إيران ماضي … حاضر … ومستقبل … (!) / وليد السبول

 

وليد السبول ( الأردن ) الأحد 21/6/2015 م …

مقدمة الناشر :

قد يكون الصديق الجميل الكاتب الأستاذ / وليد السبول كاتبا مقلاّ في كتاباته ، ولكنه يكون في أصدق حالاته عندما يكتب .

فهو رجل لا يعرف التلوّن ويكره المحاباة ويعشق الصدق ، سواء كان ذلك في السياسة أو في ما يخصّ المشاعر الإنسانية ، أو في أيّ مجال آخر من مجالات الحياة .

وقد وعدنا ( أبو خالد ) بأن يكتب سلسلة مقالات عن زيارته لإيران ، والتي كانت ضمن وفد شعبي أردني .

وهذا أول المقالات … ونحن بانتظار البقيّة .

======================

منذ أن عدت من إيران قبل أسبوعين تقريبا وأنا أود أن أكتب مقالي هذا، إلا أنه لا الوقت أسعفني ولا الظروف مكنتني من الكتابة. كان لي شرف المشاركة في وفد من خيرة شباب الأردن ورجالاته، وبدعوة رسمية للمشاركة في مؤتمر أقيم في طهران بعنوان (المقاومة خطاب أوسع من الحدود المذهبية والدينية والجغرافية) في الفترة ما بين 30/5 ولغاية 31/5/2015.

ومنذ تلقيت الدعوة -شاكرا وممتنا- من “الجمعية الدولية لمراقبة العدالة” في إيران وحتى عودتي منها، كنت أؤكد لأصحاب الدعوة ولرآسة الوفد الأردني أنني لن أكون طرفا سهلا، أعكس كل قناعتاتي بمجرد أنهم أرسلوني في رحلة سياحية وكما يقولون (من الباب إلى المحراب)، قلت لهم وأوضحت بصراحة أنني ذاهب لا لكي أملأ كرشي بالطعام الطيب ولا عينيّ بالمناظر السياحية، وإنما لأملأ عقلي بالمعلومات والأفكار.

كنت وكالملايين من الناس، أدّعي بأنني أعرف الكثير عن إيران وشعبها وتاريخها، وكنت أكتب دائما مناهضا لإيران ومواقفها السياسية من العرب. كنت وبحكم قراآتي ومشاهداتي للعشرات من المحطات التلفزيونية الشيعية، أحمل صورة لإيران في رأسي، تكاد تكون راسخة كاليقين المطلق، وما كان لأحد أن يغير فيها قيد أنملة. كانت – وربما لا زالت أو جزء كبير منها – صورة سيئة للغاية، ليس فيها إلا الحقد الإيراني على القومية العربية أولا، وعلى المذهب السني ثانيا، وعلى الآخر بشكل عام الذي يرفضه الإيرانيون بالفطرة، وعلى الإنسان الحر وعلى المرأة بشكل عام. وبالنسبة للمرأة فقد كانت في رأسي صورة واحدة للمرأة وهي في الشادور، مقيدة الحرية، مسلوبة القرار، تماما كأية امرأة في الدول المحكومة بأنظمة دينية صارمة.

وبعد أن شاركت في كثير من الحوارات وسألت واستفسرت، والتقيت حتى بكبار من رجالات الدولة الإيرانية والمساهمين في اتخاذ القرار، عدت ولا بد أنني تأثّرت بما رأيت وسمعت، لكن هل إلى الحد الذي غّير رأيي وقناعاتي التي كتبتها في بداية هذا المقال؟؟ سنرى:

