استراتيجية الولايات المتحدة الأمريكية في احتواء الصين / محمد محمود مرتضى
محمد محمود مرتضى ( لبنان ) الخميس 11/10/2018 م …
تعتبر الولايات المتحدة الأمريكية أن منطقة آسيا والمحيط الهادئ هي من المناطق ذات الأهمية الحيوية، وتزداد أهميتها بالنسبة لها في ضوء تنامي المد الصيني هناك من النواحي السياسية والاقتصادية والعسكرية.
تتسم العلاقات الصينية الأمريكية بالتعقيد، وهو يتراوح تعقيد بين التقارب حيناً والتصارع حيناً أخر. ويعود ذلك لاختلافات مصلحية كبيرة بينهما، لا سيما على المدى البعيد. اذ ترى الولايات المتحدة أن صعود الصين يهدد مصالحها الحيوية وأمنها القومي، فيما ترى الصين أن التوجه نحو عالم متعدد الأقطاب لا تكون فيه هيمنة أمريكية بل توازن بين القوى المختلفة أمر ضروري.
يمكن القول بأن الاستراتيجية الأمريكية في آسيا تهدف بشكل اساسي الى تطويق الصين من خلال التواجد العسكري في مناطق العمق الاستراتيجي للصين، وتطويقها سياسياً واقتصادياً فيما يعرف باسم استراتيجية “احتواء الصين”.
وتعتمد هذه الاستراتيجية على ثلاثة محاور:
الأول: المحور الأمني والعسكري
حيث عمدت إلى التحالف العسكري مع عدد من الدول كاليابان وكوريا الجنوبية واستراليا، كما عمدت واشنطن في اطار السعي للحد من قوة الصين الى إبرام الاتفاقيات الدفاعية مع اليابان، إضافة إلى تهديدات أمريكية للصين واعتراضها على بناء الأخيرة للجزر الصناعية واتهام بكين بعدم الاهتمام بأمن دول الجوار.
وفي نفس الاطار تقيم الولايات المتحد علاقات عسكرية وثيقة مع تايوان، وهي جزيرة تمثل منصة استراتيجية للعمليات العسكرية المستقبلية ضد الصين وضد أمنها في الطاقة.
اضافة الى ما تقدم، تُجري الولايات المتحدة مناورات بحرية كبرى بمشاركة دول الإقليم، وكان أهمها تلك التدريبات العسكرية الأمريكية في خان كويست بمنغوليا على الحدود الشمالية للصين في عهد إدارة الرئيس الأمريكي أوباما، ما عُد تحديا مباشرا للصين في محيطها الإقليمي.
من حيث العدة والعتاد تحتفظ الولايات المتحدة حاليا بخمسين سفينة حربية بشكل ثابت غرب المحيط الهادئ، فيما تتمركز حاملة الطائرات جورج واشنطن في اليابان، وهي تحاول اليوم إعادة نشر وتوزيع 60 % من قواتها البحرية في المنطقة، والاتفاق على وجود 2500 جندي من قوات المارينز في استراليا، اضافة الى نشر أربع سفن قتالية في سنغافورة.
ثانياً: المحور الاقتصادي
لتحجيم الدور الاقتصادي للصين وتقليل نموها ووقف تعاظم دورها في منطقة آسيا والمحيط الهادئ
وكمثال عل ذلك توقيعها على اتفاقية الشراكة عبر الباسيفيك (TPP) مع دول المنطقة (استراليا، بروناي، كندا، وتشيلي، اليابان، المكسيك، بيرو، نيوزيلندا، سنغافورة، فيتنام) واستثناء الصين منها، وقد رأت الولايات المتحدة أن هذه الاتفاقية ستسمح لها وليس بوضع خريطة اقتصادية للقرن الحادي والعشرين.
وعلى الرغم من إعلان إدارة الرئيس الأمريكي ( ترامب ) انسحابه من هذه الاتفاقية في كانون الثاني يناير من العام الماضي (2017)، إلا أن ذلك لا يعد تخلياً عن استراتيجية سلفه الاقتصادية إزاء الصين، بل جاء انسحاب ترامب لاعتقاده بان هذه الشراكة تضر مصالح العمال الأمريكيين، وهو ربما سيسعى لتحسين وضع الولايات المتحدة في هذه الاتفاقية. وربطا بكل ذلك، جاءت الخطوات الاميركية في فرض رسوم جمركية على سلع صينية مما بات يعرف بالحرب الاقتصادية بين الصين والولايات المتحدة.
ومن جهة اخرى، تحاول الولايات المتحدة قطع جميع الطرق التي تزود الصين بالنفط من خلال التعاون النفطي عبر الآسيوي والتي تصل مباشرة إلى الصين من خارج الممرات البحرية التقليدية المراقبة من جانب البحرية الأميركية.
ثالثا: المحور السياسي والدبلوماسي
كما تسعى لإقامة شراكات وتحالفات مع الدول المناوئة لها في جنوب شرق آسيا، أو إثارة الاضطرابات في الدول التي تتمثل أهمية للصين مثل ميانمار، بل حتى العمل على إثارة الاضطرابات داخل الصين نفسها من خلال دعم حركة ( احتلوا وسط المدينة ) في هونغ كونغ.
وكانت الولايات المتحدة قد بدأت بالفعل في تكوين نواة لتحالف إقليمي جديد مناوئ للصين بتدشين حوار استراتيجي ثلاثي بين الولايات المتحدة واليابان والهند ومن غير المستبعد أن تبدأ الولايات المتحدة في توسيع نطاق هذا التحالف مستقبلا.
وقيام الولايات المتحدة الأمريكية بتعزيز وجودها الدبلوماسي هناك من خلال زيارات لكبار المسؤولين الأمريكيين ركزت على اليابان وكوريا الجنوبية وفيتنام من المجاورين للصين، كما سعت واشنطن للعب دور اكبر في المنظمات الإقليمي حيث استضافت منظمة التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ.
لاشك أن الولايات المتحدة لن تتخلى عن استراتيجيتها تجاه الصين، خاصة أنها ترى في الصين العدو الاوحد في منطقة أسيا والمحيط الهندي، والعدو الأكبر مستقبلا، اذ ترى أن الصين وحدها قادرة على زعزعة الوجود الأمريكي في تلك المنطقة، وتهديد قيادتها الاحادية للعالم في ظل الصعود الكبير للصين في شتى المجالات.
التعليقات مغلقة.