كي لا تنسى الأجيال القادمة … مجزرة صبرا وشاتيلا

صبرا وشاتيلا (1)



 محمود سعيد كعوش ( فلسطين ) السبت 6/10/2018 م …

مجزرة تستوطن الذاكرة

جريمة بربرية لا تغتفر ولا تنسى

الصهاينة خططوا واتخذوا القرار وميليشيا “القوات اللبنانية” كانت رأس الأفعى التنفيذية

رفعوا الأعلام والمحارم البيضاء وتقدموا من الكتائبيين قائلين: نحن مع السلام والوفاق، فقتلوهم على الفور

جثث الفلسطينيين كانت ملقاة في مجموعات بين أنقاض مخيم شاتيلا، وكان من المستحيل الحصول على رقم محدد لعدد الضحايا

صبرا وشاتيلا…حوار السيف والرقبة!!

صبرا وشاتيلا…مجزرة تستوطن الذاكرة!!

– في تلك الجريمة الوحشية تحالف أعداء الإنسانية وقيم الخير والحق والعدل من صهاينة غزاة وخونة محليين جلهم من ميليشيا “القوات اللبنانية” التي كانت تشكل آنذاك الذراع العسكري لحزب “الكتائب” اللبناني المعروف بنزعته اليمينية المتطرفة وانعزاليته وعدائه الصارخ للفلسطينيين والوطنيين اللبنانيين، لشن حرب إبادة جماعية ضد أبناء المخيمين وحزام الفقر المحيط بهما.

– قرار ارتكاب مجزرة مخيمي صبرا وشاتيلا اتخذته في حينه لجنة صهيونية ثلاثية شيطانية عليا تشكلت من رئيس حكومة العدو في حينه الإرهابي مناحيم بيغن ووزير حربه الإرهابي آرئيل شارون ورئيس أركان جيش حربه الإرهابي رفائيل إيتان، وتقرر أن تكون ميليشيا “القوات اللبنانية” رأس الأفعى التنفيذية.

– نعم سنصبر وننتظر، وستبقى مجزرة صبرا وشاتيلا الرهيبة وصمة عار فوق جباه الصهاينة الذين خططوا لها وأشرفوا عليها، وفوق جباه حلفائهم الكتائبيين اللبنانيين اليمينيين الذين ارتكبوها بدم بارد، وفي السجلات التاريخية للدول الغربية والعربية التي تآمرت أو تواطأت أو تماهت مع الطرفين أو غضت الطرف عنهما وعن جريمتهما النكراء. نعم ستبقى مجزرة صبرا وشاتيلا وصمة عار لا تُمحى مع تقادم الأيام.

منذ أن ابتُلي الفلسطينيون بنكبتهم وحتى الآن ظل كيان العدو الصهيوني في تل أبيب على الدوام كياناً إرهابياً فاشياً ومغتصباً مقيتاً وظالماً متجبراً وعنصرياً مغرقاً في نزعة العدوان وممارسة جميع صنوف وأنواع الطغيان والوحشية والإجرام، لكثرة ما حفل به تاريخه الأسود من سفك لدماء الفلسطينيين والعرب عامة.

ولقد عبر هذا الكيان المصطنع عن ذلك بمسلسل متواصل الحلقات من الاعتداءات الغاشمة والمذابح والمجازر البربرية التي فاقت من حيث وحشيتها وأعداد ضحاياها الإبادات الجماعية التي ارتكبتها أكثر الأنظمة شمولية وفاشية وعنصرية في التاريخ، بما في ذلك أنظمة الفصل العنصري “الأبرتهايد” التي خلفها الاستعمار الغربي وراءه في بلدان عديدة من العالم، وعلى وجه الخصوص في بلدان القارة الإفريقية، والتي تساقطت تباعاً، وكان آخرها نظام البيض في بريتوريا.

ومما لا شك فيه أن مجزرة صبرا وشاتيلا كانت واحدة من أبرز هذه المذابح والمجازر التي لا حصر ولا عدد لها، والتي جرت العادة أن نتناولها بالبحث والمتابعة والتدقيق والتمحيص في مواقيت استحقاقاتها السنوية لغرض إنعاش الذاكرة العربية الوطنية والقومية، وأخذ الدروس والعبر منها. فعلى الأعوام التي تلت تاريخ ارتكاب المجزرة في عام 1982، اعتاد الفلسطينيون والعرب على إحياء ذكراها في أجواء بالغة من الحزن والأسى، نتيجة حالة التردي والهوان وفقدان الإرادة والكرامة التي كانت ولم تزل سمة غالبة على الأمة العربية من المحيط إلى الخليج بفعل ضعف ووهن النظام الرسمي العربي وخضوع الحكام العرب واستسلامهم لمشيئة الإرادة الأميركية ـ الصهيونية المشتركة.

مع بزوغ فجر ذلك اليوم الأسود 17 أيلول/سبتمبر 1982، استفاق الفلسطينيون واللبنانيون في مخيمي صبرا وشاتيلا وفي حزام الفقر المحيط بهما غرب مدينة بيروت على واحدة من أكبر وأكثر جرائم العصر الحديث وحشية ودموية، لهول الكارثة الإنسانية التي حلت بهم وحجم الدماء البريئة التي سُفكت جراء الأعمال الإجرامية الانتقامية والأساليب اللاأخلاقية المنافية لأبسط القيم والمبادئ المنصوص عليها في المواثيق والمعاهدات الدولية الضامنة لسلامة المدنيين أثناء الحروب التي ارتكبها بحقهم ومارسها ضدهم المحتلون الصهاينة وحلفاؤهم المحليون الذين افترض منطق الأخوة إحسان وفادتهم وحمايتهم بدل الغدر بهم والسعي لإبادتهم!!

