حديث الثلاثاء ” 14 ” … تحولات مصيرية ينتظرها ” الشرق الأوسط ” … مقاربات في نهاية ” الحرب العالمية الثالثة ” / د . بهجت سليمان

  نتيجة بحث الصور عن د . بهجت سليمان




د . بهجت سليمان * ( سورية ) الثلاثاء 18/9/2018 م …

** الفير السوري السابق في الأردن …

■ تحتاج ” الدولة ” إلى أكثر بكثير من الاستجابة لمواجهة التحديات العمرانية ، وتحتاج أكثر إلى أن تصيخ السمع عميقا إلى ”الخطاب المعرفيّ” الذي يتشكّلُ ، بالضّرورة ، كواحد من الوسائل المعقوليّة المتاحة أمام العقلانيّة ؛ تحت طائلة خطورة إعادة إنتاج هذه الحرب بأدوات جديدة و بوسائل أكثر من مُعاصِرة ..

حيث لن يتوفّر للعنف العالميّ بيئة أكثرُ إخصاباً من هذه البيئة التي نقف ، اليومَ ، على تخومها الكتيمةً ، و هو ما لن يسمح لنا التّاريخ أن نُطيل التّردّد فيه ، أو أن نتساهل مع اختبارات قدّمت جميع مضامينها و تجرّدَتْ من جميع أخلاقيّاتها ، و هي تنتظر القرار مِن صانعي القرار ، بوصفِهم أصحاب قرار.

ومما لا شك فيه ، أن صانع القرار السوري الذي تمكن من إجهاض وإفشال أخطر مخطط استعماري لتمزيق هذا الشرق .. سوف يكون قادرا على تصويب الحيدانات الداهمة وعلى تمنيع وتحصين الدولة والمجتمع ، بما يؤهلهما لمواكبة ركب الحضارة ، بل والسير في مقدمته. ■

1▪ أصبح من المعلوم للجميع أنّ هذه ”الحرب” التي عاشتها (سورية) و تعيشها ، هي ما يُسمّى بالضّبط ”الحرب العالميّة الثّالثة” ، إذا كان لا بدّ من تسلسلٍ تاريخيّ للحروب الكبيرة و الشّاملة في العالَم ، و ذلك لِمَا كان لهذه الحرب من ”كثافة” عالميّة و عمق و تأثير على ”الأفكار ” ، و هذا إضافة لِمَا كان لها من تأثيرات أخرى شملت العالم قاطبة في الاقتصاد و السّياسة و المال و الأخلاق و الاجتماع .. ، إلخ .

2▪ و إذا كان مسرح هذه الحرب و مركزها الرّئيسيان ، قد ”قدّمتهما” (سورية) ، بكلّ الفظائع و المآسي التي عاشها المجتمع السّوريّ ، بالنّيابة عن شعوب العالَم ؛ و ذلك لأسبابٍ عديدة باتت معروفة للجميع ، ليس فقط من أجل أهمّها و هو الإمعان في تفتيت المحيط الحيويّ بـ (“إسرائيل”) ؛ فإنّ ”العقل السّياسيّ” لا يُمكنه أن يُراوح في ذكريات الحرب و آثارها المأساويّة ، بل هو ينظر إليها باعتبارها حدثاً تاريخيّاً ينبغي أن تُقرأ دلالاته في السّياسة و الثّقافة و الجغرافيا و الدّيموعرافيا العالميّة ، و ذلك من مستقبل نتائج هذه ”الحرب” ، ناهيك عن أسبابها ..

عندما يكون من واجبات الفكر السّياسيّ التّصاعد و التّصعيد الدّائمين في الاكتشاف و معرفة أسباب ونتائج أخرى للحرب لا تقف عند حدود الوصف ”الأخلاقيّ” لها ، و إنّما تتجاوز ذلك إلى العمق الذي بدأت منه كما إلى المصير الأخير لها ، عندما تكون قد فقدت المسوغات العالميّة لاستمرارها ، أو على الأقلّ عندما تكون أحداثها ، هي نفسها ، قد احتاجت إلى اتّجاهات أخرى للسّيرورة لا تقف عند حدود التّكرار في الإعلام .

3▪ ننظر إلى نتائج هذه ”الحرب” باعتبار أن لها أهدافها المحدّدة ، أيضاً ، مع عدم حصرها في شكلٍ واحد من الاستحالات ”السّياسيّة” ، و لو أنّ سرّ أسرار العالم المعاصر يكمن في موجوديّة (“إسرائيل”) و مستقبلها العالميّ ، مع ضَرورة تخلّينا ، بَعدُ ، عن كفاية هذا ”السّبب” ، رغم أنّ الكثير من نتائج هذه ”الحرب” سيصبّ أخيراً في مصلحة (“إسرائيل”) .

