بين ( مزاج الجماهير ) و ( وجدان الحماهير ) / د. بهجت سليمان
د. بهجت سليمان* ( سورية ) السبت 13/10/2018 م …
* السفير السوري السابق في الأردن …
[ المثقفون ، عامة ، يستهويهم تهويل القضايا الصغيرة والتعامل مع آثارها ونتائجها ، على أنها نهاية الكون.]
1▪ الديمقراطية أسلوب حياة قبل أن تكون أسلوب حكم ، وبقدر ما يكون أسلوب الحكم متطوراً ، بقدر ما يساهم في دَفْعِ الحياة الاجتماعية إلى الأمام..
ففي العصور الوسطى وما قبلها، كانت مقولة ( الناس على دين ملوكهم ) هي الغالبة والسائدة..
وأمّا في الأزمنة الحديثة والمعاصرة، فقد حَلّت محلّها المقولة الشهيرة ( كما تكونوا.. يُوَلَّى عليكم ).
2▪ تستند الديمقراطية إلى كونها تقاليد وتراثا ووعيا وثقافة وتكوينا وتربية وخبرات وتجارب ومستوى حياة ودرجة تطوّر..
ولكن الديمقراطية هي طريقة تفكير ، وطريقة ممارسة ، وطريقة تعامل ، للأفراد والجماعات والمجتمعات على السواء ، قبل أن تكون طريقة حكم..
□ فعندما يكون أحدنا متسلّطاً في بيته ، أو في عمله..
□ أو عندما يكون أحدنا خاضعاً مستكيناً في بيته ، أو يكون إمّعة في عمله ، أو مهزوزاً مهزوماً وَجِلاً في موقعه..
□ أو عندما يكون أحدنا عنيداً في مواقفه ، لا يقبل النقاش ولا الاعتراف بالخطأ ، أو يَعتبر الإشارة إلى خطئه ، محاولة للنيل من شخصه أو من كرامته أو تعدّياً عليه..
□ أو عندما يتهرّب من تحمّل المسؤولية ، كلما اقتضى الأمر ذلك..
□ أو يحاول ، بطريقة هروبيّة ، تحميل غيره وزر فشله أو كسله أو تقصيره..
إنّ من تَغْلِبُ عليهم هذه الصفات ، أو بعضها ، لا يستطيعون أن يكونوا ديمقراطيين على الصعيد السياسي، مها حاولوا الظهور كذلك.
3▪ التاريخ لا يرحم أحداً ، وهو لا يحاسب على النوايا ، في السياسة ، بل يحاسب على النتائج..
فالنوايا مِلْكُ صاحبها ، لكنّ النتائج في السياسة ، يدفع ثمنها ، أو يقطف ثمارها ، ملايين البشر.
4▪ لا تقع تحت إغراء تهويل القضايا الصغيرة ، ولا تحت وَهْم مضاعفاتها المضخّمة ، أو الارتعاد هلعاً، أو الاستشاطة غضباً..
ولا تُعْطِها أكثر من لحظات زمنية قليلة من حياتك ، لأنّ القضايا الصغيرة أمور إجرائية ، مهما بدت كبيرة ، ومهما كانت تعبيراً عن إرهاصات لاحقة ممكنة..
وإلاّ فكيف سنتعامل حينئذ مع القضايا الكبيرة والمصيرية؟!..
والمثقفون ، عامة ، يستهويهم تهويل القضايا الصغيرة والتعامل مع آثارها ونتائجها ، على أنها نهاية الكون.
5▪ ليس دقيقاً ولا موضوعياً ، الحديث عن ( المزاج العام ) للجماهير ، وضرورة التكيّف معه ، على أنّه المعبّر عن مصالح الجماهير وتطلّعاتها..
بل الموقف الصحيح والموضوعي هو الحديث عن ( وجدان الجماهير ) وضرورة التعبير عنه بصدق وعمق ، لا بالسطحية والتملّق والتحايل..
فالمزاج ، سواء كان فردياً أو جماعياً ، مسألة لحظية مؤقتة وموسمية ومتبدّلة ، بحسب الطقس اليومي..
لكّن الوجدان أكثر ثباتاً وأكثر صدقاً وأكثر عمقاً وأكثر تعبيراً عن حقيقة الجماهير ومبادئها ومصالحها ومعاناتها وحاجاتها وتطلعاتها..
فالوجدان صادق .. لكن المزاج ، يكون خادعاً أحياناً.
6▪ الهيمنة ، في هذا العصر، هي طغيان أفكار وقناعات طرفٍ ما على أفكار وقناعات طرفٍ أو أطراف أخرى..
□ والوجه الآخر لطغيان الأفكار ، هو الرضا والقبول الشعبي أو العام من جهة الطرف المهيمَن عليه ، بل وأحياناً ، الإعجاب الشديد إلى درجة الانبهار .. حتى لو كانت هذه الأفكار ضد مصالحه الحقيقية..
□ والهيمنة تعتمد الردع قبل القمع..
والإقناع قبل الإجبار..
واللا محسوس قبل الملموس..
واللا مرئي قبل السافر..
وركائز الهيمنة ، اقتصادية وسياسية وعسكرية وثقافية – إيديولوجية ..
لكنها بالدرجة الأولى ، روحية معنوية ، قبل أن تكون ملموسة مادية.
7▪ أقسى أنواع الهزائم هي الانكسار الروحي ، والعقائدي ، والأخلاقي .. لأنّ جرحها لا يندمل إلاّ بصعوبة بالغة.
8▪ لا يُجْدي نَفْعاً ، أن تكون حِبَالُنا الصوتية ، مرشداً لنا ودليلَ عَمَلٍ يقودنا – مهما كانت جهورية – بل التفكير المنطقي العميق والهادي ، والتصرّف بموجبه، هو المجدي فقط.
9▪ إنّ التطاول على الكبار لا يضرّهم بشيء ، ولا يغيّر من حجم الأقزام شيئاً ..
بل يعرّي هؤلاء الأقزام ويفضحهم ويُظهر ضآلتهم وقَزَميّتهم ، حتى ولو توهّموا عكس ذلك.
10▪ الرجال المتميزون يتعاملون في الأزمات والملمّات ، من خلال رؤيتهم للمستقبل المنشود وعوامل تكوينه..
والصغار والإمّعات يتعاملون في الأزمات، من خلال مشاعرهم الشخصية وثاراتهم وتراكمات الماضي لديهم ، بل والغرق في نَزْعَةَ الثأر والدونيّة.
التعليقات مغلقة.