورية) .

11▪ – في ظروف الانهيارات العالميّة أمام منطق العنف العسكريّ و السّياسيّ ، تشعر دول ”المنطقة” بالتّهديد الواحد العالميّ ، و هذا على رغم ”التّحالفات” المتناقضة بالنّسبة إلى كلّ من ( تركيا ) و ( إيران ) و تباين مرجعيّاتهما التّقليديّة ..

هذا مع العلم بأنّه ليس لأيّ من الدّولتين أيّة مرجعيّة مُقدّسة ، عندما تدخل الأمور في مجالات التّهديدات المباشرة للحقول و الفضاءات السّياسيّة التي تؤلّف الدّولتين و التي تنتمي كلّ منهما إليها ؛ و لقد بات واضحاً أنّ كلّاً من (تركيا) و (إيران) قد أصبحت في مرمى الانزياحات السّياسيّة العالميّة ، انطلاقاً من ”الحرب” على (سورية) و على ”الإقليم” ..

و هكذا فإنّه من الطّبيعيّ ، إذاً ، أن نقرأ في علاقة الدّولتين تفاهمات ضمنيّة لها انعكاسها على (سورية) مباشرة ، لاسيّما أنّ نتائج تفاضل مثل هذه ”التّفاهمات” قد تعزّز ، مرحليا، ”الأذيّة” على (سورية) باعتبارها مسرح الحرب ..

فيما ”الحقيقة” في مثل هذا ”التّفاهم” الضّمنيّ أو ”الصّريح” ، إنّما هي قائمة في درء ”المخاطر” الواقعيّة و الحقيقيّة عن كلّ منهما جرّاء النّتائج الموضوعيّة التي تستشعران مخاطرها عليهما ، ناهيك عن ”المصالح” التّقليديّة التي تربط كلتا الدّولتين ، و هنا أعني المصالح الاقتصاديّة الكبيرة و الطّائلة ما بينهما في ظلّ الانهيارات الارتداديّة التي دخلت فيها الدّولتان بشكل مباشَر ، جرّاء الحرب السّوريّة و أهدافها الإمبرياليّة ”الغربيّة” التي لا تحتاج منّا ، هنا ، إلى أيّ تأكيد أو توضيح .

12▪ ما تقدّم لا يعني ، أبداً ، النَّيلَ من ”التّحالفات” التّقليديّة لأيّ من ( تركيا ) أو ( إيران ) ، مع الفارق الواضح بين مفهوم ”التّحالفات” و بين مفهوم ”الاندماجات” العضويّة الواحدة ، الّلهمّ إلّا في الأوقات الأخرى الخاصّة و ذلك عندما تتجاوز التّهديدات الواقعة على الأطراف المتحالفة ، حدود السّيطرة التّقليديّة الممكنة ، فيما لا يعني ”التّحالف” ، حتّى في الأوضاع الخطيرة القصوى ، أن يتحوّل ما بين المتحالفِين إلى الانتحار الذّاتيّ أو التّضحية بـ”الذّات” .

13▪ وأما ( روسيا ) فهي دولة كبيرة ؛ و من الطّبيعيّ أن تنظر الدّول الكبيرة في علاقاتها مع ”الأصدقاء” و ”الشّركاء” الأدنى منها قوّة و تأثيراً ، نظرتها إلى إدارة الصّراعات و تحقيق المصالح الخاصّة ، التي يندرج فيها حماية الكتلة السّياسيّة المتمثّلة في دولة أو في ”قوّة” أخرى ، تحقيقاً لضمان التّفوّقات أو محاولات التّفوّقات الاستراتيجيّة و تأمين استقرار المجالات السّياسيّة العامّة بما في ذلك الدّفاع عن الحدّ الأدنى ، أو الحدّ الأعلى ، لمناطق النفوذ ، و هي في هذه الحالة (سورية) ..

فيما هي – ( روسيا ) – غير معنيّة جوهريا بصراعات الآخرين حتّى و لو كانوا ، أو كان بعضهم ، ”أصدقاء” ، بحكم الواقع الجديد – مثلاً – للعلاقة بين ( روسيا ) و ( سورية ) ؛ فيما هي لا يعنيها أن ُتجري ، أو بالأحرى – و هذا أدقُّ – ليست مضطّرة أن تُجري مراجعة استراتيجيّة سياسيّة لعلاقاتها مع الدّول ، و بخاصّة عندما يتعلّق الأمر باحتمالات أو بحقائق من شأنها ، معها ، أن تؤدّي إلى استعداءات جديدة عليها ، و هذا في الأحوال العاديّة ، فما بال الحديث إذا كان متعلّقاً حصراً بـ( ”إسرائيل” ) و هي ”الدّولة” التي من شأن ”الغرب” ، مجتمعاً ، أن يضحّي بالعالم كلّه من أجلها أو من أجل تفوّقها الإقليميّ و وجودها و سلامتها أيضاً ..

