في جبهة الأعداء- اليمين المتطرف الأوروبي وعلاقاته بالكيان الصهيوني / الطاهر المعزّ
الطاهر المعزّ ( تونس ) الإثنين 8/10/2018 م …
* (يمكن اعتبار هذه الورقة جُزْءًا ثانيًا لمقال سابق بعنوان “اليمين المتطرف في أوروبا – على هامش انتخابات السويد” – نشرة “كنعان” 17/09/2018)
رَوَّجت وسائل الإعلام السائد في أوروبا، ولعدة عُقُود “إن اليمين المتطرف في أوروبا مُعادٍ للسامية”، وبالتالي (وفق هذه الفَرَضِيّة) معادٍ لليهود ولدولة الكيان الصهيوني، لكن الوقائع تُثْبِتُ مُعاداة اليمين المتطرف للعرب وللحضارة العربية وللمهاجرين ولجماهير العُمال والكادحين والفُقراء، ولا تُثْبِتُ معاداته للكيان الصهيوني، بل يشترك الطَّرَفَان في معاداة العرب والشعوب المُضْطَهَدَة والواقعة تحت الإحتلال، ثم أظهرت وثائق الحرب العالمية الثانية وجود اتفاقيات بين زعماء الحركة الصهيونية وزعماء الحكم النازي في ألمانيا، لتهجير اليهود نحو فلسطين، وأثْبَتَ المُؤَرِّخُون الصهاينة أو من أُدْرِجُوا تحت عنوان “المؤرِّخون الجدد” (من خلال الوثائق المُفْرَجِ عنها) إن قادة ميليشيا “ليهي” الصهيونية الإرهابية اقترحت سنة 1941 حلفاً مع الرايخ الثالث، وأن قادة المجموعات الصهيونية الإرهابية مثل “بيتار” وكذلك “إرْغُون” استفادت من الدّعم المادّي والسّياسي لقيادة إيطاليا الفاشية، خلال عشرينيات القرن العشرين، ووَرَد في هذه الوثائق دعم “بنيتو موسلّيني” لأكثر المجموعات الصهيونية تطرفًا وأعلن (سنة 1935) تقديره الكبير ل”رئيف جابوتنسكي”، أحد أكثر الزعماء الصهاينة تطرُّفًا، بالقول “إن أردتم إنجاح الصهيونية، فلا بد لكم من دولة يهودية، وعلم يهودي ولغة يهودية، وأنا أكن كل التقدير للقائد الفاشي الحقيقي والأصيل زئيف جابوتنسكي، لأنه الشخص الذي يفهم ذلك تماماً…”، مع الإشارة إن “زيون نتن ياهو”، والد “بنيامين نتن ياهو” كان الكاتب الخاص لجابوتنسكي، كما أظْهرت الوقائع، بعد عُقُود من انتهاء الحرب العالمية الثانية، ومن تأسيس كيان الإحتلال، تحالف الصهيونية والكيان الصهيوني مع اليمين المتطرف الأوروبي، الذي أصبح في السلطة (منفردًا أو بالتحالف مع قوى يمينية أخرى) في النمسا وهولندا وبولندا والمَجر وإيطاليا وغيرها، أحيانًا بذريعة مكافحة الحركات الإسلامية المتطرفة، وأحيانًا أخرى بذريعة الدّفاع عن الحضارة الغربية (والكيان الصهيوني جزء منها)، ولكن القواسم المشتركة تتجاوز هذه الذرائع، وأصبح قادة ونواب اليمين المتطرف يُجاهرون بالعداء للمهاجرين والعرب والمسلمين، بكل حُرِّية، ودون أية محاسبة أو عقاب، شريطة الدفاع عن الكيان الصهيوني داخل الإتحاد الأوروبي، وتُعدّ المُجاهرة بالعداء لِفُقراء المُهاجرين والعرب صَكًّا يُثْبِتُ البراءة من “شُبُهات” معاداة السّامية، و”السّامية” أصبحت محصورة في اليهود، مع استبعاد العرب وشعوب شرق إفريقيا ومن يعتبرهم الصهاينة “غوييم” (الأَغْيار، أو الغير، أي غير اليهود)…