تحدّثنا نحنُ ، كما تحدّث الكثيرون ، و كلّ بأسلوبهِ و رجاحة عقله أو العَكس ؛ و من وجهة النّظر هذه فإنّه من الطّبيعيّ أن نقرأ النّتائج المستقبليّة لأفكار هذه ”الحرب” في منطقتنا الإقليميّة ، بما في ذلك من نتائج على ”العرب” و ”المسلمين” في المحيط ؛ ثمّ في منطقة ”الشّرق الأوسط” ؛ و أخيراً في نتائجها على ”العَالَم” .

4▪ لقد تأكّد للعرب أنفسهم ، قبل أن يغدو ذلك مفهوماً للعالم كلّه ، أنّ ”العروبة” اليوم قد أصبحت مفهوماً ثقافيّاً و مشروعاً فكريّاً ربّما يكون متجدّداً ، و لكنّها ليست حالة واقعيّة ، أبداً ، إذا كان على الواقع أن يتشكّل من الممارسة العمليّة الواضحة التي لا تدع مجالاً للشّكّ و التّأويل و التّفسير ، أو للمزايدات و النّفاقات و الاشتباه ، أو للرّمزيّات الطّقوسيّة و الإيحاءات الظّرفيّة التي يدفع إليها مبدأ ”سدّ الذّرائع” ، الذي يَعبُر مع المناسبة الوظيفيّة و الطّوارئ السّياسيّة المتبدّلة .

5▪ في إطار المفهوم الإسلاميّ للعروبة ، لم يستطع ”الحل القرآنيّ” أن يُعيد تشكيل الواقع العربيّ المعاصر على رغم الاجتهادات الفقهيّة السّياسيّة الغزيرة التي رافقت مفهوم ”النّهضة العربيّة” على أساس من الاجتهادات المتوالية و المتواترة التي لم تدّخر مجهوداً تحديثيّاً إلّا و طرقت بابه و لكنْ دون جدوى حضاريّة كانت و ما زالت تطرح الواقع على أنّه تَحَدٍّ جدّيّ و مباشر ..

و في هذا السّياق ، أو في ما أفضى إليه ”نظريّاً” ، فإنّ المحاولات الإسلامويّة السّياسيّة ، إنّما أثبتت عمالتها لبعض القوى في ”الغرب” و ”الشّرق” في إطار التّشويه المتعمّد للمضامين الإسلاميّة – القرآنيّة ، حتّى صار واضحاً أنّ هذا ”المشروع” هو مشروع ارتكاسيّ ، نكوصيّ ، يجري توجيهه عن بُعدٍ ، و ليس له من الإسم سوى ممارسة الإيهام العاطفيّ المدمّر على الشّعوب العربيّة الإسلاميّة ، بما في ذلك توجيهها نحو الانحطاط و الانحدار ، على عكس طروحاته الكاذبة التي تعملُ على خنق الأفق الحضاريّ للواقع الاجتماعيّ – السّياسيّ العربيّ ، و بعيداً بالمطلق عن الشّعارات المحمولة أمام شعوب تنظر إلى الخلاص كغاية كلّيّة مهما كانت المغامرات التي تقودها إليها ”قيادات” سياسيّة تاريخيّة عميلة و مرتزِقةٍ و خائنة .

6▪ إنّ الواقع المعاصِر أثبت ، إذاً ، أنّه يتحرّك في مجال سياسيّ و حضاريّ عمليّ محلّيّ و عالميّ بعيد كلّ البعد عن الطّروحات العَقَدِيَّة الدّينيّة ، ما أحدثَ فراغاً حتّى في القيم الاجتماعيّة التي كانت تستمدّ شرعيّتها الدّلاليّة من ”القرآن” نفسه ..

لقد بات ”القرآن” بالذّات تحتَ عنف جحافل الإسلام الدّينيّ السّياسيّ الذي كان المطيّة الفعليّة للأهداف الاستعماريّة الغربيّة التي لا تسمح ، و لن تسمح ، للأخلاق الدّينيّة التي دخلت في إطار ”التّوحّش” أن تُمارسَ ذاتها و ”مبادئها” بوصفها خطراً على العالم كلّه ، كما أثبتت تجربة ”الإرهاب” ، مؤخّراً ،التي شكّلت تهديداً عالميّاً لا يجوز للعالم السّكوت عليه .

