العنصرية أعلى مراحل الاستبداد / محمد سيف الدولة
محمد سيف الدولة ( مصر ) الخميس 18/6/2015 م …
((تعنى المواطنة ان يتساوى الجميع أمام القانون، لا فرق فى ذلك بين مسلم و مسيحى، أو غنى و فقير، أو رجل و امرأة، وكذلك لا فرق بين ليبرالى و اشتراكى وقومى و اسلامى))
***
تجاوز الاستبداد فى مصر، مرحلة العصف بالحياة و بالحقوق والحريات و بالعدالة، الى مرحلة التمييز العنصرى. فالنظام الحاكم يتبنى هو والقائمون عليه والمروجون له، خطابا وسياسة عنصرية اقصائية اجتثاثية تجاه كل الخصوم والمعارضين، لا فرق فى ذلك بين اسلامى وغير اسلامى.
من اول وصم الاسلاميين بانهم شعب آخر، مرورا بشيطنتهم محليا ودوليا بأنهم يهددون البشرية((خطاب السيسى عن تهديد 1.6 مليار مسلم لباقى البشرية))
والى آخر حظر كل المعارضين والخصوم السياسيين، وتجريدهم من وطنيتهم ومواطنتهم وحقوقهم وحرياتهم الدستورية والقانونية، واعتبارهم ارهابيون وجواسيس، أو خونة وعملاء، يتوجب قتلهم وسفك دمائهم وإعدامهم بالجملة أو سجنهم مدى الحياة فى محاكمات تفتقد أبسط الضمانات القانونية.
***
وهى حالة لم نرَها فى مصر من قبل، او فلنقل اننا لم نرَها بمثل هذه الدرجة من القسوة والتحريض؛
فلقد تعرض الشيوعيون والاخوان فى الخمسينات والستينات، والناصريون واليسار فى زمن السادات، والجماعات الاسلامية فى زمن مبارك، الى حملات تحريض وكراهية، ولكنها لم تبلغ أبدا هذه الدرجة من العنصرية والخطورة.
انها حالة شبيهة بعنصرية العدو الصهيونى تجاه الفلسطينيين، أو الاستعمار الاوروبى تجاه باقى شعوب العالم، والتى بلغت ذروتها فى الفاشية والنازية. أو سنوات الفصل العنصرى فى جنوب افريقيا، أو العنصرية البيضاء ضد الزنوج ومن قبلهم الهنود الحمر فى الولايات المتحدة الأمريكية.
ولكن الجديد اليوم، انها عنصرية تمارسها السلطة وجماعاتها، ضد مواطنين ينتمون الى ذات الشعب، مواطنين شركاء لنا فى الوطن والتاريخ والمستقبل والحضارة .
***
والأخطر ان جرثومتها، امتدت الى عدد من الشخصيات والمؤسسات المدنية والسياسية، التى لم تجد أى غضاضة فى الكيل بمكيالين فى الحقوق والحريات وتطبيق القانون؛ فشيماء لا تتساوى مع سندس. والحسينى أبو ضيف فوق باقى شهداء الاتحادية. وضحايا محمد محمود شهداء، بينما قتلى رابعة والنهضة والحرس الجمهورى و ترحيلات أبو زعبل، مجرمون. وماهر و دومة وعلاء عبد الفتاح لهم الاولوية عن آلاف المعتقلين الاسلاميين. وخميس و البقرى غير قيادات الاخوان. وشهدى عطيه و خالد سعيد أسمى من سيد بلال ومحامى قسم المطرية كريم حمدى. وعبد العظيم أبو العطا غير كمال السنانيرى و فريد اسماعيل ومحمد الفلاحجى، وهكذا.
وكذلك فى الحياة السياسية، وبعد ان اتفق الجميع على اقصاء الاسلاميين واجتثاثهم، أخذوا يشتبكون فيما بينهم على قانون هنا او قرار هناك يرون أن فيه مساسا بأحزابهم أو حقوقهم وحرياتهم. وفقا لقاعدة أن الاستبداد حلال على الاسلاميين، حرام بيننا.
