رضي الاردن بالهم لكن الهم لم يرض به حلفاؤه (الالداء) / د. عبد الحي زلوم

د. عبد الحي زلوم* ( الأردن ) الثلاثاء 25/9/2018 م …




اعترف اني لست سياسيا ولم أكن ارغب او اطمح بان اكون كذلك في اي يوم من الأيام، لكن السياسة والاقتصاد هما وجهان لعملة واحدة مما يدعوني احياناً الى الكتابة في الاقتصاد السياسي.

فالضغوطات الاقتصادية التي تواجه الاردن اليوم تجعل الاردن ونظامه مستهدفين من اجل هدف سياسي هو تصفية القضية الفلسطينية على حساب الاردن وفلسطين معا، مما يفسر تزامن تجويع الشعبين الفلسطيني والاردني في آن واحد هذه الايام بما فيها من قرارات قطع المخصصات عن المستشفيات والغاء المساعدات حتى لأنظمة التعليم والمدارس لمئات الاف اللاجئين وبطريقة استفزازية واستعراضية. لذلك فالكل مستهدف هذه الايام من راس النظام وحتى اصغر طفل اصبح تأمين حليبه امراً مستعصياً لفئة غير قليلة من المواطنين. ولعل اول المطلوب هو تعريف من هو الحليف أو الصديق أو العدو ويبدو أن هناك التباساً في هذا التعريف.

ليس هذا هو وقت مزايدات ولا تصفية حسابات لكنه وقت مراجعة لصلاحية الاساسيات الاقتصادية والسياسية والتي من الواضح جداً أنها مليئة بالتناقضات. وحيث ان موضوع الساعة هو اقتصادي فلتكن البداية من هنا.

من الواضح دون مبالغات ان الوضع خطير وقد يكون غير مسبوق، ولا يمكن استمراره ولا معالجته عن طريق العلاقات العامة فقط لتمريره عبر القنوات التنفيذية والتشريعية. علماً بان التواصل ما بين الحكومة والشعب الذي تم مؤخراً هو اسلوب ٌ حضاري وحميد ومفيد للحكومة لكي لا تكون في برج عاجي وللشعب ليطلع على الممكن وغير الممكن بعيداً عن المزايدات.

إن الحلول المطروحة لتاريخه هي محاولة لمعالجة النتائج وليس اسباب المشاكل. فبرنامج الجباية المطروح حالياً هو واحدٌ من عدة برامج متتالية ثانيها كما تعلم الحكومة بعد شهور وآخرها لا ينتهي حتى يوم يبعثون لو بقينا ضمن تناقضات المنهج الاقتصادي الحالي.

السؤال الاول الذي يجب على الحكومة أن تجيب عليه هو اي نظام اقتصادي هو منهجنا؟ المفروض أنه النظام الراسمالي، لكن المطلوب من الاردن هو عكس الاسس الاقتصادية لذلك النظام. في الراسمالية عندما يتباطئ الاقتصاد ولتحفيزه يخفف العبئ الضريبي على المواطنين بل لدرجة ان دائرة الضريبة (IRS) في الولايات المتحدة تقوم بارجاع رديات بشيكات ترسل بالبريد للمواطنيين . ما يطلبه صندوق الاستعمار الجديد من الاردن هو العكس تماماً. كذلك عند تباطئ الاقتصاد يقوم البنك المركزي الامريكي بخفض الفائدة وقد اوصلوها مؤخراً احياناً الى قرابة الصفر، لكننا بالاردن نزيد الفائدة البنكية تبعاً لزيادة أو نقصان الفائدة الامريكية والتي توضع لمعالجة اقتصادها لزيادة النمو أو نقصانه. مؤخراً زادت الفائدة في الولايات المتحدة لضبط النمو وغلاء المعيشة فرفع الاردن الفائدة بالرغم من ان حالته الاقتصادية هي في انكماش اي عكس ما يجب أن يتم حسب قواعد الاقتصاد المفترض أننا نسير في موجبه ذلك لان الدينار مرتبط بالدولار مما يعطي نتائج عكسية . كذلك للاقتصاد الاردني خصوصية من اكثر الاقتصادات العالمية خصوصية منذ ولادته كدولة وظيفية . فبالاضافة الى صغر حجمه وشح موارده الطبيعية فهو من اكثر الاقتصادات تاثراً بعوامل خارجية واعتماده على المساعدات الخارجية وتقلب روافد الاقتصاد من تدفقات تحويلات الاردنيين العاملين في الخارج الى التأثيرات السياسية مثل اغلاق الحدود مع اهم شركاءه التجاريين كسوريا والعراق بل وتحميله اعباء الهجرات السكانية الناتجة عن حالات عدم الاستقرار في دول الجوار والتي تسبب بها حلفاءه المفترضون وتخلوا عن تحمل نتائجها. فهل يجهل الصندوق كل هذا ؟ الاكيد انه يدركها جيداً لكنه يتعامل مع ارقام صماء دون أخذ النتائج الاجتماعية والسياسية بالاعتبار . بالنسبة له اذا كان الضغط من اولياء اموره هو لتحقيق هدفهم السياسي فهو يقول “ولما لا فهذه وظيفتي“ كون الصندوق هو الذراع الاقتصادي للاستعمار الجديد. المهم على الدول أن لا تسمح بإدخاله الى اقتصادها . لكن الدخول في الحمام ليس كالخروج منه .

