في ذكرى حرب تشرين التحريرية … حافظ الأسد وأنور السادات .. وحكم التاريخ / عبدا لحفيظ أبو قاعود

نتيجة بحث الصور عن حافظ الاسد والسادات

   عبد الحفيظ أبو قاعود* ( الأردن ) الأحد 7/10/2018 م …




* رئيس تحرير ” الأردن العربي ” …

ألتاريخ يكتبه المنتصرون ،و”المشرق العربي” دوما يقود الأمة إلى السؤدد والعلا ،ففي العقود الماضية شهدت المنطقة والإقليم حدثا فاصلا شكل في جوهره إحداثا سياسية وأخرى عسكرية لازالت الأمة تعيش إرهاصاتها حتى اليوم .

فالزعيم حافظ الأسد مع الرئيس الراحل أنور السادات أسسا لمشروع “شراكة سورية مصرية ” لتحرير الأراضي العربية المحتلة ، بعد وصولهما الحكم في العام 1970 ؛ حرب تشرين – أكتوبر 1973. لم تستكمل المشروع عناصره حتى ألان، وذلك بسب الانكاسة ،التي حدثت بعد اختلاف السادات قادة الجيش المصري حول الدفرسوار، ووقف العمليات القتالية في الجبهة الجنوبية ،مما اوجد اختلالا في الجبهة الشرقية وتغيير موازين القوى ،حيث تحول الموقف في الجبهة الشرقية لصالح إسرائيل بالقبول بفك الاشتباك .

لكن هناك ضرورة حتمية لإجراء ميزان مراجعة لحساب الإرباح والخسائر لهذه الحرب وأثارها وتداعياتها على مستقبل الأمة ،ومسار الصراع العربي- الإسرائيلي الطبيعي / دورات الحروب/وبين ثقافة التسوية “الاستسلام ” والتواطؤ مع الأجنبي ضد مصالح الأمة وثوابتها، في أعتاب ألذكرى ألأربعين عاما لحرب تشرين – أكتوبر التحريرية. باعتبارها احد المفاصل التاريخية في تاريخ الأمة في العصر الحديث.

زعيمان عربيان هما ؛حافظ الأسد وأنور السادات كانا شريكين في التخطيط لمشروع هذه الحرب والإعداد لها وتحديد ساعة الصفر لشنها زمانا ومكانا ،وهما سفر في تاريخ الأمة، توافقا على مشروع الشراكة للحرب على إسرائيل ،واختلافا على ماهية الصراع مع إسرائيل،وافترقا كل منهما إلى مسارين متضادين شكلا خلال الأربعين عاما الماضية ؛ محورين متصارعين ، هما:-

الاستسلام والتواطؤ

فالسادات ونظامه اختارا طريق التسوية السياسية والاستسلام والتواطؤ مع الأجنبي لحل الصراع عبر الوسيط الأمريكي،والتفاوض المباشر للوصول إلى  اتفاق فك الاشتباك “هدنة دائمة ” مع إسرائيل ،فكانت زيارته التاريخية للقدس المحتلة ،وإلقاء خطاب في الكنيست الإسرائيلي في العام 1977،والشروع بالتفاوض المباشر والاعتراف في شرعية يهودية الدولة في فلسطين المحتلة ؛ توجت في معاهدة كامب ديفيد 1979 ،لتكون  ” مصر أولا “، وانسلاخها عن محيطها القومي ، تبعيتها للغرب المتصهين  بالانفتاح الاقتصادي ،مقابل معونة أمريكية لا تزيد عن ملياري دولار سنويا .

وكانت نتائج المعاهدة وتداعياتها ؛ أن سلخت مصر عن أمتها العربية على مدى الأربعين عاما الماضية ،وأدخلتها عصر تسوية “الردع الإسرائيلي” ،وربطت بمذكرة تفاهم التعاون العسكري مع الولايات المتحدة الأمريكية في العام 1988. لتكون إحدى منظومة التحالف الأمني الإقليمي الرئيسية ، التي تضم في عضويتها ؛ إسرائيل والباكستان وتركيا والأردن والمغرب ، بالإضافة إلى مشيخات وإمارات وممالك مجلس التعاون الخليجي الست، وتونس ، في حين فشلت الولايات المتحدة الأمريكية في انضمام العراق وسورية ولبنان إلى هذه المنظومة.

فالدوروالوظيفة الإقليمية لمصر بعد توقيعها كامب ديفيد 1979؛ الانخراط في منظومة التحالف الأمني الإقليمي في العام من خلال الارتباط مع الولايات المتحة الامريكية في العام 1988 بمذكرة تفاهم للتعاون العسكري ، لتكون رأس حربة في العزوالامريكي والبريطاني لاحتلال العراق 2003.  