ورغم أن كل الدساتير والقوانين تنص على الحقوق والعدل والمساواة للجميع، حيث لا مجال للحديث عن الكراهية أو الخصومة او المصالحة العامة، او الإدانات والعقوبات جماعية، إلا أنهم أطلقوا حملات لا للمصالحة، على غرار شعارات مؤتمر الخرطوم فى 1967 لا صلح ولا تفاوض ولا اعتراف فى مواجهة اسرائيل. تلك اللاءات التى تخلى عنها النظام الحاكم منذ انور السادات حتى يومنا هذا. لقد صالحوا العدو الصهيونى، ويرفضون مصالحة المصريين بعضهم البعض.
اننا هنا لا نتحدث عن المواقف والمرجعيات والصراعات السياسية، بل نتكلم عن الحقوق والحريات والعدالة التى لا تفرق دستوريا وقانونيا بين المواطنين على اى أساس كائنا ما كان.
وبالطبع نستثنى من هذه الظاهرة العنصرية، كل الشخصيات والمجموعات الحقوقية التى لا تزال ترابط وتناضل من اجل حقوق الجميع بما فيهم المختلفين معهم.
***
ولا شك ان جرثومة التكفير الطائفى أو العنصرى، قائمة ايضا لدى عدد من الاسلاميين فى مصر، ولكنها لم تتحول بعد، الى ظاهرة عامة وطاغية ومكتسحة كما هى لدى السلطة وجماعاتها اليوم، ربما فيما عدا الجماعات الارهابية التى لا تزال حتى الآن تمثل ظاهرة محدودة ومحصورة، ندعو الله أن تظل كذلك.
وحتى لو افترضنا جدلا ان الاسلاميين كلهم طائفيون فلا يصح أبدا ان تكون السلطة الحاكمة وأجهزتها الأمنية والاعلامية والقضائية كذلك، لأن السبيل الوحيد لمواجهة الطائفية والتطرف هى بسيادة العدل وتطبيق القانون على الجميع بلا اى تربص أو انحياز أو تمييز.
ان المقتل فى هذه العنصرية السلطوية الموجهة، يتمثل فيما ستصنعه من ردود فعل مضادة شديدة الخطورة، فهى تخلق بيئة حاضنة ومفرخة للعنف والارهاب، مشابهة لتلك التى ضربت عديد من الاقطار العربية، وأسقطتها فى مستنقعات من حروب الكراهية الطائفية والعنصرية، التى تبيد وتبتلع كل ما أمامها لا فرق فى ذلك بين بشر وشجر وحجر.
***
قراءة فى المواثيق الدولية:
• لقد بحثت فى المواثيق الدولية عن توصيف لهذه الحالة المأساوية الغريبة عن مصر، فلم أجده فى المواثيق الكلاسيكية للحريات السياسية والمدنية، ولكنى وجدته، مع الأسف، فى المواثيق التى تحظر كل اشكال التمييز والعنصرية، ومنها الإعلان الصادر عن المؤتمر العام لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة، فى دورته العشرين، يوم 27 نوفمبر 1978 بشأن العنصر والتحيز العنصري، وكذلك الاتفاقية الدولية للقضاء علي جميع أشكال التمييز العنصري، الصادرة عن الأمم المتحدة فى ديسمبر 1965. ولنقرأ معا بعض ما ورد بها فيما يلى، لكى نرى كيف أن الحكاية قد تجاوزت الاستبداد الى عنصرية مقيتة:
• يولد البشر متساوين في الكرامة والحقوق ويشكلون جميعا جزءا لا يتجزأ من الإنسانية.
• يحق للبشر أن يتغايروا في أساليب العيش، وان يكون بينهم فروق مصدرها تنوع الثقافات والظروف البيئية والتاريخية، وان يحافظوا علي هويتهم الثقافية.
