من الخاشقجي إلى إدلب – جولة صراعٍ جديدة / ميشيل كلاغاصي

نتيجة بحث الصور عن خاشقجي

 ميشيل كلاغاصي ( الثلاثاء ) 16/10/2018 م …

اختفى جمال, وبدأت الجولة… هكذا هو حال الشاشات ووكالات الإعلام الكبرى المعروفة بنفاقها أكثر من صدقها، وبناتها في الإعلام العربي, قنواتٌ لم تحترم يوما ًعقول الناس … وتهافتت لتنوب عن قنوات الأفلام والاّكشن والرعب أيضا ً… منشار عظام , كلابٌ بوليسية تتقفى اّثار الدماء, كاميرات, شهود, تسجيلات, ومواطنٌ سمع صراخا ً واستغاثة ً وعراكا ً وصمتا ً..هس مات الرجل!, تسمّر المواطنون أمام الشاشات فالروايات لحظية والأخبار العاجلة لم تكن لتتوقف للحظة , مشهد غريب أن يحضر سكان كوكب الأرض فيلما ً واحدا ً وباّنٍ واحد !,تصريحٌ هنا ومسؤولٌ هناك, ترامب هنا وأردوغان هناك, التايمز والواشنطن بوست ودايلي ميل وغيرها, استطاعوا تجميد البشر أمام الشاشات, وخدروا العقول كما خدروا جمال – بجرعةٍ زائدة -, وحرفوا الأنظار عن الحقيقة.




من هو جمال خاشقجي … ولماذا اختير ليكون “بطل” القصة الوحيد ؟، ولماذا تحرك العالم والساسة لأجل إختفائه ؟، هل هو العالم ذاته الذي لم يتحرك لأجل ملايين البشر الذين قتلوا في العالم العربي من فلسطين المحتلة إلى العراق وسورية واليمن وغير مكان؟ … هل تعرض جمال إلى ما تعرض له لأنه صحفي وكاتب مشهور، هل علينا حراسة الصحفيين والكتاب والشعراء وأصحاب الأقلام وربما دكاكين بيعها؟

ولا بد من التدقيق في المشهد الأخير على المسرح الدولي قبيل إنطلاق مسلسل اختفائه، ومعرفة فيما إذا كان هناك ما يربط بين الخاشقجي وتلك الأحداث الدولية، أم أن إختفاؤه شأنٌ تركي – سعودي فقط، بحكم الأولى هي صاحبة الأرض والثانية صاحبة القنصلية المتهمة، أم أنه موضوعٌ شخصي وبعض الثبوتيات للزواج من خطيبته التركية خديجة؟ … يبدو أنه لا يمكن لإختفاء صحفي عادي أن يؤدي إلى تحريك العالم بهذا الشكل الرهيب، وعلينا إعادة طرح السؤال والبحث عن إجاباتٍ مقنعة كي لا نكون أبواقا ً لمن يهزأ بعقولنا…من هو جمال الخاشقجي؟

هل هو صحفي “مرموق” – كما قالوا عنه -, هل هو كاتب الحق وصاحب الفكر النير – كما قال عنه أحد رجال الدين -, فالرجل بدأ حياته كأي سعودي وهابي متحمس في زمن حرب السوفيات , لم يتأخر بالإلتحاق بمعسكرات التطرف المسلح في أفغانستان , ولم يتوقف عن إرسال الصور والمعلومات لوكالة الإستخبارات المركزية الأمريكية والتي بدورها فتحت أمامه أبواب صحفها ووكالات أنبائها, بالإضافة لصفقات شراء السلاح التي قام بها لصالح المملكة وإيصاله للإرهابيين وكما يحلو للبعض تسميتهم ب “الجهاديين”, فقد عمل بجدٍ ونشاط تحت أمرة بندر بن سلطان الوكيل العلني المعتمد لتنظيم القاعدة , يبدو أن صديقنا “المرموق” هو رجل استخبارات سعودي – أمريكي بالحد الأدنى , وعمل مع الأمير تركي والوليد بن طلال وكان واحدا ً من فريق محمد بن نايف وخاض الصراع معه ضد محمد بن سلمان , وغادر خشية أن يُدق عنقه , وفضّل العمل من خارج المملكة لإصلاح وضعه فكان داعما ً للإصلاحات التي يقوم بها ولي العهد ومنتقدا ً لإسلوبه فقط , الأمر الذي منحه مرونة تلميع ابن سلمان وتذليل العقبات أمام إعتلائه العرش وتحسين صورته , لقد تحول ابن الستون عاما ً بعد سنوات من تجارة الأسلحة وكعميل استخباراتي متقاعد, إلى رجل ثري وكاتب صحفي “مرموق” تستقطبه أجهزة الإستخبارات ووكالات الإعلام “المرموقة” العالمية , ليكون – سوبر ستار الصحافة -, لا تتفاجئوا فقد نصادف يوما ً صحفيا ً اّخر كمحمد علوش أو البويضاني أو الجولاني , يعمل في الصحف العالمية كصحفي “مرموق”!.

