هل الشعوب العربية بحاجة الى جيوش النظام الرسمي العربي بعد أن كانت مهمتها حماية وظائف دول سايكس بيكو بالامس وحماية المصالح الصهيوامريكية عبر احلاف اليوم ؟ / د. عبد الحيّ زلوم




نتيجة بحث الصور عن د. عبد الحي زلوم
 د. عبد الحي زلوم ( الأردن ) الجمعة 12/10/2018 م …
 بدايةً يجب ان أكون واضحاً اننا نفتخر بإنتماء ووطنية وشجاعة افراد القوات المسلحة في الجيوش العربية والامثلة كثيرةٌ على شجاعتهم بل وتضحياتهم وانتصاراتهم التي تم  اجهاضها عبر تدخلات النظام الرسمي العربي. وهذه بعض الحقائق.
 قبل حرب 1948 اثناء الانتداب البريطاني  كانت قوة من الجيش العربي الاردني تعمل في فلسطين تحت امرة الفرقة التاسعة من الجيش البريطاني وكانت تعمل في حراسة المؤسسات كميناء حيفا وبعض المعسكرات البريطانية . في تلك الاثناء كان المجاهدون الفلسطينيون يحاربون العصابات الصهيونية التي اصبحت نواة جيش الاحتلال بعد ايار 1948. عن تلك الاثناء كتب لنا المرحوم صالح الشرع (وكان من كبار قادة الجيش الاردني) كتاباً قيما بعنوان “مذكرات جندي” جاء في ( ص.27) حكاية
 هروب ستة من جنود الجيش العربي  الاردني الذين كانوا في فلسطين هذا نصها: ” وجدت في قيادة المجاهد الفلسطيني حسن سلامة  ستة جنود من الجيش الاردني كانوا قد هربوا من الجيش بأسلحتهم والتحقوا بالمناضلين.  حيوني بالتحية العسكرية وجاء احدهم يسلم علي واسمه دغيليب وهو من عشائر الحويطات . جاء زملاؤه وسلموا علي … وعندما سألتهم عن سبب هروبهم من الجيش قالوا نريد ان نحارب اليهود . قلت لهم : أننا كلنا سنحارب اليهود بعد خروج الانجليز من فلسطين قريباً : قالوا انهم استعجلوا وهربوا وطالما ان الامر كذلك وان الجيش والمناضلين سيتعاونون فإنهم يرجون أن أعمل على اعادتهم للجيش ، وإصدار العفو عنهم.  وبناء على طلبهم وموافقة السيد حسن سلامة توسطت لهم مع القيادة وتم العفو عنهم وعادوا لصفوف الجيش كما كانوا. دغيليب هذا نقل الى الكتيبة الثانية واستشهد في القدس ” رحم الله دغيليب ومن سار على خطاه وعلى العشيرة التي انجبته.
دخل الجيش العربي الاردني الى حرب فلسطين سنة 1948 وقائد الجيش ورئيس اركانه وكافة قادة فرقه من الانجليز . فكيف يمكن للانجليز الذين عملوا وعد بلفور لانشاء دولة صهيونية في فلسطين أن يحاربوا تلك الدولة التي رعوا بنيتها التحتية والفوقية مدة 30 عاماً اثناء الانتداب البريطاني? وبالرغم من ذلك كان هناك انتصارات اكثرها قام بها ضباط اردنيون بالرغم من رؤسائهم الانجليز. ففي معركة باب الواد (بين القدس ويافا ) حطم الجيش الاردني القوة اليهودية واسروا قائدها ارييل شارون والعديد من جنوده وأخذوهم اسرى الى شرق الاردن . والمؤسف أنه تم مبادلتهم بعدد مماثل من المزارعين الفلسطينيين الذين تم اعتقالهم على عجل لاتمام عملية المبادلة فاصبح ارييل شارون رئيساً لوزارء دولة الاحتلال وهو الذي قاد جيش الاحتلال لعمل الثغرة في الدفرسوار وتطويق الجيش الثاني المصري في حرب اكتوبر 1973!
 ومثالٌ آخر ، قام قائد سرية من  الجيش العربي الاردني بحرب 1948 بمخالفة اوامر الضابط البريطاني ودخلوا في القدس الغربية حتى وصلوا المستشفى الفرنسي ونتوردام وهما موقعان استراتيجيان يطلان على القدس الشرقية والغربية . جاءت الاوامر من القائد البريطاني ان عليهم الانسحاب وبعد استمرارهم في التقدم حذرهم بأنه سيقوم  بقصفهم بالمدفعية اذا لم يرجعوا فوراً.   بعد رجوع قائد السرية تم اعتقاله وارجاعه من القدس الى الضفة الشرقية مخفوراً  لتتم محاكمته عسكرياً .
