الفانتازيا في مجموعة “تقاسيم الفلسطيني” لسناء الشعلان / رائد محمد الحواري
رائد محمد الحواري ( الثلاثاء ) 25/9/2018 م …
الطريقة التي ينتهجها الكاتب للخروج من قتامة الأحداث الأدبية، اللغة الجميلة، الصور الأدبية، طريقة وشكل تقديم المادة الأدبية، الفنتازيا، وبما أنّ هذه المجموعة تتحدث عن “الفلسطيني” فبالتأكيد سيكون مجرى الأحداث صعب وقاس، وبما أننا في المنطقة العربية نعاني من بؤس دائم ومستمر، فكان لا بد من إيجاد مخرج للقاصة لتحرر نصها من القتامة والألم، فاستخدمت القصة القصيرة، والتي لا تتجاوز صفحة أو نصف صفحة من الحجم المتوسط، وكأنها بهذا الشكل أرادت تجاوز مأساة الفلسطيني من خلال عدم إطالة القصة، مكتفية بخلق حالة من الهزة للمتلقي، لكن تراكم هذه الهزات الخفيفة المتتالية والمتتابعة تؤدي إلى خلق حالة نوعية.
ونجد في هذه المجموعة لغة سلسة تنساب بسهولة وتدخل الفكرة بأقل جهد/ألم/قسوة إلى القارئ، وحتى أنها ـ أحياناً ـ تصل إليه دون معاناة، كما هو الحال في قصتي “شارون، القيامة”، اللتان جاءتا أقرب إلى قصة الومضة.
ومن الطريق التي استخدمتها القاصة للتخفيف من وطأة الأحداث، الفانتازيا، والتي يمكننا أن نعتبرها السمة الأبرز في المجموعة، فهناك العديد من القصص جاءت بشكل الفنتازيا، واعتقد أن تقديم الأفكار بطريقة تتجاوز العقل هو أسلوب يشير إلى حجم المعاناة التي تثقل كاهل القاصة، لهذا وجدناها تكثر من هذا الشكل.
قبل الدخول إلى المجموعة ننوّه إلى أنها تتكون من سبعة أجزاء” تقاسيم الوطن، تقاسيم المعتقل، تقاسيم المخيم، تقاسيم الشتات، تقاسيم العرب، تقاسيم العدو، تقاسيم البعث” ورغم التباين في حجم كل قسم، إلا أنها تعطي مدلول مقدس، فالرقم سبعة من الأرقام المقدسة، والقاصة أرادت به إعطاء الفلسطيني صفة القدسية، خاصّة إذا علمنا أنه غالباً ما جاء بصورة ايجابية،ويعاني من البشر كما يعاني من المكان، إن كان في الوطن فلسطين أو في الشتات والمخيمات.
كما نجد أنّ عناوين القصص غالباً ما جاء بكلمة واحدة فقط مثل: “أشجار، اغتصاب، الأم، الأرجوحة، المؤذن، المحرقة، المعجزة، تيه، تاريخ، القزم،…” وقليلا ما جاء العنوان بكلمتين: “إصابة الهدف، التوائم الأربعة، ثوب زفاف”، ومرة واحدة جاء بأكثر من كلمتين: “جمهورية فلسطينية لمدة 95 كيلو” وهي القصة الوحيدة في المجموعة جاءت بصفحتين ونصف، وهذا يشير إلى حالة (هروب) القاصة من حالة القسوة، فاللغة واسلوب وطريقة التقديم السلسة والهادئة ـ قدر الإمكان ـ واختصار ما يمكن اختصاره، من الأحداث والألفاظ القاسية كلها تسهم في عدم إرهاق المتلقي بالأحداث والأفكار المؤلمة.