في تلك الجريمة الوحشية تحالف أعداء الإنسانية وقيم الخير والحق والعدل من صهاينة غزاة وخونة محليين جلهم من ميليشيا “القوات اللبنانية” التي كانت تشكل آنذاك الذراع العسكري لحزب “الكتائب” اللبناني المعروف بنزعته اليمينية المتطرفة وانعزاليته وعدائه الصارخ للفلسطينيين والوطنيين اللبنانيين، وحتى للمسيحيين المعتدلين، لشن حرب إبادة جماعية ضد أبناء المخيمين وحزام الفقر المحيط بهما، غابت عنها أبسط متطلبات التكافؤ العسكري، أكان ذلك لجهة العدد أو لجهة العدة والعتاد.

وفي تلك الجريمة النكراء والمشينة التي كان فيها التعطش لسفك الدماء “سيد الموقف” تحالف جيش الحرب الصهيوني مع حزب “الكتائب” ليسطرا معاً بالدم والحديد والنار صفحة قذرة جديدة، أُضيفت إلى صفحات الإثم والعدوان التي سطرها كيان العدو الفاشي بحق الفلسطينيين على مدار سنوات النكبة، بذريعة الانتقام لاغتيال الرئيس اللبناني بشير الجميل، ولغرض تصفية الفلسطينيين في المخيمين على غرار ما حدث سابقاً في مخيمات تل الزعتر وجسر الباشا وضبية وما تبعه لاحقاً في مخيم نهر البارد، وما يُنتظر أن يلحق به مستقبلاً في مخيمات عين الحلوة والمية ومية وبرج البراجنة وبقية المخيمات الفلسطينية الأخرى، والذي تعبر مظاهره عن نفسها من خلال ما يفتعل بين الحين والآخر من ضجيج حول اسطوانة التوطين المشروخة وإيواء الإرهابيين!!

قرار ارتكاب مجزرة مخيمي صبرا وشاتيلا اتخذته في حينه لجنة صهيونية ثلاثية شيطانية عليا تشكلت من رئيس حكومة العدو في حينه مناحيم بيغن ووزير حربه آرئيل شارون ورئيس أركان جيش حربه رفائيل إيتان، وتقرر أن تكون ميليشيا “القوات اللبنانية” رأس الأفعى التنفيذية. فقبل بدء المجزرة بيومين وتحديداً مع مساء 14 أيلول/سبتمبر 1982 عقد القادة الصهاينة الثلاثة اجتماعاً مطولاً خصصوه لوضع خطة الاقتحام وتهيئة الظروف المناسبة لقيام القوات الكتائبية بالمهمة الشيطانية. وفي 15 أيلول/سبتمبر 1982 اقتحمت جحافل جيش الحرب الصهيوني الجزء الغربي من مدينة بيروت وأحكمت الطوق حول المخيمين المذكورين. وفي صبيحة اليوم التالي، 16 أيلول/سبتمبر 1982، عقدت اللجنة الصهيونية الثلاثية اجتماعاً جديداً حضره القائد الأعلى لقوات الشمال في جيش الحرب الصهيوني الجنرال أمير دوري وقائد المجلس الحربي للقوات اللبنانية في حينه فادي افرام، وتم بموجبه تكليف إيلي حبيقة، أحد كبار المسؤولين الأمنيين في القوات اللبنانية بمهمة الإشراف على تنفيذ الجريمة النكراء.

أجمع المراقبون والمنظمات الإنسانية المحلية والدولية على أن المجزرة بدأت فعلياً في الساعة الخامسة من مساء 16 أيلول/سبتمبر 1982 عندما قامت ثلاث فرق عسكرية تكونت كل منها من خمسين مجرماً وسفاحاً من عناصر “القوات اللبنانية” المدججين بمختلف أنواع الأسلحة الصهيونية الفتاكة باقتحام المخيمين وجوارهما والانقضاض على السكان في مضاجعهم، وإعمال القتل والذبح في كل من وصلت إليه أياديهم الآثمة دونما تفريق بين نساء وأطفال رُضع وشيوخ طاعنين في السن، والقيام باغتصاب الفتيات البكر والنساء وبقر بطون الحوامل منهن وإخراج الأجنة منها ونثرها فوق أكوام القمامة وفي الأزقة والشوارع ومن ثم قتلهن بالسكاكين والبلطات والآلات الحادة التي استحضروها معهم خصيصاً لذلك الغرض الشيطاني. لقد نشروا الرعب في كل مكان مخلفين وراءهم ذكرى مأساوية سوداء ومؤلمة يستحيل محوها من نفوس من كتبت لهن ولهم النجاة من هؤلاء السكان المساكين.

واستناداً لشهود عيان كُتبت لهم النجاة فإن المجزرة قد تواصلت على مدار يومين أسودين من القتل والسحل والذبح والاغتصاب تحت أنوار القنابل المضيئة التي وفرتها الطائرات الحربية الصهيونية ووسط قيام دبابات جيش الحرب الصهيوني بإغلاق كل مخارج النجاة في المنطقة المستهدفة ومنع أي كان من الدخول إليها، بمن في ذلك الصحافيين ومراسلي وكالات الأنباء المحلية والعالمية وممثلي المنظمات المدنية والإنسانية اللبنانية والوافدة إلا بعد انتهاء المجزرة في 18 أيلول/سبتمبر 1982، حين استفاق العالم على مذبحة من أبشع المذابح في تاريخ البشرية فوجد جثثاً مذبوحة بلا رؤوس ورؤوساً بلا أعين أو أنوف أو آذان، لأكثر من 3500 طفل وامرأة وشيخ وشاب من أبناء المخيمين الفلسطينيين وحزام الفقر اللبناني المحيط بهما، وفق تقديرات توصل إليها الكثيرون من بينهم الصحفي الصهيوني “آمنون كابليوك “. وقد ذهب البعض إلى القول بأن العدد تراوح بين 4000 و 5000 ضحية!!

