التطبيع كوسيلة لحصد الجوائز.. زيدان مثالاً / د. فايز رشيد
يطلع علينا الكاتب المصري يوسف زيدان، المرتبط اسمه بالتطبيع مع دولة الكيان الصهيوني، بين الفترة والأخرى، بتصريحات تطبيعية كثيرة، آخرها وليس أخيرها أن: «إسرائيل عدو عاقل، وأن مقاطعة المثقفين المصريين للإسرائيليين مرفوضة»، كما «أن لديّ استعدادا لقراءة محاضرات في الجامعات الإسرائيلية» وأن «السلام مع إسرائيل ضرورة حياتية».
تأتي تصريحات زيدان الأخيرة بعد اعتراف ترامب بالقدس الموحدّة عاصمة لدولة الكيان الصهيوني، وبعد سنّ الأخيرة لقانون «القومية» الفاشي العنصري. تصريحات زيدان ليست خاطئة فقط، بل هي الخطيئة عينها! تم الردّ عليه بحقائق حتى لمؤرخين يهود، ومنهم إسرائيليون ينفون جملة وتفصيلا أي علاقة تاريخية لليهود بالقدس، وينفون أيّ وجود لما يسمى بالهيكلين الأول والثاني. لن نخوض نقاشا مع تصريحات زيدان الجديدة، لكن نذكّره ببضعة أحداث اقترفها الكيان الصهيوني بحق مصر والمصريين ولا أقول عن فلسطين والفلسطينيين ولا عن الدول العربية الأخرى وشعوبها.
إسرائيل دفنت العديد من الجنود المصريين أحياءً في صحراء سيناء، في حرب عام 1967، وارتكبت مجزرة بحر البقر في هجوم شنته طائرات الفانتوم الإسرائيلية صباح الثامن من أبريل/ نيسان عام 1970 حيث قصفت مدرسة أطفال في قرية بحر البقر بمركز الحسينية بمحافظة الشرقية، ما أدى إلى مقتل 30 طفلاً وإصابة 50 آخرين وتدمير مبنى المدرسة تماماً. إسرائيل شاركت بريطانيا وفرنسا في العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، ورغم توقيع معاهدة كامب ديفيد مع مصر، التي حرمت الجيش المصري من دخول سيناء، باستثناء أفراد شرطة معدودين، ما جعل المصريين برفعون شعارا ضد توقيعها آنذاك، يقول مضمونه «خدنا سينا وضاعت مصر»! صدّرت إسرائيل لمصر آفة القطن لضرب إنتاجها من هذه السلعة، لسنوات عديدة. ساهمت إسرائيل في تصدير المخدرات والعاهرات إلى مصر لتخريب الشباب المصري. في عام 2015 هدد ليبرمان بقصف السد العالي! إسرائيل تتآمر مع إثيوبيا لبناء سدّ في الآخيرة يقلل تدفق مياه النيل إلى مصر حتى أقل من 25% من مياهه العادية، رغم الاتفاقية الدولية الموقعة عام 1929 بين الدول الإفريقية المعنية بإشراف بريطانيا.
هذا غيض من فيض الجرائم الصهيونية بحق مصر فقط، فما بالك بحق الفلسطينيين واغتصاب أرضهم وتهجير مليون منهم، والمذابح الكثيرة التي اقترفت بحقهم؟ وها هو نتنياهو يصدر أمرا، بإطالة مدة عدم كشف الجرائم الإسرائيلية 20 عاما أخرى، وهي تلك التي لم تنشر رغم مرور 70 عاما، على إنشاء دولة الكيان الصهيوني، ومصادرة أرضهم واستيطانها وحرق أطفالهم، وهدم بيوتهم واعتقال ناشطيهم، وممارسة حرب إبادة جماعية بحقهم إلى آخره. رغم ذلك يأتي يوسف زيدان ويقول «إسرائيل عدو عاقل» نسأله: كيف ستكون الأحوال لو كانت في نظره عدوا مجنونا؟
بالطبع، إسرائيل كما سفارتها في القاهرة شكرتا زيدان على أقواله، وأشادت به الصحف الإسرائيلية، وتكتب عنه بين الفينة والأخرى بعين الرضا، وتشيد بدوره التطبيعي. فقد كشفت صحيفة «جيروزاليم بوست» اليومية الصهيونية 2 أكتوبر/ تشرين الأول الحالي عن الدور الذي يلعبه يوسف زيدان لتعميق التطبيع بين نظام السيسي وحكومة الاحتلال الصهيوني، حيث نشرت تقريرا قالت فيه: «إن يوسف زيدان يريد زيارة إسرائيل،. وأشارت إلى أن زيدان أعلن عن رغبته في أن يُلقي محاضرة في إسرائيل، معتبرا أنهم سيكونون