الفانتازيا في “تقاسيم الوطن
هناك العديد من القصص جاءت بأفكار تتجاوز العقل كما هو الحال في قصة “المؤذن” الذي: “غادرت جسده على يسر، وأسرعت إلى المأذنة، ورفعت الآذان في وقته، فصدح صوت المؤذن في سماء مدينة الخليل مودعا بدعة جسده الذي غادر إلى البعيد مكوماً في مجنزرة صهيونية” ص 18، القاصة جعلت روح المؤذن تقوم بالآذان بعد أن استشهد، وهذه الفكرة تعتبر (مجنونة) تتجاوز العقل والمنطق البشري.
ونجد في قصة “المعجزة” هذا الحدث الغريب والعجيب: ” “بطون النساء الفلسطينيات كلها أكن صبايا أم في منتصف الشباب أم في شرخه تعج بتوائم أربعة أو خمسة أو ستة، حتى النساء اللواتي لم يتزوجن أو يمسهن بشر أو عواقر تحركت أرحامهن بالأجنة المعلنة وجودها بحركات عنيفة صارخة” ص19.
ونجد حالة الفعل لا تتعلق بالإنسان الفلسطيني فحسب، بل تطال الشجر، وهذا ما جاء في قصة “شجرة: “…الشجرة الكبير العملاقة استنجدت بأثيرها الحاجة (فريدة) التي هرولت إليها على الرغم من كبر سنها، وغطتها بملاءة رأسها، أخذتها إلى حضنها، وشدتها إلى عظامها حتى كادت تنغرز فيها، …إلا أنّ هذه الشجرة قد رفضت أن تُغتال، … هرب النّاجون القليلون من الصهاينة من وجه هذه الشجرة الفدائية، ورفضوا أن يعدوا من جديد إلى حيث تنتصب الشجرة الفلسطينية المقالة” ص40و41، القلب وتحويل للأفعال من البشر إلى الشجر، بحيث كانت شجرة الزيتون هي التي تدافع عن (فريدة) وليس العكس، يشير إلى المكانة التي تعطيها القاصة للشجرة، وأيضا تؤكد على العلاقة الحميمة بينها وبين الإنسان الفلسطيني، وما كان لتكون هذه الشكل أن يكون بهذه الروعة دون وجود الفانتازيا التي تمتعنا بخروجها وتجاوزها لما هو مألوف.
القاصة تهتم بشجرة الزيتون، بصورة خاصة، حتى أنها جعلتها: “أمضى شهراً يصنع له قدمين من خشب الزيتون، وعندما انتهى من صناعتهما امتطاهما بفرح، وقصد المسجد الأقصى ليشارك ـ من جديد ـ باعتصام” ص53، كلنا يعلم أنّ هناك رمزية لشجرة الزيتون عند الفلسطينيّ، خاصة بعد أن قل وضعف استخدام البرتقال كرمز، وهذا التغيير في استخدام الرمز يعود إلى الواقع الفلسطيني والعربي، فبعد أن ابتعدت عنا بيارات “البرتقال الحزين”، أخذنا الواقع لنهتم أكثر بما يسمى “أراضي السلطة الفلسطينية”.
وهناك فعل خارق نجده في قصة “إسعاف” والذي جاء بهذه الشكل: “قذيفة هوجاء عتية اقتلعت رأسه من فوق جسده، تطاير الرأس بعيدا غير آبه بآلام التدحرج على حصى مشتعلة، أما الجسد فاستمر يقود سيارة الإسعاف بإصرار وشجاعة ليوصل المصابين إلى أقرب مستشفى فلسطيني” ص45، إذا ما توقفنا عند هذه القصة سنجد بشاعة الجريمة المقترفة، مما جعل القاصة تتخذ فكرة (مجنونة) تناسب حجم وبشاعة المشهد، فهناك علاقة بين مستوى القسوة ومستوى (جنون الفكر) بحيث يكون هناك توازن بينهما.