بداية لا بد أن أذكر إندهاشي من بعض المعلومات التي عرفتها والتي تتناقض تماما مع كل ما كنت أعرفه ويعرفه الملايين عن إيران، وقد لا يصدقني القارئ الكريم لمقالي هذا، لكنها حقيقة ومن العبث إنكارها لمجرد أننا نعرف عكسها. لن يصدق القارئ الكريم أن “التطبير” في المذهب الشيعي (التطبير هو ضرب الجسد بالسلاسل والسكاكين حتى إسالة الدم، وهو ليس اللطم على الصدور براحة اليد) مجرّم قانونا. مجرّم أي ممنوع بالمطلق وفاعله يعتبر مجرما ويحاسب أمام القانون. هذه المعلومة مثبتة بنصوص قانونية وأحكام شرعية صادرة عن أعلى المصادر الشيعية في إيران. ومن حقنا نحن أن نسأل عن كل هؤلاء الذين نراهم يطبّرون ويجرحون أنفسهم وحتى أطفالهم بالسكاكين، هل ما نراه غير حقيقيا؟ والإجابة أن كل ذلك يجري خارج إيران وهو ممنوع بالمطلق في إيران! هذه حقيقة لا مناص من مجادلتها. لكن لماذا تمارس خارج إيران وليس في داخله؟ والجواب جد معقّد، فما بين فكر مدسوس على هؤلاء الساذجين المطبّرين بهدف الإساءة إلى المذهب الشيعي، وأيضا فتاوى بعض المذاهب حتى من ضمن المذهب الشيعي نفسه، والتي تحلّل هذا العمل (الإجرامي)، وربما يكون جزءا من مخطط للسيطرة على الجموع الجماهيرية (هستيريا جماعية) للوصول إلى هدف محدد. وقد بقي السؤال لدي بلا إجابة. التطبير يقوم به حتى قادة وأئمة المذهب الشيعي في العراق، وفعلوه في سوريا، يتم العمل به تحت أعين ورقابة كل أئمة الشيعة في العالم، ولم نر أو نسمع خطابا واحدا ينهى عنه أو يحاسب مرتكبيه. إزدواجية لن يتم الإجابة عليها برد غير مقنع من واحد أو إثنين لأنها تتطلب عملا جماعيا مستمرا لأهم المراجع الدينية والسياسية الشيعية، ينهى عن التطبير ويجرّمه ويبين للناس باستمرار مقدار الخطأ في ذلك ومخالفته حتى للشريعة والدين.

المعلومة الأخرى المذهلة والتي سأستهل بها سلسلة مقالاتي هنا عن إيران بعد تلك الزيارة، هي موقف المذهب الشيعي من شتم الصحابة والسيدة عائشة. قد لا يصدّق القارئ الكريم أن ذلك منهي عنه أيضا من قبل غالبية أئمة الشيعة وقادتهم. حضرت صلاة عامة في مسجد الإمام الخميني الخاص به، والذي هو أمام منزله المتواضع وفي حي شعبي، ويعلو متحفه الصغير المتواضع، ولم نر أو نسمع أو نلاحظ أية إساءة لسيدتنا عائشة ولصحابة رسول الله. سألت عن ذلك وكانت الإجابة من الجميع أن ذلك منهي عنه، وغير جائز! لكن أحدا لم يستطع إجابتي والتوضيح لي عن سبب عدم الإعلان والإجهار بذلك لكل الشعوب من أهل السنة!

الحكومة الإيرانية لديها العديد من المنافذ الإعلانية، وليس صحيحا أنها كلها تبث من خارج إيران ولا تسيطر عليها الحكومة الإيرانية. نسلّم بوجود قنوات ومنافذ متطرفة حتى في المذهب الشيعي، لكن أين المعتدل منها؟ أين الحقيقي منها؟ أين ما هو قانوني وشرعي لدى كبار الأئمة في إيران؟ ليس لديهم أي وجود.. وهذا غير مبرر ولا مفهوم البتة.

بالرغم من ذلك، فقد خرجت بقناعة أن الإيرانيين في إيران، فقط في إيران، هم أكثر تقبلا للآخر من غيرهم. قمنا بزيارة كنائس مسيحية في وسط طهران وسوقها، والتقينا إيرانيين مسيحيين، وسألناهم عن مدى تقبل الآخرين لهم، ولم نجد منهم أي شكوى أو تذمر واحد. التقينا بنائب مسيحي في البرلمان الإيراني من أصل ستة نواب مسيحيين، سألناهم عن طقوسهم وملابسهم واحتفالاتهم وأعيادهم، ووجدنا أنهم يمارسون كل ذلك بحرية مطلقة، بل ويشاركهم المسؤولون الإيرانيون أعيادهم وأفراحهم وأتراحهم دون أي حرج أو تردد، لا على المستوى الرسمي ولا حتى من عامة الشعب. علمنا أيضا أن للمسلمين السنّة نوابا في البرلمان الإيراني عددهم تقريبا عشرون نائبا. لم نلتق أحدا منهم لكننا التقينا غيرهم وعلمنا أنهم لا يجدون أي مضايقة أو تحرش أو تقييد. لليهود أيضا نائبين إثنين في البرلمان الإيراني.

الخلاصة، أن الإيرانيين، قادة وحكاما وشعبا وجماهير عادية من عامة الطبقات، تتقبل الآخر كما هو دون أي حرج. علمنا وتأكدنا بوجود مدن بل محافظات بأكملها من السنة أو من المذهبين الذين يمتزجان ويتفاعلان في إدارة حكوماتهم المحلية دون أي تفرقة أو حرج. وجدنا المحافظات السنية تتلقى كامل الدعم من الحكومة الإيرانية الشيعية كأية محافظة أخرى، لا تمييز ولا تفرقة إطلاقا بناء على المذهب ولا حتى العرق. كثير بل غالبية الشريط الحدودي الأيراني الشمالي والشرقي أهله من المذهب السني.