7▪ لقد كان أخطر ما في التّوجّه الإسلاميّ – السّياسيّ المعاصر و الذي تعضّى و تمايز في ”الإرهاب” العالميّ ، هو أنّه مدعوم من قبل ، و مدعّم بواسطة ، سياسات إقليميّة صريحة شكّلت سنَداً لوجستيّاً و سياسيّاً و اقتصاديّاً و أهليّاً لهذا الإرهاب ، قامت عليه دول بعينها ، كما اتّضح للعالم كلّه ، مثل دول ”الخليج العربيّ” الإسلامويّة و (تركيا) ، بشكل خاصّ .

8▪في الأفق ، فإنّه من الغباء المُطبِقِ ، و سوف يكون من البلاهة و العجز النّهائيّين ، أن يجهل الفكر السّياسيّ ، أو يتجاهل ، أنّ العالمَ الغربيّ سوفَ ينسَى ما قامَ به (أردوغان) ، أو أنّه سوف ”يُسامح” (أردوغان) على ما قام بهِ من لَيِّ عُنُق ”الغرب ” و تَحدّي ”العالم الحُرّ” بممارساته السّياسيّة التي جعلت ”الإرهاب” يتمكّن من ”المنطقة” الإقليميّة و (أوراسيا) و ”الغرب” أيضاً ، بحيث شكّل ”الإرهاب” سابقة بربريّة مدعّمة بإرهاب ”الدّولة” أو ”الدّول” ، و هو ما كلّفَ العالَمَ ، مجتمِعاً ، ما كلّفه من ويلات مباشرة و دماءً في كلّ أصقاع الأرض ، و هذا إذا تجاهلنا – و نحن لا نستطيع .. – موقف ”العالم” و الأفق الإقليميّ ممّا حدثَ في (سورية) و كان له انعكاسٌ على التّرتيبات العالميّة قاطبة في مجال استقرار المجتمعات العالميّة ، الذي يبقى مفضّلاً على أن تعيشَ دول تلك المجتمعات في إطار عدم الاستقرار الاجتماعيّ ..

هذا الاستقرار الذي يُعَدّ ظرفاً عالميّاً ضروريّاً و مُسَاعداً لتحقيق الدّول لبرامجها في المزيد من التّحكّم السّياسيّ بالمجتمعات !

9▪ و هذا أمرٌ قلّما ينتبه إليه الفكر السّياسيّ المعاصر للحرب على ”الإرهاب” ، إذ أنّ علينا أن لا نكون محدودين في النّظرِ إلى الأهداف العالميّة التي لم يجرِ تقويمها ، بعدُ ، إلّا عبر المنطلقات و التّحليلات ”الذّاتيّة” التي لا تُغادر ”الألمَ” المباشر الذي تسبّبت به هذه الحرب للسّوريين ..

إنّ على التّحليل السّياسيّ لأدوات و مظاهر الصّراعات أن لا يغفلَ أنّ ”العالمَ” قد انخرط ، فعليّاً ، في مواجهة هذه الحرب و نتائجها الحقيقيّة إلى الدّرجة التي علينا معها أن نفهمَ ، أكثَرَ ، بعض ”التّصريحات” السّياسيّة الصّادرة ، مثلاً ، عن (روسيا) و (إيران) .. و غيرهما من ”الدّول” الغربيّة ، أيضاً ، و التي تُشير بين الفينة و الفينة إلى شراكاتها الحقيقيّة أو إلى أولويّتها ، في ذلك ، مع (سورية) في الحرب على ”الإرهاب” و القضاء عليه ، من دون أن تأخذنا تلك ”التّصريحات” الوظيفيّة و الضّروريّة إلى مناطق انفعاليّة في ”السّياسة” ..

فيما كان هدف تلك ”االتّصريحات” إظهار حجم مشاركاتها الفعليّة و الواعية في هذه ”الحرب” ، و لم يكن القصد من ورائها تحييد عظمة دور الجيش العربيّ السّوريّ في مواجهة الإرهاب العالميّ ، و هو الأمر الذي لا يُمكن لعقل سياسيّ وازن و مُدرك لأهدافه أن يجترىء عليه ..

ناهيك عن استحالة واقعيّةِ أثر تلك ”التّصريحات” عندما تكون وظيفتها الاستهتار بالدّور السّوريّ في هذه الحرب ؛ و هو ممّا لا يمكن للحلفاء و الشّركاء و الأصدقاء ، بل و حتّى للغرباء و ”الخصوم” السّياسيين ، أن يتورّطوا في محاولة ”إشاعته” ، ذلك لأنّهم ، و هذا الاحتمال ، سيسقطون سياسيّاً في نظر ”السّوريين” و في نظر عقلاء العالم ، و هو ما لا يُمكن لهم المقامرة به كائناً ما كانت أهدافهم من محدوديّة ، نحن نشكّ في وقوع هؤلاء فيها ..