النظام المصري وتدمير العراق

وبموجب هذه المذكرة ؛ استخدمت الولايات المتحدة الأمريكية مواني مصر البرية والجوية والبحرية في تدمير العراق في حربي الخليج  الأولى والثانية ،واحتلاله وتدمير حضارته إلى عقود آتية،وإسقاط نظامه السياسي والاقتصادي في العام 2003،فحسب، بل كانت “مصر مبارك” متواطئة مع إسرائيل في احتلال بيروت 1982 ،وحرب  على لبنان2006،وحروب تدمير غزة 2008- 2014،وعرًابة ملحقات كامب ديفيد ؛ اتفاق أوسلو 1993، ووادي عربة الثانية 1994.

خيار المقاومة والممانعة

الرئيس الأسد اختار طريق المقاومة والممانعة بالتحالف الاستراتيجي مع الثورة الإسلامية الإيرانية منذ اندلاعها في العام 1979 .وبناء محور المقاومة العربي الإسلامي ، بتأسيس حزب الله المقاوم في لبنان ،واحتضان المقاومة الفلسطينية والعربية والإسلامية في سورية ، والعمل على تحقيق مشروعه العسكري في التوازن الاستراتيجي مع إسرائيل،ومواجهة ثقافة التسوية والاستسلام ،التي كانت نتاج كامب ديفيد   لاستعادة المسار الطبيعي للصراع العربي – الإسرائيلي ” دورات الحروب “، إلى أن ينتصر طرف على الأخر،لان فلسطين لا تقبل القسمة على اثنين .وهي أرض وقف لا يحق لأي حاكم التنازل عن ذرة تراب منها لأي سبب من الأسباب. 

وعلى ضوء معطيات افتراق شريكي مشروع حرب التحرير ” أكتوبر- تشرين التحريرية “منذ العام 1977 ،وأسبابها الموضوعية وعواملها المساعدة  ومحطاتها  التاريخية في مسارين متضادين ، فكان لكل مسار منهما مواقف متباينة من ألإحداث الكبرى في تاريخ الأمة بعد الحرب ،ومنذ العام 1977 ، مرورا بالعام 1979،وهو ؛عام مفصلي في التاريخ العربي الإسلامي ،حيث قيام الثورة الإسلامية وخلع شاه إيران محمد رضاء بهلوي وإنهاء النظام الإمبراطوري وإقامة الجمهورية الإسلامية الإيرانية ، ولكل من الزعيمين مواقفه من هذه الثورة الإسلامية.واستلام صدام حسين قيادة العراق ونشوب حرب الخليج الأولى في العام 1980.

علامات فارقة بين الزعيمين

السادات ونظامه استضاف الإمبراطور المخلوع في مصر حليف الولايات المتحدة الأمريكية إلى أن مات ودفن فيها ، وأمد العراق بالسلاح الروسي والغربي إبان الحرب العراقية الإيرانية 1980- 1988، وقطع العلاقات الدبلوماسية والتجارية مع طهران ،في حين أقام الأسد مع إيران تحالفا استراتيجيا ،لبناء محور المقاومة والممانعة العربي الإسلامي ،وساندها في الحرب مع العراق بقطع علاقاته مع العراق.

لقد رسمت مسار الزعمين مستقبل  الأمة وخياراتها المستقبلية بين ترسيخ ثقافة التسوية والاستسلام والتواطؤ مع الأجنبي ضد مصالح الأمة ،واستعادة المسار الطبيعي للصراع العربي – الإسرائيلي /دورات حروب /،لتحرير الأراضي العربية المحتلة.

أمًا الرئيس الأسد فقد عمل على  تحقيق التوازن الاستراتيجي الكاسر مع إسرائيل في زمن قياسي ،حيث تحقق أول انتصار للمقاومة ،وتوالت الانتصارات ، فكان الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان في العام 2000،وانتصار ألمقاومة الإسلامية في لبنان في حرب تموز عام 2006،والصمود الأسطوري للمقاومة في حروب تدمير غزه 2008- 2014.

وهل يتحقق التشابك الاقتصادي لدول الإقليم /بدلا من الاشتباك بين هلالين؟!!!.

 الحروب الإقليمية والاحتلالية  والفوضى الخلاقة ، والفساد والإفساد والإفقار من نتاج مسار السادات الاستسلامي بإخراج مصر من معادلة المقاومة ضد إسرائيل وعزلها عن محيطها العربي والإسلامي!!!،لقد دفع الشعب المصري في ثوراته الشعبية ضد الاستبداد والفساد والإفساد والإفقار، ثمن مسار السادات الاستسلامي و تواطؤ نظام خليفته حسني مبارك مع الأجنبي !!.

