لبنان أمام مخطط تقسيم سوريا / أمين أبو راشد

 

أمين أبو راشد ( الخميس ) 18/6/2015 م …

علّق محلّل سياسي درزي على مجزرة “قلب لوزة” بالقول: “سايكس – بيكو شرذم الطائفة الدرزية بين لبنان وسورية وفلسطين، ولذلك نجد أن التعاطف الدرزي يتجاوز تاريخياً هذه التقسيمات، وما يحصل للدروز في أيّ من هذه الكيانات يعني الدروز جميعهم، لذلك هم يتحرّكون للمساعدة والمؤازرة ضمن إمكاناتهم التي هي – مع الأسف – محدودة جداً”.

في نفس السياق كانت إطلالة لشيخ عقل الموحّدين الدروز في سورية؛ يوسف جربوع، من السويداء عبر إحدى الفضائيات منذ نحو أسبوع، وأدلى بدلوه في ما يتعلق بخوف أبناء الطائفة على مصيرهم، وتمسّكهم بالدولة السورية والجيش السوري كضمانة لهم، واعتبر أن كل ما يصدر عن القيادات الدرزية في لبنان هو صراع سياسي ونأى بالدروز السوريين عن مواقف هذه القيادات، لكن الشيخ جربوع باح – عرضياً – بمعطيات هي في غاية بالأهمية والخطورة، وتؤكد فعلاً أن الحكم الذاتي عبر الأمن الذاتي قادم إلى سورية لا محالة.

وردّاً على سؤال حول اجتماعه مع الرئيس بشار الأسد منذ فترة قصيرة، وعمّا إذا كان الرئيس الأسد فاتحه بشأن 27 ألف شاب من محافظة السويداء متخلّفون عن أداء الخدمة العسكرية، أجاب الشيخ جربوع بالنفي قائلاً: “نسعى منذ مدّة لتجنيد عناصر من السويداء ضمن الجيش السوري، على أن يخدموا في المحافظة، ونأمل التسريع في هذا الشأن”، وفي كلام الشيخ جربوع ما يؤكد جنوح المكوّن الدرزي في الجنوب السوري إلى تكرار تجربة الأكراد في الشمال!

صدق من يعتبر أن “سايكس – بيكو” ليس ترسيماً مقدّساً لدى الغرب، ولدى أميركا بالذات، مادام وعد “بلفور” هو المقدّس، وباعتراف كونداليزا رايس فإن أميركا تسعى منذ تسعين سنة لإلغاء هذه الإتفاقية، وإعادة ترسيم المنطقة في ما يخدم استمرارية مفاعيل “بلفور” وحماية كيان “إسرائيل” عبر “إسرائيليات” مذهبية أو عرقية، وإذا كانت خرائط دولة كردستان قد سرّبتها أميركا منذ عشرات السنوات، وبات من الطبيعي نشوء هذه الدولة من شمال العراق إلى شمال سورية، بعد إفرازات ما يسمّى “الربيع العربي”، وإذا كان التقسيم في العراق بات أمراً واقعاً ولو عبر اتحاد فيدرالي أو كونفدرالي بين شمال كردي ووسط سُنّي وجنوب شيعي، وباتت مناطق النفوذ الكردي في شمال سورية جزءاً من دولة كردستان، فإن السويداء الدرزية بات وضعها لصيقاً بأمن “إسرائيل”، خصوصاً أنها أمام خيارين لا ثالث لهما: إما الصمود ضمن حكم ذاتي، عبر أمن ذاتي مع ما يؤمنه المجتمع الدرزي من حيادية عن الصراعات ويعزل “إسرائيل” عن ارتداداتها، وإما دعم “النصرة” من الغرب و”إسرائيل” للسيطرة على السويداء، وتهجير أبنائها إلى الجولان، وعندها يكتمل لـ”إسرائيل” حزامها الأمني بمكوّن يريد العيش بسلام، خصوصاً أن دروز “إسرائيل” استطاعوا بعد مجزرة “قلب لوزة” استنهاض أميركا والغرب لتحييدهم، ووصلت الأمور إلى إرسال “أبو محمد الجولاني” رسالة اعتذار لدروز 48 عن هذه المجزرة، قائلاً إنه أمر بالتحقيق فيها.