فلننتقل الى تعريف موقعنا السياسي . ليس سراً أن الاردن منذ نشأته خُلق لتحقيق خدمات امنية مقابل مساعدات . فلو قبلنا بهذه المعادلة ما دمنا اصبحنا نقدس حدود سايكس بيكو ولا نعتبر ان احد خياراتنا هو الوحدة أو الفدرالية أو الكونفدرالية مع دول الجوار العربية وليس الصهيونية

فعندها نقول إن الخدمات الامنية التي يقدمها الاردن بكفاءة مشهود لها هي اغلى بكثير في سوق الخدمات الامنية . فإذا كان للشر بدٌ فلنقبض (سعر السوق ) لمثل هذه الخدمات . في تقديرات الخبراء العسكرين فإن حماية الاردن لحدوده مع العراق اثناء تواجد قوات الاحتلال الامريكي في العراق بين 2003 و2010 قد وفر عشر الاف من الجيش الامريكي لحماية الحدود لمنع دخول الجهاديين الى العراق . كلفة الجندي الامريكي في ساحة القتال هي مليون دولار اي وفر الاردن 10 مليار دولار في السنة اي 70 مليار دولار عن تلك الفترة اي حوالي ضعف المديونية الاردنية! يقوم الجيش العربي الاردني بحماية حدود حلفاء الولايات المتحدة الرئيسين في المنطقة . اذا كان عدد الجيش الاردني الان ما يزيد عن حاجته التي تقدر في الاوضاع العادية بــ50 الف رجل فهذا يعني أن هناك 50 الف رجل خصصوا لحماية حدود حلفاء الولايات المتحدة من الجيش الذي قوامه الان 100 الف رجل. وبإحتساب الكلفة كما أعلاه فهي تساوي 50 مليار دولار في السنة .

كل هذه الحسابات بإفتراض أن للاردن دور وظيفي وقد قبله لكنه يتقاضى 1.5 مليار دولار اي 3% من السعر العالمي. واسارع لاقول أن الاوطان لا تقاس بهذه المعايير ولكننا لقد قبلنا بها فنحن نحمي حقول النفط في السعودية التي تنفق 6 مليار دولار في الشهر في حربها ضد الشعب اليمني لـ4 سنوات تقريباً وما يحتاجه الاردن يعادل اسبوعاً من مبالغ تدمير دولة عربية .

هذا لا يُعفي الاردن وحكوماته من المسؤولية عما وصل اليه الوضع هذه الايام . تقوم الحكومات بدور (ادارة الازمات ) وبأدنى قدر من التخطيط والذي تركت الكثير منه الى المنظمات الغربية كوكالة التنمية الامريكية وصندوق النقد والبنك الدوليين وخلقت هذه المنظمات مؤسسات موازية للوزارات بكلفة تزيد عن 3 مليار دولار في السنة اي بكلفة تزيد 10 اضعاف سنوياً عن قوانين الجباية المقترحة اليوم. وهذا امر يتنافى مع الف باء الادارة بإعطاء جهتين المسؤولية على اهداف واحدة.وهنا لا بد أن نضيف أن التسيب الاداري والاخلاقي هما سببان آخران يضافان الى مشاكل الاردن الاقتصادية والسياسية .

اما وقد ادلوت بدلوي في موضوع الساعة اليوم فأعيد التذكير بان الاردن شعباً ونظاماً مستهدفين ويجب التفكير بعقلانيةً بالخطوات القادمة وتحليل ما لكل خطوة وما عليها . لو كانت حزمة الضرائب المقترحة هي اخر الاحزان لقلت فلتكن . لكن المشكلة هي في حلفاءنا الالداء . استولى على البيت الابيض حفنةٌ من غلاة الصهاينة المسيحين واليهود وتولى ادارة ملف الشرق الاوسط نتنياهو عبر الثلاثي الصهيوني كوشنر وجرين بلات وفريدمان وصهاينة العرب ولو خرجنا من هذه الازمة لاوجدوا لنا اخرى ما دام الهدف سياسياً وما دمنا متمسكين بمنهجنا السياسي والاقتصادي وهذه هي المشكلة.

كذلك فالمشكلة اليوم هو أن الاردن قد وضع نفسه للاسباب أعلاه في موقف ضعيف يمكن ابتزازه به عن طريق هجوم اقتصادي ينتج عنه انخفاض مفاجئ لسعر الدينار مما سيكون له عواقب كارثية . ولكن اي موافقة على حزمة الضريبة المقترحة يجب ان تكون ضمن حزمة من الاصلاحات القابلة للتحقيق لبرنامج زمني واضح لكل مدخلاتها ومخرجاتها ووضع خطة لمعالجة الخلل في اساسيات النظام . نرجو الله ان يحمي الاردن من (حلفاءه واشقاءه الالداء ) فمعهم فهو ليس بحاجة الى أعداء !

* مستشار ومؤلف وباحث

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.