وفي الوقت الذي كانت المجزرة في ذروة وحشيتها مع مُضي مرتكبيها في استباحة قدسية الروح الإنسانية واستمرار تدفق شلالات دم الأبرياء من الشعبين الفلسطيني واللبناني أيقظ المحرر العسكري الصهيوني رون بن يشاي وزير الحرب الصهيوني الإرهابي آرئيل شارون ليستفسر منه عما كان يجري في الشطر الغربي من العاصمة اللبنانية بيروت، فجاءه الجواب ببرودة واستخفاف “عام سعيد”!! وبعد مرور بضع ساعات على ذلك وفي خطوة دراماتيكية وقحة للتنصل من الجريمة، وقف رئيس الوزراء الصهيوني الإرهابي الأكبر مناحيم بيغن في الكنيست وقال بفرح وسرور بالغين “جوييم قتلوا جوييم…فماذا نفعل؟”،عانياً بذلك أن “غرباء قتلوا غرباء”، أي أن “الغرباء اللبنانيين” قتلوا “الغرباء الفلسطينيين” وأن لا دخل لكيانه العنصري وجيش حربه في ما كل ما جرى!!

عقود متتالية مرت على تاريخ حدوث المجزرة ولم يجرؤ المجتمع الدولي بعد، بطوله وعرضه وقده وقديده، على ملاحقة الصهاينة المجرمين الذين خططوا لها وسهلوا تنفيذها والذين كان من بينهم من واصل ارتكاب جرائم القتل والإبادة ضد أبناء الشعب الفلسطيني، خلال انتفاضتيه الأولى في عام 1987 والثانية في عام 2000 وخلال الاعتداءات العسكرية الصهيونية الإجرامية على قطاع غزة في الأعوام 2007 و 2008 و 2010 و 2014 وصولاً إلى اليوم، وفي مقدمهم الإرهابي المقبور آرئيل شارون، ولا على ملاحقة من لا زالوا يهددونهم بالويل والثبور وعظائم الأمور في مخيمات لبنان مثل كثيرين في قياديي حزب “الكتائب” الذي يرأسه الآن وريث آل الجميل في زعامة الحزب النائب سامي أمين الجميل وحزب “القوات اللبنانية” الذي يرأسه السفاح سمير فريد جعجع الذي كانت له اليد الطولى في كل الجرائم التي ارتكبت بحق الفلسطينيين النازلين ضيوفاً مؤقتين على لبنان وأبنائه الشرفاء منذ حدوث النكبة في عام 1948 جماعات وفرادى وزرافات ووحدانا.

وفي هذا المقام تشهد على إجرامهم روح والدتي رحمها الله وجعل مثواها جنة الفردوس التي ما أن بلغت حاجز الموت في البربارة، الذي كان يتولى جعجع مسؤوليته والإشراف على الجرائم والفظائع والانتهاكات الصارخة التي ارتكبت عنده، عائدة من مدينة طرابلس في شمال لبنان إلى منزل العائلة في مدينة صيدا جنوبه حتى اختفت ولم يظهر لها أثر حتى يومنا هذا. حدث ذلك بعد مرور شهر وبضعة أيام على قيام جيش الكيان الصهيوني المجرم باجتياح لبنان في عام 1982. وأكد الواقعة المؤلمة أصدقاء في حزب “الكتائب” عملوا جاهدين من أجل العثور على الراحلة الغالية أو على جثتها لكنهم لم يفلحوا. وكان لهؤلاء رأي مختلف ومعارض لممارسات جعجع الدموية، إلا أنهم كانوا يتخوفون من الإفصاح عنه حرصاً على حياتهم وحياة عائلاتهم !!

وكان لي شخصياً حكاية مع حزب “الكتائب” وذراعه العسكري “القوات اللبنانية” وبالخصوص مع رئيس اللجنة التنفيذية للقوات اللبنانية آنذاك فادي افرام ومعتقلهم الأسود في “الكارنتينا” بما فيه زنازينه وحمامات مائه المثلجة التي كانت مقامة أمامها في الهواء الطلق حكاية طويلة يندى لها جبين الإنسانية، امتدت لليلة كاملة كانت من أسوأ الحكايات وأكثرها ألماً في حياتي. وشهد في تلك الحكاية الرقم 505 الذي دُمغ فوق قبضة يدي على فاشيتهم وانعدام الإنسانية عند غالبيتهم “وهنا أتجنب التعميم حتى لا أظلم من كانوا منهم أصدقاء لي، وهم بالطبع لم يتجاوزوا عدد أصابع اليد الواحدة”.

فالحكاية المروعة حدثت في 21 أيلول/سبتمبر 1982، قبل يوم واحد من انتخاب الرئيس أمين الجميل خلفاً لشقيه بشير الذي قضى في انفجار مروع بتاريخ 14 أيلول/سبتمبر من ذات العام. وأعتقد أن من الضروري التذكير بها، لتكون شاهداً إضافياً على النزعة الإجرامية للكتائبيين والقوات التي فضحتها مجزرة صبرا وشاتيلا، والتي تفضحها التصريحات والخطب النارية التي تبرر الخيانة والتعامل مع كيان العدو والتصريحات التحريضية وغير المبررة التي يطلقها بعض قادتهم ضد الفلسطينيين في كل حفل سنوي يحييون فيه ذكرى اغتيال الرئيس بشير الجميل!!