ولا تكتفي القاصة بالحديث عن خوارق الأحياء قبل أن يموتوا، بل نجدها تحدثنا عن الأموات وما يقومون به من أفعال، نجد في قصة “مقبرة” قصة صراع بين الأموات وقوات الاحتلال: ” قرر العدو الصهيوني أن يجرف المقبرة بعد تمشيطها لأجل أن يبنى أكبر مستوطنة في فلسطين المحتلة… في الليل ومع هدأة الرقاد استيقظت الهياكل المطرودة من قبورها، ولبست أكفانها، وهاجمت أعداءها” ص61، إذا ما توقفنا عن الأفعال التي قامت بها “شجرة الزيتون، والمقبر” سنجدهما يتحركان للقيام بالدفاع عن الأرض أو الإنسان عندما يعجز (الأحياء) عن وقف أعمال الاحتلال العدوانية، ونجد أيضا هذه الحركة/الفعل تتناسب وطبيعة فعل المحتل، وهذا التوازن يشير إلى أن القاصة تلجأ إلى الفنتازيا عندما تضيق بها السبل، أو عندما يحاصر أبطال قصتها وتضيق عليهم الدنيا.
الفانتازيا في “تقاسيم المعتقل”
الأفعال الخارقة تجيء لإنقاذ الفلسطيني من معضلة لا يقد أن يتجاوزها أو يتخطاها، فالأسرى في سجون الاحتلال ـ رجال ونساء ـ تضيق عليهم جدار الزنزانة، فكان لا بد من إيجاد مخرج، لهذا السجن، في قصى “حليب” التي تتحدث عن أم أسيرة عند المحتل، نجد هذا الأمر: “…تخرج ثديها من داخل ثوب سجنها الفضفاض القذر، وتفكر بابنها الرضيع، فيندلق الحليب من صدرها في فم ابنها على الرغم من البعاد، فترضعه حتى يشبع وبينهما صحراء وسجن وجنود وكلاب!” ص83، وهذا ما يؤكد قولنا السابق أن الفانتازيا تتناسب وطبيعة حالة الضيق والحصار التي يمر بها الفلسطيني.
ونجد الأفعال (المجنونة) لأعضاء الفلسطيني، فبعد أن يتم سرقة “قلب” الشهيد الفلسطيني ليزرعه الاحتلال لأحد العناصر الصهيونية، وبعد أن تتم العملية بنجاح، نجد هذا الأمر في قصة “قلب”: “سأل (الجنرال) أخاه بقلق: باروخ، أخي الحبيب، هل أنت بخير؟.
أجاب الشاب الصهيوني بدهشة واستنكار لما سمع من كلام: أنا باروخ، أنا جميل الخليلي، لماذا أنا هنا؟ من أنتم؟ علي أن أغادر هذا المكان لأذهب للصلاة في الحرم الإبراهيمي” ص87، عجز الفلسطيني عن رد الظلم الواقع عليه يخلق حالة ضيق عند القارئ، فكان لا بد من تخفيف/إزالة هذا الضيق من خلال إيجاد الفانتازيا التي تخفف من وطأة القسوة والألم على المتلقي، وهذا ما يحسب للقاصة.
الفانتازيا في “تقاسيم الشتات”
الألم الفلسطيني لا يقتصر على من هم داخل فلسطين، بل هناك ألم عند من هم خارج فلسطين، فالحرمان من الوطن يتماثل بالحرمان من الغذاء، الماء، الجنس، الحرية، في قصة “الرسام” هناك فانتازيا تتماثل مع واقع الفن الذي يسعى دائما لخرج وتجاوز ما هو سائد/عادي، فالفنان الفلسطيني المحروم من وطنه والذي يحلم بالعودة إليه، ها هو الموت يقترب دون أن يتحقق الحلم: “لقد رسم طوال عمره لوحات لوطنه فلسطين، لكنه لم يرسم في أي يوم مضى بابا يؤدي إلى وطنه.