و هو – بالمجمل – الأمر الذي لم يستوعبه ، بعدُ ، حتّى عُتاةٌ ممّن يدّعون فهم السّياسة العالميّة أو ”يَتَّهمون”(!) أنفسَهم بمثل هذه المقدرات الدّعيّة التي لم يُثبتْها ، حتّى الآن ، واقع الخطاب السّياسيّ المحدود لهؤلاء ، و ذلك مهما كانوا على درجة عالية من توهّم مقدراتهم الاستراتيجيّة و صِدقهم أو مصداقيّتهم السّياسيّة المعرّضة دائماً ، بفعل الحركة السّياسيّة العالميّة و جدليّتها المُركّبة ، للامتحان و الاختبار .

10▪ جعلت هذه الحرب منطقة ”الشّرق الأوسط” كلّها عُرضَة لمستقبلٍ مجهول يمتدّ على بقعة من العالم هي في مركز هذا العالم ، ما يجعلها مركزيّةً في الاستقرار أو الفوضى ، و هو ما يترك شعوب العالم كلّها في قلق لا يُجدي معه شعاراتٌ فارغة ..

و هذا إذا أخذنا بالاعتبار مدى و حيويّة الدّور الذي يُساهم فيه استقرار هذه المنطقة ، بتحقيق ”العالميّة” لأغراضها العولميّة التي منها أوّلاً إقصاء الشّعوب عن مسرح السّياسة ، و هو الأمر الذي يستحيل في ظروف الحروب المستمرّة التي تقضّ مضاجع المستقبل الاجتماعيّ و السّياسيّ ، لشعوب هذه المنطقة الشّاسعة من العالم و اتّصالها الجغرافيّ و الحيويّ المباشر بأقاصي (آسيا) ، التي يُعوّل عليها الغرب كثيراً في مستقبل سياساته الاستثماريّة الاستهلاكيّة و استثماراته الماليّة المباشرة ، التي تحتاج إلى مناخات هادئة و آمنة و مضمونة .

11▪ إنّ إزمان الحرب و الفوضى و تكريسها التّاريخيّ في منطقة ”الشّرق الأوسط” يحتاج إلى معالجات جذريّة و شاملة أقلّها في اجتراح النّجاحات التي تدّعيها الدّول القائدة في العالم ، لكي تُسوّق سياساتها أمام شعوبها و شعوب العالم على أنّها تضطلع في ”الحكمة” المقرونة بتطبيقات واقعيّة لها ، و في القدرة على الإقناع الضّمنيّ ، عندما تتمكّن من بسط نفوذها السّياسيّ المقترن ببرامج اجتماعيّة ، قادرة على تلبية الصّورة التي ينتظرها منها مختلف المجتمعات و الأفراد ..

إذ لا يمكن ولا يجوز أن تبقى قوى العالم الفاعلة ، بمنأى عن نقد الفكر السّياسيّ الذي أصبح أكثر تأثيراً و أسرع انتشاراً في زمن عالميّة الفكرة و انتشارها المُريع .

12▪ تتاخم منطقة ”الشّرق الأوسط” بمركزيّتها الجيو – سياسيّة و الاقتصاديّة ، من حيث هي سوقٌ واسعٌ للعمالة و الاستهلاك الاقتصاديَّين ، كلّاً من (آسيا) و أقاصي ( شرق آسيا ) و ( أوربّا ) و فضاء رأسماليّة و إمبرياليّة الغرب كلّه انطلاقاً من ( أوربّا ) ..

و على هذا الاعتبار سوف تستمرّ نظرة ”الولايات المتّحدة اميركيّة” و ( روسيا ) إليها ، باعتبارها صمّام أمان العالم المعاصر ، و هذا بقدر ما نقبل فكرة المسؤوليّة العالميّة التي تضطلع بها كلّ من (روسيا) و (أميركا) اليوم ، مع اقتراب إعلان (الصّين) عن مسؤوليّاتها العالميّة المباشرة إزاء هذه ”المنطقة” من العالم ؛ حيث لا يُمكن ، بعد اليوم ، الانفراد بالعالم من قبل دولة أو دولتين أو ثلاث .