تجدر الإشارة إلى أن تقرير “لجنة كاهانا” التي كانت قد تشكلت في تل أبيب للتحقيق في ملابسات المجزرة كان قد اعترف صراحة بمسؤولية رئيس وزراء العدو مناحيم بيغن وأركان حكومته وجيشه عن المجزرة، استناداً إلى اتخاذهم قرار دخول “حزب الكتائب” ممثلاً بمقاتلي “القوات اللبنانية” بقيادة إيلي حبيقة وفادي افرام وعدد آخر من لجنتها التنفيذية المخيمين وجوارهما واستباحة كل ما جاء في طريقهم، إلا أن اللجنة اكتفت بتحميلهم مسؤولية غير مباشرة وطالبت بإقالة وزير الدفاع آرئيل شارون وعدم التمديد لرفائيل إيتان كرئيس لأركان الجيش بعد أن انتهت مدة خدمته في شهر نيسان/أبريل 1983، وهو ما حصل بالفعل.

ولم يكن مستغرباً قيام اللجنة بحصر تبعة المسؤولية المباشرة والكاملة في ما جرى على قادة ومقاتلي “القوات اللبنانية” ومن خلالهم على “حزب الكتائب” باعتبار أنهم كانوا رأس الحربة، لا بل رأس الأفعى، في المجزرة والأداة التنفيذية الرخيصة لها، لكن ضابطاً كبيراً في الأسطول البحري الأمريكي الذي كانت بعض قطعه ترسو قبالة شواطئ العاصمة اللبنانية بيروت ويدعى ونستون بيرنيت دحض مزاعم “لجنة كاهانا” من خلال تأكيده على أن “النخبة القيادية الصهيونية” في تل أبيب تتحمل المسؤولية المباشرة للمجزرة إلى جانب “حزب الكتائب” وجناحه العسكري “القوات اللبنانية”، وتأكيده على أن ما جرى في صبرا وشاتيلا كان جرائم حرب حقيقية.

وكان ونستون بيرنيت قد عبر في تقرير رسمي رفعه إلى قيادته في وزارة الدفاع “البنتاجون” عن استخفافه بتقرير “لجنة كاهانا” متسائلاً: “إذا لم يكن كل ما جرى جرائم حرب، فماذا يكون؟”. ومن المؤسف أن تقرير الضابط الأمريكي لم يحظ في حينه باهتمام مماثل للاهتمام الذي حظي به تقرير “لجنة كاهانا”، برغم أن الضابط قد سجل بدقة كاملة ولحظة بلحظة جميع ملابسات وتفاصيل المجزرة والاجتماعات المكثفة التي جرت بين كبار القادة العسكريين والسياسيين للكيان الصهيوني والقادة الكتائبيين وعلى نحو خاص مع إيلي حبيقة.

وبرغم تأكيد جهات رسمية وخاصة كثيرة ما جاء في تقرير الضابط الأمريكي بيرنيت ومن بينها منظمة هيومان رايتس وتش التي قال مديرها التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا هاني ميغالي “أن هناك الكثير من الدلائل التي أشارت إلى أن جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية قد ارتكبت على نطاق واسع في مجزرة صبرا وشاتيلا”، إلا أنه لم يحصل حتى يومنا هذا أن جُلب أي من المجرمين المباشرين وغير المباشرين أمام القضاء الإقليمي أو القضاء الدولي. ولقد حاولت جهات عربية ودولية كثيرة محاكمة هؤلاء في لاهاي وأماكن أخرى من العالم، إلا أن كيان العدو الصهيوني ومن ورائه الولايات المتحدة نجح في إحباطها كلها.

وما يدعو للحزن والأسى والمرارة الشديدة أن الولايات المتحدة التي لطالما تعقبت من أطلقت عليهم زوراً وبهتاناً تسمية “إرهابيين ومجرمي حرب” في أماكن مختلفة من العالم منذ أحداث 11 أيلول/سبتمبر 2001، لم تزل تمنح حصانات وحمايات وتغطيات خاصة ومجانية لمجرمي الحرب الحقيقيين في الكيان الصهيوني وعملاء هذا الكيان في كل مكان، متحصنة هي الأخرى بالنظام العالمي الجديد الذي احتكرته لنفسها وطوعته لخدمة مصالحها ومصالح الكيان الصهيوني الذي يشكل القاعدة الأمامية لتنفيذ استراتيجيتها الهدامة في الوطن العربي ومنطقة الشرق الأوسط .

ترى متى يحين الوقت الذي يفترض أن نرى فيه من ارتكبوا مجزرة صبرا وشاتيلا ومن ساهموا فيها بشكل مباشر أو غير مباشر يقفون أمام القضاء الدولي أو الوطني ليلقوا قصاصهم العادل!!

ألم يحن الوقت بعد كل هذه العقود والسنوات الطويلة، أم أننا سننتظر سنوات أخرى أطول قبل أن نراهم وهم يلحقون تباعاً بسيء الذكر آرئيل شارون ومن رحل من شركائه في المجزرة في كل من الكيان الصهيوني ولبنان!!

سنصبر وسننتظر، ولا بد أن يحين الوقت الذي سنرى فيه من تبقى حياً ممن خططوا وأشرفوا ونفذوا مجزرة صبرا وشاتيلا بشكل مباشر أو غير مباشر يقفون صاغرين أمام العدالة الدولية ليلقوا قصاصهم العادل. سنصبر وننتظر، ولن يعيل صبرنا أو ينفذ أبداً مهما تغيرت الظروف أو تبدلت.

نعم سنصبر وننتظر، وستبقى مجزرة صبرا وشاتيلا الرهيبة وصمة عار فوق جباه الصهاينة الذين خططوا لها وأشرفوا عليها، وفوق جباه حلفائهم الكتائبيين الذين ارتكبوها بدم بارد، وفي السجلات التاريخية للدول الغربية والعربية التي تآمرت أو تواطأت أو تماهت مع الطرفين أو غضت الطرف عنهما وعن جريمتهما النكراء.

وفي كل الأحوال ستبقى مجزرة صبرا وشاتيلا وصمة عار لا تُمحى مع تقادم الزمن.

كيف حدثت مجزرة صبرا وشاتيلا؟

رفعوا الأعلام والمحارم البيضاء وتقدموا من ميليشيات الكتائب الانعزالية قائلين: “نحن مع السلام والوفاق”، فقتلوهم على الفور بدم بارد!!