أيا ً كان الدور الذي يلعبه جمال الخاشقجي، ويتنقّل لأجله ما بين واشنطن ولندن وتركيا ,علينا ملاحظة إرتباط قصته بتركيا -الأرض الذي اختفى عليها – والسعودية المتهمة بقتله داخل قنصليتها في إسطنبول , من السهولة بمكان اكتشاف أن ما يحدث بين الدولتين هو اشتباك وصراع عنيف لكونهما تشكلان رأس حربة المشروعين الإخواني والوهابي على أرض الإشتباك والمواجهة المباشرة في سورية , في مشهدٍ يضم أيضا ً كلا ً من الجيش العربي السوري وحلفائه الروس والإيرانيون وغير حلفاء هذا من جهة , ومن جهةٍ أخرى تظهر أمريكا وتحالفها الستيني والخليجي وملحقاته العربية المدعومة بحليفهم الجديد – كيان العدو الإسرائيلي -, الأمر الذي يؤكد أننا لم نغادر المشهد الدولي والصراع الملتهب فيه منذ سبع سنوات, وعليه فإن إختفائه  يرتبط مباشرة ً بما يحدث في سورية ولا بد وأنه يرتبط بالإرهاب الذي حوصر وتم تجميعه في مدينة إدلب , ويكاد ينتهي بحسب إتفاقية مناطق خفض التوتر, بالإضافة إلى اّلية الاتفاق الروسي- التركي .. يبدو أننا عدنا إلى قلب الصراع الذي اختفى فيه ولأجله جمال الخاشقجي.

فالمشهد في سورية يسير بعكس مصالح أعدائها كافة ً, ويتجه نحو الحل السياسي وإنهاء الملف الإرهابي في إدلب اّخر التجمعات الإرهابية, ثم سيتجه من شرق الفرات إلى غربه حيث الملف الكردي والقوات الأمريكية , والمواقف والتصريحات السورية الدائمة والروسية الواضحة تجاه ضرورة خروج كافة القوات غير الشرعية من سورية … مشهدٌ قاتمٌ – بلا شك – بالنسبة لواشنطن ولإسرائيل ولأطرافٍ عديدة , فإنتهاء الحرب يُعقّد أمورهم وحساباتهم , فمهلة بدء تطبيق الاتفاق الروسي – التركي انتهت وعلى الطرف التركي الإنتهاء من عزل المجموعات الإرهابية عن تلك المعتدلة المسلحة وسحب كافة الأسلحة الثقيلة والإلتزام بالمسافة 15 -20 كم عمّا يسمى “المنطقة العازلة”, وبدء تسيير الدوريات التركية من جهة والروسية من جهة على طريق الحل السياسي الذي يفترض عودة إدلب إلى كنف الدولة السورية وقبولها بعودة من أراد المصالحة وإبعاد الإرهابيين الأجانب إلى تركيا أو إلى بلدانهم التي ترفض عودتهم بشدة.

كان على تركيا أن تستغل الفرصة وتحسن الفرز وعزل “جبهة النصرة” ومن يلف لفها, فقد إنفرد أردوغان بعملية الفرز وتبخرت أحلام السعودية في الحفاظ على حدٍ أدنى من أوراقها عبر من بقي بأمرتها من المجموعات الإرهابية في إدلب , فبدأت المواجهات وحرب التصفية والإغتيالات والمفخخات , وبدأت تركيا بفضل سيطرتها وقواتها النظامية وعملائها من “الجيش الحر” على الأرض , بتجييش الأهالي ضد الدور السعودي الممثل بهيئة التفاوض , وعملت على إخراج الأهالي في مظاهرات ضدها تحت شعارات “هيئة التفاوض لا تمثلنا”, بما يصب بطبيعة الحال في صالح ما يسمى الإئتلاف المعارض المدعوم والمسيطر عليه من تركيا بالمطلق …

