الأردني يسأل: هل تتمدد المملكة الهاشمية؟ / بسام البدارين
بسام البدارين * ( الأردن ) الأربعاء 17/6/2015 م …
الحديث عن توسع محتمل للمملكة الأردنية الهاشمية في ظل أجواء الاقليم المتوترة والمفتوحة على كل الاحتمالات ينطوي برأيي الشخصي على «خطأ بصري» وحالة «حول» في التفكير السياسي ليس لأن سيناريوهات توسع أو توسيع المملكة الأردنية ضعيفة أونسبية ولكن أيضا لأن الأردن قد لا يكون جاهزا لمثل هذه السيناريوهات.
الساحة المحلية وطوال الأسبوع الماضي دخلت في حالة هوس في تبادل المعلومات والتقديرات بعد نظرية تحت عنوان توسيع المملكة طرحها أحد الزملاء من باب الاجتهاد في التحليل.
اللافت في هذه المقام هو تلك النظريات المعلبة التي تغادر النقاش في الموضوع وتبدأ في الإسترسال بالحديث عن تسريبات مقصودة أو مغرضة.
محليا شغف الناس في تبادل المعلومات والبحث عن الحقائق يعزز القناعة ببناء فرضيات هنا وهناك.
وغياب المعلومات الواضحة الصريحة من أصحاب القرار يطلق عنان المخيلة الشعبية ويعزز مساحة غير واقعية قد تبنى على الرغبة وليس على القدرة وقد تتمركز في منطقة الاجتهاد والتحليل خصوصا وان الشخصية المحلية تميل إلى الافتاء واصدار التحليلات وهي تحاول توظيف واستثمار وسائط التواصل الإجتماعي.
هنا حصريا لا حدود لمخيلة الناس ويمكن في حال متابعة تعليقات الأردنيين على الفيسبوك مثلا التمتع بوجبات دسمة جدا من الضحك المتواصل حيث تتعملق الأقزام وتبرز القصص وتتضخم ويظهر الشطط في التحليل والتفكير والتأويل والتفسير وكأن البلاد تمتلئ بالمفكرين والمحللين رغم ان المشكلات البسيطة التي يواجهها المواطن الأردني تدلل على افتقار الحالة الوطنية للمفكرين والمثقفين الذين يمكن الاستماع إلى اجتهاداتهم وتحليلاتهم ورغم ان نفس الحالة تدلل ايضا على ان دوائر صناعة القرار خالية أصلا من الطبقة المفكرة والمثقفة.
بتقديري لو وجدت في مواقع القرار ومساحات النخب القيادية المتصدرة الآن في المجتمع شخصيات مؤهلة للتفكير العميق وتتمتع بقدر من الثقافة لما واجهنا كمواطنين العديد من المشكلات المستعصية.
الدولة الأردنية عميقة ومتمرسة وخبيرة وهذا ما يشكل عنصر اطمئنان لنا جميعا لكن افضل ما يمكن ان تنجزه المؤسسة الأردنية في هذه المرحلة العصيبة من تاريخ المنطقة هو حصريا الحفاظ على الحدود الأردنية حاليا مما يدفعني للاعتقاد بان الحديث عن احتمالات توسع شرقا باتجاه العراق او شمالا باتجاه جنوب سوريا حديث ينطوي على مبالغات وتهويل وتغميس خارج الصحن والطبق.
القيمة المضافة الأساسية للمؤسسات الأردنية تتمثل اليوم في الحفاظ على حدود المملكة الأردنية الهاشمية كما نعرفها.. حتى اعوام قليلة كان يقال لنا كمواطنين بأن اهم منجز لإتفاقية وادي عربة المشؤومة هو تثبيت الحدود مقابل الكيان الاسرائيلي الصهيوني السرطاني.
كنت أتمنى كمواطن عربي اردني ان اساهم مع دولتي في التوسع باتجاه الضفة الغربية وفلسطين خصوصا وان الضفة الغربية بالمعنى الدستوري والقانوني لازالت تمثل الجزء المحتل من المملكة الأردنية الهاشمية أو يمكن حتى لا يغضب البعض اعتبارها «وديعة» ضاعت خلال الإدارة الأردنية.
يعني الكلام ان الحديث عن توسعات هنا وهناك خارج معادلة الاستحقاق الدستوري قد يكون مفيدا لطرف نشتبه به أصلا في اثارة كل مشكلات المنطقة وهو اسرائيل.
نشتم رائحة اسرائيل كطرف مستفيد من كل التفاصيل سواء عندما يتعلق الأمر بسايكس بيكو الطائفي الجديد للمنطقة او بولادة ظاهرة قاطعي الرؤوس او بالتنظير للتحشيد الطائفي السني والشيعي.. كلما ارتكبت مجازر وساد الدمار وظهر المتطرفون استفادت اسرائيل لأن هذه الامة المبتلاة تنشغل في نفسها.
على هذا الأساس يمكن قراءة التأويلات المبالغ فيها وان كان من حق العاملين في الحقل السياسي والإعلامي طرح الاجتهاد أو التحليل.
يسأل المواطن الأردني نفسه.. كيف ستتوسع دولتي أو مملكتي ؟.. سؤال سهل في ظل الفساد الذي يعيث بالمنطقة وشعوبها ودولها والإجابة صعبة جدا فالتصدي على سبيل المثال لظاهرة الغش في الإمتحانات تطلب عملا لمدة عامين واجتماعات تنسيق امنية وأموال وكوادر بشرية حتى أصبح اقامة امتحان للثانوية العامة بدون غش منجز وطني يستحق الأوسمة ويحتفل به القوم.
عشرات الإستراتيجيات وضعت لمواجهة ظاهرة العنف الجامعي دون فائدة.. بلاد تعاني من عدم وجود السوائل حيث لا ماء ولا بترول وعجز الميزانية كبير والفساد او الكلام عن الفساد انهك الجميع والمشكلات الإقتصادية تتكاثر وتؤدي لإحتقانات هنا وهناك.. كيف يمكن الانتقال لمغامرة كبيرة في ظل هذا الوضع الاداري المتهالك إسمها توسيع حدود المملكة ؟
الدولة الأردنية أبدعت في الربيع العربي إلى حد كبير والحفاظ على هيبتها اليوم واجب وطني مقدس واذا توافرت نوايا محتملة للغرق في مستنقع التوسيع المحتمل قد تكون هذه النوايا خبيثة وتضمر للأردنيين ومستقبلهم ودولتهم الشر وأفضل ما يمكن ان يفعله القرار السياسي تجنب هذا ـ المنزلق ـ اذ كان صحيحا.
فالأردن اليوم بالرغم من مشكلاته الاقتصادية واحة للإستقرار والأمن والأمان وتجربة فريدة من الشرعية وهو وضع نشعر بالقلق عليه اذا كانت مثل هذه السيناريوهات مطروحة فعلا وهي بتقديرنا الشخصي ليست كذلك.
الخطأ البصري صعد لواجهة الأحداث بعد بروز الشغف في محاولة قراءة المواقف الأخيرة التي استهدفت رفع الروح المعنوية والشعبية ليس اكثر برأينا ونتحدث هنا عن استراتيجيات الردع العسكري ورفع الراية الهاشمية وبرنامج تسليح العشائر السنية في العراق وسوريا وعن الكلام عن الدفاع بعمق.
ما نتصوره بالسياق محاولة ايجابية وخلاقة للإنطواء على حماية الذات وحماية الحدود ليس أكثر من ذلك.
❊٭ مدير مكتب «القدس العربي» في الاردن
التعليقات مغلقة.