13▪و في هذا الإطار يُشكّل ”الشّرق الأوسط” الخزّان الرّئيسيّ للإسلام و للإسلام المتطرف بحركاته التّكفيريّة و التي يُعدّ فيها فكر ”الإخوان المسلمين” في مركزها و الأب الرّوحيّ لها جميعاً ، و هو الأمر الذي يُعيدنا ، مرّة أخرى ، إلى المشكلة الرّئيسيّة في الإسلام السّياسيّ في منطقتنا ، الذي يبدو أنّه انتهى إلى تعهّد استثماريّ ”أردوغانيّ” شبه حصريّ ، بعد انحسار ”السّعوديّة” و ممالك و إمارات الخليج الأخرى ، بينما ، في الحقيقة ، لا ينظر العالم بسلبيّة جدّيّة ، من هذه الزّاوية ، إلى ( إيران ) .

إنّ القضاء على الإرهاب الإسلامويّ هو الهدف المباشر للعالم اليوم ، و من هنا نحن ننظر إلى التّفاهمات العالميّة و التّقاربات الدّوليّة غير التّقليديّة ، التي نشأت مؤخّراً في العالم في قلب المعركة العالميّة ضدّ الإسلام السّياسي ، و هو ما يُنتظر له شكلٌ أوسع من التّحالفات الفعليّة و الضّمنيّة ، بعيداً عن الأضواء و الإعلام ، و تقاربات و تفاهمات حتّى ما بين أعداء و خُصوُمِ الأمس القريب ..

و عليه فإنّه ليس من المجدي النّظر بغير هذه الجدّيّة إلى علاقات اليومِ و منظومات علاقات الغد القريب في عالم مهدّد تهديداً شاملاً و واحداً ، فعلاً – و هو واقع حقيقيّ – من قبل الإرهاب الوهّابيّ و الأخونجيّ ، و هما من منبت واحد .

14▪ إنّه ليس تحصيل الحاصل خطورةُ ما يجري اليوم من حرب على الإرهاب ، على المستوى العالميّ ، في نتائجه في الحرب و السّلم في وقت واحد .

فإذا نظرنا إلى الإوضاع الاقتصاديّة و السّياسيّة العالميّة ، و بخاصّة في بؤر التّمويل المنظّم للإرهاب و الأكثر استهتاراً بقواعد القيم العالميّة ، و كذلك في الاقتصادات الأوربيّة المنخرطة في دعم هذه الظّاهرة البربريّة المتوحّشة ، و في ما بعد في الغرب الأميركيّ الذي تتداعى فيه قيم الإيمان بالعدالات الاجتماعيّة ، و هي الظّاهرة التي تجتاح جميع أصقاع العالم المعاصر ..

فإنّه ليس من الصّعب أن لا نرى أنّ الخطّ البيانيّ المتفاقم النّزعة التّصاعديّة ، قد وصل إلى ما يُقارب نهاياته الحدّيّة التي ترتبط بانفراغ الشّحنة الشّموليّة للعنف العالميّ ، في مَصَبّ ِ الحاجة إلى تغيير و تبديل كلّيّين في أساليب الصّراع العالميّ المباشر و الرّمزيّ ..

بحيث أنّ الفكرة العالميّة نفسها على الصّراع على النّفوذ ، أخذت تخضع إلى ما يُشبه المراجعة النّقديّة الاتّفاقيّة ، على رغم أنّ بعضَ الظّواهر السّلبيّة في بعض المواجهات الدّوليّة التي ننظر ، نحن ، إليها على أنّها واضحة التّأقيت ، توحي بعكس ما هي ، فعلاً ، عليه من رمزيّات تنبيهيّة و حسب ، أكثر ممّا تُبدي في قشرتها الخارجيّة من ”مواقف” تاريخيّة بآفاق من الرّعب المهدّد للتّفاهمات الفعليّة العالميّة ..

و ذلك في أكثر مكامنها سرّيّة و خصوصيّة و اختصاصيّة و إتقانا و غير خاضعة للإشهار العالميّ ، الذي يُعتبر من آخر اختصاصات الشّعوب في المشاركات الثّقافيّة و من نافل ما يحتاجه عمليّاً ، أو ممّا هو مسموح لها به أو متاح ، أو ممّا يفهمه الدّارسون و البحّاثة و ”الاستراتيجيّون” في الاستهلاك الوظيفيّ في خطاب الدّعاية و الإعلام و الإعلان!