على المقلب السعودي الداخلي… فقد أرهقت أموال الحماية التي يطلبها الرئيس ترامب وأرقت مضجع الملك السعودي وولي عهده، خصوصا ً وأنه بدأ يتصرف ويتحدث عنهم بطريقة مهينة للغاية، وكان على جمال أن يدفع كغيره من السعوديين اللذين جمعوا ثرواتهم من العمل تحت راية المملكة وسيفها، لسنوات امتدت من أفغانستان إلى سورية، ومع هزيمة الدور السعودي ميدانيا ً, وضعضعته سياسيا ً… كان لابد من تأخير تقدم دور تركيا والضغط عليها أو توريطها وإبتزازها , فكانت خطة وفضيحة إختفاء مواطن سعودي على الأراضي التركية , مقابل دورٍ سعودي جديد في إدلب، لكن الصحفي خان سيده وأبلغ الأتراك – كي لا يدفع – فشجعوه على عدم العودة إلى السعودية ووعدوا بحمايته واستغلوا العملية لصالحهم ، وأعلنوا عن طريق حرسه الشخصي السيدة “خديجة”, أنه اختطف ودخل ولم يخرج ,على الرغم من يقينهم أن السعوديون اقتادوه الى السعودية بمساعدة إسرائيلية … ووسط عاصفة الميديا والإتهامات المباشرة لولي العهد, يزداد وقع الهمهمات التي تتحدث عن إمكانية سحب بيعة ولي العهد وتكليف اّخر .. لقد أجاد أردوغان صفع الدور السعودي وولي العهد… فيما اعتبر وزير الداخلية السعودي في موقف متأخر وضعيف أن كل ما يتداوله الإعلام هو أكاذيب لا أساس لها من الصحة.

على المقلب الإسرائيلي … فقد صمت الكيان الإسرائيلي ولم يتدخل -علنا ً- في قصة الإختفاء , لكنه يبقى صاحب المصلحة الكبرى في دعم حليفه السعودي ,الذي بدا وحيدا ً وضعيفا ً في مواجهة الماكينات الإعلامية والروايات المقززة والتهديدات وضياع كافة الجهود والملايين التي سُخرت لأجل تحسين سمعة المملكة , وكيف له ألاّ يدعم ولي العهد وهو الصديق الحميم لصهر الرئيس الأمريكي ومستشاره جارند كوشنر , الذي بذل الجهود المستحيلة ليبني تلك العلاقات المتينة مع المملكة والتي تصب مباشرة ً في صنع “المجد” اليهودي عبر نقل السفارة وكل ما يتعلق بصفقة القرن ومشروع نيوم وغزة الكبرى وعشرات الصفقات مع السيسي والفلسطينيون…. ولا بد للإسرائيليين من منع أي إهتزازٍ لعلاقة السعودية بالولايات المتحدة، الأمر الذي سيحد من نفوذها في المنطقة وينعكس على قدرتها في تأسيس خط الدفاع الأول عن “دولة إسرائيل”، وخط الهجوم الأول على إيران ، إذ يقول ليبرمان: “من أولوياتنا وجود حكومة سعودية بمكانة هامة في واشنطن”، بإختصار فإن كوشنر يضع رهانه على ولي العهد السعودي … وعليه، يبدو أن الموساد الإسرائيلي اكتفى بتفيذ العملية بشكل نظيف، ونقل الصحفي موجودا ًوحيا ً إلى ابن سلمان … فقد ورد في روايات الضخ الإعلامي أنه هناك من تحدث عن دولتين متورطتين، ساهمتا بنقل الخاشقجي إلى السعودية.

على المقلب التركي… يحاول أردوغان أن يبدو مرتاحا ً, أنه ويسير بخطى ثابتة و”يفي” بوعوده التي قدمها للروس بإفراغ المنطقة العازلة من الإرهابيين, ويتجه نحو إلزام موسكو بتفسيره للمنطقة العازلة , والمناطق التي والبلدات والمدن التي سيبقى مسيطرا ً عليها لحين الانتخابات السورية كما قال , وأنه يبحث عن حل مع الشعب السوري وليس مع الدولة السورية , وأنه يصحح الأخطاء وسيعيد الأرض لأصحابها الأصليين , وعشرات التصاريح والمواقف التي تعكس خداعه وتدخله السافر في الشؤون السورية, بما قد يتسبب بمواجهة مباشرة مع القوات السورية التي لطالما عبر القادة السوريون على عدم شرعية التواجد التركي على الأراضي السورية واعتبروه إحتلالا ً, وسط تصريحٍ صريح ووعد الرئيس الأسد ب” تحرير كل شبر” , إذ يأمل أردوغان بجلب مرتزقته وكل ما افتعله وأقامه من كيانات بشرية أو أبنية بيتونية أو خدمية على أنها مؤسسات الدولة السورية “النظيرة” ليشرعنها عبر العملية السلمية , وإقحام عملائه ومرتزقته من الإخوان المسلمين في السلطة , يبدو أن أردوغان يعيش في عالم السلاطين البعيد عن الواقع , ولا يرى هزائمه وتقدم الدولة السورية, ولا زال يصرخ ويتوعد بالقضاء على وحدات الحماية الكردية في منبج وفي شرق الفرات.