هناك أكثر اهتماما بوجهات نظره مقارنة بمصر، في إشارة إلى التجاهل الذي لاقاه زيدان في بلده، ولفتت إلى تصريحات زيدان في مقابلة مع إذاعة الجيش الإسرائيلي، قال فيها: «من مصلحة مصر الدخول في حوار حقيقي مع إسرائيل»، مشيرة إلى وجود تعاون أمني واستخباراتي كبير بين مصر والاحتلال منذ عام 1977، وأنه يجري التركيز حاليا على النواحي الاجتماعية والثقافية. وأشارت الصحيفة إلى أن زيدان الذي نشر أكثر من 50 كتابا، احتل مانشيتات الأخبار في إسرائيل عام 2015، عندما أصر في مقابلة تلفزيونية على استخدام عبارة «بيت حميكداش» باللغة العربية، مشككًا في ملكية المسجد الأقصى للمسلمين. بدوره علّق زيدان على الإشادة به قائلا: «ھذا بیان مرفوع للرئیس عبد الفتاح السیسي، الذي قال ناطقا باسم مصر نحن نرید السلام في المنطقة، ونرید البناء لا الھدم». وذكر زیدان أن السفارة الإسرائیلیة في القاھرة أرادت الإشارة إلى أن رسالتي وصلت إلیھم، فأصدرت بیان الشكر، وفیه إشارة وإبداء النیة للسیر في طریق السلام. واتھم زيدان بعض الإعلامیین «بأنهم یسعون إلى تضلیل الرأي العام في مصر والدول العربیة، ویستغلون جھل العوام من الناس لتأجیج حالة الكراھیة وتھیئة نفوس الجھال للحرب».
أما بالنسبة لحصد الجوائز، فإن زيدان وفقا للكاتب والروائي يوسف القعيد: «يغازل الغرب والصهونية، فالطريق لنوبل يبدأ بتل أبيب، وأرى أنه وهُم في عقله». بالفعل، فإن جائزة نوبل مرتبطة في منحها لشخص، بتوجهاته السياسية.
كثير من المعنيين يشككون في جدارة هذه الجائزة، والخلفيات التي تنطلق منها وفي معظمهما خلفيات سياسية بامتياز.
بالفعل، يحيط بالجائزة العديد من التقارير والكتابات التي تؤكد أن المخابرات البريطانية والأمريكية تتدخل لمنحها، فمثلا منحت لبوريس باسترناك لاستخدامها في الدعاية ضد الاتحاد السوفييتي آنذاك، خصوصًا أن باسترناك لم يكتب سوى رواية واحدة فقط! لذلك وسط هذه الانتقادات رفض تسلمها في حينه، لكن ابنه تسلمها بعد وفاته. من الذين رفضوا استلام جائزة نوبل، الكاتب الإيرلندي الساخر جورج برنارد شو وقد منحت له في الآداب عام 1925، آنذاك علّق قائلا: «إنني أغفر لنوبل أنه اختَرع الديناميت، لكنني لا أغفر له أنه اخترع جائزة نوبل». من الذين رفضوا الجائزة أيضا الفيلسوف الوجودي جان بول سارتر. حتى جائزة نوبل البديلة ينسحب منها كثيرون منهم الروائي الياباني هاروكي موراكامي.
يوسف زيدان أستاذ جامعي متخصص في التراث العربي المخطوط وعلومه، وله عدة مؤلفات وأبحاث علمية في الفكر الإسلامي والتصوف وتاريخ الطب العربي وله إسهام أدبي في أعمال روائية ومقالات كثيرة. ولكن ما فائدة كلّ ذلك، إن لم يخدم الفكر والفلسفة والأدب القضية الوطنية للشعب؟ هذه الأسئلة وغيرها قضية في غاية الأهمية..
الكثير من الجوائز العربية في مجال الأدب، مرتبطة في جزء منها بالموقف السياسي للكاتب، وتحديدا في الموقف من دولة الكيان الصهيوني، وخير مثال على ذلك يوسف زيدان الذي نال جائزة البوكر العربية عام 2009، فإن كان الكاتب يدافع صراحة عن تحرير كامل أرض وطنه المغتصب، وهذا حق طبيعي للإنسان، وإن كان من مريدي الكفاح المسلح، الشكل الأرقى في المقاومة، الذي شرّعته الأمم المتحدة بقرارين واضحين (3034) والقرار (3314)، فلا يمكن لروايته أو ديوان شعره أن يقّدّم حتى للترشيح والأدلّة كثيرة! العالم العربي يقبل بالدعوة للسلام، وللحلول الجذرية.
كاتب فلسطيني
التعليقات مغلقة.