جدلية الفيدراليّة والكونفدراليّة .. / أ.د. عمر الحضرمي
كثُر الحديث في الآونة الأخيرة عن الكونفدراليّة، وذهب القول أحياناً إلى مقاربة مصطلح الفيدراليّة ومفهومها، واختلط
الأمر على الكثيرين، حتى أن بعضهم أدخل المفهومين في سياقات الجدل المرتبك، وفي مساقات اللُّبْس والاضطراب؛
ومرد ذلك كلّه إلى أن الذين تناولوا المفهومين بالدراسة والمناقشة قد مالوا، في كثير من توجهاتهم، نحو الأسس التي يقوم عليها فكر الانفصال أو الاتحاد بين الدول.
وحتى يمكن الخروج من هذا الاضطراب يجب الذهاب نحو التعريف القانوني والنظمي والاصطلاحي والإجرائي لكل من المفهومين. ومع ذلك فإن عرضاً عاماً للمفهومين يساعد، إلى حد ما، في وقف ذلك الارتباك في تناول ما يُطْرح هذه الأيام حول العلاقة الأردنية – الفلسطينية، أو على الأقل وضع محددات لإيضاح معالم الطريق وتعريف مكوّناتها.
ولمّا أن كان الطرح الذي يقوم بين يدي التعاطي الحاضر حول الكونفدرالية، فإن توضيحاً سيقوم على تحديد الأسس القانونية وقبلها الأساس المفاهيمي للطرحين.
تعني الفيدراليّة، الاتحاد الاختياري أو التعايش المشترك في «أقاليم»متعددة، على أساس ممارسات الخيار الحر المنصوص عليه في العهود والمواثيق الدوليّة، هذه الممارسات التي يُرْجى منها تحقيق الأهداف والمصائر المشتركة.
لم يتفق فقهاء القانون الدولي العام في العالم العربي على تعريف موحّد للمصطلح الإنجليزي Federal State الذي يقابله بالفرنسية Federal Etate ،فبعضهم سماه» الدولة الاتحاديّة»ومنهم من سمّاه»الاتحاد المركزي»أو»الدولة الفيدراليّة»أو»الاتحاد الفيدرالي»إلى غير ذلك من المسميات.
ولعل سبب ذلك أن الفيدراليّة قد جاءت في معناها الأساس من الغرب (1787 /أميركا، 1901 /أستراليا، 1917 / المكسيك، 1948 /سويسرا). أما اليوم فيصل عدد الفيدراليات في العالم إلى أكثر من 30 دولة اتحاديّة. وقالت التجارب السابقة واللاحقة: إن الدولة الفيدراليّة هي دولة واحدة، تتضمن كيانات دستورية متعددة، لكل منها نظامها القانوني الخاص واستقلالها الذاتي، إلاّ أنها تخضع، في مجموعها، لدستور فيدرالي، باعتباره المنشئ لها والمنظم لبنائها القانوني والسياسي.
كما يحكمها رئيس واحد ولها جيش واحد وعلم واحد ولها حكومة واحدة وتمثيلٌ دبلوماسيٌ واحد. أما الكونفدراليّة، فهي اتحاد يقوم بين»دولتين»أو أكثر، ذات استقلال تام، بموجب معاهدة تحدد الأغراض المشتركة التي يهدف الاتحاد لتحقيقها. وتتمتع كل دولة عضو في هذا الاتحاد بشخصيّة مستقلة عن الأخرى. وهناك هيئة مشتركة تدير شؤون الاتحاد تتكون من ممثلين عن الدول الأعضاء لتحقيق الأهداف المشتركة، وتسمى هذه الهيئة»الجمعية العامّة»أو»المؤتمر»أو»المجلس»،وأعضاؤها يعبّرون عن رأي الدول التي يمثلونها، وتصدر القرارات بالإجماع، وتعتبر نافذة بعد موافقة الدول الأعضاء عليها.
إذن فالاتحاد الكونفدرالي مكوّن من اتحاد دولتين مستقلتين أو أكثر وليست أقاليم.
وتقوم إدارته على أساس بنود المعاهدة التي تعقد بين الدول الأطراف. وتتمتع الدول الأعضاء باستقلال تام. وترتبط ببعضها نتيجة مصالح عسكرية أو اقتصاديّة أو سياسية، ومن ذلك مثلاً الاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية ومجلس التعاون لدول الخليج العربية إلى غير ذلك.
ويختلف الاتحاد الكونفدرالي عن الفيدرالي بأن لكل دولة عضو في الأوّل حق ممارسة سياستها الخارجيّة وتمثيلها الدبلوماسي الفعلي. أما في الثاني فإن التمثيل الدبلوماسي والسياسة الخارجية من اختصاص السلطة التنفيذية في الدولة الفيدرالية (الحكومة المركزيّة). كما يحق للدول الأعضاء في الاتحاد الأوّل إعلان الحرب على عكس حكومات الأقاليم في الثاني. والحرب بين أعضاء الأول حرب دولية، أما الحرب بين أقاليم الدولة الفيدرالية فهي حرب أهلية. وكل خرق للقانون الدولي من قبل أحد أعضاء الأوّل يتحمل المسؤولية وحده، على عكس الثاني. كما يحق لكل دولة عضو في الأوّل الانسحاب متى شاءت شريطة احترام بنود المعاهدة التي أنشأت هذه الاتحاد، وأما إذا ما رغب إقليم في الثاني في الانفصال فهو تمرد يمكن ردعه بالقوة العسكرية للاتحاد.
أما بالنسبة للجنسية، ففي الأول يحمل مواطنو كل دولة جنسيتها، أما في الثاني فيحمل مواطنو الأقاليم جنسية واحدة هي جنسيّة الدولة الفيدرالية. وأخيراً فإن لكل دولة في الأول رئيساً، بينما في الثاني هناك رئيس واحد وسيادة واحدة.
أما الأساس فإن الاتحاد الكونفدرالي لا يقوم إلا بين دول مستقلة، أي اشتراط وجود»دولة»مستقلة ذات كيان سياسي وقانوني واجتماعي واقتصادي مستقل، بعدها تختار هذه الدولة الاتحاد مع غيرها على أساس معاهدة تبرم بينها.
ضمن هذه القراءة يجب أن نقارب الطرح الأخير الذي انتشر متحدثاً عن العلاقة بين الأردن وفلسطين.
Email:[email protected]
التعليقات مغلقة.