فلناخذ الجيش العراقي في حرب فلسطين.جاء في كتاب  القائد الاردني الكبير  صالح الشرع المذكور اعلاه:
” في 3/2/1949 نشبت معركة محلية بين كتيبة عراقية في منطقة كفر قاسم (فلسطين )واليهود في رأس العين . كان قائد الكتيبة المقدم عبد الكريم قاسم(رئيس الجمهورية العراقية لاحقاً) وقد قابلته لمعرفة تفصيلات المعركة وعرفت أنه احتل موقع راس العين من اليهود ومرزعة مجاورة  كانوا يتمركزون فيها. وامتنع عن الخروج من هناك رغم قيام الهدنة .  وحينما جاء امر الانسحاب من قائد لوائه الزعيم نجيب الربيعي اجاب عبد الكريم قاسم على برقيته قائلاً : انا لا انسحب الا الى بغداد ، وبقي في مكانه الى ان انسحب الجيش العراقي عائداً الى بغداد … في9/3/1949 تقرر سحب الجيش العراقي بعد اتفاقيات رودس . تقرر ان تستلم الكتيبة الخامسة من الجيش الاردني مكان الاماكن المتقدمة من الجيش العراقي وقوامها فرقة ! … في 13/5/1949 أخذتُ قادة سرايا الكتيبة واجرينا الكشف على المنطقة في باقة الغربية الى كفر قاسم . وكان قائد الكتيبة العراقية عبد الكريم قاسم.  سألني عن معلومات عن اتفاقية رودس وهل ستكون قرية كفر قاسم داخلة في الحيز اليهودي  بموجب تلك الاتفاقية … فأجبته بالايجاب … فنادى على احد السرايا وطلب فئة الاشغال وكانت في كفرقاسم مقبرة صغيرة تضم اثنين وعشرين شهيداً سقطوا اثناء معركة راس العين وفي حوادث متفرقة أخرى ، فأمر بفتح قبورهم واخراج جثثهم ونقلها الى مقبرة الشهداء العراقيين الواقعة على مفرق طريق جنين – قباطياً ، وقال: أنا اسلمكم المواقع ولكني لا اترك جنودي الاموات لتدنس مقابرهم اقدام اليهود . كان امام قيادة الكتيبة تمثال اقامته الكتيبة يسمونه تمثال النصر . امر بهدمه وتم ذلك ايضاً ” في سلسلة المآسي  التي واكبت حرب فلسطين الاولى أنه ” في اتفاقية رودس تم تسليم 212 الف دونم تضم سبعة عشر قرية دون اي قتال مع اليهود.”
أما مصر فجاءت منها كتائب المتطوعين من الاخوان المسلمين وغيرهم . وابلوا بلاءً حسناً بالرغم من امكانياتهم الضعيفة. كما جاء  الجيش المصري وقصة اسلحته الفاسدة ازكمت الانوف مما سببت بها هزائمه. والقصص تطول .
كانت حرب 1967 مسرحية بائسة أو مهزلة . لو اردنا تسميتها لكان اسمها الحقيقي حرب الساعات الستة أو معركة المخابرات . من الذي رتب حفلة الطيارين المصريين ليلة الهجوم على المطارات المصرية بحيث جاء الفجر وهم سكارى وأكثرهم سكارى ؟ من الذي غير شيفرة الاتصال بين رادارات عجلون في الاردن والتي شاهدت الطائرات الاسرائيلية تنطلق للهجوم على مصر في 5 حزيران 1967 وابلغت مصر بذلك لتتفادى عنصر المفاجئة ؟ الا أن البرقية المرسلة لم يقرأها أحد لانه تمّ تغيير الشيفرة قبل ذلك بيوم .
كم جاسوس مثل ايلي كوهين الذي كاد أن يُعيّن وزيراً للدفاع لسورية قبل الحرب بشهور؟ وكم كوهين كان وما زال موجوداً في اعلى المراكز في هذا البلد أو ذاك ؟ إنها لم تكن حرباً لكنها كانت مسرحية ادارتها المخابرات الاسرائيلية والامريكية و مع كومبارس من النظام الرسمي العربي.
وفي سوريا اعلن راديو دمشق الرسمي عن سقوط بلدة القنيطرة في هضبة الجولان قبل ان تسقط أو أن تطأ قدم اي جندي اسرائيلي الى تلك الهضبة مما احدث فوضى في فرق الجيش السوري  حيث اعتقدوا أن جيش الاحتلال قد اصبح خلفهم فأنسحبوا شيعاً وافراداً ولم يفسر لليوم احدٌ حقيقة هذا الامر الخطير !
