التمثيل على لبنان والتمثيل بالفلسطينيين / عصام نعمان
لا أحد ينكر على بنيامين نتنياهو مواهبه في التمثيل، التمثيل على الناس، والتمثيل بهم . في الأسبوع الماضي، استخدم مواهبه على منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة، وبالغ في حرفته. تمثيليته كانت من طراز الكوميديا التي سرعان ما تحولت عرضاً هزلياً بامتياز.
كعادته أبرَز أمام مشاهديه، وكانوا قلائل، رسوماً بيانية زعم أنها مواقع صاروخية في محيط مطار بيروت الدولي. أحد المواقع المرسومة مثّل ملعباً لكرة القدم لفريق «العهد الرياضي». المواقع الأخرى تميزت بصفة مشتركة لكونها مزروعة اعتباطاً في عمق أحياء سكنية.
وزير الخارجية اللبناني سارع إلى اغتنام فرصة الهزال والهزل التي انزلق إليها نتنياهو. جَمَع سفراء الدول المعتمدين في لبنان، وطاف بهم في أرجاء الملعب الصاروخي المزعوم، كما في مستودع مجاور لمعمل قديم للكرتون. الوزير اللبناني لم يقصد طبعاً أن يرافق السفراء في جولة سياحية. قصده كان ، وما زال، إبراز الطابع السكني المدني للمناطق التي زعم نتنياهو أنها مزروعة بصواريخ «دقيقة». كل هذا التمثيل على الناس الغرض منه تبرير المجازر التي ستترتب على «اضطرار» جيش نتنياهو إلى قصف تلك المناطق المدنية، بسبب احتوائها المزعوم على صواريخ .
ولا يخفى أن «إسرائيل» سبق لها العام 1968 أن دمرت أسطول لبنان من طائرات الركاب. يومها لم يكن ثمة صواريخ لدى لبنان. ما المبرر إذاً؟ زعمت أن فلسطينياً طار من مطار بيروت قاصداً اليونان ليقوم هناك بعملية «إرهابية».
الواقع أن جنرالات «إسرائيل» أكدوا، بعد حربهم الفاشلة على لبنان العام 2006، أن جيشهم لن يتوانى في أي حرب قادمة عن قصف بلدات، وقرى، وأحياء سكنية.
والحقيقة أن تمثيل نتنياهو على اللبنانيين يهون أمام تمثيله بالفلسطينيين عموماً، وسكان قطاع غزة خصوصاً. فمنذ نحو عشر سنوات تضرب «إسرائيل» حصاراً شديداً على القطاع بملايينه الثلاثة، بلغ ذروته أخيراً بقطع الماء والكهرباء عنه، فضلاً عن المواد الغذائية، ومواد البناء، والدواء، وانعدام فرص العمل لدرجة رفعت نسبة البطالة إلى 50 في المئة.
كتّاب ومعلقون «إسرائيليون» كُثر منشغلون منذ أشهر بالإضاءة على مآسي الحصار، والتحذير من مفاعيلها الخطيرة، ليس على الأهالي فحسب، بل على «إسرائيل» نفسها. بعضهم لفت المسؤولين إلى أن ارتفاع نسبة البطالة أدّى إلى ارتفاع نسبة المشاركة الشعبية في «مسيرات العودة» التي أضحت مسيرات شبه يومية، وما عادت تقتصر على أيام الجُمع. بعضهم الآخر حذّر من احتمال بلوغ حال اليأس مبلغاً يندفع معه الفلسطينيون إلى اختراق السياج الحديدي والناري الممتد على طول حدود القطاع مع مناطق فلسطين المحتلة، ابتغاء الوصول إلى بعض المستوطنات القائمة في محيط القطاع لأسْر واحتجاز مجاميع من جنودها، ومسؤوليها .
جنرالات «إسرائيل» يعون هذه المفاعيل والمخاطر. بعضهم يدعو ضمناً أهل السلطة «الإسرائيلية» إلى التخفيف من وطأة الحصار. بعضهم الآخر، المتأثر بطروحات المستوطنين العنصريين في الضفة الغربية وأصحاب الرؤوس الحامية من الحاكمين المتطرفين، يدعو إلى اجتياح القطاع بغية إعادة فرض الاحتلال. غير أن كتّاباً ومعلقين وسياسيين من أهل اليسار يحذرون من مغبة الانزلاق إلى حرب مدمرة لن تنال من أهل القطاع فحسب، بل تمتد بمفاعيلها الكارثية إلى قلب «إسرائيل» ذاتها.
نتنياهو، وأغلبية الوزراء في حكومته التي يقرر سياستها وتصرفاتها أهل اليمين، والمستوطنون، سادرون في غيّهم، ولا تستوقفهم مواقف معارضيهم الأقل تطرفاً. نتنياهو نفسه يبدو الأكثر تطرفاً. لماذا؟ لأنه يريد احتواء الملاحقات القضائية بحقه، وبحق زوجته، بسبب اتهامات موثقة بتقاضي رشى، وصرف نفوذ. يريد أن ينهي هذا الفصل القضائي المهين قبل الانتخابات القادمة، أو يبتغي، في الأقل، التغطية عليه بمواقف سياسية تفجّر تيارات عصبوية جارفة.
هل يدرك العرب، مسؤولين ومواطنين، أنهم مطالبون بمواقف، وأعمالٍ حازمة، وفعالة قبل اكتمال الكارثة؟
التعليقات مغلقة.