• كل نظرية تنطوي علي الزعم بأن هذه أو تلك من الجماعات .. هي بطبيعتها أرفع أو أدني شأنا من غيرها، موحية بأن ذلك يمنح جماعات معينة حق التسلط أو القضاء علي من تفترضهم أدني منزلة… هي نظرية لا أساس لها من العلم ومناقضة للمبادئ الأدبية والأخلاقية للإنسانية.
• تشمل العنصرية أية مذاهب عنصرية، وأية مواقف تحيزية، وأية أنماط من السلوك التمييزي … تسفر عن تفاوت عنصري.
• كما تشمل الدعوى الزائفة بوجود مبررات أخلاقية وعلمية لقيام علاقات تمييزية بين الجماعات. وهي تنعكس في صورة أحكام تشريعية أو تنظيمية وممارسات تمييزية .. تشيع الفرقة بين أبناء الأمة الواحدة…
• والتحيز العنصري يرتبط تاريخيا بعدم مساواة في السلطة، وتعززه فوارق اقتصادية واجتماعية بين الأفراد وبين الجماعات .
• يحظر كل قيد علي حرية البشر .. يناقض مبدأ المساواة في الكرامة والحقوق.
• يجب أن تحث وسائل الإعلام … علي تعزيز التفاهم والتسامح والود فيما بين الأفراد والجماعات، وعلي الإسهام في استئصال العنصرية والتمييز والتحيز العنصريين وخصوصا بالامتناع عن تقديم صورة للأفراد أو لبعض الجماعات البشرية نمطية القالب أو مغرضة أو أحادية الجانب أو متحيزة.
• تتحمل الدولة المسؤولية الأولي عن كفالة حقوق الإنسان وحرياته الأساسية لجميع الأفراد وجميع الفئات، علي قدم المساواة التامة في الكرامة وفي الحقوق.
• يشكل التشريع .. واحدة من الوسائل الرئيسية لكفالة المساواة بين الأفراد في الكرامة والحقوق، ولكبح أية دعاية أو أية صيغة تنظيمية أو أية ممارسة .. تحاول تبرير أو تشجيع الكراهية والتمييز العنصريين علي أية صورة.
• أي شكل من أشكال التمييز العنصري الذي تمارسه دولة ما يشكل انتهاكا للقانون الدولي يستتبع مسؤوليتها الدولية.
• يقصد بتعبير “التمييز العنصري” أي تمييز .. يستهدف أو يستتبع تعطيل أو عرقلة الاعتراف بحقوق الإنسان والحريات الأساسية أو التمتع بها أو ممارستها، علي قدم المساواة، في الميدان السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي أو الثقافي أو في أي ميدان آخر من ميادين الحياة العامة.
• تتعهد الدول بضمان حق كل إنسان … في معاملة علي قدم المساواة أمام المحاكم وجميع الهيئات الأخرى التي تتولى إقامة العدل.
• والحق في الأمن علي شخصه وفي حماية الدولة له من أي عنف أو أذى بدني، يصدر سواء عن موظفين رسميين أو عن أية جماعة أو مؤسسة،
• تكفل الدول الأطراف لكل إنسان داخل في ولايتها حق الرجوع إلي المحاكم الوطنية وغيرها من مؤسسات الدولة المختصة لحمايته ورفع الحيف عنه علي نحو فعال بصدد أي عمل من أعمال التمييز العنصري.
***
وفى النهاية أختم هذه السطور، بنداء الى كل مصرى عاقل و رشيد، أياً كانت مرجعيته او مواقفه أو انحيازاته الفكرية و السياسية: ” انقذوا مصر من هذه الكراهية السوداء، فالعنصرية كالطائفية تهدم وتبيد الأمم والأنظمة والدول، لا تستثنى منهم أحدا.”
التعليقات مغلقة.