المتابع للتطورات الميدانية الأخيرة في سورية يلاحظ محاولات الترسيم؛ في إسقاط إدلب وجسر الشغور وتدمر القابعة، كما الواحة، وسط صحراء لا صراعات فيها، رغم أن مساحة هذه الصحراء المقفرة إلا من تدمر تضاهي نصف مساحة سورية، وتصول فيها “داعش” وتجول تحت مرأى طيران التحالف، إضافة إلى تحرّك الأكراد للدفاع عن الحسكة، كونها ضمن الكيان الكردي، وهجومهم الحالي على بلدة تل أبيض لاستردادها من “داعش”، وتهجير أهلها إلى الحدود التركية؛ في ما يشبه إستهداف للسُّنة في مناطق الأكراد ضمن سياق ترسيم الدولة الكردية، على حدّ قول المحلّل السياسي التركي محمد زاهد غول.

من ناحية أخرى، يستمر الجيش السوري ومعه المقاومة اللبنانية في تحقيق الانتصارات في القلمون، وتشديد الجيش قبضته على المدن؛ كضمانة لاستمرار الدولة المركزية، لكن يبدو أن سورية مقبلة على أن تكون ثلاثة أو أربعة كيانات، ارتسم الكيان الكردي في شمالها، والكيان العلوي مرتسم على الساحل، والكيان السُّني يرسم نفسه في المناطق الداخلية الوسطى المتنازَع عليها بين الجيش السوري و”داعش” و”النصرة” ومن يدور في فلكهما من جهة، وبين هذه الجماعات المسلحة نفسها في صراع على المكتسبات، خصوصاً الموارد الطبيعية التي تؤمّن لها الاكتفاء الذاتي في الصمود.

ومن منطلق “منع سقوط النظام” وبالتالي الدولة السورية الواحدة الموحّدة كآخر رهان في مواجهة “إسرائيل” وعرقلة مشاريع “الإسرائيليات”، تجد المقاومة اللبنانية نفسها معنية بالصراع في الداخل السوري دعماً لهذا التوجّه المصيري من جهة، وحماية لحدود لبنان من التشظّي في حال إعادة الترسيم في سورية، خصوصاً أن الكيان السُّني يُفترض أن يرتسم من حلب شمالاً حتى درعا جنوباً، مروراً بالمناطق التي يسيطر عليها النظام حالياً ويتصارع في أريافها مع المجموعات المسلحة، سواء في حماه أو حمص أو دمشق وصولاً إلى أم المعارك لو حصلت في درعا.

ريف حمص، وبشكل خاص مناطق القصير، ومحيط العاصمة دمشق، هما ضمن الدولة السُّنية في الخرائط الأميركية المفترَضة، والخطر لا يكمن في أن هذه الدولة ستغدو سُنّية، بل لأن لا دولة محسومة للسُّنة حتى الآن في سورية؛ تماماً كما لا دولة تنتظرهم على بساط أحمدي في العراق، لأن الرقعة الواسعة الممتدة من الأنبار العراقية حتى الرقّة في الشمال السوري هي تحت سيطرة “داعش” في العراق، أو “النصرة” و”داعش” في سورية، ومهما “جمّلوا” “النصرة” بـ”جيش الفتح” فليس للمعارضات السورية أية سلطة فاعلة على الأرض، وبالتالي فإن الدولة السُّنية ليست للسوريين السنّة، ولبنان أمام احتمال مجاورة الإرهاب ضمن دولة حماتها وحكّامها إرهابيون، وعندما دعا السيد نصر الله لأن تكون المعارك اللبنانية المتّصلة بالوضع السوري على الأرض السورية، فلأن انتظار الإرهاب لمواجهته في عرسال أو سهول بعلبك الهرمل أو البقاع الأوسط أو في سفوح جبل الشيخ مغامرة لا تحتملها الأرض الضيّقة في لبنان، ولا يصمد أمامها النسيج اللبناني.

أمام واقع القرار الأميركي بترسيم سورية، ورفض محور المقاومة وداعميه الدوليين والإقليميين السماح بسقوط النظام وسورية الموحّدة، وأمام استحالة تحقيق نصر عسكري من قبل النظام أو من طرف الجماعات المسلّحة، فإن الوضع باق ضمن وضعية “مكانك راوح”، والمقاومة اللبنانية تجد نفسها من منطلق الحرص على سلامة الأراضي اللبنانية أولاً وحماية ظهرها ثانياً، أن تكون إلى جانب الجيش السوري، لغاية المدى الجغرافي والزمني الذي تفرضه محاربة الإرهاب في سورية، ودرء خطره عن لبنان، وقد يستمر هذا الوضع طويلاً.

 

 

 

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.