بمعنًى آخَرَ فإنّ الانقطاع التّاريخيّ الثّقافيّ و السّياسيّ بين الجسور الواصلة ما بين المجتمعات ، و الذي أدّى إلى تفاقم بعض الظّواهر العُنفيّة في مختلف بقاع العالم ، قد أزفت نهايته المفضية إلى جملة من الحلول العالميّة ، بالاتّفاق ، و لو أنّها ربّما ستكون نهاية دورة عالميّة من دورات الصّراع على النّفوذ و المصادر و الموارد و الأفكار ، سوف يستغرق التّحضير ، بعدَها ، لدورة عالميّة جديدة من التّوتّرات ”المسوّغة” دوليّاً ، فترة من الزّمن تُقاسُ ، عادة ، بالعقود الطّويلة ؛ و هو ما يعني ، عندها ، نفادَ الوظيفة العالميّة بشبْهِ تجاوزٍ للعنف الاقتصاديّ و الاجتماعيّ و الثّقافيّ و السّياسيّ ..

و هذا الأمر هو ما نشير إليه ، بلغة الفكر السّياسيّ ، على أنّه استنفادٌ لتشكيلة تاريخيّة لمضمونها العمليّ الحَدّيّ ، بما في ذلك من اقتطاعات كبرى لمسافات تاريخيّة من الزّمان ؛ فيما لا يعود التّاريخ إلى ”عنفه” الضّروريّ ، إلّا في الوقت الذي يكفّ فيه ”الواقع” العالميّ عن قدرته على إرضاء الموضوعيّة التّاريخيّة ، بما هي مأخوذ فيها بالاعتبار ذاتيّة حاجةِ حركةِ التّاريخ ، نفسها ، إلى مرحلة تالية من العنف الموضوعيّ ، تكون ضروريّة عند انسداد آفاق القيمة الوجوديّة من دون القوّة و العنف و المغزى البشريّ في التّناقض و الصّراع ، بما في ذلك تفاقم الموانع أمام المصالح و الأفكار القابلة للعلاقات التّسوويّة بين الدّول .

و في إطار ذلك يفشلُ الكثيرون من السّاسة و القادة و الزّعماء العالميين الذين يرتجلون السّياسة كما يجري ارتجال ردّ الفعل للفعل ، و هكذا يسقط الكثير من الأفكار و الأشخاص الهُواةُ في السّياسة ، في مأزق الامتحانات التّاريخيّة لِمَلَكَةِ الحكمة و التّسييس الفطريّ التي تطبع البعضَ بصفات الوعي الواقعيّ ، بينما يتراجع البعض الآخر إلى الدّرجة الثّانية أو الثّالثة من الوظيفة السّياسيّة العالميّة ، بوعي مُتَدَنٍّ موظَّف من أجل مجرّد إكمال المشهد التّاريخيّ و تعبئة فراغاته في ”التّشكيل” .

15▪ لطَالما كان ”الشّرق الأوسط” محلّاً ”مفضّلاً” للنّزاعات العالميّة منذ منتصف القرن العشرين . و ليس من الصّعب على التّفكير السّياسيّ الواقعيّ إدراك جملة الأسباب الدّاعية إلى ذلك :

• شعوبٌ متخلّفة ..

• و دول كرتونيّة ..

• و ثروات طائلة ..

• و ” أسلوب إنتاج ” ما قبل الحضاريّ تتداخل فيه مجموعة معقّدة من ” أساليب الإنتاج الآسيويّ” ..

• في غياب شبه كامل لواقع و مفهوم الحضارة و التَّحَضّرِ و المدنيّة و مبادئ ”النّظريّة السّياسيّة” العقلانيّة ..

• و مجتمعات غير متعضّية ، و جماعات متناحرة ، و ثقافات يقينيّة متصارعة ، و آلهة متعدّدة و عدوانيّة و عدائيّة و عدوّة ..

• و إفقارٍ شَرسٍ و متعمَّد لهذه ”المقاطعة” – “الضّاحية” من الإنسانيّة ..

• و آفاق علميّة محدودة

• و أسواق نموذجيّة لتكديس السّلاح الحديث و المتطوّر باستمرار ..

• و مساحات استهلاك لا يَحُدّ منها شَيءٌ في قِطَاعَات تبذيريّة خياليّة من هياكل بشريّة مخلوقة من ذهب و أموال ..

• و منظومة تعايشيّة بين رأس المال المحلّيّ ورأس المال الاحتكاريّ العالميّ..

• و سوء إدارةٍ فظيع للموارد المتعدّدة و الثّروات الوظيفيّة لتطويع الحرمان و الجوع و الشّعوب ، إلخ ..

• و فوق كلّ ذلك ما يحتاجه وجود ( “ إسرائيل” ) ، من تقييد و تعويق ، في المكان .