نَظّم حزب الليكود الحاكم في الكيان الصهيوني، يوم الخامس من كانون الأول/ديسمبر 2010، في تل أبيب، ندوة دولية حول أساليب وسائل “مكافحة الإرهاب”، وشارك في النّدوة ما لا يقل عن ثلاثين عضوًا قيادِيًّا من أحزاب اليمين المتطرف في أوروبا، ووفّر لهم “الليكود” منصّة لإلقاء خُطَبٍ حماسية في الندوة ضد العرب والمسلمين والفُقراء والمُهاجرين في أوروبا، ونشرت وسائل الإعلام الصهيوني مُحْتوى هذه الخُطب العنصرية والإستعمارية، ثم شارك قادة اليمين المتطرف الأوروبي في اجتماعات رسمية مع المُسْتوطنين في مُستوطنات الضفة الغربية المحتلة، ودعا زعيم اليمين المتطرف الهولندي “غييرت ويلديرز” في خطابه أمام المُسْتَوْطِنِين إلى عدم الإنسحاب من أي شبر من الأراضي المحتلة سنة 1967، وإلى توطين الفلسطينيين في الأردن، وأعلن “إن المستوطنات اليهودية (في الضفة الغربية) حصون مصغرة من الحرية تتحدّى القوى الأيديولوجية المعادية لإسرائيل، بل والمُعادية للغرب عموماً، و ترمز هذه المستوطنات (بحسب رأيه) للحق في العيش في ظل السلام والكرامة والحرية”، ووجب التنويه بالشبه الكبير بين مثل هذا الخطاب وما كان يقوله غلاة الصهاينة، منذ “ثيودور هرتزل” و”زئيف جابوتنسكي” بشأن دور الكيان الصهيوني ك”مُمثل للإستعمار الأوروبي وللحضارة الأوروبية” في المشرق العربي، وشَبّه “ثيودور هرتزل” دولة اليهود التي كان يسعى لإنشائها (أواخر القرن التاسع عشر) ب”الجدار الحديدي الفاصل بين الحضارة الأوروبية والهمجية العربية” (واستعار “جابوتنسكي” هذا التّشْبِيه في الثّلُث الأول من القرن العشرين)، أما اليمين التقليدي الأوروبي فيدعو إلى سن القوانين التي تُجَرّم الدعوة إلى مقاطعة الكيان الصهيوني، مع تجريم التصريح بمناهضة الصهيونية كإيديولوجيا سياسية تَبُثُّ الكراهية والعُنْصُرِية وتمتدح احتلال البلدان واستعمار الشعوب، وأعلن الرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون” (ممثل هذا اليمين التقليدي وممثل رأس المال المالي)، يوم 16 تموز/يوليو 2017: “إن معاداة الصهيونية هي صيغة جديدة مبتَدعة من معاداة السامية”، وتُصَنِّف بعض الصحف الأوروبية (بما فيها تلك التي تَدّعي الدفاع عن أو الإنتماء ل”اليسار”) رئيس حكومة المَجَر “فيكتور أوربان” كمُعادي للسامية، لكنها لا تُصَنِّفُهُ كعدو للشعوب وللطبقات المُسْتَغَلّة والمُضْطَهَدَة، وكان قد استقبل بحفاوة كبيرة في العاصمة “بودابيست” زميلَهُ رئيس حكومة الكيان الصهيوني “نتن ياهو”، ووصفه ب”رجل الدولة الإستثنائي”، يوم 18/07/2017، ثم زار “أوربان” أصدقاءه الصهيانة والتقاهم في القدس، وليس في تل أبيب، في تموز/يوليو 2018، ودعا إلى “عدم التسامح مُطْلَقًا مع المُعادِين للسّامية، الذين يختبئون وراء معاداة الصهيونية”…