لقد ورط نفسه بمشاكل مع ترامب بما انعكس على الليرة والاقتصاد التركي، اضطر للسير في المسلك السلمي الإجباري أمام الروس والإيرانيون في سورية، وتأكد أنه بعيدا ًعن الرئيس ترامب لن يستطيع إنقاذ نفسه وحلمه في سورية، فشارك في قصة الخوشقجي ولعب لعبته، وصفع السعودية، وقدم لترامب هدية الإفراج عن القس اّندرو قبيل الانتخابات النصفية والتي ستضمن له الفوز بولاية رئاسية ثانية، مقابل عودة العلاقات مع واشنطن بما يسمح له بالعربدة والمشاكسة ثانية ً مع الروس ….

على المقلب الأمريكي … ظهرت إدارة الرئيس ترامب واحدة من أكثر اللاعبين هدوءا ً، لم لا وهي تضبط إيقاع اللعبة منذ لحظتها الأولى، وسارت بها إلى منتصف الطريق وتوقفت عند حدود جني المحاصيل السعودية والتركية على حدٍ سواء، لكنها لن تسمح للعبة أن تتقدم أكثر من ذلك لحماية إسرائيل ومصالح بلاده، إذ يقول ترامب أنه: “لا يؤيد وقف مبيعات الأسلحة للسعودية بفضل قصة الخاشقجي، (ويتساءل) هل يتوجب علينا وقف صفقة ب 110 مليار دولار مع بلد لديه أربع أو خمس بدائل …هذا لن يكون مقبولاً بالنسبة لي”

على المقلب الروسي … فقد لاحظ الجميع أن روسيا لم تبدي أي اهتمامٍ حيال قضية اختفاء الخاشقجي وكانت آخر المتحدثين عنها, فالدولة الروسية تسيطر سياسيا” وعسكريا” على دور ونفوذ كلا” من السعودية وتركيا في ادلب وفي الملف السوري اجمالا”، واما الإبتزاز والحلابة الأمريكية فهو شأن لا تتدخل فيه الدول نظيفة اليد كروسيا… وما يعنيها في الموضوع , تجنب الإصطدام الدولي المباشر الثنائي بين سورية وتركيا , أو المتعدد إقليميا ًوعالميا ً, وعليه تأتي زيارة جون بولتون إلى موسكو الإسبوع القادم , والدعوة التي وجهتها الخارجية الروسية لوفد هيئة التفاوض لزيارة موسكو , في محاولة تقليل اّثار العربدة التي قام بها السعوديون والأتراك والأمريكان في قصة الخاشقجي.

على المقلب السوري … تبدو الدولة السورية الأكثر ثقة ً بخطواتها وبانتصارها, فالرئيس القائد بشار الأسد يتكئ على ثمار البطولة والتضحيات والصمود الإسطوري للدولة والجيش والشعب, بعدما اجتهد بهدوء وصمت واستحوذ على كافة حبال اللعبة, فالأكراد لا يجرؤون على الذهاب بعيدا ً في المخطط الإنفصالي, والأتراك رأوا كيف لسورية أن تستميل السعودية وفريقها العربي, وكيف لها أن تستميل أو أن تستعدي التركي نفسه… أعتقد أن سورية اليوم عادت بقوة لتكون مركز السلام أو مركز القرار لحروب استقلالها محليا ً أو إقليميا ً أو دوليا ً , ويمكننا التمييز بوضوح بين الغباء السعودي الذي يعتقد أنه قادر على وضع دستور الجمهورية العربية السورية المنتصرة, وجنون العظمة والأحلام التركية التي عادت بأردوغان إلى ملعب الحمدانية بحلب يوم رفض الأسد طلبه بمنح الإخوان المسلمين شرعية وجودهم في الحياة السياسية في سورية , مع فارق أنه وبعد سبع سنوات يدير هزيمته ولا يدير نصره .. كان عليه أن يتابع وثائقي الميادين “الرجل الذي لم يوقع” ليدرك أن هذا الشبل من ذاك الأسد.

أما ترامب والذي أثبت أنه يحكم بالمصالح وليس بالقيم أو بالعواطف، فقد يبيع بلحظةٍ كافة حلفائه، ويفي بما وعد به مرارا ً وتكرارا ًحيال انحسابه من سورية، وأن الرئيس الأسد شريك معتمد في محاربة الإرهاب ليخرج أمام العالم الرجل الأمريكي البطل الذي حارب إرهاب “داعش” وانتصر عليه… فالواقعية والإدراك الأمريكي العميق لقدرة سورية على إنهاء تواجد القوات اللاشرعية على أراضيها هو مسألة وقت ليس إلاّ، ويعلم ترامب أن الأسد اليوم قادرٌ على إتخاذ القرار، بعدما عمل على إعادة بناء معادلات الردع والتوازن الجديدة، ولا زلت شخصيا ً أعتقد أن الحوار السوري – الأمريكي المباشر قادم لا محالة.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.