مع طلوع الشمس أنهى رسم اللوحة، كانت لوحة باب كبير مطوق بأشجار الياسمين البري…
فارقت روحه جسده بدعة،، وداعبته مودعة بنقر أصابعه التي لم تنفك تمسك ريشة رسمه، وفتحت الباب المرسوم في اللوحة، ودلفت إلى فلسطين لتحقق حلمه الوحيد بالعودة إلى وطنه، ثم اقفلت الباب خلفها” ص110، الجوع للوطن جعل القاصة تستخدم هذه الفانتازيا، فنجد هذا الجوع من خلال “لوطنه فلسطين، إلى طنه، في قريته السليبة، ودلفت إلى فلسطين، بالعودة إلى وطنه” كل هذه الفقرات تؤكد على أن الحاجة للوطن تفوق أي حاجة أخرى، وهذا ما اعطا إيعاز ـ في العقل الباطن ـ القاصة لتجعل بطلها الرسام يخرج من باب اللوحة ليعود إلى فلسطين، فهو لم يعد يطيق الابتعاد عن فلسطين، فكان لا بد ن إيجاد فكرة (مجنونة) تحقق حلمة، وهذا ما كان، من خلال رسم الباب الكبير.
لكن ليس كل الفلسطينيين “فنانين” يمكنهم أن يرسموا أبوابا يعودا من خلالها للوطن، في قصة “قارورة” نجد الفلسطيني الذي يوصي بنقل جثمانه إلى فلسطين ليستقر فيها، بعد أن فشل في العودة إليها هو حي، لكن ابنته المبدعة تستخدم هذه الطريقة ليستقر الأب هادئا في وطنه: “أحرقت جسده في محرقة الموتى معتذرة له عن ذلك لجلال الغاية، ودست رماده في قارورة، وسافرت إلى فلسطين في قافلة سياحية أوروبية، واغتنمت أول فرصة لدفن رماد القارورة في تراب فلسطين فعاد والدها إلى تراب وطنه رغم أنف الصهاينة” ص115، إذن علاقة الفلسطيني بفلسطين علاقة تتجاوز المألوف، وتتجاوز التفكير العقلي/المنطقي، فهو لا يجد ذاته، حيا أو ميتا إلا فيها، لهذا نجده يسعى ليتقدم من وطنه، مستخدما كافة السبل والطرق، فليس هناك ما هو محظور أو ممنوع ما دام يحقق حقه في أن يكون في المكان الذي ينتمي إليه.
الفانتازيا في “تقاسيم العدو”
الاحتلال هي السيد على الأرض، ويفعل كل ما يريده، فالفلسطيني لا يملك القوة الرادعة لهذا الاحتلال، لهذا كان لا بد من وجود الفانتازيا عندما لا يجد الوسيلة المناسبة لمنع الاحتلال من القيام بما يريده، في قصة “ثوب” يحاول الاحتلال سرقة الثوب الفلسطيني من خلال ارتداء الصهيونيات للثوب المطرز، لكن هذا الثوب تفعل بمن يرتديها: “تصيبها بمرض عجيب، كلما لبستها شعرت بأنها فلسطينية، وسرت في جسدها قشعريرة الغضب على العدو الصهيوني، وانتابتها حمى الهتاف بجملة “فلسطين حرة” ص141، وكأن القاصة أرادت أن تجعل أي شيء ينسب/ينتمي للفلسطيني يحدث تحولا معكوسا على المحتل، هذا ما وجدناه في القلب الذي سرق من الشهيد” وأيضا في هذا الثوب الذي يحول/يؤثر على المرأة الصهيونية، بحيث يجعلها تتحدث بالهم/بالألم الفلسطيني.
ونجد النباتات أيضا تتوحد مع الفلسطيني بحيث تحس وتشعر كما يشعر، في قصة “نبتة عطرية” نجد هذا التوحد: “لكن النبتة في ذبول مستمر منذ أن استولت عليها” ص149.
وهناك أثر يتركه الفلسطيني على جلاده، فالطالب الذي يتفنن في تعذيب المعتقلين الفلسطينيين من خلال تمزيق أجسادهم بالمشرط، ها هو يقوم بعين الفعل بمعلمه الصهيوني بعد أن دخل إلى المستشفى، نجد في قصة “طالب” هذا الفعل: “…ويشرع يسيره في جسد معلمه ابتداء من رقبته حيث تتبدى الحنجرة نزولاً حتى أسفل بطنه” ص151، فالقاصة تحاول أن تنتقم من هذا الجلاد ومن معلمه من خلال جعل “الطالب” يقوم بتمزيق جسد المعلم، كما علمه أن يفعل بأجساد الفلسطينيين.