وجاء في شهادة أحد الصحافيين أن “جثث الفلسطينيين كانت ملقاة في مجموعات بين أنقاض مخيم شاتيلا، وكان من المستحيل الحصول على رقم محدد لعدد الضحايا”!!

كانت المجزرة نتيجة لعملية حسابية طويلة ومدروسة نفذتها فرق من ميليشيا “القوات اللبنانية” بإيعاز من وزير الدفاع الصهيوني المقبور أرئيل شارون وقائد المنطقة الشمالية في جيش الحرب الصهيوني الجنرال أمير دوري، وبقيادة إيلي حبيقة رئيس جهاز المخابرات الكتائبي وموافقة رئيس المجلس الحربي للقوات اللبنانية فادي افرام وكل من تمت استشارتهم في القوات اللبنانية، الذراع الضارب لحزب الكتائب.

رحم الله الشهداء الفلسطينيين واللبنانيين الذين سقطوا في إحدى جرائم العصر، ولعن الصهاينة حيث يقيمون ويحلون ويرتحلون، ويا ألف حيف وحيف على عملائهم المحليين الذين كانوا رأس الأفعى في تلك الجريمة النكراء.

مع بدء الغزو الصهيوني للبنان في 6 حزيران/يونيو 1982، بذريعة محاولة اغتيال سفير كيان العدو في لندن “شلومو أرجوف”، أظهر الصهاينة وعملاؤهم المحليون رغبة جامحة لاستئصال الوجود الفلسطيني في هذا البلد العربي الذي يستضيف مئات ألوف الفلسطينيين الموزعين على عدد من المخيمات الخاصة بهم في بعض مدنه بمن فيها العاصمة بيروت. وقد دللت على ذلك مجازر لم تتوفر لها التغطية الإعلامية الضرورية ليسمع عنها العالم كثيراً ارتكبتها القوات الصهيونية والميليشيات اللبنانية التابعة لها في مخيمات مثل “الرشيدية والبرج الشمالي وعين الحلوة والمية مية” في جنوب لبنان. وبالمناسبة أُذّكر بمجازر أخرى ارتكبها العملاء المحليون قبل ذلك في “تل الزعتر وجسر الباشا وضبيه” وأماكن أخرى في العاصمة بيروت.

أما مجزرة صبرا وشاتيلا فقد كانت نتيجة لعملية حسابية طويلة ومدروسة نفذتها فرق من ميليشيا “القوات اللبنانية” بإيعاز من وزير الدفاع الصهيوني أرئيل شارون وقائد المنطقة الشمالية في جيش الحرب الصهيوني الجنرال أمير دوري، وبقيادة إيلي حبيقة رئيس جهاز المخابرات الكتائبي وموافقة رئيس المجلس الحربي للقوات اللبنانية فادي افرام وكل من تمت استشارتهم في القوات اللبنانية، الذراع الضارب لحزب الكتائب. وكان ضباط صهاينة كبار قد خططوا بدقة لتمكين القوات اللبنانية من الدخول إلى مخيمات الفلسطينيين بعد انتهاء تشكيلات جيش الحرب الصهيوني من إكمال عملية حصار بيروت الغربية.

قبل بدء مجزرة صبرا وشاتيلا بيومين وتحديداً مساء 14 أيلول/سبتمبر 1982 عقدت اجتماعات تخطيط وترتيب بين الإرهابي شارون ورفيقه إيتان للتخطيط لاقتحام المخيمين من قبل القوات الكتائبية. وفجر الأربعاء 15 أيلول/سبتمبر اقتحم الكيان الصهيوني بيروت الغربية وطوقت قواته المخيمات، وعُقد اجتماع عال في صباح الخميس 16 أيلول/سبتمبر مثل الكيان فيه الجنرال أمير دوري القائد الأعلى لقوات الشمال، وقد كلف بتنفيذها إيلي حبيقة من كبار المسؤولين الأمنيين في القوات اللبنانية، وتم ذلك بحضور فادي افرام قائد القوات اللبنانية.

بدأت عملية اقتحام المخيمين قبل غروب شمس يوم الخميس 16 أيلول/سبتمبر، واستمرت المجزرة حوالي 36 ساعة، حيث كان الجيش الصهيوني يحاصر المخيمين، وقد وفرت القوات الصهيونية للقتلة كل الدعم والمساعدات والتسهيلات اللازمة لتنفيذ جريمتهم المروعة، مثل تزويدهم بالجرافات والبلدوزرات وبالصور والخرائط اللازمة، وقيام الطائرات بإطلاق القنابل المضيئة في سماء المنطقة لتحول الليل إلى نهار، كي لا يتسنى لأي من الفلسطينيين الإفلات من قبضة الموت، والذين حاولوا الهرب من النساء والشيوخ والأطفال أعادهم الجنود الصهاينة إلى داخل المخيم ليواجهوا مصيرهم.

وفي ظهيرة يوم الجمعة اليوم الثاني للمجزرة الإرهابية بدأت قوات الكتائب تتلقى بموافقة الجيش الصهيوني وتسهيلات منه ذخيرة جديدة، واستبدلت القوة الموجودة في المخيمات بقوات جديدة ونشيطة بذات التسهيلات أيضاً.

صباح يوم السبت الموافق 18 أيلول/سبتمبر كانت المجزرة قد بلغت ذروتها وتمت إبادة آلاف من أبناء مخيمي صبرا وشاتيلا وجوارهما، وبدأ تسرب المعلومات عن المجزرة بعد هروب عدد من المدنيين من الأطفال والنساء إلى مستشفى غزة في مخيم شاتيلا حيث أبلغوا الأطباء بالخبر.