في بولندا، أرسى الإخوة “كاسينسكي” نظامًا يمينيا متطرفًا، بدعم من الكنيسة الكاثوليكية ومن الولايات المتحدة، وحلف شمال الأطلسي، نظَرًا لموقع بولندا وعداء برجوازيتها التّاريخي للأفكار التّقَدّمية، ولتغلغل الكنيسة في النسيج الإجتماعي والإيديولوجيا السائدة، وأقرت الحكومة والبرلمان الدّاعم لها سنة 2015 إجراءات لتصفية المكتسبات الديمقراطية والاجتماعية، وأقرّت التحالف مع السلطات الدينية للكنيسة الكاثوليكية لتصفية حقوق النساء والأقليات، ولتنفيذ عقوبة الإعدام، وتوسيع صلاحيات السلطة التنفيذية على حساب السلطة التشريعية، والسيطرة على وسائل الإعلام، وعلى جهاز القضاء، بالتوازي مع التقارب مع قادة الكيان الصهيوني، رغم الجدل الذي أُثِير حول فترة تواطؤ سلطات بولندا مع الرايخ الثالث (النازية) لارتكاب جرائم حرب أو “جرائم ضد الإنسانية”، أثناء الحرب العالمية الثانية، وتواطؤ مليشيات اليمين في بولندا (كما في أوكرانيا وكرواتيا وغيرها) مع الإحتلال النّازي ضد اليسار وضد الشعب البولندي، وضد الإتحاد السوفييتي، واعتبر “نتن ياهو” إن “البولنديين كانوا ضحايا جرائم النازية”، وإن نظام الحكم الحالي “صديق لإسرائيل، ونشترك معه في مكافحة الهجرة غير النظامية، والتطرف الإسلامي”…
تُعتبر بولندا والمجر وتشيكيا وليثوانيا وإستونيا من البلدان التي تعاملت حكوماتها وفئات أخرى من البرجوازية والفئات المَيْسُورة مع ألمانيا النازية التي احتلت هذه البلدان أثناء الحرب العالمية الثانية، والتي أصبح يحكمها اليمين المتطرف حاليا، وساهم هذا اليمين في فك عزلة الكيان الصهيوني دبلوماسيا وسياسيًّا، بفعل “القِيَم المُشترَكة” بين الصهيونية واليمين الأوروبي المتطرف، والفاشِيِّين الجُدُد (وعبارة “القيم المُشْترَكة من تصريح لزعيم اليمين المتطرف في “ليثوانيا”) وقام رئيس “الرابطة الإيطالية” (اليمين الفاشي الإيطالي المُشارك في الحكم سنة 2018) برحلة إلى فلسطين المحتلة سنة 2016، وأثنى على حكام الدولة الصهيونية التي “تَعَلّم منها عددًا من الأشياء الهامة”، وبعد سنتين، وعندما فاز اليمين المتطرف في إيطاليا بالإنتخابات التشريعية، أعلن نفس الشخص: “أشعر بخالص التقدير والاحترام أمام قدرة إسرائيل الكبيرة على امتصاص الصدمات والصمود، وقد تَعَلّمْنا منها هذه الخِصال الحميدة… سنُغَيِّرُ سياسة إيطاليا تجاه إسرائيل في المنظمات الدولية وسَنُعيد النظر في المساعدة المالية الإيطالية لمنظمات مثل اليونيسكو التي جعلت من مهاجمة إسرائيل هوايتها…”، وأعلن “أوسكار فرايسينغر” زعيم اليمين المُتطرف السويسري (والذي اشتهر بمبادرة الإستفتاء حول منع تشييد المآذن في تشرين الثاني/نوفمبر 2009): “وجب دعم إسرائيل، فطالما ظل المسلمون منشغلين بإسرائيل، لن تكون المعركة شرسة بالنسبة لنا، وبذلك، سيبقى الغرب يقود العالم، ولكن لو اختفت إسرائيل فسوف يزحف المسلمون على الغرب للإستيلاء عليه”…