16▪ أمام هذه الصّورة المفزعة من صناعة التّخلّف و التّخلّف القهريّ ، فإنّ الحلول لن تكون ، بطبيعة الحال ، حلولاً أخلاقيّة ، كما يمكن أن يرغب البعض ؛ و إنّما سوف تتركّز تلك الحلول ، أساساً ، على ”المصالح العالميّة” للدّول الأقوى و القادرة على تحديد و جهة ”التّطوّرات” العالميّة ، بما في ذلك العمل على إغلاق ”الخزّان” البشريّ للإرهاب و إطفاء جذوة انتشاره ، و تجفيف مصادر و منابع إنتاج الأيديولوجيا الإرهابيّة المتمثّلة ، اليوم ، بالإسلام السّياسيّ ، و ”مصادرة” مراكز التّمويل و التّحفيز التي يستمدّ منها ”الإرهاب” تكاثره و عزيمته و زخمه ..

و هذا كلّه مع مواصلة ”إفقار” دول و مجتمعات منطقة هذا ”االشّرق” ، و تشييد السّدود و الموانع في وجه إعادة إنتاج ”الطّبقة الوسطى” بعد أن تمّتْ تصفيتها في الحرب المعاصرة ، و بخاصّة في (سورية) ، مع محاصرة بعض الفئات الطّبقيّة الجديدة التي ظهرت و أثْرَتْ نتيجة لاستغلال حاجات المجتمع في الحرب ..

و ضماناً للتّمهيد للخروج من هذا المشهد الذي ربّما يبدو طويلاً أمام هذه المُحدِّداتِ ، فإنّ ”عَلى” العالم أن يقود محاولات عمليّة سياسيّة في دول هذا ”الشّرق” ، واسعة ”الطّموحات” ..

المهمّ فيها هو إدامة أزمنة التّوتّر الاجتماعيّ و السّياسيّ و إطالة وقت استغلال أوهام أصحاب مشاريع ”الحرّيّات” و ”الدّيموقراطيّات” و ”حقوق الإنسان”(!) ، كوقودٍ أساسيّ لتعمير الأزمة زمناً إضافيّاً ، و ذلك بغرض إلهاء المجتمعات و الدّول بالعمليّات السّياسيّة الواهية و التي لن تُفضي ، في النّهاية ، إلى أيّة نتيجة عمليّة يحلم بها البعض أو يرضاها و يقبل بها الجميع .

17▪ قد تبدو هذه التّحوّلات تكريساً لما نعيشه اليوم من نتائج هذه الحرب ، لولا أنّها أصبحت هدفاً سياسيّاً عالميّاً بحدّ ذاته ، متجاوزة كونها من النّتائج العابرة للحرب ..

و نحن ، هنا ، لا نعمل على إشاعة أسرارٍ و لا نقدّم تصوّرات إنشائيّة على تهويلات سياسيّة ، و لكنّنا ننظر بعين الواقعيّة االسّياسيّة التي تفترض بنا أن نلاحظ أنّ الحرب لم تكن لتقوم ، لو لم يكنْ على أهدافها أن تتجاوز النّتائج العابرة نفسها ، و التي صارت ، بحكم الواقع ، من المعالم المزمنة و المرشّحة للدّيمومة ، طالما أنّه ليس هنالك ما يُشكّل البديل ”الضّروريّ” لتغيير هذا الوجه السّياسيّ ، الذي كان ثمرة ناضجة للحرب كما كان من المعالم المقيمة و العميقة للمكان الرئيسيّ ، الذي كان مسرحاً عمليّاتيّاً لهذه المعارك التي استغرقت أو سوف تستغرق ، في الأقلّ ، عقداً من الزّمان .

18▪ كان ، ربّما ، سيختلف وجه منطقتنا هذه ، و وجه العالم ، لولا أنّ وجود (“إسرائيل”) قد شكّل المحدّد التّاريخيّ الأهمّ للمعالم ”الحضاريّة” العامّة للمنطقة ..

و على ذلك فإنّ جزءاً من التّحوّلات المنتظرة هو أيضاً ذو طابَع ”ديموغرافيّ” . و نحن ننظر إلى هذا الأمر بمعًنى يختلف عمّا هو مستقرّ في أذهان السّياسيين المزيّفين من أنّ التّغييرات الدّيموغرافيّة التي تشتمل عليها نتائج هذه الحرب ، تتعلّق بالتّوزيع ”العرقيّ” و ”الدّينيّ” و ”المذهبيّ” و ”الطّائفيّ” الجديد الذي يجري العمل عليه من خلال تثبيت نتائج الحرب على الأرض ..