و هو ما يُفسّر إلى حدّ بعيد موقف ( روسيا ) من (“إسرائيل”) ، ناهيك عن القيمة الرّمزيّة لدولة الكيان الصهيونيّ باستثناء موقف ( سورية ) منها و الذي يكاد يكون منفرداً و وحيداً دون مواقف جميع دول العالم المعاصر .

14▪ في هذه الصّورة التي يبدو من خلالها أنّنا قبلنا بمفاهيم ”الدّور” و ”الوظيفة” بالنّسبة إلى مختلف الأطراف ؛ فإنّه يجّب أن نقبل تلك المفاهيم على (سورية) ، أيضاً ، هذا لأن علينا أن نعتبر ، كذلك ، بالموقف السّوريّ الذي – عدا عن كون سورية هي السّاحة العمليّانيّة للحرب – قد تحوّل بالتّدريج ، مع الحرب ، إلى ”دور” إقليميّ تُجاه العديد من المسائل التي طرحتها ”الحرب” ، و بخاصّة منها دورها المركزيّ و الأساسيّ في مواجهة ”الإرهاب” في المنطقة ..

علاوة على موقفها الجوهريّ من ”القضيّة الأكراديّة” التي لم تعد قضيّة ”كرديّة” واحدة أو متّحدة ، نظراً لتفاوت مواقف ”الأكراد” في ما بينهم بالنّسبة إلى الدّوافع المختلفة التي تقسم ”الأكراد” إلى مواقف نوعيّة متباينة ، على عكس ما يبدو الأمر في الظّاهر المباشر ، و تبعاً للتّعدّديّة السّياسيّة الكرديّة على أساس الاختلاف الدّاخليّ الكرديّ ، في التّحالفات أو التّبعيّات المتعدّدة التي تشوّه القضيّة الكرديّة نفسها و تجعل منها مسألة ضامرة.

15▪ يَزيد على الصّورة السّياسيّة السّابقة كلّها الموقف السّوريّ الخاصّ و المتكاثف في مفارقات قاسية ، تبعاً للتّناقضات في مواقف مختلف الأطراف التي أصبحت ، في الأقلّ ، موضوعيّة بالنّسبة إلى آثار الحرب المباشرة أو غير المباشرة ؛ و هو ما يُضيف تعقيدات و تراكبات و مجاهيل إضافيّة ، إلى مفردات ”الملحمة السّوريّة” ، انطلاقاً من الحاجات و الضّرورات السّوريّة التي تتصدّر – حتّى الآن ، على الأقلّ – مشهد الحرب ، و المهدّدة بأن تتراجع إلى ساحة خلفيّة للصّراع ، مع ما تتطوّر إليه اتّجاهات و تبعات هذه الحرب .. !؟

16▪ و أخيراً ، فإنّ الحرب السّوريّة ، على ما تقدّم ، مرشّحة للاستمرار على نحو أو على أنحاء متعدّدة ، و بخاصّة مع بروز مسائل و مشكلات جديدة و مستجدة ، قد لا تظهر الآن مباشرة في واجهة الحرب و مضامينها غير النّاجزة ؛ بحيث أنّه يُضاف و سيُضاف إلى نتائجها مُخرجات ، قد تتزيّى بالموضوعيّة التّاريخيّة المنبنية على عمق بعض التّحالفات أو سطحيّة بعضها الآخر ، و هو ما سيبدأ ، منذ الآن ، و أعني منذ المباشرة الفعليّة و الحقيقيّة بالحلّ المرتقب و غير الواضح لمشكلة ( إدلب ) ، و انتهاءً بحلّ معضلة ”شرق الفرات” السّوريّ ..

هذه الصّورة التي ستمثّل اختباراً تاريخيّاً حقيقيّاً لعمق الصّراعات و التّحالفات و الشّراكات المتعدّدة في ما بين الأطراف ، أو لسطحيّة هذه ”التّحالفات” و الشّراكات و الصّداقات ..