في ألمانيا (موطن النّازِيّة)، لا تُفَوِّتُ “بياتريس فان ستورش”، رئيسة حركة اليمين المتطرف “آلترنتيف فور دوتشلاند” (البديل من أجل ألمانيا) أي فُرصَة لتأكيد “مساندة إسرائيل في المعركة المشتركة ضد الإسلاميين”، وأشاد “رافي إيتن” الوزير الصهيوني ورئيس الموساد الأسبق الذي أشْرَفَ على اختطاف “آدولف آيخمان” لمحاكمته في القدس سنة 1961، بحركة “آلترنتيف فور دوتشلاند” وأكد لقادتها: “إنّنا في إسرائيل نُقدر موقفكم من الطائفة اليهودية، ونحن مقتنعون أن مواقفكم تُمثل بديلاً في ألمانيا وكذلك في أوروبا بكاملها… ونتمنّى أن تعملوا على إغلاق حدود ألمانيا وأوروبا في أسرع وقت ممكن للحيلولة دون دخول المهاجرين المسلمين”، وفي النمسا (موطن أدولف هتلر)، بدأت الإتصالات مُبَكِّرًا بين “حزب الحرية” (اليمين المتطرف) والكيان الصهيوني، وقطع الحزب أشواطًا من التفاهمات مع حزب “الليكود” الحاكم في دولة الإحتلال، ودعا الكيان الصهيوني (في حزيران/يونيو 2018) المستشار النمساوي “سيباستيان كورتس”، رئيس التحالف الذي يضم اليمين المتطرف، لزيارة فلسطين المحتلة، وأشاد به “نتن ياهو” (أثناء الزيارة) وَوَصَفَهُ ب”الصديق الحقيقي لإسرائيل وللشعب اليهودي”، وكتبت بعض الصحف الصهيونية إن حكومة الإحتلال لا يهمّها أن يكون، أو يَبْدُوَ زعماء اليمين المتطرف الأوروبي “مُعادين للسامية، مَا دَامُوا يدعمون الصهيونية وإسرائيل”…
تتقاطع استراتيجيات اليمين المتطرف الأوروبي والكيان الصهيوني، عندما يتعلق الأمر بالجمعيات الداعمة لفلسطين (عمومًا يعتبر اليسار الأوروبي إن فلسطين لا تشمل سوى الضفة الغربية وغزة، ولا تدافع منظمات وأحزاب اليسار الأوروبي عن حق العودة، ويُعارضُهُ بعضُها لأنه “يُمثّل خطَرًا وُجودِيّا” على الكيان الصهيوني) فالكيان الصهيوني يستخدم تُهمة “معاداة السّامية” ضد أي شخص أو أي مجموعة تُعارض سياسة الكيان الصهيوني (وليس معارضة وجود الكيان الصهيوني، أو مُعارَضة الصهيونية كإيديولوجيا)، وتعمل حكومة العدو مع اليمين المتطرف على إسكات هذه الأصوات، وعلى تجريم حركات المُقاطعة (رغم لُيونتها) ونجح الكيان الصهيوني في الخلط (المقصود) بين معاداة السامية ومناهضة الصهيونية، وخصصت الحكومة الصهيونية 72 مليون دولارا (كدفعة أولى، وفق وزارة خارجية العدُوّ) لإسكات منتقدي سياستها في الضفة الغربية، ومنتقدي حصار قطاع غزّة، عبر منظمة صهيونية فرنسية، امتد نفوذها ليشمل الحكومات ومجالس النواب وقادة الأحزاب في أوروبا (يمينها ويَسارها)، وعملت هذه المنظمة على استمالة قادة اليمين الفاشي الأوروبي، ليدعم الكيان الصهيوني، ومن بينهم الهولاندي “غييرت ويلديرز” والبلجيكي “فيليب دُوِنْتر” والنمساوي هاينز كريستيان ستراخي، الذي خلف “يورغ هايدر”، و”لويس أليو” (فرنسا) الذي أقام مدة لا بأس بها في فلسطين المحتلة، وعمل على تقارب اليمين المتطرف الفرنسي مع الكيان الصهيوني…
وَرَدت معظم البيانات من موقع صحيفة “لوموند” 31/08/18 + موقع “ليبرتاليا” + أ.ف.ب (بتصرف) 01/10/18
(للإطلاع على مقال “اليمين المتطرف في أوروبا – على هامش انتخابات السويد، يرجى الضغط على الرابط التالي:
التعليقات مغلقة.