الفانتازيا في تقاسيم البعث
بعد قتل الفلسطينيين، وبعد أن يشعر المحتل أنه قضى عليهم وأزالهم من الوجود، وبعد أن يذري رمادهم بحيث لا يبقي لهم باقية، نجد الفلسطيني يعود من جديد وكأنه الإله “بعل” الذي سرعان ما يعود بعد أن يعم الجذب والقحط الأرض وما عليها، في قصة “الريح والكلاب” نجد هذه فانتازيا: “..مثلوا بأجسادهم، أحرقوا جماجمهم، طحنوا عظامهم، نثروا رمادهم في مهب الريح… سخرت الريح من نباحهم الأجش، وللمت رماد الفلسطينيين الذي بعثرته نسائمها، وعجنته بماء الخلود، ونفخت فيه، فبعث الفلسطينيون مرة أخرى ينسلون من طائر فينييق لا يموت أبداً” ص156، أيضا نجد رداً مجنوناً يتناسب وحجم المجازر الوحشية التي قام بها المحتل بحق الفلسطينيين، الريح تقوم بالملمة/بجمع الرماد لتعيد إليه الحياة، واعتقد أن هناك علاقة بين هذه القصة والملحمة الكنعانية “البعل” والتي يتجدد فيها صراع سرمدي بين “الموت” و”البعل”، فمهما حاول “الموت” أن ينهي وجود “البعل”، إلا أنه يظهر من جديد ليعيد الحياة إلى الأرض وما عليها.
القصة القصيرة جداً
هناك صفة عامة تمتاز بها مجموع “تقاسيم الفلسطيني” تتمثل بالقصر وعدم الإطالة، فنجد في قصتي “شارون والقيامة” ذروة الاختصار والتكثيف، حتى أنّهما يدهشاننا بما فيهما من جمال واختزال وتكثيف ولغة وأفكار، ولكي نضع القارئ أمام هذا الأمر سنتناولهما كما جاءتا في المجموعة.
“شارون”
“هو رقيق حساس الطباع! يخدم وطنه المزعوم إسرائيل ولو داس على البشرية جمعاء، هو يكره اللون الأحمر لأنه يكره الدماء! ولذلك هو لا يمارس هوايته الآثمة، وهي قتل الفلسطينيين، إلا مغمض العينين والروح كي لا يرى دم ضحاياه” ص145.
“القيامة”
“ينفخ في الصور نفخة ثانية، فيبعث البشر أجمعون كرها وطوعا، البشر في محشر عظيم، الجميع يحملون أعمالهم فوق رؤوسهم، يقفون فوق أعناقهم، إلا الفلسطينيين فإنهم يحملون فلسطين عل رؤوسهم، يقفون بها أما الرب ليتشفعوا بها لهم وللأهلين ولكل من ضحى لأجلها.” ص 157.
قصة “شارون” تقدم القاتل السفاح، وصاحب أكبر مجزرة وقعت للفلسطينيين “صبرا وشاتيلا” بطريقة جديدة، فيبدو لنا حاملا شيء من الإنسانية، “رقيق الاحساس، يكره اللون الأحمر، يقدم على جرائمه بعينين مغمضتين” فهل هو إنساني أم بشري؟ اعتقد أن إعطاءه هذه الجوانب الإنسانية تدينه أكثر، فلو جاء بصورة (آلة) تنفذ جرائمها دون أية وازع إنساني، لما حملناه مسؤولية المجازر التي اقترفها، لأنه لا يعي معنى الإنسانية، لكن القاصة أرادت أن تأنسنه لتدينه، ولتؤكد أنه قاتل ومجرم ويعرف أنه يقترف جرائم بحقنا.