ويروي أحد الصحافيين الذين دخلوا المخيم بعد المذبحة ما شاهده فيقول: “كانت جثث الفلسطينيين ملقاة في مجموعات بين أنقاض مخيم شاتيلا، وكان من المستحيل الحصول على رقم محدد لعدد الضحايا لكن العدد قد يزيد عن ألف قتيل، كما أن بعض الرجال الذين أعدموا صفوفاً أمام أحد الجدران، وأن الجرافات استخدمت في محاولة دفن الجثث وإخفاء معالم المذبحة لكن أيدي وأرجل القتلى كانت تظهر بين الأنقاض !!

قال حسن سلامة – 57 سنة – الذي قتل شقيقه البالغ من العمر ثمانين عاماً في تلك المذبحة: جاءوا في ثلاثين شاحنة ضخمة من الجبال، وفي البداية قتلوا الناس بالسكاكين حتى لا يحدثوا أي صوت، وفي يوم الجمعة كان هناك قناصة ينتشرون في شوارع مخيم شاتيلا يقتلون أي شخص يعبر الشارع، بعد ظهر يوم الجمعة دخل المسلحون البيوت وبدأوا في إطلاق النار على الرجال والنساء والأطفال، ثم أخذوا ينسفون البيوت ليحيلوها إلى أنقاض.

يروي الكاتب أمنون كابليوك في كتابه مأساة طفلة فلسطينية واجهت كباقي أطفال المخيم تلك المذبحة البشعة فيقول: فلسطينية عمرها 13 سنة وهي الناجية الوحيدة من عائلتها قُتل والدها ووالدتها وجدها، وكل اخوتها وأخواتها، روت لضابط لبناني “بقينا في الملجأ حتى ساعة متأخرة جداً، ليل الخميس، ثم قررت أن أغادر الملجأ مع رفيقتي، لأننا لم نعد نقدر على التنفس، وفجأة، رأينا الناس وهم يرفعون أعلاماً ومحارم بيضاء ويتقدمون من الكتائبيين قائلين: نحن مع السلام والوفاق، فقتلوهم على الفور. كانت النساء تعول وتصرخ وتتضرع، أما أنا فركضت إلى بيتنا وتمددت في المغطس، ورأيتهم يقتادون ناساً من جيراننا ويطلقون عليهم النار، وحاولت أن أقف على الشباك وأنظر إلى الخارج إلا أن أحد الكتائبيين أبصرني وأطلق النار عليّ، فقعدت في المغطس وبقيت فيه خمس ساعات، وعندما خرجت أمسكوني ورموني مع الآخرين، وسألني أحدهم إذا كنت فلسطينية، قلت نعم، قال تريدين احتلال لبنان؟ قلت لا ، نحن على استعداد للرحيل من هنا: وكان إلى جانبي ابن أختي، وهو رضيع عمره تسعة أشهر، وكان يبكي ويصرخ دون توقف مما أغضب أحد العناصر فأطلق عليه رصاصة واحدة، أجهشت بالبكاء، وقلت له أن هذا الطفل هو كل ما بقي من عائلتي، فزاد هياج الكتائبي وأمسك بالطفل وفسخه شقين.

واستمرت المذبحة حتى ظهر السبت 18 أيلول/سبتمبر وقد قتل فيها ما بين 3000 – 3500 مدنياً فلسطينياً ولبنانياً معظمهم من النساء والأطفال والشيوخ، لكن تقديرات أخرى لغربيين قدرتها بين 4000 و5000.

رحم الله الشهداء الفلسطينيين واللبنانيين الذين سقطوا في إحدى جرائم العصر، ولعن الصهاينة حيث يقيمون ويحلون ويرتحلون، ويا ألف حيف وحيف على عملائهم المحليين الذين كانوا رأس الأفعى في تلك الجريمة النكراء.

مجزرة صبرا وشاتيلاً…حوار السيف والرقبة

يَصْعَدُ الفلسطينيُ شاهداً وشهيداً بعد أن طوحته المنافي وتناهشته السيوف من كل اتجاه، ولا زال الطريق طريقا إلى هوية لم نستطع أن نجد لدمنا بديلا عن تأكيدها. وظلت فلسطين هي السبيل مهما استطعنا للحياة قدوما.

فمع انبلاج فجر ذلك اليوم في 17 أيلول/سبتمبر 1982 قبل اثنين وثلاثين عاماً، استفاق الفلسطينيون واللبنانيون في مخيمي صبرا وشاتيلا وفي حزام الفقر المحيط بهما غرب بيروت على واحدة من أكبر وأكثر جرائم العصر وحشية ودموية في العصر الحديث، جرائم يندى لها جبين الإنسانية وتتنافى مع أبسط حقوق الإنسان وكرامته.. وقد نقلت وكالة “فرانس برس” في تقرير لمراسلها في بيروت سامي كينز، الصورة التالية عن المجزرة:

“في منزل يقع في نهاية ممر ضيق غرفة مظلمة تفترش أرضها مراتب تناثرت فوقها خمس جثث تلتصق بعضها ببعض لرجل وسيدة وصبيين وطفل رضيع اغتيلوا وهم نائمون.

وتتوالى مشاهد الرعب في مخيمي صبرا وشاتيلا للفلسطينيين حيث ألقيت في ممر آخر صغير خمس جثث تغطيها الدماء، وقد انتفخت وجوه الضحايا. لقد أعدموا رمياً بالرصاص في غرفة قبل إلقاء جثثهم خارج المنزل ليتجمع الذباب فوقها ويا لها من بشاعة!

لقد اقتحمت عناصر مسلحة المنازل، وأزاحت الجرافات السيارات وألقتها على جدران المساكن، وتنتشر في بعض الساحات أعداد من الحمير والخيول النافقة، وفي المنازل أوان تمتلئ بالطعام موضوعة فوق المواقد.