الأسد والسادات ؛ شريكا حرب أكتوبر- تشرين التحريرية هما ؛في حكم التاريخ ،لان لكل زعيم منهما؛اجتهاداته في مسار في تاريخ الأمة ،ولأنهما بعد أن وضعت الحرب أوزارها بسنوات قليلة ؛ افترق الزعيمان كل واحد منهما في طريق يتقاطع مع الأخر.

فقد حددت الإحداث الكبرى  التي إستولدتها هذان المساران ؛ مستقبل الأمة بين التشابك السياسي والاقتصادي الاشتباك العسكري في صراع بين هلالين دام اربعين عاما ، كما يطلق علية مشايخ الفتنة والسلطان ،ويخطط له الغرب المتصهين بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية لضمان مصالحها في الوطن العربي والحفاظ على امن إسرائيل .

لقد أفضى مشروع الأسد- السادات للتحرير بالنتيجة غير المتوازنة في الاهداف الكبرى واليات للشراكة ،الى زيارة السادات التاريخية إلى القدس المحتلة 1977، وإلقائه أمام الكنيست الإسرائيلي خطابه الشهير،الذي أعلن فيه بأن حرب تشرين- أكتوبر هي أخر الحروب مع إسرائيل وتوقيعه معاهدة “الكامب ” في العام 1979،ليكون العام 1979؛ محطة تاريخية لتقسيم الوطن العربي والأمة إلى فسطاطين ؛مقاوم ومستلم.

في الوقت ذاته اتجه الرئيس الأسد إلى البحث عن شريك أخر، فوجد في قائد الثورة الإسلامية في إيران 1979 ،الامام اية الخميني الشريك والحليف المؤتمن على مصالح الأمة ، فعقد التحالف الاستراتيجي مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية في العام 1979،لبناء محور المقاومة والممانعة العربي الإسلامي.

أما السادات فقد قتل في حادثة المنصة على يد احد رجال جيشه،فيما رحل الرئيس الأسد عن الدنيا واقفا دون أن يوقع معاهدة تسوية مع إسرائيل، تاركا لنجله الدكتور بشار الاسد ارثا كبيرا لاستكمال “مشروع التحرير” للارض والانسان العربي بعد تحقيق التوازن الاستراتيجي الكاسر مع إسرائيل، وامتلاك حرية ارادة التحرير للاجيال العربية العربية .     

اتجاهان متباينان في مسار الأمة ؛

المسار الأول:- يؤمن بالصلح والقبول بالاستسلام والسيرفي مسار الاعتراف بيهودية الدولة في فلسطين المحتلة ويقيم معها الأحلاف والعلاقات الدبلوماسية والتجارية والتنسيق الأمني والعسكري ،فكان التخطيط لإقامة منظومة “التحالف الإقليمي الأمني” بإشراف الولايات المتحدة الأمريكية  في العام 1979.فاستولد مجلس التعاون الخليجي ، ومجلس التعاون العربي، ومجلس التعاون ألمغاربي ، لتكون نواة منظومة التحالف لتنظم إليها إسرائيل ،ولاستكمال حلقات كامب ديفيد

المسار الثاني :- اختار المقاومة حتى التحرير ويرفض الاستسلام والاعتراف ب”يهودية الدولة “في فلسطين المحتلة ،ويؤمن بأن فلسطين ارض وقف لا يجوز لأي حاكم التنازل عن ذرة من ترابها ، ويعمل على بناء التوازن الاستراتيجي الكاسر مع إسرائيل وفق خطة مرسومة لبناء وإعداد مجتمع القوة العربي / المجتمع المحارب /لتحرير الأراضي المحتلة .فكانت ولادة حزب الله المقاوم 1982، الخطوة ألأولى من خطوات بناء محور المقاومة العربي الإسلامي .

فالقائمون على تحقيق المشروع الصهيوني في فلسطين المحتلة ،هم؛ بالأساس الذين قسموا الأمة إلى دول و محاور وفق مراحل التنفيذ، فكانت جامعة الدول العربية كمنظمة إقليمية في إطار النظام الدولي القائم ؛أول من سعى لإيواء اللاجئين الفلسطينيين خارج فلسطين في أول زيارة لأمينها العام عبد الرحمن باشا ألعزام للأردن في العام 1947،للبحث عن أماكن بالقرب من المياه في “زرقاء شبيب” ،قبل قيام “دولة إسرائيل ” في فلسطين المحتلة بالتنسيق والتوافق مع بريطانيا .