كما أنّ الألفاظ التي استخدمتها “رقيق/ حساس، يخدم وطنه، اللون، هوايته، العينين، الروح، يرى” كلها ألفاظ ناعمة تخفف من الصورة البشعة لهذا المجرم، وكأنها لا تردنا أن نحجم عن قراءة القصة، لما نعلمه ونعرفه عن “شارون”، كل هذا يجعلنا نقول أن القاصة استخدمت اللغة التي تخفف من وطأة الأحداث على القارئ، بحيث لا يُرهق أو يتعب أو يتألم بهذه القصص رغم ما فيها من معاناة ومأساة.
قصة “القيامة” تصعقنا بالتغريب الأحداث التي تحملها، فالقاصة غربت ما نعرفه عن يوم القيامة، بحيث أقدمت ورفعت مكانة فلسطين والفلسطيني وكل من عمل لها بطريقة مدهشة، بحيث تجعلنا نتقدم إليها بخطوات عديدة وبسرعة لكي نتشفع بها ولأهلنا وأصدقائنا وأحبتنا.
المغالاة
عندما يكتب الكاتب نصه الأدبي من خارج الحدث، من خارج المكان يضخم أو (يتلخبط) في تقديم المعلومات، والأفكار، والأحداث، والشخصيات، والمكان، فأحيانا عندما لا يعرف (السارد) تفاصيل المكان الذي يروي منه الأحداث، يحصل خطأ في وصفه لتفاصيل المكان، ويعطي معلومات غير صحيحة عنه، فيجعل مثلا احدى الشوارع/الأماكن في الشرق بدلا من الغرب، أو العكس، وهذا الأمر ينطبق عن الشخصيات والأحداث.
هناك بعض المغالاة، زيادة أو نقصان جاءت في سرد للأحداث والشخصيات، نجد في قصة “زيتون” هذه الفقرة: “جبال جرزيم الفلسطينية” ص40، فكلنا يعرف أن هناك جبل واحد فقط يحمل اسم “جرزيم” هو الجبل الجنوبي لمدينة نابلس،
ونجد في قصة “إضراب”: “وأغرقوا معدته بالحليب البارد المغيث” ص80، فلو اكتفت القاصة بالحليب فقط لكن أصوب من إضافة وصف “البارد”.
ونجد في قصة “زوجة سابقة” التي تتحدث عن معاملة زوج صهيوني لزوجته: “ويواجهها بعاصفة من الغضب بعد أن يضربها ضربا مبرحا” ص137، من يعرف طبيعة العلاقة الزوجية في دولة الاحتلال يعلم أن من يعدي على زوجته يسجن ويعاقب بشدة، على النقيض من الواقع في المجتمعات العربية، التي تتعامل مع هذا التصرف بليونة.
ونجد في قصة “أغنية عربية” والتي تتحدث عن منع اليهود من سماع أغاني عربية: “فمن الممنوع عليها أن تظهر تعاطفا وحبا لأي شيء عربي، ولو كان أغنية” ص138، نحن في فلسطين المحتلة كنا نسمع جنودهم يغنون أغاني وطنية فلسطينية، وليس أغاني عادية، دون أن أيّ موانع، فالمحتل لا يهتم إلا بما يفعله الجندي على أرض الواقع، ولا ينظرون لهذا المسائل بهذه الأهمية أو بهذه الصرامة.
ونجد في قصة “عبد” التي تتحدث عن معاملة يهود الأثيوبيين: “وأطلقهم كقطيع أجرب في مستدمرة صهيونية يعز فيها الأمن والرّاحة والمعاملة الإنسانية الراقية” ص145، ما يحدث العكس تماماً، فدولة الاحتلال تعتني تماماً بالقادمين الجدد وتهيء لهم كافة سبل الاستقبال المريح، لتحببهم بفلسطين/(إسرائيل).
المجموعة من منشورات أمواج للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، الطبعة الأولى 2015.
التعليقات مغلقة.