وأما عن حرب اكتوبر 1973 فحدث ولا حرج . أبدى الجيش المصري بطولاتٍ ابهرت العالم وحطمت خط برليف واصيب وزير الدفاع الاسرائيلي موشيه ديان بإنهيار عصبي. الى أن تدخل الخبير العسكري واستراتيجي العصر الخطير المارشال انور السادات ليعطل ويخالف خطط جينرالاته الذين حققوا الانتصار كسعد الدين الشاذلي رحمه الله .
 منذ ذلك اليوم حتى كامب ديفيد  تفتخر دولة الاحتلال بان مصر اليوم ومصر مبارك بالامس هما ذخر استراتيجي كبير لدولتهم .
ما يدمي القلب هو الحقيقة ان هذه الجيوش لم تربح حرباً واحدة وعندما ربحت الكثير من المعارك افسدها واجهدها النظام الرسمي العربي . واليوم يريدون استعمال هذه الجيوش التي تستنزف موارد الشعوب  وميزانياتها والتي من اجلها تُثْقل الشعوب بالضرائب لتحمي عملياً ودون مواربة المصالح الصهيوامريكية في المنطقة لا مصالح الشعوب ولا لتحرير اراض محتلة هنا وهناك. وهم اليوم يستعملون بوصلات معطوبة ارسلها لهم الصهيوامريكيون لتريهم الغرب شرقاً والشرق غرباً .  لماذا  لا تُوُفِر هذه الدول ما يزيد عن مئة مليار دولار في السنة لاجل جيوش هذا وضعها . أليس من الافضل مأسسة مقاومات شعبية اثبتت جدواها وهي لا تحتاج الى طائرات ولا دبابات ولا الى عشرات المليارات بل ولا الى مئات الاف من الجنود بينما تحتاج المقاومة الى ارادة وعقيدة جديدة.  اثبت  المقاومون في لبنان انهم استطاعوا أن يحققوا ما لم تستطع ان تحققه جيوش انظمة النظام الرسمي العربي وهو ايجاد توازن  ردع مع العدو .  صمد هؤلاء المقاومون في لبنان اكثر من 30 يوم في 2006 وصمد المقاومون في غزة اكثر من 50 يوماً ولم تصمد جحافل جيوش النظام الرسمي العربي حتى 6 ساعات .
وكما اسلفنا اعلاه فالجيوش بها ضباط وافراد كفؤون ووطنيون لكن بوصلتهم معطوبة .
حدثني صديقي عبد الله الرافعي (ابو عمر) وكان من كبار قادة القوات المسلحة الاردنية انه كان في غرفة العمليات عند سقوط القدس سنة 1967 . جاء رئيس الاركان واخبر الملك حسين والذي كان متواجداً في غرفة العمليات بذلك فدمعت عينيه . كان مرافقه الخاص صايل بن حمد الجازي  . لم يتمالك نفسه فبدأ يصرخ “اعطوا الناس السلاح… اعطوا الناس السلاح” . كما خبرني ابو عمر ان 3 من اخوة صايل قد استشهدوا في فلسطين . حينما استشد الاول وجيئ بجثمانه الى ابيه الشيخ حمد وهو كبير مشايخ  عشائر الحويطات قال الشيخ “لا يُدفن حتى يذهب مكانه اخيه للقتال فذهب ثم استشهد.  ولما جيء بجثمانه ارسل ابنه الثالث فاستشهد .” فهل احدٌ يستطيع أن يزاود على مثل هذه القبائل والشعوب واستعدادها للتضحيات ؟
هل يا ترى وجد مرافق الملك حسين صايل بن حمد الجازي ومن قبله دغيليب بعفوية صادقة ان الحل هو المقاومة الشعبية بعيداً عن الحروب التقليدية بين الجيوش قبل أن تكتشف هذه الحقيقة المقاومة اللبنانية والفلسطينية بعشرات السنين ?  دولة الاحتلال وترسانتها والتي هزمت 3 جيوش عربية في 6 ساعات  ولم تستطع ان تهزم حزب الله في 33 يوم ولا حماس في 50 يوم ولم تستطع جيوش الولايات المتحدة بالتغلب على المقاومة الافغانية لمدة 17 سنة لتصبح اطول الحروب الامريكية ولم تستطع ان تهزم قائد تلك المقاومة الذي ادارها من على دراجته النارية.
إن الطريق لهزيمة العدو هي المقاومة لكن المشكلة ان عدو الشعوب وعدو الانظمة مختلفان بل ترى الانظمة في عدو الشعوب حليفاً استراتيجياً . وهكذا فالشعوب في واد وانظمتها في وادٍ آخر.
     مستشار ومؤلف وباحث

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.