إذ سوف تتكشّف معها جميع ”المواقف” الإقليميّة التي يُمكن أن نُحبّذ وصفها بالغموض الصّعب ، و ما ستؤول إليه ”الحرب” من نتائج نهائيّة أو شبه نهائيّة ، تأتي نتيجة الصراع بين سورية ومن معها من جهة .. وبين أعداء سورية في الإقليم والعالم من جهة ثانية ..

إضافة إلى ما تعمل لتحقيقه القوى الاستعمارية القديمة والجديدة ..

بحيث تقع بين حدّين حصريين ، و هما :

• إمّا بداية أخرى نوعيّة لمعارك نهائيّة في الصّراع ..

• و إمّا تحوّل جميع سياقات هذه الحرب تحوّلاً فجائعيّاً يتناهى إلى ”التّقسيم” الفعليّ أو العمليّ للجغرافيا و الدّيموغرافيا السّوريّة ، بحيث سيِفتح هذا البابُ الطّريقَ إلى ”حلّ سياسيّ !! ” قاصم ، للصّراع المسلّح فوق الأراضي السّوريّة ، و الذي سينتهي معه كلّ شَيء إلى خذلانات و مخازي تراجيديّة تتجاوز مسألة التّقسيم بشكلها الجغرافيّ و الدّيموغرافيّ البسيط ، إلى دخول الدّولة و المجتمع في (سورية) في مُصهِرٍ للكيان الوطنيّ السّوريّ في محاصصات سياسيّة ”دستوريّة” و حكوميّة سيترتّب عليها ”لبننة” سورية أو ”عرقنتها” ..

فإذا بنا في حلول مأساويّة هي ليست غريبة على نتائج الصّراعات العسكريّة و السّياسيّة المعقّدة و المُذلّة في التّاريخ !

17▪ و إذا كانت هذه المشهديّة السّياسيّة الفظيعة ، هي إحدى النّهايات للحرب السّوريّة ، التي يجري الاشتغال عليها اطلسيا وصهيونيا ، فذلك لأنّ العالم أكثر خطورة و قسوة ممّا يتصوّره الكثيرون من المنظّرين ”الاستراتيجيين” اليافعين أو الهرمين عقليّاً ؛ و هو الأمر الذي لا يُعيره أولئك و هؤلاء ما يحتاجه من تصوّرات شاملة و غير مجتزأة ..

في الوقت الذي يختار فيه ”التّاريخ” الكلّيّ للعالَم أن يكون أقلّ أو أكثر مَكراً و إمكاراً بالنّسبة إلى الشّعوب و الدّول االضّعيفة ، مقارنة مع عنف العالم الذي يتّجه ، تاريخيّاً ، في اتّجاه قاتل و مُريب .

18▪ إنّ أخذ الصّراع السّوريّ المعاصر بهذه التّحليليّة الواقعيّة و القاسية ، هو إعادة صياغةٍ فلسفيّة سياسيّة للأفكار الظّاهرة و الباطنة التي لا يخرج سياق العالَمِ و التّاريخ عن تبنّيها الواقعيّ و المباشر ، عندما يكون علينا أن نتنبّه إلى مختلف المخاطر التي تُحيط أو تُحيق بالمستقبل السّوريّ الذي بدأ يتكشّف ، أخيراً ، عن جميع الاحتمالات المتوقّعة من حربٍ كان من الواضح عليها ، منذ بدايتها ، تفكيكيّتها العمليّة لجملة من النّظريّات و الأفكار و الرّغبات و الأوهام التي اشتغلت عليها أضيق العقول السّياسيّة و آكثرها محدوديّة حتّى الآن .

19▪ فليتواضعِ الجميع أمام أقدار العالم و مجاهيل الواقع و متغيّرات ”الحاجات” العالميّة للتّشكيل المتجدّد و المتسارع في ”عصر الشَيطان” ، هذا ، الذي أخذ يتعرّى من الأوهام التي ما زالت تحكم عقول بعض المنظّرين الهُواة ، و تتحكّم بمقادير الأبطال المأساويين الذين يزخر بهم تاريخ الرّواية العالميّة المليئة بالفجوات و الثّغرات و المجاهيل ، و خاصّة في قراءات الحماسة و دواوين الصُّراخ و الصَّريخ ..

20▪ مع عدم نسيان الأمر الجوهري والأساسي في هذه المسألة ، وهو إرادة السوريين ، الصلبة والحازمة والحاسمة ، شعبا وجيشا وأسدا ، بإجهاض وتمزيق وتفكيك وتفتيت جميع الحسابات والمخططات الخارجية التي تنال من وحدتهم ووحدة أرضهم ومستقبل وأمن شعبهم وأمتهم .

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.