وفي أحد الشوارع اغتيلت عائلة حاولت الفرار مع أطفالها، ويتحرك طفل رضيع يرتدي “فانلة” حمراء بين ذراعي والدته وهو ينظر هنا وهناك.

وعلى مقربة من هذا المكان يمكن مشاهدة ركام من الجثث تناثرت بشكل مثير. وتحت إحدى عربات النقل جثث 15 من الشباب يبدو انه تم جمعهم هنا قبل قتلهم. لقد تحطمت رؤوسهم، وشوهت وجوههم بطلقات الرصاص.

وعلى جانبي الطريق الرئيسي المؤدي من مخيم صبرا إلى مخيم شاتيلا تنتشر جثث القتلى ومن بينها جثث المسنين على الأرصفة، وقد اغتيل شيخ مسن بجانب عربته الصغيرة وقد ظلت قنبلة منزوعة الفتيل تحت ساقه.

وفي مخيم شاتيلا الخالي تماماً من سكانه يحاول بعض الناجين من الرجال والنساء والأطفال حمل بعض حاجياتهم قبل ان يلوذوا بالفرار. وتصرخ النساء وهن يشرن إلى جثث أعضاء أسرهن الذين قتلوا”.

وفي كتابه “ويلات وطن”، يصف الصحافي البريطاني روبرت فيسك المجزرة بالقول “كان هناك متراس عال مغطّى بالرمل والتراب، ويرتفع نحو 12 قدماً. وكان من الواضح أن إحدى الجرافات أقامته قبل ساعات. وصعدت بصعوبة على أحد جوانبه وقدماي تنزلقان فوق كتل القذارة الإنسانية. وفقدت توازني عند القمة، فاستندت إلى عمود من الحجر المسوّد الناتئ من الأرض. وسرعان ما تبين أنه ليس حجراً لأنه كان دافئاً ولزجاً ولصق بيدي. وعندما أمعنت النظر إليه وجدت أنه كوع إنسان مغروس في الأرض.

يا لهول ما رأيت! وجدت نفسي ألقى بالكوع بذعر وهلع وأنفض لحم الميت عن سروالي، وأقفز الخطوات الأخيرة نحو قمة الحاجز. لكن الرائحة كانت مرعبة. وفجأة رأيت تحت قدمي وجهاً ينظر إلي وقد طار نصف فمه. وكان من الواضح أنه أصيب برصاصة أو طعن بسكين. أما النصف الثاني من فمه فكان يعجّ بالذباب. وحاولت أن أنظر إليه. ورأيت جنكنز وتفايت يقفان بعيداً بجانب بضع جثث تكومت أمام أحد الجدران. ولم أستطع أن أصرخ طالباً مساعدتهما خوفاً من أن أصاب بمرض إذا فتحت فمي.

مشيت على قمة الحاجز، وأخذت أبحث كاليائس المستميت عن مكان أقفز منه إلى الجانب الآخر. لكن وجدت أنني كلما تقدمت خطوة، ارتفع التراب أمامي. وأخذ الحاجز كله يهتز اهتزازاً مخيفاً تحت قدمي. وعندما نظرت إلى الأسفل تبين لي أن الرمل لم يكن إلا غطاء رقيقاً وضع لإخفاء الوجوه والأطراف البشرية عن الأعين”.

وأضاف “دبلوماسي نروجي من زملاء آن ـ كارينا حضر بسيارته قبل بضع ساعات، وشاهد جرافة تحمل في مغرفتها الحديدية نحو اثنتي عشرة جثة تدلت منها الأذرع والأرجل. من الذي حفر الأرض بهذه المهارة؟ من الذي كان يسوق الجرافة؟ شيء واحد كنا متأكدين منه وهو أن “الإسرائيليين” يعرفون ما حدث، وأنهم شهدوا حدوثه، وأن حلفاءهم من الانعزاليين اللبنانيين ومسلحي سعد حداد أرسلوا إلى شاتيلا فاقترفوا جريمة القتل الجماعية هذه.

إنه أفظع عمل إرهابي في تاريخ الشرق الأوسط الحديث، وهو الأكبر حجماً وزمناً، وارتكبه أفراد يعرفون تمام المعرفة أنهم يذبحون أناساً أبرياء، كما يقول فيسك.

ويؤكد الكاتب محمود كعوش في جريدة “رأي اليوم” التي تصدر من لندن بأنه:

“في تلك الجريمة الوحشية تحالف أعداء الإنسانية وقيم الخير والحق والعدل من صهاينة غزاة وخونة محليين جلهم من ميليشيا “القوات الانعزالية اللبنانية” لشن حرب إبادة جماعية ضد أبناء المخيمين وحزام الفقر المحيط بهما، غابت عنها أبسط متطلبات التكافؤ العسكري، أكان ذلك لجهة العدد أو لجهة العدة والعتاد. وفي تلك الجريمة النكراء والمشينة التي كان فيها التعطش لسفك الدماء “سيد الموقف” تحالف جيش الحرب الصهيوني مع الانعزاليين اللبنانيين ليسطرا معاً بالدم والحديد والنار صفحة قذرة جديدة، تُضاف إلى صفحات الإثم والعدوان التي سطرها كيان العدو الفاشي بحق الفلسطينيين على مدار أكثر من ستة عقود ونيف، بذريعة الانتقام لاغتيال الرئيس اللبناني بشير الجميل، ولغرض تصفية الفلسطينيين في المخيمين على غرار ما حدث سابقاً في مخيمات تل الزعتر وجسر الباشا وضبية وما تبعه لاحقاً في مخيم نهر البارد “وما يُنتظر أن يلحق به مستقبلاً في المخيمات الفلسطينية الأخرى، والذي تعبر مظاهره عن نفسها من خلال ما يفتعل بين الحين والآخر من ضجيج حول اسطوانة التوطين المشروخة وإيواء الإرهابيين!!