نجد ان عدم امتلاك العرب لمستلزمات التوازن الكاسر مع إسرائيل لتغيير قواعد الاشتباك باحياء الجبهة الشرقية لجأ الرئيس الاسد الى المراوغة مع الغرب المتصهين بالدهاء السياسي للخروج دائرة التفاوض مع الادارات الامريكية بحنكة الى ان تحالف مع الجمهورية الاسلامية الايرانية لبناء محور المقاومة لاحياء ارادة التحرير بتأسيس حزب الله 1982 ، بعد خروج قوات منظمة التحرير من لبنان الى تونس واليمن والعراق. في حين عملت إسرائيل منذ العام 1976 في اطار الخطة الجيو-سياسية” القطاع المزدوج” ،ببناء الشريط الاستيطاني العسكري من بيسان الى عين جدي لاستيعاب مليون مستوطن عسكري لمواجهة احياء الجبهة الشرقية في خطوة مماثلة لخط بارليف من حيث الاهداف والاليات بالتزامن مع المسار الاستسلامي للسادات الذي اوعز الى هنري كسيجر وزير الخاؤجية الامريكي الاسبق لتنفيذه من خلال جولاته المكوكية في المنطقة .

الخلاصة والاستنتأجات

–  وجوب اجراء ميزان المراجعة لحساب الإرباح والخسائر للمسار، الذي اختطه السادات لمصر والأمة  خلال الأربعين عاما الماضية .يشير إلى أن ألانقلابات الحاصلة في مرحلة ما أطلق عليه الربيع العربي ،التي انطلقت من تونس في العام 2011،مرورا بثورة 25 يناير في ارض الكنانة ،وانتفاضة آهل اليمن،توقفت على أبواب صمود أهل ” الشام”،لان زعيمهم الراحل ،هو؛ صانع الصمود والتصدي،وهو؛حاضن المقاومة في بلاد الشام.

–   الحرب الكونية من سورية وعلى سورية بأدواتها القتالية تاقذرة ، والتي شكلت المجموعات الارهابية التكفيرية المسلحة ؛ الاذرع الرئيسية لها في التدمير الممنهج في سورية المتجددة ؛ ستضع اوزارها في نهاية العام 2018، .

–   اصبحت دمشق الضلع الاساس في محور المقاومة ؛ مركز الكون في بناء نظام دولي متعدد  الاقطاب والتقافات، لان زعيمها الراحل حافظ الاسد أرسى قواعد المحور وفق إستراتيجية  بناء مجتمع المقاومة “المجتمع المحارب “، ومستلزمات التوازن الاستراتيجي الكاسر مع إسرائيل في زمن قياسي.لتكون على طاولة الكبارالين يؤسمون مستقبل البشرية في الالفية الجديدة.

–   النصر العظيم للجيش العربي السوري وحلفائه في الحرب الكونية على  الارهاب ، اوجد الظروف الموضوعية لاحياء الجبهة الشرقية لاستكمال مشروع التحرير للارض والانسان العربي ، ليكون للامة والملة مكانا تحت الشمس لاستئناف دورها في التعميرالعملاق في الحضارة الانسانية .

–   عام 2019 ؛ عام الاستدارة الكبرى في التوازنات الدولية والاقليمية،حيث تنهار فيه منظومة التحالف الامني الاقليمي ،بانهيارمسارالسادات الاستسلامي ،ونهوض “المارد” محور المقاومة في استكمال جبهاته القتالية  في عملية تبادلية تؤسس لمرحلة جديدة في تاريخ البشرية .

–   “قاهرة المعز” لنتسعيد دورها المحوري بعد اربعين عاما من من خروجها من معادلة الصراع العربي الاسرائيلي ، وذلك بالارتباط بمذكرة التفاهم التعاون العسكري مع الولايات المتحدة الامريكية في العام 1988 !!!، وان مصر غير قادرة في ظل تصحيح مسار ثورة الخامس والعشرين من ينايرعلى تغييرالمسار الساداتي الاستسلامي بالانفكاك من تبعات كامب ديفيد!!!، حيث تعزز مصر الانخراط في منظومة التحالف الاقليمي، التي تقودها الولايات المتحدة الامريكية ،والتنسيق الامني مع اسرائيل .

–   ايران ؛ الثورة الاسلامية والدولة المدنية بعد الاربعين عاما من الانطلاق؛ عززت حضورها في المنتدى النووي العالمي ،وتمكنت من ايجاد ثقب  في جدار حضر المعرفة العلمية من الغرب المتصهين على الامة والملة، كخطوة اولى لردمه ،وتبنت “ثقافة فن الحياة ” في نظامها السياسي ؛ دولة مدنية ديمقراطية ذات مرجعية دينية . وذلك بامتلاكها تقنية الناتو،وقاعدة علمية للتصنيع العسكري والمدني، وتتصدى لدول الاستكبار لحماية المستضعفين في الارض، في زمن الاستبدال القومي لولاية الملة .

·      * صحافي ومحلل سياسي    

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.