ويبدو أن الصراع بين المذهبين، السنة والشيعة هو خارج إيران وليس في داخلها. لكن من يتحمل مسؤولية هذا الصراع المذهبي الشيعي السني؟ هل هم السنة أم الشيعة؟ في رأيي الخاص أن من يتحمل المسؤولية المطلقة هم الشيعة أئمة ورجال دين وحكومة. إن كانوا فعلا يؤمنون بالتعددية وقبول الآخر، فلماذا يسمحون لأئمتهم ومن تحت مسؤوليتهم الموجودين خارج إيران بهذا الغلو؟ لماذا يقتل السني بناء على مذهبه وحتى على اسمه – إن كان اسمه عمر أو عائشة أو أبو بكر – خارج إيران، بينما لا يشعر نفس الشخص بأي تمييز وهو داخل إيران. إن كان من يقوم بهذه الجرائم خارجون على الفكر الشيعي والحكومة الإيرانية فعليهم أن يعلنوا عن ذلك صراحة، وعليهم أن لا يكلوا من التصريح والإجهار بأنهم يتقبلون الآخر كما هو. لماذا لا نرى قياديا إيرانيا اسمه عمر أو أبو بكر؟ لماذا لا نرى امرأة من الأعلام أو الإعلاميين اسمها عائشة؟ نعم السنة أيضا يعادون الشيعة وبعضهم يكفرونهم، لكن من بينهم من اسمه الحسن والحسين وعائشة وبكر، لا حرج للسنة من التسمي بأي من الأسماء المفضلة والمكرمة والمميزة لدى الشيعة، فلماذا لا نرى من الشيعة مثل ذلك؟

وقبل أن أنهي لا بد من الحديث ولو بقليل عن المرأة الإيرانية التي التقيناها في الشارع وفي العمل وفي المدارس والمتاحف. لا بد من القول أن جمال الإيرانيات من نوع خاص ومميز. يتميزن بجمال العيون ونحافة الأبدان. غالبية الإيرانيات اللواتي التقينا بهن في الشوارع والحوانيت يعنين ويهتمن بزينتهن. يعتنين بحواجبهن وحمرة شفاههن وتسريحة الشعر الذي يلقين عليه غطاء” خفيفا لا يستر كل الشعر. في ذات الوقت فقد رأينا منهن قدرا هائلا من العفّة المساوية للثقة بالنفس. ليس بينهن من تبادل الآخر بالنظرات وكأنها تتحرش به أو تطلبه للتحرش بها لتمارس دورا كاذبا بالعفة. كلّ النساء اللواتي رأيناهن كن يتميزن بذات القدر من الكبر والثقة والعزة بالنفس. أعترف أننا لم نر للإيرانيات دورا قياديا مميزا، كانت الفتيات والنساء دائما يقفن خلف الرجل أو في الكواليس. كن يتجنبن الرجال دائما ولم نتلق سؤالا أو خدمة من فتاة أو امرأة إيرانية باستثناء فتاة الإستقبال في الفندق. أمام المرأة الكثير من الجهاد والنضال كي تنال حقها من البروز وكي تقف في الصف الأول جانبا إلى جنب بجوار الرجل. كنت أتمنى إعلامية واحدة تأتي لتأخذ حديثا صحفيا أو تسألنا عن زيارتنا أو عن بلدنا أو حتى توزع التعليمات. كان من يقوم بذلك دائما الرجل فقط.

وأختم مقالي بأن هذا ليس إلا مقدمة لما سيتلوه عن السياسة الإيرانية ومن التقيناهم من الساسة الإيرانيين وما فهمنا منهم وما نتوقعه من دور لإيران في المنطقة. سيتلو هذا المقال مقالا آخر وأكثر، ستكون مقالات سياسية بالمطلق، سأتحدث عن الأدوار المتناقضة لإيران في سوريا ولبنان وفي اليمن أيضا. أعترف أنني لن أكون ودودا كثيرا في كل ما أكتب، لكنني سأكتب ما أعلمه وأراه وأشعر به حسب تحليلي الشخصي. وحتى أكتب ذلك وتقرأونه، لا بد أن تعرفوا أن الإيرانيين قادمون وبقوة… علينا أن نعدّ العدّة ونتجهز، ولا نتمرّس خلف فكر أحادي متخلف جاهل وبالمعلومات جهول. يجب أن نقرأ ونستوعب ونحلل الدور الإيراني لأنه وإن كان لكل دولة وزمان رجال، فالزمان القادم، على الأقل لما ستعيشه بعض الأجيال القادمة… هو دولة وزمان إيران.

وليد جودت السبول

[email protected]

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.