بل علينا ، و بتحرّريّة ذهنيّة سياسيّة مدروسة ، أن ننظر إلى العامل ”الدّيموغرافيّ” كعامل اجتماعيّ و إنسانيّ على مداه المتوسّط أو البعيد . إنّ مظاهر من مثل تحجيم و إزالة بعض الوجوه الاجتماعيّة ، كتلك ”المؤامرة” التي تستهدف ”الطّبقة الوسطى” الاجتماعيّة ، سوف يكون لها تطبيقات أوّليّة جوهريّة و حاسمة ، و هي التي تتعلّق بثقافات الإنجاب و العيش و الاستقرار و الهجرة و الّلجوء .. إلخ ..

و التي ستكون جزءاً أوّليّاً من عدم الاستقرار الدّيموغرافيّ و الذي يعني في أصوله نسبة عدد االسّكان ، و حجم الوجود الفاعل ، إلى المساحات المشغولة من الأراضي الوطنيّة ، و ذلك في شكل متوازن و عادل يتبع مصادر الرّزق التي توفّرها المدنيّة من عمل و رأسمال وطنيّ و أسلوب إنتاج و ثقافةِ عمالةٍ و توزيعٍ للمنتج القوميّ ، على أهداف و مُحفّزات التّطوير و التّنمية و الرّفاهيّة ، التي تبقى من المشاغل الأساسيّة لإنسان هذا العصر .

19▪ سوف يستغرق استقرار المكان و المنطقة الأضيق ، على أساس ما تقدّم ، شوطاً من الزّمن الذي سوف يتحكّم بطوله النّسبيّ أو المطلق ، عوامل مختلفة ، عسكريّة و سياسيّة و اقتصاديّة و اجتماعيّة ، لن يكون تصوّر واقعيّتها ممكناً ما لم تخلق الدّول الوطنيّة في ”المنطقة” لمجتمعاتها فرصاً تقع ، حتّى الآن ، خارج مبادئ الخطط التّقليديّة للتّنمية و الثّقافة و المعرفة و الأخلاق ..

و أيضاً ما لم تجترح ”الدّولة” لها فلسفات ، بالجملة ، على الثّقافة و التّربية و التّعليم ، و الاقتصاد و الإنتاج و التّوزيع ..

و هذه مهمّات لا تدخل ، حتّى اليوم ، في أفق تصوّرات الدّول و الحكومات المتوالية التي قُيّضَ لشعوب المكان أن تعيش في ظلّها حتّى اليوم .. !

20▪ هكذا ينحدر العالمُ المعاصر من ، أو ينكفئ ، بالأحرى ، إلى مقايَضات جبريّة ما بين الأقوياء ؛ و في غضون ذلك ، فإنّنا أصبحنا ، محلّ تجربة عالميّة تقتضي أن لا نستسلم لها استسلامَ الصّاغرين ، بل و يتحتّم علينا ، في هذه الغُضون ، أن نُعيد تفكيرنا في مراجعات نقديّة عميقة و شاملة لممتلكاتنا الثّقافيّة بواسطة ما هو متوفّر لدينا ، و ربّما بما لم يتوفّر بعدُ ، من الوقوف بوضوح أمام هذه التّحدّيات ..

و في هذا السّياق .. تحتاج ” الدولة ” إلى أكثر بكثير من الاستجابة لمواجهة التحديات العمرانية ، وتحتاج أكثر إلى أن تصيخ السمع عميقا إلى ”الخطاب المعرفيّ” الذي يتشكّلُ ، بالضّرورة ، كواحد من الوسائل المعقوليّة المتاحة أمام العقلانيّة ؛ تحت طائلة خطورة إعادة إنتاج هذه الحرب بأدوات جديدة و وسائل أكثر من مُعاصِرة ..

حيث لن يتوفّر للعنف العالميّ بيئة أكثرُ إخصاباً من هذه البيئة التي نقف ، اليومَ ، على تخومها الكتيمة ، و هو ما لن يسمح لنا التّاريخ أن نُطيل التّردّد فيه ، أو أن نتساهل مع اختبارات قدّمت جميع مضامينها و تجرّدَتْ من جميع أخلاقيّاتها ، و هي تنتظر القرار مِن صانعي القرار ، بوصفِهم أصحاب قرارٍ .

ومما لا شك فيه ، أن صانع القرار السوري الذي تمكن من إجهاض وإفشال أخطر مخطط استعماري لتمزيق هذا الشرق .. سوف يكون قادرا على تصويب الحيدانات الداهمة وعلى تمنيع وتحصين الدولة والمجتمع ، بما يؤهلهما لمواكبة ركب الحضارة ، بل والسير في مقدمته .

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.