قرار ارتكاب مجزرة صبرا وشاتيلا اتخذته في حينه لجنة صهيونية ثلاثية شيطانية عليا تشكلت من رئيس حكومة العدو في حينه مناحيم بيغن ووزير حربه آرئيل شارون ورئيس أركان جيش حربه رفائيل إيتان، وتقرر أن تكون ميليشيا “القوات الانعزالية اللبنانية” وقبل بدء المجزرة بيومين وتحديداً مع مساء الرابع عشر من أيلول/سبتمبر 1982 عقد القادة الصهاينة الثلاثة اجتماعات تخطيط وترتيب مطولة قرروا بنتيجتها اقتحام المخيمين من قبل القوات الانعزالية اللبنانية وبعد مرور يوم على ذلك الاجتماع “في 15 أيلول/سبتمبر 1982″ اقتحمت جحافل جيش الحرب الصهيوني الجزء الغربي من مدينة بيروت وطوقت المخيمات. وبعد مرور يومين وتحديداً في صبيحة 16 أيلول/سبتمبر 1982 تمت الدعوة إلى اجتماع حضره القائد الأعلى لقوات الشمال في جيش الحرب الصهيوني الجنرال أمير دوري وقائد المجلس الحربي للقوات اللبنانية في حينه فادي افرام، وتم بموجبه تكليف أحد كبار المسؤولين الأمنيين في القوات اللبنانية إيلي حبيقة بالإشراف على التنفيذ.

أجمع المراقبون والمنظمات الإنسانية المحلية والدولية على أن المجزرة بدأت فعلياً في الساعة الخامسة من مساء 16 أيلول/سبتمبر 1982 عندما قامت ثلاث فرق عسكرية تكونت كل منها من خمسين مجرماً وسفاحاً من عناصر “القوات اللبنانية” المدججين بمختلف أنواع الأسلحة الصهيونية الفتاكة باقتحام المخيمين وجوارهما والانقضاض على السكان في مضاجعهم، وإعمال القتل والذبح في كل من وصلت إليه أياديهم الآثمة دونما تفريق بين نساء وأطفال رُضع وشيوخ طاعنين في السن، والقيام باغتصاب الفتيات البكر والنساء وبقر بطون الحوامل منهن وإخراج الأجنة منها ونثرها فوق القمامة وفي الأزقة والشوارع ومن بعد قتلهن بالسكاكين والبلطات والآلات الحادة التي استحضروها معهم خصيصاً لذلك الغرض الشيطاني. لقد نشروا الرعب في كل مكان مخلفين وراءهم ذكرى مأساوية سوداء ومؤلمة يصعب محوها مع مرور الأيام من نفوس من نجا من هؤلاء السكان المساكين.

واستناداً لشهود عيان كُتبت لهم النجاة فإن المجزرة قد تواصلت على مدار يومين أسودين من القتل والسحل والذبح والاغتصاب في أجواء القنابل المضيئة التي وفرتها الطائرات الحربية الصهيونية لتسهيل المهمة ووسط قيام دبابات جيش الحرب الصهيوني بإغلاق كل مخارج النجاة في المنطقة المستهدفة ومنع أي كان من الدخول إليها، بمن في ذلك الصحافيين ومراسلي وكالات الأنباء المحلية والعالمية وممثلي المنظمات المدنية والإنسانية اللبنانية والوافدة إلا بعد انتهاء المجزرة في 18 أيلول/سبتمبر، حين استفاق العالم على مذبحة من أبشع المذابح في تاريخ البشرية فوجد جثثاً مذبوحة بلا رؤوس ورؤوساً بلا أعين أو أنوف أو آذان، لأكثر من 3500 طفل وامرأة وشيخ وشاب من أبناء المخيمين الفلسطينيين وحزام الفقر اللبناني المحيط بهما، وفق تقديرات توصل إليها الكثيرون من بينهم الصحفي الصهيوني”آمنون كابليوك”. وقد ذهب البعض إلى القول بأن العدد تراوح بين 4000 و 5000 ضحية!!

وفي الوقت الذي كانت المجزرة في ذروة وحشيتها مع مُضي مرتكبيها في استباحة قدسية الروح الإنسانية واستمرار تدفق شلالات دم الأبرياء من الشعبين الفلسطيني واللبناني أيقظ المحرر العسكري الصهيوني رون بن يشاي وزير الحرب الصهيوني الإرهابي آرئيل شارون ليستفسر منه عما كان يجري في الشطر الغربي من العاصمة اللبنانية بيروت، فجاءه الجواب ببرودة واستخفاف “عام سعيد”!! وبعد مرور بضع ساعات على ذلك وفي خطوة دراماتيكية وقحة للتنصل من الجريمة، وقف رئيس الوزراء الصهيوني الإرهابي الأكبر مناحيم بيغن في الكنيست وقال بفرح وسرور بالغين “جوييم قتلوا جوييم…فماذا نفعل؟”،عانياً بذلك أن “غرباء قتلوا غرباء”، أي أن “الغرباء اللبنانيين” قتلوا “الغرباء الفلسطينيين” وأن لا دخل لكيانه العنصري وجيش حربه في ما كل ما جرى!!

أعوام مضت على المجزرة ولم يجرؤ المجتمع الدولي بطوله وعرضه وقده وقديده على ملاحقة الصهاينة المجرمين الذين خططوا لها وسهلوا تنفيذها والذين كان من بينهم من واصل ولا زال ارتكاب جرائم القتل والإبادة ضد أبناء الشعب الفلسطيني خلال انتفاضتيه الأولى في عام 1987 والثانية في عام 2000 وخلال الاعتداءات العسكرية الصهيونية الإجرامية على قطاع غزة من عام 2007 حتى الآن، وفي مقدمهم الإرهابي المقبور آرئيل شارون، واقرانه في حكومات العدو المتتالية”.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.